Skip to main content

Full text of "0133 Pdf Z كتاب الآن .. هنا جوزف سماحة"

See other formats




الآن... هنا 


8 
تحية من 1 . . زايا 
إلى "القلم الأذخضر" 


الان... هنا 


= 


طلال سلمان 


تددر 
حسام عيتاني 
(مختاراف من افنتادیاتہ في زیی غير ( 


© 


. الدار العربية للعلوم  ناشزولاء‎ 
Arab Scientifle Publishers, Inc.su 


نع تسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأي وسيلة 
تصويرية أو الكترونية أو ميكانيكية .عا فيه التسحيل الفوتوغراقي 
والتسجيل على أشرطة أو اقراص مقروءة أو أي وسيلة نشر أخرى 
بما فيها حفظ المعلومات» واسترجاعها دون إذن خخطي من الناشر 


الطبعة الأولى 
8 ه - 2007 م 


ردمك 978-9953-87-145-5 


7 
الدار العربية, للعلوو ‏ تاشرو عبد 
Arab Sdlerrtiflc Publishers, Inc. uu.‏ 
عين التينةء شار ع المفتي توفيق خالد» بناية الريم 
هاتف: 786233 - 785108 - 785107 )961-1(١‏ 
ص .ب: 13-5574 شوران - بيروت 1102-2050 - لبنان 


فلكس: 786230 (961-1) - البريد الإلكتروني: 15.مرمه.«ممزع)جقة 
الموقع على شبكة الإتترنت: http://w ww.asp.co0m. |b‏ 


إن الآراء الواردة في هذا الكتاب لا تعير بالضرورة عن رأي الحار السريية للعلوم - لاشوون م مل 


تحية لا مقدمة TL MI SE O‏ 
إلى جوزف وقرائه EE‏ 
لبنان Llc SSO es‏ 
فلسطين 00000000 
غزو للعراق وحال العرب DIS SS‏ 
أميركا والمحافظون الجدد و ا 
هذا للعالم ا 1:00 


تحية لا مقدمة 


كقت "القلم الأحضر" كثيراء وكان كلما زاد من عطائه ازدادت كلماته 
توهجاً بقراءاته واجتهاداته في حاولة فهم الواقع ومن ثم التحريض على تغييره 
بمواكبة دؤوبة لحركة الفكر والتغيير في العالم. 

كتب حوزف سماحة في الشؤون الحلية والعربية والدولية» ورصد - بشكل 
حاص - التحولات ال هزت الكون في العقدين الماضبين مع سقوط الاتحاد السوفياي 
بتجربة هائلة الغى» واليَ رأى فيها حصوم الفكر التقدمي والحلم الإنساني بغد أفضل 
فرصة للقضاء على أمل الشعوب: بالتحرر والديمقراطية وا لخيز مع الكرامة. 

وكتب جوزف سماحة» وهو العربي الانتماء التقدمي التفكير» محللا أسباب 
الحزائم العربية ومسبباقاء وأخطرها فلسطين» حرضاً على المقاومة والصمود في وحه 
محاولات الميمنة الأميركية - الإسرائيلية على الإرادة العربية. 

كنلك فإن هذا الجتهد الذي قرأ أكثر بما كتب كان بين أوائل من ننه إلى 
خط ورة المغامرات السياسية والعسكرية الي قد يدفع إليها الحافظون الجدد الإدارة 
الأميركية في واشنطن» وال ستشهد منطقتنا المتهالكة أوضاعها بعض أعنف عملياتها الي 
تمدف إلى تغيير مسار التاريخ ولو بإعادة تقسيم الجحغرافيا وشطب الهوية الأصلية لأهلها. 

هذا الكتاب الذي أعد على عحل ليس أكثر من تحية من "السفير" في عيدها 
الرابع والثلاثين» إلى حوزف سماحة الذي أعطاها وأعطته على امتداد ما يزيد عن 
عقدين من عمره وعمرها. 

ولأنه تحية» وقد أعد على عحلء فلم يتضمن إلا مختارات بما كتبه في 
السنوات الخمس الأخيرة من موقعه في رئاسة تحريرها. 

ها تحية للقلم الأخضر ولقرائه الكثر في العيد الذي كان عيده والذي سيظل 
امه مرتبطا به ارتباطه بالموسسة الي أطل منها على العالم فأعطى أكثر مما أحذ ثم 
غادرنا بلا وداع. 

طلال سلمان 


إلى جوزف وقرائه 


اردنا هذا الكتاب, في المقام الاول» توجيه التحية الى جوزف سماحة» الصديق 
والزميل والاستاذء بعد غيابه المفاحئ. ` 

لكننا أردنا ايضا ان ننشر عدواه. عدوى ذلك الشغف المائل بالصحافة» قراءة 
وكتابة ومتابعة يومية حن أدق التفاصيل. عدوى تلك القدرة المذهلة على استنياط 
الاقناع حي عندما يبدو ان اصحاب الموقف أنفسهم قد خانتهم القدرة وحذهم 
التوفيق في إظهار حجحهم وبيناهم. 
هذه ميزات معروفة في حوزف سماحة بل مسلم بماء ولعلها تظهر يحلاء قي 







معالجاته الصحافية بين العامين المذكورين ة 


في "السفير” أزمة خطيرة» وفلسطين الي التهبت ارضها بغضب الانتفاضة الثانية 
والعراق عندما كان يتعرض للحصار ومن ثم للغزو الامي ركي. 

واحتلت آلية صنع القرار في الولايات المتحدة وخحصوصا صعود الحافظين 
الجدد الى مواقع السلطة مع وصول الرئيس حورج بوش الى البيت الابيض» موقعا 
متقدما في متابعات سماحة الذي قد يكون كتب بعض افضل التقييمات للخلفيات 
الفكرية والسياسية الي تحدر منها بناة السياسة الاميركية في الحقبة الحالية» 
وخخصوصا لناحية تأثيرها على أوضاع منطقتنا والصراع العربي الاسرائيلي. غير ان 
الاهتمام هذا لم يحل دون استمراره في رصد الظواهر المستحدة او المتحددة على 
الساحة الدولية. 


10 الآن... هنا 


هذا المعئنء يكون سماحة هو الصحافي الاقرب الى شمول المعرفة وحصافة 
الرأي بين نظرائه العرب. وهو جزء من ضمير كان تقدم لبنان وعروبته وحرية 
فلسطين والعرب» ع رکه ومصدر أرقه وابداعه. 

وهذا حزء قليل مما نعتقد ان حوزف يستحق عليه هذه التحية المتواضعة في 
ذكرى تأسسيس جريدة "السفير" الي قدم» ولأعوام طويلة صورة مشرقة عنهاء 
وكان احد اركانها. 


حسام عيقان 


لبنان 


تعويذة 11 أيلول «الملبننة» 


لا شيء مثل أحداث دولية كبرى» بححم ما بعد 11 أيلولء يكشف هزال 
الحياة السياسية اللبنانية. فعندما «تلبنن» ما حرى جمع ما بين ادعاء المعرفة وبين 
التصرف انطلاقا ما كنا عليه عشية الحدث. 

ادعاء المعرفة يظهر جلياً في أن عندناء في لبنانء ودون سائر الكرة 
الأرضية؛ من يزعم امتلاك تقديرات دقيقة لما ستكون عليه أحوال العالم. وفي 
حين ينصرف الكثيرون, في الخارج» إلى طرح الأسئلة وتلمس الأجوبة الأولية» 
يتصرف الكثيرون» في لبنان» مسترشدين بالجواب الوحيد» المسبق» عن أسئلة لا 
يطرحوها. 

من كان بريد» أصلاًء أن يعدل لي سياسته يقل لك إنه يتحاوب مع الزلزال 
العالمي. ومن كان يعتير أن وجوده في المعارضة وصمة يصرخ أن الرسالة التعايشية 
اللبنانية لن تصل إلى العام إلا إذا أدخل» وخخطابه؛ حنة السلطة. ومن كان يملك 
ميلا إلى التشدد الأمئي يوشر على ما حصل في أمبركا والغرب فيحول الولايات 
المتحدة اللكروهة: إلى القدوة الي يتوحب تقليدها. ومن كان يود زيادة 
«الانفتاح» الاقتصادي أصبح يوده أكثر بعد 11 أيلول. ويصعب أن تحد في لبنان 
طرفاً سياسياً واحدا لا يفاخرء باسم ضرورة تعديل السياسات, بأن التطورات 
أثبتت صحة تحليلانه. إن لبنان السياسي في 12 أيلول هو نفسه ما قبل 11 أيلول. 
والفارق الوحيدء رعاء هو أن كل طرف يطالب الآحرين بتغيير سياساتهم تدليلاً 
على استيعاهم ما حرى. وتشاء «الصدفة» وحدها أن يكون عنوان هذه المطالبة 
هو: تبنوا مواقفي المعروفة منذ ما قبل 11 أيلول لتيرهنوا أنكم أد ركتم ححم 
التحول! 

برزت لتفحيرات نيويورك وواشنطن وللحرب على أفغانستان نتيحتان 
لبنانيتان: التشدد في طلب الرقابة المصرفية على ودائع مشبوهةء وإيراد اسم حزب 
الله في اللائحة الأميركية الثالثة. 

13 


4 الآن... هنا 


ويمكن القول» من دون ميالغة» إن ثمة توافقات لبنانية حدية حول المواقف 
المطلوب اتخاذها في هاتين القضيتين. إن أنصار رفع السرية المصرفية خفت صوق 
ومالوا إلى التيار العام الموافق على تدابير محدودة وملموسة بحتب لبنان ضغطا 
مركسزاً. ولم ترتفع أصوات تتكئ على المواقف الأميركية الأخيرة من أجل عرض 
المخدمات على واشنطن. لا «تحالف شال» أفغانيا في لبنان» ولا نسخة رديئة عنه 
مثل «الموثمر الوطي العراقي». 

لا يعي ذلك أن التمايزات اختفت. ولا يعن أن المعارضة زالت للخيارات 
الاسسترانيجية ال أعاد الرئيس إميل لحود التذكير ها في خطابه الاستقلالي. ولكن 
لا بد من الاعتراف بأن التوافقات قابلة لأن يبن فوقهاء وقابلة بالتالي» لأن تقود إلى 
انفراحات لا ضرورة معها لأي تشدد أمئئ يتجاوز التنبه إلى أننا نعيش في منطقة 
مضطربة في عالم يشهد اضطراباً. 

من المبكر الحديث عن آثار لبنانية لما بعد 11 أيلول غير ما سبقت الإشارة 
إليه. ورما كان الأحدى التوقف عند آثار حانية هي تلك الي سخيرها عودة 
الاهتمام الأميركي بشؤون التسوية. ولعل بعض التشدد الأميركي مع لبنان مرده أن 
نرعاً معيناً من التداخل مع ما يجري في فلسطين لا يعحب واشنطن. وسيكون هذا 
الموضوع مطروحاً بالحاح في الأسابيع المقبلة» لا بل في الأيام المقبلة. 

غير أن هذا الأمر» في شقه اللبناني السوري» كما في شقه اللبناني الفلسطين» 
كان مُثارا في السابق. والجديد فيه أنه مُثار, هذه الأيام» بطريقة جدية أكثر. وسيتضح 
ذلك مع وصول «العائدين من أفغانستان» وليام ببرنز وأنطوني زين إلى المنطقة. 

یاد يكون معروفا ما سيقوله الان ويكاد يكون معروفا ما سيسمعانه 

من المسسؤولين اللبنانين والسوريين. ويكاد يكون معروفاً ما سيقوله معارضون 
تعليقاً على الأجوبة الرسمية. لن نسمع جديداً ذا صلة حواقف تبلورت في ما بعد 11 
أيلول. رعا كان رد فعل وليد جنبلاط لافتا. ولكن» هنا أيضاء يكفي أن نراحع ما 
قاله الرحل في 10 أيلول حي نكتشف أن لا جديد فعلا. 

إن ما بعد 11 أيلول تعويذة لبنانية بامتياز: حاضرة بقوة ولكنها لا تقول شيعا 
ولا تفعل شيكا. 

2000101103 


الان هنا 
«الخلوي» يستحق خلافاً 


يمكنء بسهولة» الوقوع في فخ «شعبوية» تريد التشهير بالطبقة السياسية 
اللبنانية في ضوء ما يجري في فلسطين. يقالء في هذه الحال» ان حكام لبنان 
يخوضون في صراعات «خلوية» بينما اسرائيل هدد استقرار المنطقة» ويينما تستعد 
الولايات المتحدة لاعادة رسم التوازنات فيها عبر ضرب العراق. وفيٍ حين يبدو 
المصير الوطين اللبناني مرتبطاً بقوة ما يحري في فلسطين وسيحري في العراق» يتلهّى 
المسؤولون لي بيروت» حسب وجهة النظر هذه موامش لا قيمة لها. 

يستحسن عدم الوقوع في هذا الفخ. فموضوع الخلوي» في لبنان» واليوم؛ 
موضوع شديد الاهمية. 

له علاقةء اولأ» بفكرة ما عن ممارسة السلطة. فنحن أمام حالة نموذجية من 
حالات نزاع المصالح. في مثلها يستقيل القاضي أو تُعتير العدالة مطعونة فيها. لا 
يعقل» في بلد يحترم نفسه» تقل نزاع مصالح من هذا النوع» فكيف بالقفز اليه 
قفزاً. وحن لو اعتيرنا ان المسؤولين لدينا ملائكة من نوع خخاص» وح لو اعتيرنا 
انهم يكدّون احتقارا استنائياً لحصصهم في كل ما له علاقة بالدولة» وحن لو 
استنتجنا من تحربة ماضية معهم انهم فوق كل الشبهات» فإن ما حرى ويجري 
استفزاز لألف باء المسؤولية في إدارة الشأن العام. ليس في الأمر تهمة لأحد, لا لمن 
هو موجود في القطاع ولا لمن يسعى» كما يقال الى التواحد فيه. وليس في الأمر 
تشهيرا. الموضوع؛ ببساطة» هو انه ممنوع بالمطلق الوصول الى وضع من هذا النوع. 
ومن يرتض هذا الوضع فليس جديرا بأن يتحكم .عصائر مواطنين يُفترض» من 
حيث المبدأء انهم يدفعون راتبه. 

ثم إن لموضوع الخلوي علاقة مممارسة الرقابة. فلقد ابدى وزير سابق اسفه 
لان القضية انتقلت الى وسائل الاعلام. وإذا كان من اسف فهو على هذا الاسف 
أولا. ثانياء كان يجب على الوزير المشار اليه ان يوحه انتقادات عنيفة الى وسائل 

15 


16 الآن... هنا 


الاعلام جميعاً ال لا زالت تمارس قدرا من الرقابة الذاتية يجعلها تعفَ عن نشر كل 
ما تعرفه. هذا في ما يخص الاعلام. ولكن الرقابة تتجاوز ذلك الى هيئات امتمع 
كلها. فليس هناك من بمارس ضغطاً من احل شفافية اكير وقلائل هم من يحاسبون 
شركات الخلوي على اسعارها وخدماها وتقدكاهَا للخزينة» ولا تبدو الحشرية 
كبيرة في متابعة الاتصالات مع رساميل اجنبية قد تكون متحمسة للمشاركة» ولا 
يوجد تطلب كبير لنشر تقارير وضعتها هيئات تتناول تقدم التعويضات وعناصر 
دفتر الشروط. 

ثم ان للموضوع علاقة مهمة حدا بالعحوزات ال تعاني منها المالية العامة 
والسبل المعتمدة من احل معالجتها. يقال لنا ان الاموال الناجمة عن نقل ملكية 
الشركتين؛ أو نقل ادارهماء او استخدام العائدات في حساب خاص» ان كل ذلك 
محكوم بم واحد هو إطفاء جزء من الدين من احل خحفض الفوائد فالعحز لي 
الميزانية» عل ذلك يودي الى تراجع الفوائد وتشجيع العملية الاقتصادية. ان الازمة 
الي نعيشها جعلت البعض يوافق على شر لا بد منه هو كناية عن بيع موجودات 
عامة لاستخدام الموارد في معالحة المديونية لا في اطلاق عصلة التنمية. ولذلك فإن 
ما تحبيه الدولة» وما قد تحصل عليه» والتأكد مما اذا كان ان هذا کله 
في غاية الاهمية ويستحق ان يختلف المسوولون في شأنه» كما يستحق اللبنانيون ان 
يعرفوا الاكثر عنه وان يحظوا بنقاش على مستوى الأزمة الي يعيشوفها والتي تكاد 

ليس لي امكان موظف في القطاع العام» جى لو كان كسولاء ان يعيش 
يوميا في موقع المتهم بانه سبب الكوارث الالية كلهاء وانه رمز الفساد كله 
وان راتبه مصدر العحز» وان مصيره هو التعاقد بدل طمأنينة العمل. ليس في 
امكانه ذلك وهو يتابع هذا التراشق الذي تساوي كل عبارة فيه ملايين 
الدولارات. 

واخسيراء ان للموضوع علاقة بقضية الخصخصة كلها. ان هذه التعويذة 
المكتشفة في العقدين الاحيرين في العالم» وفي لبنان قبل سنوات» استثارت أدبا 
كثيرا. هناك من حوّها الى ايديولوجيا جديدة. وهناك من يعارضها من موقع 


لبنان 17 


ايديولوجي. ويجب الاعتراف بأنه» في لبنان» ثمة تحال للحديث عن مزاج عام لا 
يعارضها او بات ميالا الى عدم معارضتها. ان السبب المباشر في ذلك ليس طلب 
المؤسسات الخارحية ولا الحاح صندوق النقد. ان السبب هو تشكيك المواطنين في 
القطاع العام» ولي كفاءته» وتحوله الى مزرعة يتقاسمها النافذون. 

إلا ان ما يجري في لبنان وما حرى في بلدان كثيرة تعرّضت لهذه الظاهرة 
هو احتياح لقطاع خاص فاسد للملكية العامة وذلك عبر الصلة .معواقع في 
السلطة فاسدة هي الاخرى. لا نكون والحالة هذه امام حصخصة يمكنها ان تحل 
مشكلة. نكون امام مشكلة جديدة تعري الدولة وتضعفها. ويمكن ان نضيف» 
في ظل الخصوصية اللبنانية» ان إضعاف الدولة ضرب لحيز عام لا تستفيد منه الا 
القوى النافذة الي تمدد الاقتصاد طبعاً وتمدد» فوق ذلك واهم منه» النسيج 
الوطين كله. 

يقال ان وساطات تحري لطي الخلافات في حين ان المطلوب ضغوطات من 
احل بلورة هذه الخلافات في سياقات واضحة ومفهومة تطالب المواطنين بالانحياز 
الى واحد منهاء وتستقوي بالرأي العام» وتوضح له ان التباينات ليست مجرد عدم 
تناغم في الامزجة. 

2002| 110 


التأزّم اللبناني في إطاره الإقليمي 


لبنان مرشح إلى قدر من التأزم السياسي. نستطيع رؤية النذائر بسهولة. ليس 
هوالتازم الخاص بعلاقات الرؤساء. ولا ذلك المرتبط بالسياسات الاقتصادية 
والاحتماعية. ولا بقضايا التعيينات. هذه كلها ستتراحع ليتقدم ما له علاقة ب 
«انفتاح» البلد على التحاذبات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط. 

تكمن» في خلفية هذا التأزم» قراءتان تيسيطيتان للعلاقة السورية الأميركية. 
فمن قائل إا في حالة سيئة جدا ولذلك لا بد من رص الصفوف. ومن قائل إا 
في حالة جيدة جداً ولذلك لا بأس من المضي في المطالبة بتوازن لبناني سوري لا 
عكن تفسيرها بأها استقواء بواشنطن على دمشق. ثمة تلاوين أحرى وقراءات أكثر 
تعقيدا ولكنها تندرجء بشكل عام في هاتين المدرستين. 

إن الرئيس الأميركي حورج بوش (شخصيا!) هو أفضل مساحل مع 
التصورين المشار اليهما. «إن إدارة علاقاتنا المعقدة مع سوريا»» يقول» «تتطلب 
استخداما دقيقا ومدروسا لجميع الخيارات المتوافرة لنا الخدمة المصالح الأميركية». 
جاء هذا التوصيف للعلاقات بأها «معقدة» في رسالة من بوش إلى أحد النواب 
الأمي ركبين» روبرت ويكسلر العاملين على تمرير «قانون محاسبة سوريا». يقول 
الرئيس الاميركي إن خلافات بلاده مع سوريا «جدية» وما «قد تكبّدها أي 
سوريا أكلانا حقيقية». ويعبّر عن القلق من الصلات الاقتصادية المتنامية بين سوريا 
والعراق» ويعلن مواصلة «العمل على عدد من الخيارات لوقف هذا السلوك غير 
المقبول». غير أنه يعترض على فرض مزيد من العقوبات» حسب ما يطالب 
مشروع القانون» لأن ذلك «سوف يقلص من خياراتنا ويقيّد قدرتنا على التعامل 
مع الوضع الصعب والخطير قي المنطقة في هذه المرحلة الحرحة». 

لم ينجح بوش في تأجيل البحث بقانون محاسبة سوريا. ولكن لما انعقدت 
الجلسة. 12 ايلول» تغيب عنها مندوب الادارة ديفيد ساترفيلد بداعي المرض. لم 
يلاحظ لبنانيون سوى ان الجلسة التأامت» وأن تصويتا حصل» وأن هجوما عنيفا 

18 


لبنان 19 


شه دعاة المشروع على سوريا. لقد فام أمران. الأول هو أن مهاجمي دمشق لم 
يكونوا شديدي الاهتمام ب «السيادة اللبنانية» وإنما بالأمن الإسرائيلي حصرا. 
ومن لا يصدق عليه مراحعة الخطابات. الثاني هو ان المداخلة الأهم, بالمطلق» هي 
تلك الي ألقيت باسم ساترفيلد» وهي أهم لأا التعبير الأدق عن السياسة الأميركية 
الفعلية في الأمد المنظور. 

لقد طور ساترفيلد ما جاء في رسالة رئيسه إلى ويكسلر. أعلن الموافقة الكاملة 
للادارة على الأهداف الموجودة في القانون. وقال إن بوش شديد الاهتمام بالتحارة 
السورية غير المشروعة مع العراق» وبانتشار أسلحة الدمار الشامل؛ وبدعم 
الإرهاب» وبلبنان حال من القوات السورية. وأوضح أن ثمة عقوبات مفروضة» 
الآنء على دمشق. 

غير انه تساءل عما يخدم» في هذه اللحظة»ء المصالح الواسعة لاميركا في المنطقة 
وأمن الصديق الإسرائيلي. واعتبر ان افضل فج هر ذلك الذي يدمج الحوافز مع 
غبرها خحاصة «إذا نظرنا إلى خياراتنا حيال العراق». ومر على التعاون في مطاردة 
«القاعدة» ليصل الى خلاصة تقول: «ليس هذا الوقت المناسب لبادرات تشريعية 
قد تعقد أو تنسف جهودنا». 

ما يمكن استنتاحه من كلام الرئيس والموظف هو ان العلاقات بين البلدين 
من وجهة نظر واشنطنء مأزومة الى حد ماء ومعقدة بالتأكيد» ولكنها ضرورية 
في هذا الوقت» وقابلة للانتكاس في المستقبل. ويمكن, لمن يحسن القراءةء ان 
يستنتج ان الموضوع السوري» واللبناتي استطراداء لن يرفع الى رأس جحدول 
الاولويات قبل حسم ما يسبقه في هذا البجال: العراق بشكل أساسي. وعكن» 
وأيضا لمن يحسن القراءة» ان يستنتج من خطاب فاروق الشرع في الأمم المتحدة 
أن الميزان يميل نحو المواحهة. فهذا الخطاب قيل بعد خطاب بوش» وخاصة بعد 
أن تبينت آثار الخطاب الامير كي على مواقف دولية وعربية تحولت في حين بقي 
موقف دمشق على حاله. 

يصح القولء والحالة هذه» ان التوتر سيتصاعد في علاقات الطرفين وأن لبنان 
يمكنه ان يكون عنوانا اساسيا من عتاوين المرحلة ما بعد العراقية. 


20 الآن... هنا 


إذا كان ما تقدم صحيحا وهوء على الارحح صحيح» يصبح ممكنا فهم 
التشدد الذي تظهره السلطة اللبنانية تحاه معارضة تضع نفسها في موقع واضح الى 
حانب الأميركيين او في موقع ملتبس. أي ان الحكم اللبناني» يطبق» سياسيا نظرية 
بوش في «الضربة الاستباقية». فهذا الحكم يلاحظ» عن حق الى حد بعيدء ان ثمة 
قوى لينانية تراهن علنا على الخراب الاقليمي الذي ستقوده الولايات المتحدة 
(وإسرائيل في فلسطين) من أحل الاعلاء من شأن مشروعه (ميشال عون هو 
النموذج). وثمة قوى أخرى تضع نفسها في موقع من يقدر على الاستفادة لاحقا 
من هفا الخراب من دون ان تمضي بعيدا في التورط العلئ الراهن لأا ملدوغة 
سابقا. ويتقصّد بعض من في الحكم غض النظر عن التباينات في هذه الجبهة وإلقاء 
الشبهة على سلوكيات تحاول العقلنة وشق الطريق نحو «خط آخر» (نسيب لحود) 
وذلك تصفية لحسابات قد لا تكون موصولة بمموم المواحهات الكيرى. 

واللافت في هذه «الضربة السياسية الاستباقية» انها تقوم على تقدير دقيق 
لموازين القوى الراهنة» وفي المقابل يعيش الذين يتلقون الضربة أوهاما تكاد تكون 
مضحكة. يعبر عن هذه الاوهام ان نائبا يهدد بالاستقالة ف حين انه» في العمق» 
مهدد بالمثول أمام محكمة بتهمة الخيانة العظمى! والمنطق الضمي لهذه «الضربة 
الاستباقية» هو ان التحالف السوري اللبناني قد يكون ضعيفا في المرحلة ما بعد 
العراقية لذا فإنه يريد استخدام الوقت الضائع من أجل ايصال خصومه إلى تلك 
اللحظة وهم اشد ضعفا. 

لذا قإن الوسائل كلها تستخدم: من «أم.تي.في»» الى عدم التصريح عن ثروة» 
الى إعادة تركيب المشهد السياسي» الى تحريك استنابات» الى التلويح بقانون 
انتخاب كارني... 

ومن المقذر لحذه الوجهة ان تستمر وتعنف فارضة على اللبنانيين جميعا ان 
يكونوا في واحد من المعسكرين وعلى آلطريقة الي باتت سائدة في «المانوية» 
المشتركة بين بوش وبن لادن: من ليس معنا فهو ضدنا. 

أي «فسطاط» يخفتار من يدعو إلى صد المحمة الأميركية وتداعياتًَا 
الاقليمية واللبنانية ولكنه يعتير ان مة وسائل أخرى غير تلك المستخدمة؟ لا 


لبنان 21 
محال لكثير من الترف في لحظة الحقيقة هذه. وإذا كان هناك من هو واثق من 
درحة الدمار الي ستحدثها السياسة الأميركية في المنطقة ولبنان فما عليه إلا ان 
يكون في صف الخيار الاقليمي الاجمالي للحكم. وهو يستطيع» من أحل حماية 
نفسه أخلاقيا وسياسياء ان يبدي بعض الاشميزاز من سياسات يقال له إا تخدم 
أهدافا يوافق عليها۔ 

2202 6 


نصر الله... الفرنكوفوني 


استقبل الأمين العام لحزب الله القمة الفرنكوفونية يترحيب. حسن نصر الله 
فرنكوفوني؟ لقد استغرب البعض ذلك. والترحيبء إذا كان مفاجئاً» فهو مفاحئ 
بالعين الإيجابي للكلمة. لا يفعل سوى تأكيد أن هناك أصوليين أكثر تعقيداً بكثير 
ما يريد لحم حصومهم أن يكونواء ومن الصورة الي يقدمها أصوليون آخرون عن 
أنفسهم. 

أشاد نصر الله بالفرنكوفونية كرابطة ثقافية. كان في وسعه» حسب 
التبسيطات السائدة» اعتبارها غزوا ثقافياً يهدد الروابط الوحيدة الي يرفض 
الغلاة أن تشوبها شائبة. لم يصل إلى حد المحازفة بالحديث عن أن كل هوية هي» 
تعريفاء م ركبة. غير أنه تحاوز عتبة الحديث عن حوار الثقافات» عنوان المؤتمر 
مناحل أن بمارسه فعلاً. واما أنه استسهل الأمر الصعب فلم يعد واردا أن 
يتردد أمام الدعوة إلى تدعيم الفرنكوفونية لتحويلها الى رابطة سياسية. ولي 
الحالين كانت التعددية هدفا يحاول الدفاع عنه. وهذا الحدف. عدا مصاحته مع 
واقع الحال» يمثل منحى سحالياً مع أحادية ثقافية وسياسية (واستراتيجية) تسعى 
لأن تفرض نفسها ولأن ترغم كل متباين عنها على أن يعيش وكأنه على حافة 
الانقراض. 

وإذا كانت فرنسا هي القلب النابض للفرنكوفونية فإهاء في ممارستها 
السياسية» تبدو كمن يحاول الدفاع عن قدر من التعددية. لا داعي لبناء الأوهام 
في هذا المحال. ولكن لا بد من التسجيل أن باريس عندما تتصلب بعض الشيء» 
كما في مجلس الأمن هذه الأيام» فإهها تشجع أصواتاً على الارتفاع وترغم 
«انفراديي» الولايات المتحدة على إجراء حسابات تبدو لحم مهينة: استئذان 
الشرعية الدولية. 

إن دول عدم الانحياز هي اليّ فرضت النقاش العراقي في نيويورك. والمزاج 
العام في القمة الفرنكوفونية معارض للحموح الأميركي. وفرنساء في الموقعين» 

22 


لبنان 23 


عنصر فعال. وهو يصبح أكثر فعالية إذا وحد صدى لتمايزه. ولقد أراد نصر 
الله بحدود ما ومن عثلء الإيحاء بأن الصمم عن «الاستثناء» الفرنسي حطاً. 
وتصرف في ذلك كمن يدرك أن الثنائيةء في أسوأ الأحوال» هي شرط للتعددية 
وأنه ضروري التشبث بكل موقف مغاير من أحل توسيع ثغرة الخروج من 
الحصار. 

حضور نصر الله إلى بيال كررء عع ماء صورة الوزاني. لا بل يمكن القول إن 
النجاح (الوقت؟) في الوزاني لم يكن ممكنا لولا إدارة جيدة للعبة: الاحتماء 
بالقوانين الدوليةء استنفار الوحدة الوطنية الداخلية» توزيع العمل بين الدولة 
والمقاومة» اننهاز الظرف السياسي. ففي هذه اللعبة يتداحل السياسي .كوازين القوى 
العسكرية بالشروط الدولية والإقليمية» وهي أمور يصعب التقاطها على من يعحز 
عن فهم المغزى من الجلوس في الصف الأمامي يستمع إلى جاك شيراك يلقي 
كلمته. ولقد كان لافتا أن الرئيس الفرنسي أسقط الطلب الصريح بإرسال الحيش 
اللبناني الى الحدود. وهو مطلب لو كان تحقق لما كانت قضية الوزاني عرفت 
المسلك الذي سلكته. 

ثم إن حضور نصر الله موصول بتطورات تفاعلت منذ عدوان 96 وكان 
لفرنسا إسهام مباشر فيها. ففي ذلك الوقت كسر شيراك» عبر هيرفيه دو شاريت» 
الانفراد الأميركي. ومح في الدفع نحو «لحنة التفاهم» الي حيّدت المدنيين وأمكن 
القولء آنناكء إن العد العكسي للاحتلال بداً. لم يكن متبقياً سوى أن تكون 
المقاومة فعالة» وقد كانت» خاصة أنها متعت» بعد فترة» بتواصل من نوع جديد 
مع السلطة الرممية. 

كان صعباً لمن شاهد نصر الله حيث كان أمس ألا يتنبّه إلى أن الأصولية 
متعددة. 

فقبل أيام ارتأى البعض أن ضرب ناقلة نفط فرنسية في ميناء عدن هو عمل 
محبذ. وم يدر في خلده ان الخطوة بحانية» وعدمية. ولح يهتم بانعدام الصلة بين 
العملية وبين أي ترتيب للأولويات سواء في فلسطين أو العراق. وقبل أيام» أيضاء 
قال أحدهم إن المطلوب استهداف المصالح الألمانية علماً أن غيرهارد شرودرء 


4 الآن... هنا 


حاليا» يتحمل الكثير جراء اعتراضه على السياسة الأميركية. وتنتمي هذه الآراء الى 
التبسيط المشكو منه عند الأميركيين. لا بل تفوقه بؤساً لأنهاء ببساطةء لا تملك 
أدوات أفكارها ومشروعها ولا تفعل سوى زيادة العقبات في وجه الساعين, ما 
أمكنهم» إلى تعديل موازين القوى. 

إن حضور نصر الله إشارة تبرؤ من حادئة عدن ومن تبريراتها. لا بل إها 
رسالة تساحل ضد خلط الإرهاب بالمقاومة. فالحضور دليل قدرة على التمبيز 
بين ما يستوحب رفع الصوت تديداًء كما عشية تدشين الوزان» وما يفرض 
مد اليد حوارا. 

إن حضور نصر الله الجلسة الافتتاحية لقمة الفرنكوفونية هو عمل 
ديالكتيكي بامتياز. وليس مهما إذا رفض اعتبار التوصيف مدحاً... علماً أن 
هذا هو القصد منه. 

2021019 


معجم ل ... «عبادة الشيطان» 


إذا صدقنا الأقاويل فإن لبنان يشهد نوا مذهلاً ل... «حزب الشيطان». إنه 
تنظيم سريء ينتشر كالنار في الحشيم» يخترق الناطق والطوائف» يقيم طقوساً 
غرائبية» ويترك بصماته على حثث يتكائر اكتشافها. 

وفي حسين يكتشف الحقوقيون ثغرات قاتونية ي: التغاطي مع الظاهرة؛ وول 
التلفزيون تضخيمها بلا مسؤولية» يغيب المسؤولون الأمنيون ومعهم المعنيون» سياسياء 
بمخاطبة المواطنين. ويكاد المرء يعتقد أن هناك من هو مرتاح للذعر الجماعي الذي قد 
يبرّر مبالغات في تدابير الأمن» ويوفر ذرائع لممارسة الحيبة في غير محلها. 

إن الوقائع الي تسند الأقاويل هزيلة إلى أبعد حد. ولذلك فإن السوال الأول 
هو عن سر تلقف اللبنانيين للشائعة قبل أن يكون عن سر انصراف شبان قلائل إلى 
ممارسات خارجة عن المألوف. 

قبل العودة إلى هذا «السر» لا بد من القول إن الشبان المعنيين يعيشون مع 
أهلهم» ومنذ فترة» في عالم ملؤه صراعات الآلمة والشياطين. ويكفي لحم أن يمارسوا 
قليلاً من الاهتمام بالأخبار حن يقادواء رغماً عنهم؛ إلى «مانوية» يصعب الفكاك 
منها. 

تكائرت في التظاهرات والكاريكاتورات صررة الشيطان. مرة على شكل 
أسامة بن لادن. ومرة على شكل جورج بوش. ومرة على شكل صدام حسين. 
وتعددت عناوين الكتب عن «صدام الحضارات» (البُعد الديئ موكد)» و«فاية 
التاريخ»» و«فاية الإنسان»» و«فاية الإيديولوحيا» وذلك في ما لا اية له من 
كتابات ومساحلات عن أننا لا نعيش بل نستمر في البقاء. 

إن في الإمكان وضع معحم مصغر بالمصطلحات والتعابير التي تشكل الزاد 
اليومي الذي ننهل منه. هذه بعضها: 
« «الأحادية القطبية». يحيل هذا التوصيف للعالم إلى واقع استراتيحي. ولكن 

لشيس صبا أن نرى فيه أيضاً الإحالة الدينية إلى التوحيد.. وتتصرف الدولة 

25 


26 


الان... هنا 


المعنية هذا التعريف وكأفا قدر إلهي. فهي تملك أن تكافئ أو تعاقب. وهي 
ترتد على «مخلوقاتها» فتدمرها. وتحدد مواعيد الأحل لخصومها. وتهزأ من 
القدرة البشرية على مقاومتها ولو تحسّدت في عشرات ملايين المتظاهرين. ثم 
أفها مرجودة في كل مكان وفي كل لحظة. تراقب الكون وتفاصيله» وتستمع 
إلى الممسات» وتتدحل عبت ريد وعدت عن مهمة تنتدب نفسها لا 
ليست أقل من إعادة صياغة حياة البشر جميعا وذلك في وقت يعيش الناس» في 
جال آخرء مخاوف الاستنساخ البشري. 

«العدوان الثلاثي». المصطلح تطبيق على العراق لما حصل ضد مصر عام 56. 
ولكن رائحة دينية تفوح منه بفعل وجود أب جبار وابن مدلل وناطق فصيح. 
وتتأكد هذه الرائحة من اليُعد التوراتي الموحود وراء هذا العدوان عند الداعين 
إليه. فالهدف منه» حسب رأيهم تمكين اليهود وحدهم من أرض الميعاد سما 
يسمح بالتعحيل بعودة (أو .کجيء» لا فرق) المسيح. 

«دمار شامل». إا الأسلحة الي يُقال عنها موضوعا للحرب. ولكن هل قدّر 
أحد مفعول تكرار «دمار شامل» على العقول عشرات المرات في اليوم. ليس 
غريباء والحالة هذه» أن يقفز البعض إلى الاستنتاج بأن يوم الحشر قريب وأننا 
نعيش عشية «أرماحدون». يمكن للانتحار» هذا المعى» أن يصبح» طالما 
المفهوم دارج» «فعلاً استباقيا»» أو لنقل؛ «فعلاً اختيارياً» يحدد فيه المرء 
مصيره بدل أن ينتظره وهو لا بملك رداً له. 

«محور الشر». عشنا جميعاً منذ سنة ونيف نعلك الكلمتين. اكتشفناء أخيرأء 
أن الذي صك المصطلح كان اقترح «محور الكراهية». غير أن حورج بوش 
فصل «محور الشر» ليس تيمنا ب «أمبراطورية الشر» الريغانية فحسب 
بل لأنه وجد العبارة «أكثر لاهوتية». ويعلّق الكاتب البريطاني مارتين 
امبس على ذلك بقوله: «رفع بوش الصراع إلى المستوى اللاهوتي لأن 
ذلك يسمح له أن يكون غبيا». ففي عالم اللاهوت لا يعود الذكاء 
مطلوبا لفهم ما يحري. الإبمان وحده يكفي. على أن الإعان هنا يصطد» 
تعريفاء بإيمان آحر. 


لبنان 27 


e‏ «صراع المخير والشر». بوشء إياهء هو صاحب النظرية. وهي تشبه» شبه 
النقطة للنقطةء نظرية بن لادن بانقسام العا لم إلى «فسطاطين». لعبة مرايا من 
الطراز الأول. وهي لعبة لسنا مدعوين إلى فهمها. إن الرئيس الأميركي غير 
مهتم من يفهم عليه لأن ما يقوم به يتضمن حكمة إهية ستنكشف لاحقاً 
للحهلة. يؤكد مقربون منه أنه يتصرف «بإطام رباني كما لو أن الله حدّد له 
الأحندة» (حيم كوديء أصولي مسيحي. في واشنطن بوست). إن الله 
حسب كودي» «يختار القادة». ويشرح أصولي آخرء ستيف كلارك, «إن الله 
مختار» في أوقات محددة شخصا لإيداعه وصيته». وبوش يصدق. كما سنری 
لاحقاء إنه «رجل الله المختار». أسامة بن لادن يصدقء أيضاء أن الله (نفسه؟) 
احتاره محاربة... بوش. والله أعلم. 

ه «لاغهائية الصراع». هذا مفهوم دين بامتياز. والقصد منه التذكير أن القيامة 
وحدها تضع حداً للنزاع. وظيفة الأنبياء» والحالة هذه» هي شحذ همم الخير 
في محطات تاريخية. يكاد بوش يعتبر نفسه واحداً منهم ففي رأيه: «إن الحرب 
مع القاعدة بدأت ولكنها لن تنتهي إلا بعد أن نكون وحدنا كل مجموعة 
إرهابية ذات بُعد عالمي وأوقفناها وهزمناها». إا حرب إلى الأبد إذا. وينقل 
بوب وودوارد أن هناك من سأل بوش: «ماذا لو بقينا وحدنا أحياء؟». 
أحاب: «لا بأس بالنسبة لي. نحن أميركا». قال ذلك دون أن يشعر بالرعب 
الذي انتاب نورمان ميلر (العدد الأخير من نيويورك ريفيو أوف بوكس) من 
وراء فكرة الصراع اللامتناهي. كتب: «كل الحروب الي عرفناها سابقاء 
ومهما كانت مريعة» تقدم, على الأقل؛ وعدا أا ستنتهي». إلا حروب 
بوش.؟ «العدو الحلامي». أسامة بن لادن شخص شبه ميتافيزيقي. حاضر 
غائب. يدير شبكة غير منظورة. الصورة الأبقى عنه هي صورة الدمار القادم 
من السماء. غير أن الولايات المتحدة «كائن» حقيقي» مادي» ملموس. إا 
تحتاج في معا ركهاء إلى دمج مستمر بين التجسيد الهلامي للخطر وبين 
«كائن» آخر. ولذا يرغ مسؤولو أميركا أحلاقهم بالوحل وهم يوكدون صلة 
الوصل بين بن لادن والعراق. بين بن لادن وإيران. ولم لا... بين بن لادن 


الاآن... هنا 


وكوريا؟ 

«تنفيذ الإرادة الإلهية». يتبارى كل من بن لادن وحورج بوش لي تقدم نفسه» 
كأنه جرد «عميل» ينفذء كال ماشي في نومه» رغبات تتجاوزه كثيرا. إنه نوع 
من مندوب سام لعناية إلية. حاطب بوش» قبل أشهرء وفداً من «المولودين 
ثانية». قال لهم: «لقد كان حرياً بي أن أكون, الآنء في بار تكساسي لا في 
المكتب البيضاوي. ثمة سبب واحد لوجودي في المكتب البيضاوي وليس في 
بار: لقد صادفت الإبمان. لقد صادفت الله. أنا هنا بقوة الصلاة» (من كتاب 
«الريحل الاما رة حه حورج بوش بقلم ديفيد فروم» الكاتب السابق 
لخنطابات الرئيس). طبعا إنه موجود في البيت الأبيض لأنه ابن سلالة حاكمة 
ولأن التروير ساعد العناية الإلمية ولأن أرباب عمل أرادوا ذلك غير أنه مقتنع 
أن هذه «الصدف» حدمت وضع «الرحل المناسب في المكان المناسب في 
الوقت المناسب». وبا أن الله حسب بوش» هو «وراء الحرية الممنوحة للعالم» 
فإنه» كرئيس» لن يقدم كشف حساب في هذه الدنيا لا لمواطنيه ولاء من باب 
آولى» لغيرهم. إنه لا يقرر بل ينفذ مثل النبي موسى» تعليمات هبطت عليه من 
علياء. ليس غريباء والحالة هذه القول إن «معجزة» فقط تستطيع رده عمًا 
يعتزمه. إن الله في اعتقاده» هو من «كتب لي حياني». وهكذا فإن على من 
يريد مساعلته أن يتوجه إلى عنوان آخخر غير البيت الأبيض. 

«من ليس معنا فهو ضدنا». تكتسب هذه الجمئة معن بحسب أن قائلها بوش 
أو بن لادن. لكنهاء في الحالين» تعدم التمايز وتحيله إلى شبهة وهمة. من 
يختلف مع الأول يصبح «لا وطنياً»» ومع الثاني «كافر» (مثل الحكم 
الاشتراكي في بغداد و... عدن!). المعارض مكانه في الغولاغ أو في غوانتامو. 
والمحتج مريض نفسي. ويصل الأمر في أميركا حد اضطهاد شخص لأنه تحرأ 
على لبس قميص تحمل عبارات رافضة للحرب. 


لتتخيّل جيلاً يدحل الحياة سايحاً في هذه المفاهيم. لتيل رغبة عند فى أو 


لبتان 29 


فتاة في قدر من غير المألوف. لنتخيّل شرطة أخلاقية بحت عن دوز لنتخيّل رحال 
دين في أدوار «نازعي الأرواح الشريرة». لنتخيّل جتمعا مأزوما لا يجد لغة التعبير 
عن مآزقه ولا سبل حلها. لتتخيّل مشهد الموت اليومي في فلسطين. لتتخيّل التوزع 
بين اشتهاء الحياة الأميركية وبين التشفي بالصدمة العدمية لليرجين... لنضف إلى 
ذلك أزمات شخصية: ونزعات ترد مقموعة» وميلا إلى تطلب التمائل 
والانضواء... 
إذا فعلنا ذلك رعا فهمنا وجود أفراد غير أسوياء. ولكننا بالتأكيد سنفهم سر 
الصدى الذي يحدئونه في مجمتمع يتلقف كل شائعة ويحوها إلى تحسيد لخطر داهم 
يحدق به هو في الواقع «ظل» للخطر الفعلي. 
200311 


بناء ملف 


حبر من هنا. معلومة من هناك. عنوان في صحيفة. دراسة في مجلة. ندوة في 
مركز أبحاث. تحقيق على قناة تلفزيونية. يكفي المرء أن يفتح عينيه بعض الشيء 
حن ينتبه إلى أن الولايات المنحدة ماضية في بناء ملف خاص ب «حزب الله». 
ليس الحديث هناء عن المواقف الأميركية المعروفة من الحزب ولا عن القوانين الي 
تعامله كعدو على قاعدة أنه «تنظيم إرهابي ذو بعد عالمي». نحن أمام شيء آخر. 
أمام استعداد تدريجي لصدور «أمر عمليات». 

إن إعلام اللحزب موضع رصد. لا لجهة ما يبث بل لحهة الحيئات 
والشركات والمصارف الي تتعامل معه. ما كتب في هذا الخال «دسم» وهو 
سيتعرض إلى توسيع. المكاتب الي أعلن عنها في واشنطن والموكل إليها تنظيم 
الحرب النفسية» وتعميم المعطيات بغض النظر عن دقتها «شغالة». والواضح» 
هذه الأيام» أنها تر كز على «الصلات المتعاظمة» بين الحزب وتنظيم «القاعدة» 
باعتبار ذلك يحدث نقلة في التعاطي الأميركي معه. ويتمء في هذا الإطارء 
التركيز على وجود عناصر قيادية من جماعة ابن لادن في إيران من أحل تمرير 
الفكرة القائلة بان «فريق الدرحة الأولى في الإرهاب العالمي» (على حد وصف 
ريتشارد أرميتاج للحزب) آخذ في وراثة «القاعدة»» ولملمة شتاهاء وتسخيرها 

ويحتل مقال حيسيكا سترن في «فورين أفيرز» مكاناً مزا في هذا الجهد 
الأميركي لناحية المطبوعة الي نشرته» ووزهاء ولناحية أن صحيفة مثل «نيويورك 
تلمز» اعتيرت من واحبها المشاركة في نشره. 

يكاد المقال يصف امتداداً أخطبوطياً للحزب بشكل يتماهى وجوده مع 
«الانتشار اللبناني» ويتجاوزه. وحيث لا يتم التصريح يجري الاكتفاء بالإيحاء 
على أساس أن كل امتداد ل «القاعدة» هوء عملياء بيئة لعمل جنود السيد 
حسن نصر الله. 


لبنان 31 


«إن المفاحىئ تقول سترن والمقلق هو تنامي الدليل على أن التنظيم الستي» 
«القاعدة»» بات يتعاون مع التنظيم الشيعي» «حزب الله»» المعتير الأكثر تعقيداً بين 
المنظمات الإرهابية في العالم». وتستعيد الكانبة تحذير حورج تينيت» مدير 
الاستخبارات المركزية» من أن الحزب «صعّد مراتبته لأهداف أميركية» في شي 
أرجاء المعمورة. 

تزعم الكاتية أن العلاقة بين التنظيمين تطوّرت بعد إبعاد «القاعدة» من أفغانستان 
وأن «احتماعات عُقدت أخصيرا بين الطرفين في لبنان وباراغواي وبلد أفريقي». 
وتستعيد «معلومة» قيام عماد مغنية بالتنسيق مع «حماس» و«الجهاد» تاركة لوسيلة 
إعلام أخرى أن تول دور الرجل في العلاقة المباشرة مع «القاعدة» في إيران. 

«الجنة الإرهابية»» حسب سترن» أو «ليبيا الجديدة»» كما تسميهاء هي 
منطقة المثلث بين الباراغواي والبرازيل والأرحنتين. فهناك يلتقي للتنسيق» 
والتدريب» والتحضير لشن عمليات مار كسيون کولومبیون» و«حماس»» و«حزب 
الله»» وفاشيون من أقصى اليمين الأميركي. والإشارة إلى الأخيرين ذات دلالات 
لأاها توحي باڻ الخرت أوجد ستدا فاليا لنفسه فوق الأرض الأميركية وأصبح 
بالتالي جطراً داخلياً لا يتورّع عن ازدراء الحواجز الإيديولوحية كلها في حربه 
المقدسة على الولايات المتحدة. 

وإذا كان اللبنانيون لم يسمعوا بحزيرة مارغاريتا فإن المقال يعلمهم أا جزيرة 
وضعها الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز في تصرف هذه «الأمية الإرهابية» إضافة 
إلى فتحه بلاده أمام الأنشطة التخريبية. 

لا يقل حضور الحزب في إسرائيل نفسها وني إيران وأميركا الجنوبية 
والولايات المتحدة نفسهاء لا يقل حضوره عن حضوره في آسيا. فهو على صلة 
بحر كات الجهاد الباكستانية والبنغالية والأوزبكية واهندية والفيليبينية حيث توصل 
معها إلى توحيد التدريب» ودمج العمليات» واستخدام تسهيلات مشتركة. 

ويبدو أن للحزب «قاعدة يحنيد» في العراق طالا أن صحافياً حميد مير كاتب 
سيرة ابن لادن أسرّ إلى جيسيكا أنه التقى عناصر من الحزب هناك فأحذوه إلى 
المركز العسكري! 


32 الان... هنا 


ليست الحال في أفريقيا مختلفة. فالصاروخان اللذان أطلقتهما «القاعدة» على 

طائرة إسرائيلية في تشرين الثاني 2 صاروخان أدخلهما «حزب الله» شخصياً 
من الصومال إلى كينيا. 

وتأنتي الخائقة كما هو متوقع: للحزب دور في تحنيد علماء ذوي خيرة 
بالأسلحة البيولوحية و... النووية. 

هذا نموذج عما يكنب ف إعلام أمير كي رصين. عند الانتقال إلى غيره يصبح 
مستحيلاً وضع حد لخيالات جامحة. والمشكلة في الموضوع أن الجناح النافذ في 
الإدارة الأمركسية طوّر «عقيدة بوش»» الكارثية أصلاء ليعطي نفسه الحق في 
الضرب حى بناء على «معلومات غامضة»... أو جرد «اعتبارات بيروقراطية» 
ناجمة عن توفر إجماع» ولو معدوم الأساس» في واشنطن. 

العمل الأميركي على «بناء ملف» ل «حزب الله» سيتكلف. وتقضي 
الأمانة القول إنه يحقق نحاحات إعلامية وحن سياسية. ومن الواحب إدراك ذلك 
وأحعذه في اللحساب حاصة إذا بدا بوش متحها نحو ولاية حديدة. غير أن هناك 
إدراكاً وإدراكاً. فالبعضء مثلاًء يعتير أن خير وسيلة لتحتّب الغضب الأميركي هو 
إزالة أسباب هذا الغضب وهكذا يصبح اختفاء المقاومة ضربة ناححة موجهة إلى 
من يعلن رغبته في احتفائها!. 

201306 14 


إصلاح ضد إصلاح 


عندما يتحدث الرئيس اميل لحود عن «الاصلاح»» ويتحدث الرئيس رفيق 
الحريري عن «الاصلاح» فإفما لا يكونان يتحدثان عن «الاصلاح» نفسه. 
«اصلاح» الأول مختلف عن «اصلاح» الثاني» لا بل مناقض. يكفي ان تشن 
«أوساط» الرئيس لحود حملة دعوة الى «الاصلاح» حن تعتير أوساط الرئيس 
الحريري أا مستهدفة وأن هناك من بريد مما شراً. ويكفي ان تعبر «اوساط» 
الرئيس الحريري عن نيته المضي في مشروعه «الاصلاحي» حي تستنفر «أوساط» 
الرئيس لحود معتبرة ان المواحهة في قمة السلطة مستمرة. 

لا يكن ان نفهم فذلكة موازنة 2004 وردود الأفعال عليها الا على قاعدة 
«إصلاح ضد إصلاح». فعندما يقال فيها إا موازنة تتخلى عن الطموحات 
الاصلاحية يجب ألا يفهم من ذلك انها تتخلى عن تلك الطموحات الي يصر عليها 
لحود. كلا. ان كل تخل للحريري عن طموح اصلاحي هو نخطوة الى الأمام 
يحققها اصلاح لحود. 

ويمكن, بهذا المعئ» اعتبار ان وزير المالية أعلن استسلامه عندما اقترح مشروع 
موازنة عاديا جدا. فهو اذ يعتبره «دون الطموحات» فإنه يكون يحدد السقف 
الأعلى الذي كان يريد و السقف الأدن الذي اضطر الى احترامه بصفته سقفاً 
حدده آخرون. 

الا ان هذا الاستسلام الشكلي يدل على ان السنيورة يتصرف مثل لاعب 
حيدو ماهر. يريد ان يحول قوة «خحصمه» الى قوة لنفسه. فهو بتظاهره 
بالاستسلام؛ يرغب في اظهار ان اندفاعة الفريق الآخر ستصل» ومعها البلادء الى 
هاوية. وبدل ان تكون لموازنة الاصلاحية عقبة تحول دون هذه النهاية فإفاء 
لعاديتهاء إزاحة هذه العقبة» أي ازالة للمكابح الي قد تمنع الافهيار. 

ان مشروع موازنة 2004 هو تعبير عن سأم. لقد ضحر السنيورة من دور 
الكاهن الأول للتقشف الاصلاحي. وهوء في ذلك يفير قواعد اللعبة آخذا في 

33 


34 الآن... هنا 


الاعتبار الموازين الفعلية للقوى كما ارتسمت منذ تشكيل الحكومة الحالية. ان 
موازين القوى هذه ميّالة بشكل واضح الى الرئيس الأول. والتكتيك الحديد هو 
استباق تعديلات محتملة على الموازنة وتضمينهاء منذ البداية» في المشروع من أحل 
تحقفيق هدفين. الأول هو حرمان قوى سياسية من متعة تشذيب الموازنة باسم 
القضايا الاجنماعية. الثاني هو التأشير للقوى الاقتصادية النافذة بأن موازين القوى 
السياسية الراهنة لن تفعل سوى مفاقمة الأزمة وزيادة التردي. 

وثمة «قطبة مخفية» في المشروع. مؤداها ان محلس الوزراء هو الذي وافق على 
الينود الاصلاحية السابقة» وأن مجلس النواب هو الذي أقرّها. غير ان الحكومة 
تغيرت فاقتضى أحذ العلم طالما ان التغيير يريد تغليب «الاصلاح اللحودي» على 
«الاصلاح الحريري». يبقى على محلس النواب» في هذه الحالة» ان يتحمل مسؤولية 
المحاسسبة حن لا ييدو» قبل حوالى سنة» موافقا على وجهة وبعدها موافقا على 
«الاتحاه المعاكس». 

تقضي الصراحة القول ان المواطنين لا يملكون فكرة واضحة عن المشروعين 
«الاصلاحيين» للرئيسين. نضع جانباً آراءهما في السياسة والاجتماع والثقافة 
وعلاقات الطوائف. نكتفي بآرائهما ذات الصلة بالموازنة. وهنا يبدو» بشكل 
ضبابي حداء اهما يتوافقان على الاعتراف بوجود أزمة لكنهما يتباينان في ما 
عدا ذلك. فالرئيس لحود ميال الى الاحتفاظ بدور أكبر للقطاع العام وإلى 
الاهتمام بالضائقة الاحتماعية وزيادة التقديمات. والرئيس الحريري ميال الى 
الخصخحصة' وزيادة القدرة التناقسية. الرئاسة الأولى صاحبة مواقف سياسية تريد 
إلحاق الافتصاد ها. الرئاسة الثالثة صاحبة مواقف اقتصادية تريد للسياسة ان 
تأحذها بالاعتبار. 

هذه الضبابية في تحديد المواقف لا تتبدد بالتصريحات اليومية المتبادلة والي 
تشكلء غالباء رسائل شخصية يصعب على اللبنان العادي فهمها. ولكنهاء أي 
الضبابية» لا نع من طرح سؤال على كل من الرئيسين. 

السؤال الموحه الى الرئيس لحود: هل بعكن» فخامة الرئيس» ان تقدم لنا أرقاماً 
دقيقة عن كلفة الوعود الي تطلقها في ما يخص التقديمات الاجتماعية للفئات الأكثر 


لبنان 35 


تضررا من الأزمة؟ وإذا كان الحواب إنجاباً فمن أين تأي الأموال في الشرط اللبناني 
والإقليمي الراهن؟السؤال الموجه الى الرئيس الحريري: هل يمكن؛ دولة الرئيسء ان 
تقدم لنا معطيات واضحة عن فكرتك المتعلقة بكيفية الخروج من الأزمة؟ وإذا كان 
الجواب ايجاباً فهل سيستمر هذا التوزيع غير العادل لأعباء النلاص من المأزق بحيث 
يزداد التفارق الاجتماعي؟ 

ان السبب في اختيار هذين السؤالين» ولكل منهما استطرادء هو ان الرئيس 
سود يبدو أكثر تعاطفاً مع نقابات العمال في حين يبدو الرئيس الحريري أكثر 
تعاطفا مع نقابات أصحاب العمل. نقول «يبدو». ولكن المشكلة هي ان النقابات 
الأولى تطلب با لا تستطيع الموازنة احتماله» والنقابات الثانية تتهرب من ان تقوم 
بالحد الأدن من واحباتها المواطنية. 

ان مبدأين يتوحب جما التحكم بأي موازنة للبنان. الأول هو ان لا خروج 
سريعاً من الأزمة. الثاني ان لا روج من دون «شد الأحزمة» بشكل عادل 
وبالتساوي (أي بعدم المساواة بين الفقراء والأغنياء). لقد غاب هذفان المبدآن عن 
مشرو ع 2004. وبا اننا قد لا نحدها لحظة تحول المشروع الى قانون فليس أقل من 
انتظار موازنة كارئية في 2005. 

2003101 


من هنا إلى أين؟ 


هناك من يريد لمذين اليومين أن يمضيا على خير» وبسرعة. فاللياقة تقتضي 
الاسام ل «حزب الله»» وتقدير نضاله» وشكره. غير أن هذه اللياقة دورها في 
شحذ السكاكين. ورعا بدأ الطعن يوم الاثنين. إذ يستحسن بالعيده أيضاء أن يعر. 
لقد بمح الحزب إلى حد يفرض عليه دفع بدل تحاحه. فما تبقى من «إنحازات» لا 
تليق به. لا بل إن إنحازه الوحيد قد يكون إنحازه الأخير: الاختفاء في سبيل لبنان 
واللبنانيين. إنه حزب من أحزاب قليلة في العام بجد من يقول لها الشيء نفسه سواء 
أنخرت أو أحفقت! 

لنستعدء إذاء للاستماع إلى هذه المعزوفة: كلنا مع الحزب والمقاومة, كلنا كنا مع 
تحرير الجنوب وإطلاق الأسرى» لكننا لا نريد لأحد أن يحل محل الدولةء أما شبعا 
فعلينا إثبات لبنانيتهاء وأما سمير القنطار فالدبلوماسية تتكفل به. إن شحاعة الأمس هي 
حماقة اليوم. ألا ترون الغضب الأمير كي؟ ألا تفهمون معن احتلال العراق؟ ألا يكفينا 
الاهتراء الاقتصادي؟ هل في وسعنا أن بحاري أرييل شارون في حنونه؟ ألم يحن الوقت 
لمساواة للقاومة بباقي الميليشيات؟ هل نريد أن نقدم ذرائع للعدو؟ فلنرسل الجيش إلى 
الجنوب» ولنقفل الجبهة, ولنساعد الحزب على التحول إلى العمل السياسي. 

كلام مكرّر. لو تم الاستماع إليه قبل عام 2000 لكان الجنوب محتلاً بالكامل. 
ولو تم الاستماع إليه غداة التحرير لكان الأسرى في السجون. أما الدبلوماسية 
وإطلاق سمير القنطار فيسأل عن الأمر... مروان المعشر. 

كلام مكرّر» إلا أن فيه بعض الحقيقة. لا يمكن إنكار أن إطلاق الأسرى» بعد 
تحرير الجنوب» يوهن صلة لبنان المباشرة بالصراع المسلح مع إسرائيل. ثمة قضايا 
عالقة بالتأكيد (شبعاء القنطار» مصير الأخوة الفلسطينيين...) ولكنهاء في عرف 
البعض» أقل إلحاحاً من أوضاع سابقة للجهة «استدعاء» السلاح. 

يحب أن يكون المرء عنيداً حي لا يعترف بأن «حزب الله» أقدم على تأقلم 
معيّن بعد أيار 2000. ولقد حصل التأقلم في اتحاهين: الأول هو حصر المواجهة 

36 


لبنان 37 


العسكرية مع الاحستلال حيث هوء في مزارع شبعاء والثاني هو تطوير البعد 
الإقليمي القائم على نصرة الانتفاضة الفلسطينية. 

لقد بقي هذا التأقلم فائضاً عن محصلة التوافقات اللبنانية. أي أنه بكلام 
آخحرء استمر عنوانا من عناوين التباين. هناك من رعاه ودافع عنه. وهناك من 
اعترض وطالب بالمزيد. لقد شهدناء بعد أيار 2000» تبلور تيار صاغ توجحهه 
بشعار مركب: الجيش اللبناني إلى الجتوب والجيش السوري إلى سوريا. وبداء 
لفترة» أن هذه الأطروحة صاعدة نحو موقع الميمنة على السحال الداخلي. إلا 
أها تراجعت تحت ضغوط داخلية (لم تكن كلها موفقة و«دكوقراطية»)» واتضح 
أنهاء باسم حوار يفترض فيه إنتاج توافق» إنما تثير انقسامات أشد خطورة. ومع 
أن تفجيرات 11 أيلول وما تلاها صبّت الماء في طاحونة هذا الرأي فإن أصحابه 
تراجعوا عنه بعض الشيء (باستثناء ميشال عون) وإن كان بعضهم لم يتخل 
جدياً عنه. 

قد نشهدى في الفترة المقبلة» تبلور صيغة منقحة عن هذا التوحه. وسيحصل 
ذلك» بالضبط» نتيحة تراحع الدور اللبناني المقاوم ل «حزب الله» قياساً بالتضخحم 
المرتقب في دوره الإقليمميء أي» عملياء بتعزز المنحى الذي برز بعد 2000 ورد 
عليه الحزب بقدر من التأقلم المفهوم. 

سيقال إن الوضع الناشئ يوفر ذرائع لفنسنت باتل للادعاء بأن الحزب إن لم 
يكن «منظمة أجنبية» فإنه يخدم «مصالح أحنبية». وسيصبح مكنا التركيز على 
«الإرهاب ذي البعد الدولي» مع تضاؤل دور التنظيم امحلي المقاتل من أجل الأرض 
والأسرى. وليس ما نع أن يتهم أي دعم للفلسطينيين بأنه تدحل في شوون داخلية 
من أحل إثارة الانقسام. غير أن التشديد سيكون على شبكة العلاقات الإقليمية 
للحزب بحيث يجري تقدم تصلبه وكأنه يخدم سياسات إقليمية تريد التحاوب مع 
ضغوط تتلقاها عبر تسويات لا تستقيم إلا عبر دفع الحزب إلى تشدد بحسن ها 
شروطها التفاوضية. 

هذه عناوين لنقاشات مقبلة. 

يتحاهل أصحاب وجهة النظر السالفة الذكر حقائق أساسية. 


38 الآن... هنا 


إن الصراعات الإقليمية مستمرة وضارية من فلسطين إلى العراق. وليس في 
وسع لبنان عزل نفسه عنها إلا بمعين الانضمام إلى عور آخر. ولبنان معن فعلاً عنع 
إسرائيل من إلحاق هزعة بالشعب الفلسطين. ونضع جانباء هناء واحبات الأحوّة 
والتضامن من أجل التأكيد على المصلحة الوطنية في تمكين الفلسطينيين من منع 
تنفيذ الحل الإسرائيلي بطبعته الشارونية. أن يكون لبنان معنيا يساوي أن يكون له 
دور. وكمذا المعن فإن ما يسمى «المرحلة الثانية» من أي تبادل للأسرى هو بعض 
هذا الدور. 

إن السوال الذي يتوحب على اللبنانيين طرحه على أنفسهم هو التالي: أي 
لبنان في ظل توطد الهيمنة الأميركية على المنطقة في لحظة رعايتها للتوسعية 
الإسرائيلية في الأرض العربية والتصميم على الإبادة السياسية للشعب الفلسطيي؟ 

إن الترجمة المحلية لهذا المشروع ليست أقل من تدمير الحد الراهن من 
الاستقرارء والانتكاس عن السلم الأهلي الهش» والعودة للدوران قي الفلك 
الإسرائيلي... فالمصلحة اللبنانية هي البقاء في المعسكر المستهدف لأن ثمن ذلك هوء 
بالتأاكيد»ء أقل من لمن الانتقال القسري إلى الضفة الأخرى. ولعل الموقف من 
«حزب الله» هو عنوان الخيار الإقليمي بانعكاساته الداخلية. 

إذا سلمنا بأن الدور الإقليمي ل «حزب الله» سيزداد نا يصبح التساؤل 
مشروعا عن الحماية اللبنانية الداخلية لهذا الدور. 

تقول التجربة السابقة إن الحرب اختار تضاؤل دوره الداخلي من أجل عدم 
إثارة الحساسيات. أمّن الحماية لنفسه بالفعاليةء والتغطية الرسميةء وبالتفاف قاعدة 
شعبية ضيقة في هاية المطاف» وبدعم سوري وإيراني. 

لن يكون ذلك كافياً بعد اليوم. إن ضراوة ما يحري لا تقاوم بذراع عسكرية 
وتغطية من فمة السلطة. لا بد من توفير مناعة احتماعية أشد رسوخا. ويعي ذلك 
في ما يعين» السعي إلى تغيير إدارة الشؤون اللبنانية ببعديها الداخلي والإقليمي. 

قدلا يستطيع الحزب لعب الدور الذي تدفعه الظروف والإرادة نحوه إلا 
بشروط من نوع آخر تدحل تعديلات على الصعد اللبنانية كلها. 

200410 


عن التبادل 

حى لا تحجب شجرة الانتصار غابة الهزعة. 

أولاً قسيل في انتقاد «اتفاق أوسلو» إن عيبه الرئيسي هو تقسيط التفاوض لا 
تقسيط التنفيذ. ويعنٍ ذلك أنه لم يكن اتفاقاً شاملاً يتم تطبيقه على مراحل وإنما 
هو اتفاق مرحلي يتم بعده البحث في مضمون الحل النهائي على قاعدة عناوين 
جرى إيرادها. 

لقد حرى الإيحاء في ما يخص عملية التبادل أن صفقة شاملة أبرمت وهي على 
مرحلتين. يتبين» اليوم في ضوء المعطيات الراهنةء أننا أمام تقسيط للتفاوض. فما 
حرى جرى. وسيبدأ البحث في قضية “مير القنطار (والأسيرين اللبنانيين) المرتبطة 
ععلومات عن رون أراد (ومفقودين إسرائيليين). وبعد حلقة الربط هذه وإذا 
أمكن الحصول على أوراق مساومة» يمكن إبرام صفقة جديدة وفق مبادئ أمكن 
متها ماقا 

ليس في الأمر ما يعيب غير أن التوضيح لازم. ولقد كان ضرورياً الاستماع 
إلى السيد حسن نصر الله يقول إنه إذا لم يوفر أراد ورقة تفاوضية فإن الباب مفتوح 
أمام حيارات أخرى. لا بد من الاطمئنان إلى هذا التأكيد بالرغم من أن أرييل 
شارون حاول قطع الطريق عليه أول من أمس مهددا من يحاول استدراج إسرائيل 
إلى «لعبة» خطف وتبادل. إن ما يريده هو عدم توسيع الرصيد التفاوضي غير أن 
إرادته قابلة للكسر. 

ثانياً إن من يراقب» بدقة» حرارة الاستقبال اللبناني للحدث يلحظ تطوراً 
عمّا حصل بعد أيار 2000. فالتحرير م يكن ممكناً من دون هزجة ميليشيات 

عميلة. ولقد كان واضحاً أن بعض اللبنانيين تماهى معها في حين أن بعضا خر 
وضع نفسه» طوعاء في خانة المهزومين. إن شيعاً ما حعل هزعة الاحتلال فصلا 
أخيراً (؟) في الحرب الأهلية. لم يكن الأمر ممائلاً هذه المرة. قد لا تكون القضية 
تعيني كل اللبنانيين بالتساوي ولكن التفاوت عاحز عن التحول إلى تمايز 
39 


0 الان... هنا 


ملحوظ. لقد حاءت عملية التبادل قي لحظة سياسية تسمح لقوى بأن تظهر 
تمبيزا تقيمه بين استعادة مواطنين من الأسر ويين صيغة مقترحة للتعاطي مع . 
صراعات المنطقة. 

ثالثا ما رجه لبنان في بحال الاقتراب الشعي والسياسي من توافق خسره في 
سلوك الحكم. فكائنا من يكون صاحب القرار في استبعاد الحزب الشيوعي اللبناني 
عن استقبال المحررين يتوحب عليه أن يعلم أن قراره يثير الغثيان. ليست هذه 
المقاربة أخلاقية علما أن في وسعها أن تكون كذلك إذ إن لليسار اللبناني في هذا 
الموضوع حصة أكبر عا لا يقاس من حصص أكثر الذين اصطفاهم البروتوكول 
الرئاسي. إن انتقاد النطوة سياسي. فعندما يعلن أن المقاومة خيار مستمر يجب أن 
یکت ااا أن البيئة اليسارية هي الأقدر والأكثر استعداداً على رفد هذا الخيار 
وهي الممنوعة من المشاركة فيه. ففي امتحانات لاحقة تشكل هذه البيئة» والحزب 
الشيوعي عمودها الفقري بغض النظر عن وضعه» حماية عابرة للمناطق والطرائف. 
إن هذه الحماية» على محدوديتهاء أبقى من تلك الي يمكن تأمينها عن طريق حديثي 
العهد والنعمة بالوطنية ومقاومة إسرائيل. لا لوم على «حزب الله» في ما حرى. 
ولكنه كان مطلوباء ولا يزال» البحث الحدي في عدم الاكتفاء بالاحتضان الرسمي 
لخيار المقاومة. إن استبعاد الحزب الشيوعي دليل ممارسة سياسية قصيرة النظر» 
وحمقاء. إن الذين أقدموا عليها يملكون فضيلة التماسك: الإصرار على وصم 
الوطنية بقصر النظر! 

بعد ساعات من هذا الإحراء المستهجن كان يمدد لأصحاب الوكالات 
الحصرية (لأسباب طائفية وطبقية)» وكانت بحري محاولة حديدة لتقدم هدايا 
ضرببية إلى المتهربين! رعا يدل هذا على سبب الحماسة الفائقة لإضعاف وهميش 
السار اللبناتي من حانب مصادري الوكالة الحصرية للعمل الوطيٰ في ربع الساعة 
الأخير. 

رابعاً بحيب عملية التبادل عن سوال مر كزي يتعلق بكيفية فرض التراحع على 
إسرائيل: الدمج بين بناء موازين قوى وبين التفاوض الواقعي ولو غير المباشر. 
ويصح الدرس هذا على قضايا تتحاوز قضية فرعية. غير أن العملية نفسها تشم إلى 


لبنان 41 


كم هائل من أسئلة المستقبل الغامضة. يمكن إجمال هذه الأسئلة بعنوان إجمالي: ما 
هي صغغة إدراج a‏ الإبحاز اللبناني في إطار إقليمي يتسم بالتراحع والامهيار؟ 
التساؤل شرعي نظرا إلى عدم مركزية لبنان في الحياة العربية العامة. وهو شرعي 
أمام «برودة» ردود الفعل على المقاومة الفلسطينية المستمرة وعلى احتلال العراق. 
وهو ضروري بعدما أثبتت تحربة التحرير في عام 2000 أن «البحصة» اللبنانية قد 
لا تسند «الخابية» العربية. إن أي تقييم عادل وبارد لما حرى في السنوات الأخيرة 
الماضية يوضح أن الكفة تيل لصالح توطيد الميمنة الأميركية وحماية التوسع 
الإسرائيلي ومحاولة الانطلاق نحو اندفاعة حديدة إذا بقي جورج بوش رئيساً 
للولايات المتحدة. 

200411 


أسئلة ألين مينارغ 
عشية الانتخابات الرئاسية 


كان يفترض بالبن الحالي لجريدة «السفير» أن يكون أنقاضاً. كما كان يفترض 
بعدد من العاملين فيها ان يكونوا أموانا. كان يفترض ذلك لو أن جيش الغزو 
الاسرائيلي نفذ بنود مذكرة موجهة إلى «الموساد» في آذار 1982. المذكرة هي واحدة 
من اثنتين. تفصل الاولى ما يمكن ان تكون عليه خطة الغزو الشاملة للبنان والدور 
المكمّل ل «القوات اللبنانية» و«الجيش اللبناي» (ار عناصر منه) فيها. وتستعرض 
الثانية كيفية الاستفادة من فترة احتلال تمتد لستة اسابيع من اجل الاستيلاء على 
السلطة والتوجه نحو اتفاقية سلام مع اسرائيل من دون ان يظهرء الى العلن» وحود 
توافق بين الطرفين. تدمير «السفير»» وغيرهاء جزء من مقترحات المذكرة الثانية الي 
تطالب بذلك في غضون الثماني والاربعين ساعة الاولى على بدء العمليات العسكرية. 

هذا «سر» واحد من آلاف مثله يضمها كتاب الصحاف الفرنسي ألين 
مينار غ وعنوانه «أسرار الحرب اللبنانية». 

الكتاب» منذ صدوره؛ يثير صمتا مدهشاً. قال احدهم إنه عندما كان يطالعه 
كان يتمئ لر يكون القارئ الوحيد له. لماذا؟ لأنه يعتقد ان اللبنانيين غير جاهزين 
إطلاقاً لمواحهة صريحة مع هذا الماضي القريب. 

غير ان المفاحأة جاءت من محلة «النجوى المسيرة» القريبة من تيار «القوات 
اللبنانية». أقدمت» مشكورة» على نشر عرض تقييمي للكتاب. وهو عرض كتبه 
الزميل انطوان سعد وأراد له كما يبدوء ان يكون استفزازيا بالمعيئ الايجابي» اي ان 
يكون فاتحة نقاش. ولقد عير عن هذه الرغبة بأن لاحظ انه من «اللافت ان احداً 
من الأبواق المتعهدة الدفاع عن شرف الأمة ضد المتصهينين لم ينبس ببنت شفة 
حن الآن. فهل السبب ان الاقتناع قد ساد أخيراً بأن لا وجود لراحح المتصهين 
الذي يتربص للانقضاض على المصالح العربية تنفيذاً لمخططات مشبوهة؟ أم ان 
الكتاب لم يترحم بعد ولم تقرأه هذه الأبواق؟». 

42 


لبنان 43 


وتشاء الصدف ان يحمل العدد نفسه حلقة من سلسلة يكتبها انطوان نحم 
بعنوان «مذكرات. من مواسم الأمس». والصدفة مهمة هنا لان انطوان نحم هو 
واحد من الثلاثة الذين وضعوا المذكرة المشار إليها واي لا يحتاج المرء لان يكون 
«بوقا» حي ينتابه مزيج من الرعب والحزن لدى قراعها. 

من دون تحميل الامور فوق ما تحتمل بمكن القول ان نشر المقال في المحلة لا يعني 
تبنيه ولكنه يعين؛ على الاقل» وجود تقاطع ما معه يمكن ان يفيد في معرفة الذهنية 
الراهنة حيال ذلك المشروع الذي يطلق عليه مينارغ اسم «من انقلاب بشير الجميل 
الى محازر صا وشاتيلا» (يقول الكاتب إن جزأين اضافيين سيصدران لاحقاً). 

يروي الكتاب» بالتفصيل وانطلاقاً من وقائع لم يكذبها احد حى الآن (اي ان 
الصمت ليس سمة «الأبواق» الى لا تعرف الفرنسية فقط)» قصة التحالف بين قائد 
القوات اللبنانية انذاك بشير الجميل وإسرائيل. وهو تحالف كان القصد منه تسخير 
الشرعية اللبنانية للاستيلاء عليها وبناء نظام لبناني جديد يعقد صلحا مع إسرائيل. 
ان الدحول في كل ما يكشف عنه مينار غ من مناورات» ومن محاولات» ومن 
تحريض» ومن مناقشات داخلية» ومن تواطؤات إقليمية ودولية» ومن أدوار لحكام 
ومسؤولين وشخصيات سياسية» ان ما يكشف عنه يفيض عن عجالة من هذا 
النوع. إلا ان الحقيقة تقنضي القول بأن كل ما كان ينسبه خصوم «القوات» إليها 
من إيغال في العلاقة مع اسرائيل هو جزء بسيط جدا من المدى الذي وصل إليه 
التحالف. 

صحيح أننا امام رواية جزئية عن الحرب لحهة الزمن ولحهة الأطراف» 
وصحيح أننا نحتاج الى كتابات كثيرة من هذا النوع لكي تكتمل لدينا صورة عما 
حرى. ولكن الاصح من ذلك كله ان نطرح على أنفسنا سوال الذاكرة والمصالحة 
وما اذا كانت الاولى تلعب ضد الثانية. 

ان مقال «النحوى المسيرة» اقرب الى النوستالحيا منه الى الاستعادة النقدية 
هذه المغامرة الي ادت» كما هو واضح» الى احراج فريق لبناني من اللعبة السياسية 
وإلى إدحال مير جعجع الى السحن وإلى جعل المحلة, نفسهاء تسأل؛ مرة بعد 
احری» وعلى غلافها: «حكيم كيف صحتك؟». 


44 الان... هنا 


لا ضرورة لاي مبالغة قي الاستدلال عما يعنيه نشر مقال. فالتعاطي مع 
الكتاب اهم» وهو تعاط من شقين. الاول له صلة بالماضي القريب وما حصل فيه. 
والثاتي له صلة بالماضي الذي يرفض ان عضي» اي بالحاضر. 

لقد كان غزو اسرائيل للبنان» وما أطلقه من تفاعلات» حدئا استثنائيا في 
تاريخ البلد. ولا شك ان موضوعات كثيرة طرحتها تلك المرحلة لا زالت مطروحة 
بشكل او بآخر في اللحظة الراهنة: أي موقع اقليمي للبنان» نحن والصراع العربي 
الاسرائيلي» نحن والمدنيون الفلسطينيون» التوازنات الداخلية» تنظيم التعايش بين 
الطوائفء ميثاق العيش المشتركء لبنان والخطط الغربيةء الاميركية حاصة» 
للاشراف على المنطقةء الم... 

لقد تبلورت» في السنوات الماضية» اجوبة كثيرة ومتعارضة على هذه 
الاسثلة. وبدا لفترة ان «اتفاق الطائف» قدم حرابا. ثم تبيّن انه حواب قد لا 
يرضي البعض او قد يسبب اعتراضاً على طريقة التنفيذ. وجرت في هذه المرحلة 
تحولات داخلية ولدت موازين قوى جديدة» كما ان العلاقة مع اسرائيل عرفت 
محطة مهمة بإرغامها على الانسحاب» وولد نظام يحسم أركانه في موقع لبنان 
الاقليممي. وكذلك شهدنا ممارسات سياسية استبعادية وممارسات انكفائية. ثم 
عصفت بالمنطقة رياح. وستع صف بشدة اكير تذكر يما حصل مطلع 
الثمانينسيات الحظة التقاء التطرفين الاسرائيلي والاميركي. ولاح ان هناك من لا 
يتور ع عن نحديد مراهنات في حين ان هناك من يستقوي بالأخطاء في مراهنات 
مواطنيه. 

الهم ان الكتاب» بالوقائع الي يكشفهاء يرمي في وجه اللبنانيين تحديات 
كثيرة يطول تعدادها خاصة ان الظن وارد (ولو ان بعض الظن إثم) في ان من 
يفترض فيه القطع مع وعي وممارسة سابقين لم يقدم على ذلك ولا زال يعيد إنتاج 
الخطاب نفسه إنا في ظروف ما بعد الخسارة. ولا يعفي هذا الظن من مساعلة 
«المتصرين» عما فعلوه بانتصارهم وعما إذا كانوا يتحرأون على الزعم يأفهم فعلوا 
ما عليهم من احل ادارة افضل للبلد ومن اجل قطع الطريق على ان تبقى المرارات» 
لدى بعض اللبنانين» الملهم الاول للسياسات. 


لبنان 45 


إننا نعيش اليوم عشية انتخابات رئاسية. واللافت ان قضايا مثارة منذ عقود 
تحضر فيها مباشرة او مواربة. رعا يخطر في بال مواطنء ذات مرة» أن يحاول تأصيل 
مواقف ليفهم اذا كانت تمت بصلة نسب الى ما سلفها. إذا قعل مواطن ذلك 

سيتمكن من امتلاك قراءة حديدة للمشهد السياسي اللبناني. 
200486 


لبنان: عودة التجاذب 


ها هي نذر «العاصفة الغربية» تصل إلى لبنان. تلك الندذر الي قيل إنها لا بد 
واصلة بعد تفحيرات 11 أيلول وحرب أفغانستان وغزو العراق. ومن المؤسف» 
حقاء ألا نكون في أحسن الشروط للاقاتها. 

إفاء حى الآن» بحرد نذر. وهي لا تقولء حاليا» أكثر من أن لبنان مؤهل لأن 
يعود موضع تحاذب» وأن هناك من هو مستعد لرعاية» ولو سياسية» لكل محاولة 
تريد إدخال تعديل على الموقع الإقليمي للبلد منذ مطلع التسعينيات. 

إن هذا هو المعو الوحيد الذي يمكن إعطاؤه للمشاورات الدائرة في مجلس 
الأمن وال لا نعرف بالضبط إن كانت سترسو على قرار أو بيان رئاسي» كما لا 
نعرف الصياغات الي سيتم اعتمادها سواء حيال الدستور واحترامه» وحيال 
الوحود والنفوذ السوريين في لبنان» وحيال سلاح «حزب الله». 

رءما نكون نشهد فاية عقد ونصف من الزمن؛ وهي فترة شبه الانفراد 
السوري ب «إعادة بناء الدولة» اللبنانية من دون اعتراض حدي أميركي أو غربي. 
صحيح أن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي استمر خلال تلك الفترة» ولكن 
الأصح أنه استمر تحت هذا السقف وانتهى بإخراج جيش العدو. ولعل آخر مسعى 
أميركي حدي نتذكره هو الاضطرار إلى التدحل في أثناء عدوان نيسان 96» وهو 
التدحل الذي أثمر اتفاقا ساهم في توفير عناصر الانتصار اللاحق. 

لم تكن هذه الفترة الماضية نموذحية. حي انها لم تكن مرضية تماماً. لقد مرت 
على حساب فئة لبنانية لم ترض بالأرححية السورية ولا بالخيارات الي شحعت 
عليها ولا بالتركيبة الداخلية الي حمتها. وليس سر أن الفئة المشار إليهاء والمسماة 
«المعارضة المسيحية»: عاشت مرارات كثيرة من حراء التخلي الأميركي عنهاء 
وهي مرارات لا زالت موجودة وتولد حذراً حيال واشنطن. وليس سراً أن 
التحالف اللبنات الحاكم استمرأ السلطة ولم يقم بالحد الأدن المتوحب عليه من 
أحل إحداث انفراجات داخلية كانت تلوح إمكاناتًا. 

46 


لبنان_ 47 


لم يكن ما حصل في لبنان ليحصل لولا أن السياسة الأميركية في العالم كانت 
كما كانت عليه ف عهود حورج بوش الأب وبيل كلينتون» ولولا أن عنواني هذه 
السياسة في الشرق الأوسط كانا «الاستقرار» و«التسوية» مدخلا إلى توطيد 
الهيمنة. أما «الاستقرار» فتمثل ب «الاحتواء المزدوج» للعراق وإيران وتثبيت 
التحالف مع أصدقاء من السعودية إلى مصر. وأما «التسوية» فشكلت مدخلا 
لعلاقة مع آخرين مثل منظمة التحرير وسوريا (ولبنان استطرادا). وحاصل الجمع 
بين هذين العنوانين يقضي» لبنانياء بارتضاء الأرححية السورية» عا في ذلك بعدها 
الذي لا يخرج دعم المقاومة الإسلامية عن الأفق البعيد للنسوية.لا يكل المرء من 
ترداد أن هذه السياسة الأميركية الي كان يمكن لها أن تستمر في عهد حورج بوش 
الاين ولو بتعديلات غير جوهرية» أصبحت أنقاضاً بعدما قرّرت واشنطن ما قررته 
ردا على تفجيرات 1 أيلول. 

يؤكد الأمي ركيون» بویا أن سياسة «الاحتواء» سققطت لصالح عقيدة «الحرب 
الاستباقية». حرى تطبيق ذلك في العراق ليكتشف العالمء لاحقاء أن استباقاً لم يحصل 
وإنما الحرب كانت اختيارية من أجل إعادة هيكلة الشرق الأوسط الكبير. ولا شك 
بان التهديدات ضد إيرانء البلد الثاني في «محور الشر»» تأي في هذا السياق. 

ومع سقوط «الاحتواء» سقط هم التسوية كهم ناظم للعلاقة مع دول في 
المنطقة (ومع السلطة الوطنية الفلسطينية بادئ ذي بدء) وبشكل خخاص مع سوريا 
(ولبنان استطرادا). وبدل هم التسوية حل همّ مطاردة الإرهاب» وأسلحة الدمارء 
وسياسات المروق... ومن الطبيعي» والحالة هذهء أن الاستقرار لم يعد هدفاً أو 
عنصرا من عناصر توطيد الهيمنة. إن واشنطن» اليوم» وكما يعلن استراتيجيون 
كثيرون» عنصر عدم استقرار. وهي لا تمانع في إدارة فوضى وأزمات. إن هذا هو 
المع الفعلي» ولا معن سواه» لتحويل شعار الدكوقراطية إلى سيف يستخدم حيث 
تدعو «إعادة الميكلة» إلى استخدامه. وبناء على ما تقدم ليس لسوريا الحالية» ولا 
للبنان» أي مكان مريح في هذه الوجهة. لا علاقة مع البلدين إلا تلك الي تنراوح 
بين التجاهل» كحد أدن» والضغط السياسي» كحد أقصى (موقت؟). ولا تم 
واشنطن كثيرا لأن تكون الفوضى الحصيلة العملية الموكدة لهذه الوجهة. 


48 الآن... هنا 


إذا كان من استدراك هنا فهو القائل بأن انعدام الضغط العسكري لا يلغي 
الوجهة العامة. ليست المواحهةء بالمعن الحريء في أمر اليوم (إلا إذا انفردت 
إسرائيل بذلك). لقد دحلت الولايات المتحدة في مرحلة زمنية مديدة ذات 
هدف فائي. وهي تملك أدوات كثيرة للعمل» وتحسب حسابات كثيرة» وتضع 
أولويات» وتصعّد حيناء ويمكنها أن تمادن حينا آخرء لكن الهدف البعيد واضح 
لديها. وح التعثر الذي تعيشه أميركا في العراق ليس بالضرورة أن تستنتج منه 
جعل الانسحاب خيارا أول. على العكس. قد يكون الخيار الأول توسيع 


الحرب وأقلمتها وتحذيرها. 
إذا كان هذا التعريف السريع للسياسة الأميركية في المنطقة صحيحاء وهو 
صحيح» فأي موقع للبنان فيها؟ 


والتوتير مع سورياء والمواجهة مع «حزب الله». وهذه العناوين» عند التدقيق فيها, 
تعيني دورانا في الفلك الأميركي الذي يريد تحويل العراق قاعدة عسكرية ومنصة 
انطلاق نحو دول محاورة» وإحضاع الشعب الفلسطيي لصا التوسعية الإسرائيلية 
المتحددة مع ما يعنيه ذلك من حرمان الفلسطينيين حق العودة وإرغام سوريا على 
التحلي عن أرضها الحتلةء إلم... 

إن نقل لبنان من موقعه الحالي إلى الموقع المرتجى له أميركياً يعني عملية جراحية 
دامية لا بعكن لحا إلا إدحاله في الفوضى. أما «احترام الدستور»» و«تلبية رغبات 
الأكثرية الشعبية»» و«استعادة السيادة»: و«منع التدخل السوري»» أما هذه 
العناوين مع غيرها من نوع «الازدهار»ء و«تدفق الاستثمار» و«الخلاص من 
الإرهاب»» فهي المخدر الكاذب الذي يفترض فيه إحداث الإغماءة الموقتة من 
أحل ولوج الباب العريض للفوضى. ش 

ومن اللاأفت» والحالة هذى أن المصطلحات والمطالب الي يجري التداول 
بشأفا في نيويورك وإذ ثبت تضمينها في موقف دولي» تفيض بوضوح عمًا هو 
معلن في لبنان من جانب معارضين كثيرين. فواشنطن تبدوء إذا صدقت الأنباءء 
أكثر حذرية من البطريرك صفير ومن «قرنة شهران». فهذا التيار» مع مؤيديهء 


لبنان 49 


يضع الاعتراضات على سياسة سوريا وبعض حلفائها في لبنان في سياق الرغبة في 
تصحيح العلاقات وإنقاذ مستقبلهاء مع ملامسة أحيانا للفكرة القائلة بأن هذا 
الصحيح يوفر شروطاً أفضل للتصدي للمخططات الأميركية. ويمكن القول» في 
هذ الحال» إن السياسة الأميركية تعاني من «عارض عون» لا لك قوى لبنانية 
راجحة تحمله وإن كان كلك من بريد الاستفادة من بعض وجوهه. 

إن العراصف الغربية القادمة إلى لبنان تلبس قناعاً مغرياً: دعوة اللبنانيين 
إلى الانتقال إلى صف «لمنتصرين» وترك سوريا والفلسطينيين والعراقيين 
يواجهون مصائرهم منفردين. هذا القناع المغري قناع كاذب لأن الدعوة في 
حقيقة الأمر هي تخيير اللبنانيين بين الوضع المستقر الراهن والمحشو حشواً 
بالعيوب والنواقص والثغرات وبين... الفوضى. ولذا فإن رفض هذا الإغواء 
مصلحة وطنية لبنانية أولاً تستفيد منها سوريا عرضاً (ما المانع؟) ورعا أيضاً 
الفلسطينيون والعراقيون. 


© © © 


ثمة مهازل يجب أن تتوقف في لبنان. ونير الير عاحله. 

في أول موقف للرئيس إميل لحودء بعد قرار التمديد» وذي طابع تنفيذي قال 
إنه يحب التوقف عن «تسبيس أموال المهحرين»؛ وذلك بعد أن تم التعاطي في 
السابق (أي في عهده أيضا) ف وف المهحرين من منظار سياسي. أي ان 
الرئيس لحود [نما يقترح «تسييسا مضادا» لقضية المهحرين الوطنية نكاية بالموقف 
السياسي لوليد حنبلاط. هذه مهزلة يحب أن تنتهي. 

رسالة وزارة الخارحية اللبنانية إلى بحلس الأمن للاعتراض على مداولات 
حارية فيه مكتوبة بلغة متخشبة» وقليكة» وغير مقنعة» ولا فعالة. ونحن لا نعرف لا 
من كتبها ولا من وزعها ولا من عمّمها. هذه حفة يحب أن تنتهي. 

ما هكذا يعامل وليد جنبلاط ولا هكذا يعامل مجلس الأمن. ومن كان يعتقد 
أن في إمكانه العبث عليه أن يدرك أن الزمن الجديدء زمن عودة التحاذب الدولي 
حول لبنان» لا سمح بانتهاج سياسات كيديةء و شخصيةء و«كيفما اتفق». 


0 الآن... هنا 


رعا كان الكلام عن عودة التحاذب الدولي غير دقيق. فالولايات المتحدة هي» 
فوق موقعها الدولي» قوة إقليمية كبرى متورطة مباشرة في المنطقة. عندما كانت 
قوة دولية فحسب ذات مصالح حيوية واستراتيجية في الشرق الأوسط (بينها تفوق 
إسرائيل)» كان يمكن لقوى إقليمية أن تخوض صراعات منخفضة التوتر معها. لقد 
تغيّر الوضع الآن ومن غير الجائز حوض معارك الحاضر بأسلحة الماضيء علما أن 
تلك الأسلحة لم تكن شديدة الفعالية أصلا. 

200491 


الفوضى اللبنانية 
مصلحة أميركية 


يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية حسمت أمرها في ما تفضله للبنان: 
الفوضى العارمة. ويبدو أا تخير اللبنانيين بين هذه الفوضى وبين الاستمرار على 
النهج الحالي حيال الموقع الإقليمي للبلد. 

هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي يمكن أن يخرج به أي قارئ لمشروع القرار 
الأميركي المتعلق بلبنان والمقدم إلى بحلس الأمن. إن أي عاقل يملك معلومات أولية 
عن أوضاع لبنان وتوازناته وقواه يدرك الاستحالة المطلقة لتنفيذ الطلبات 
الأميركية: إخحراج القوات السورية من دون تأخير من لبنان» وحل ونزع سلاح 
جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية» وذلك في خلال شهر واحد من تاريخ تبي 
القرار. 

أي أن المطلوب دفعة واحدة إغضاب سوريا وقديدهاء وتحريد حملة 
عسكرية على المخيمات الفلسطينية» والاشتباك الشامل مع «حزب الله»» وقمع 
كل من تسول له نفسه الاعتراض على هذه الخطة. ومن يفعل ذلك؟ اليش 
اللبناني الذي ساعدت دمشق في إعادة بنائه والذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع 
المقاومة. ومن يأمر بذلك؟ حكومة لبنانية لا توافق على حرف واحد تما ورد في 
المشروع الأميركي . 

يمكن لعتوه فقطء أن يعتبر هذه المطالب واقعية وقابلة للتنفيذ. ولكن ذلك لا 
ير شيئا في أن واشنطن تنوي إقناع بحلس الأمن بتبئي قرار يمكن وصفه ببساطة 
بأنه قرار يطالب اللبنانيين بالانتحار الجماعي. 

لا وحود لقوة سياسية محلية جدية ترفع هذه المطالب. ولا شك في أن لبنانيين 
من أذناب المحافظين الجدد في الولايات المتحدة يروّجون لخطاب من هذا النوع. 
ولكن أن تتبئى الإدارة سياسة كهذه» ولو أا في مرحلة حملة انتخابية حرجة» فهذه 
مشكلة. فكبف إذا اقتنع أعضاء بحلس الأمن بان في إمكام إصدار قرار كهذا؟ 

51 


52 الآن... هنا 


تريد الولايات المتحدة وضع لبنان وسوريا حارج الشرعية الدولية. وعكن 
الحزم بأنها مدر كة لعبثية ما تأمر بتنفيذه ولانعدام الأدوات القادرة على ذلك. ويناء 
عليه يمكن الاستنتاج أن واشنطن إنما تمهّد الطريق لجعل أي عدوان منها أو من 
إسرائيل على لبنان بمثابة عملية شرطة تحصل لتأديب مجموعة من الخارجين على 
القانون. 

لا حكن لأحد الزعم بأن مشرو ع القرار الأمير كي يتضمن بنود مشرو ع 
سياسي جدير بهذا الاسم يرمي إلى إنشاء اثتلاف لبناني ينقل البلد من ضفة إلى 
ضفة. إن مشروع القرار ليس أكثر من إعلان أميركي بأن الولايات المتحدة 
صاحبة مصلحة في جعل الفوضى البديل عن الوضع اللبناني الراهن. 

وككن السحال بقوة ضد الادعاء القائل بأن هذه «الاندفاعة» الأميركية إنما 
هي رد فعل على تعديل الدستور اللبناني. إن هذه الاندفاعة «مكتوبة» في توحه 
الإدارة بعد تفجيرات 11 أيلول. 

20042 


هل من ربان 
في الطائرة؟ 


هل من ربان في هذه الطائرة؟ هل هناك في لبنان من يفكر ويقرّر؟ هل 
هناك دولة بالحد الأدن للمعئ؟ هل هناك حكومة؟ فريق حكم؟ حاكم؟ هل 
هناك من ينسّق سياسات؟ من يعطي توجيهات؟ من يراقب التنفيذ؟ هل نعيش 
فغاية عهد؟ بداية عهد؟ مرحلة فاصلة بين عهد ونصف عهد؟ هل يعقل أن 
يكون حصل التمديد لثلاث سنوات في حين أن إدارة الأزمة تتم «مياومة»؟ هل 
تصدق أن «الموامرة» هذا الححم والتصميم وأن «المواجهة» هذه الخفة 
والعشوائية؟ 

لا نعلم شيئاً عمّن سيتولى السلطة في لبنان» ولا عن البرنامج» ولا حي عن 
التوحهات العريضة. والأنكى من ذلك أننا نعلم أن من هو معني بأن يعلم لا يعلمء 
هوالآحر شيئاً. نستفيق يومياً على مشهد سیاسي حدید. على وعود حديدة 
تناقض وعوداً قيلت بالأمس. 

لتأخذ, مثلا» قرار بحلس الأمن رقم 1559. المقيمون على ضفة السلطة أطلقوا 
عليه كل الصفات الممكنة. إنه في الوقت نفسه «انتصار» و«خطر» و«غير مهم». 
وتفتّق الذهن عن إعلان القبول بتنفيذه شرط احترام التسلسل الزمي للقرارات 
الدولية في حين أفيَ مسوول أن المشكلة هي في التوقيت لا المبدأ. إن التعددية 
مرغوبة باستمرار ولكن ليس حائزاً أن يحتضن طرف سياسي هذه التلاوين المتناقضة 
خاصة إذا كان مدعوا إلى وضع خطة تعاط مع القرار المشار إليه. 

لناخذ مثلاً آخرء إعادة انتشار القوات السورية. لنتناس» هناء ما قيل قبل 
يومين من أن الخطوة مستبعدة ولنكتف ما قيل بعد مباشرة التنفيف. وجد 
أحدهم أن الإجراء دليل احترام لبناني وسورئ لشن الأمن خلنا أن «أحدهم» 
هذا كان هاحم إقحام مجلس الأمن نفسه في شؤون سيادية. وقال آخر إن إعادة 
الاتتشار تحاوب مع طلبات أميركية وبدا فخورا بتسحيل هذه النقطة على أنه 

53 


54 الان... هنا 


من دعاة الاستنفار ضد الولايات المتحدة وإملاءاقها. وشرح ثالث أن ما يجري 
جزء من «اتفاق الطائف» و«المعاهدة اللبنانية السورية» في حين أنه لم يكن 
معروفاً عنه الإلحاح في تنفيذ أي من الاتفاق والمعاهدة. وذهب رابع إلى تبهيت 
الخطوة موجلاً الانسحاب الفعلي إلى ما بعد حل أزمة الشرق الأوسط. واعتبر 
مسؤول كبر أن «إعادة الانتشار» إنما ل «تعزيز الأمن» ما يوحي أن هذا 
الأمن يتعزز مع استكمال الانسحاب في حين أنه يقصد عكس ذلك على 
الأرحح. وخالفه أحد أنصاره عندما اعتير الإجراء دليلاً على «الاطمئنان 
والاستقرار» ولم يلاحظ هذا «الغير» أنه أيد تعديل الدستور والتمديد للرئيس 
إميل لحود خوفاً على «اطمئنان واستقرار» غير متوفرين. وتبرع مسؤول بحل 
وسط فرأى أن الخطوة ليست لأن الأمن استتب وليست من أجل استتباب 
الأمن بل في إطار الا تجاه إلى الإنحاز الأمئ والاستقرار. ولم يخل الأمر من نائب 
أكبر ما حصل لأنه «دليل احترام». 

هذه «كلمات متقاطعة» يستحيل حلهاء وهي صادرة كلها من موقع سياسي 
واحد لتقرل أشياء متعارضة! لقد كانت التعليقات على «إعادة الانتشار» كناية 
عن مبادرات فردية لا حصر لها لم تتدخل «اليد الخفية» للسوق من أجل تنظيمها. 
ولا ضرورة:؛ ربماء للإشارة إلى أن أصحاب هذه التصريحات لا يخاطبون مواطنين» 
إنما يتبارون في إيجاد أكثر الصياغات مناسبة لإرضاء قارئ واحد قد يكون هو» 
بالضبط, الربان الذي تفتقده الطائرة. 

لقد كان وليد جنبلاط جزءا من الائتلاف الحاكم. كان كذلك على طريقته. 
عارض التعديل والتمديد وتموضع في موقع الاعتراض الراديكالي. وبات صعباً عدم 
تقدم تفسير «كيدي» لما يحري حياله: تشكيلات أمنية» تحرّش بلدي يضخم 
مخالفة» تسريبات إعلاميةء مداهمات في الشوفء, استقبالات في بعبداء إيحاءات إلى 
«تسييس» قضية المهجرين» حملة تصريحات سلبية منظمة... 

يحصل ذلك كله في ظل غسل اليدين من أي مسؤولية سياسية عنه: هل 
المصدر محلي وغير سياسيء أم هو محلي وسياسيء أم هو غير محلي؟ ثمة امتهان 
لموسسات ومرجعيات كثيرة من دون أن يكشف باعث الرسائل عن نفسه. لا بل 


لبنان 55 


تعناقض مضامين الرسالة نفسها: تباين مع حليف؟ حلاف من خصم؟ افتراق عن 
معارض مستحد؟ استدراك لماض يزعم أنه مشبوه؟ هل جنبلاط مشمول ب «طي 
صفح الماضي»؟ هل تنطبق عليه سياسة «اليد الممدودة»؟ هل تحديد الموقف منه 
قرار فردي؟ هل حكن فعلاً توسيع قاعدة المشاركة في السلطة في ظل تصرف من 
هذا النوع؟ هل ثمة عقوبات على فعل الاعتراض؟ 

وبمناسبة الحديث عن توسيع قاعدة المشاركة يمكن الإعلان عن جائزة 
كبرى لمن يستطيع التكهن بتركيبة الحكومة المقبلة: حكومة مصالحة؟ حكومة 
لون واحد متحانسة؟ سياسية؟ تكنوقراطية؟ مع رفيق الحريري؟ من دون رفيق 
الحريري؟ بالتشاور مع جاك شيراك عبر السفارة في واشنطن؟ إن الحكومة هي 
الي ستقدم الموشر الأول لما سيكون عليه التمديد. ولقد أوحي» مرة؛ أا 
ستكون إصلاحية ضد بعض أقطاب الائتلاف. ثم أوحي أا ستعيد ترميم 
الائتلاف الحاكم الذي انفجر في معركة التمديد. وكذلك أوحي أفا ستشمل 
معارضين من أجل مواجهة التحديات الي فرضها صدور قرار مجلس الأمن. ثمة 
شكل لما سابق للتعديل والتمديدء وشكل لاحقء وشكل سابق لزيارة وليام 
بيرنزء وشكل لاحق... ومن كانت له هذه الأشكال المتعددة كان بلا شكل 
على الإطلاق. يجب أن يكون معلوماً أن الفرق شاسع بين وجهة أو أخرى في 
تشكيل الحكومة لأن دون ذلك قضايا ليست أقل من مواحهة المعضلات 
السابقة المائلة والي أضيف إليها المضاعفات الحلية والإقليمية والدولية للتمديد. 
وقد لا تكون المشكلة في أن المواطنين يعيشون في ظلام كامل. المشكلة» هنا 
أيضاء أن المعنيين بالأمر لا يملكون جواباً أو لا يملكون تفضيلاً حي لو عجزوا 
عن تحقيقه. هذه كارئة فعلية لأا تنبئ أن أحداً لا تلك تقديرا واقعياً للوضع 
الراهن ولا ملك بالتالي» خيارا تفضيلياً للتعاطي معه يسمح بوحود ميل نحو 
حكومة معينة هي» في حد ذاتهاء إحدى أدوات الرد السياسي على التحديات 
المتفاقمة. 

لقد حققت الأحهزة الأمنية «إنحازا» بكشف شبكات تفجير وتحنيد. لکن 
المفاخرة قد ترتد على أصحاها في هذا الظرف السياسي الحدد. لو أن هناك رباناً في 


56 الآن... هنا 


الطائرة لكان مضطراً إلى الإحابة على سوال جدي: هل الحالة الراهنة في عين 
الحلوة هي أفضل الحالات الممكنة؟ هل حصل استكشاف جدي مع الأخوة 
الفلسطينيين لرؤية ما إذا كان مكنا التوصل إلى حل ليس هو الوضع القائم ولا هو 
الاقتحام والعنف؟ هل من الجائز» في ضوء ما جرى الكشف عنه» الاستمرار في 
مغامرة الإبقاء على بور يعاني منها الفلسطينيون واللبنانيون معاً؟ هل تنطلي هذه 
السياسة على أحد؟ هل نحن» في الحقيقة» أمام إنحاز عابر أم أمام فشل مستدم في 
معالجة المشكلة؟ 
إن أسوأ من انتهاج سياسة خاطئة هو عدم امتلاك أي سياسة على 
الإطلاق. ولكن السؤال الأكبر هو أن نستفيق على سياسة وننام على نقيضها. 
يمر لبنان؛ حالياً في «مطب هوائي». يتساءل المراطنون هلع: هل من ربان في 
الطائرة؟ 
3 2004 


نماذج «بناء الدولة»: 
فلسطين, العراق» لبنان 


يضج المشرق العربي عشاريع البناء. مشاريع بناء الدول (الأمم). إن أي 
مقاربة للأزمة اللبنانية» في طورها الراهن؛ يجب أن تنطلق من هذا المنظور. لقد 
شهدنا في التسعينيات «مشروع بناء الدولة الفلسطينية» و«مشروع إعادة بناء 
الدولة اللبنانية». ونشهد منذ سنة ونصف سنة «مشروع بناء الدولة العراقية». 
للولايات المتحدة دور أساسي وحاسم في فلسطين والعراق» لسوريا دور رئيسي في 
لبنان هو الدور الذي يتعرضء هذه الأيام» إلى مساعلة أميركية (وفرنسية). 

لنحاول تقوعاء ولو سريعاء هذه التحارب. 

في فلسطين كانت الدولة هي الأفق الضميئ ل «اتفاق أوسلو». كنا أمام 
نشوء كيان يتمتع بحكم ذاتي يفترض فيه التدرج غو الاستقلال والسيادة. كانت 
الولايات المتحدة هي قائدة الأوركسترا. توزع المهمات. للموسسات الدولية دور. 
للاتحاد الأوروي دور. للدول المانحة» وبينها العربية» دور. للمخابرات المركزية 
دور. ما من شك في أن واشنطن كانت تقدم نفسها بصفتها «القابلة الشرعية» 
للدولة الفلسطينية العتيدة وذلك في واحد من انقلابات الأدوار يطول شرحه وإن 
كانت أسبابه مفهومة. 

لا محال لأي شك ف أن هذه الدولة» بالمنطق الأمير كي» كانت مصلحة 
إسرائيلية فضلاً عن كوها جزعاً من منظومة بسط السيطرة الغربية على المنطقة. ولا 
يقلل ما تقدم من أهمية الضغط الذي تعرّض إليه الفلسطينيون؛ في ظل التخلي 
العربي» من أجل القبول ما هو ممكن ولو بدا ذلك في تعارض مع تراث قومي طالا 
اعتبر أن الحقوق الوطنية الفلسطينية تنتزع من الولايات المتحدة ولا تكون منحة 

الهم أنه» لي لحظة معينة» حصل افتراق بين ما اعتيره الفلسطينيون حقهم» 
(دولة قابلة للحياة فعلا) وما اعتبره الأميركيون تطلباً زائداً. في تلك اللحظة 

57 


58 الآن... هنا 


بالضبط تأسسّس الخط ونشأ الجو اللذان دفعا واشنطن إلى رمي المشروع الوطيي 
الفلسطينٍ في أشداق الوحش الإسرائيلي. وفي ظل اندفاع شارون إلى تنفيذ 
مشروع حياته» التبديد السياسي للفلسطينيين» أخرج حورج بوش رؤيته الشهيرة. 
ولكن منذ ذلك الوقت ونحن نلاحظ أن إسرائيل تشطبء ,موافقة ودعم أميركيين» 
الأسس المادية لقيام دولة فلسطينية بحيث باتت حقوق هذا «الشعب الفائض» هي 
ما يفيض عن التسوية بين اليمين وأقصى اليمين الاستيطاني. 

لقد أجهضت أميركا مع إسرائيل» ولصالح الأخيرة وصالحهاء مشروع بناء 
الدولة الفلسطينية. 

حصل ذلك في ظل الوعد الأميركي بإعادة بناء الدولة العراقية. قيل لنا إن 
الغزوء بعد إفلاس الذرائع الي قدمهاء سيبي في العراق دولة دموقراطية» فدرالية» 
تعددية تشكل منارة للشرق الأوسط الكبير. لا بل قيل أكثر من ذلك. قيل إن 
العراق (كما كان يفترض أن تكون عليه فلسطين) هو «طفل أنابيب» النيو لييرالية 
الأميركية وأا ستمارس عليه وفيه الحندسة الجينبة الي تحعل منه نموذحاً. وتعبّر 
الكاتبة نعومي كلاين ببراعة فائقة عن هذا «الوعد». تقول: «إن الحكومات حى 
حكومات الحافظين الجدد نادرا ما جحد الفرصة للبرهنة على صحة نظريتها المقدسة. 
فعلى الرغم من إحازاتهم الإيديولوجية الحائلة فإن جمهوربي بوش في داخل 
أذهافهم؛ قد ضرمم تدخل الديموقراطيين والنقابات العنيدة وأنصار البيئة الفزعون. 
كان يفترض أن يغيّر العراق هذا كله. في مكان ما على الأرضء كانت هذه 
النظرية ستوضع في النهاية موضع الممارسة العملية في أكثر أشكاها اكتمالاً ورفضاً 
للحلول الوسط. كان بلد مؤلف من 25 مليونا سيعاد بناؤه كما كان قبل الحرب» 
وكان يتعيّن أن يزال وأن يختفي. في مكانه كانت ستبرز صالة عرض براقة 
للاقتصاد الحرء يوتوبيا لم ير العام مثيلاً لها أبداً...» (راحع ترجمة للمقال في العدد 
الأخير من «المستقبل العري»). 

وتمضي الأيام. وتتكشف أكثر فأكثر صعوبات بناء الدولة الملتحقة طوعاً 
بال ركز الإمبراطوري. وتتراحع الأوهام حول نجاح هذا الاختراق المذهل لأحد 
مواقع العالمين العربي والإسلامي. 


لبئان 59 


ماذا نرى الآن؟ الفوضى. الاقتتال. السرقات. عمليات الخطف وقطع 
الرؤوس. شبح الحرب الأهلية. المرتزقة. أبو غريب. وضع العملاء في السلطة. نقص 
الخدمات. القتل العشوائي. احتذاب الإرهاب. تنامي الاعتراض الأميركي والدولي. 
ارفضاض عن المشاركة. مساع غير مكتملة لتقارب غري. 

لا مصادرة على المستقبل. غير أننا لا نرى في الأفق بحاحا أميركياً لبناء دولة 
عراقية. لقد أحهضت الولايات المتحدة الدولة الفلسطينية لصالح إسرائيل» وها هو 
حورج بوش يقول في مناظرته الأخيرة مع حون كيري إن المصلحة الإسرائيلية 
تتحكم برؤينه لمستقبل العراق. : 

لا أحد يتهم الولايات المتحدة بأنها كانت تريد خراب العراق أصلاء ولا أحد 
ييرئ نفسه من أي مسؤولية» لكن المشهد أمامنا غي بالدلالات: في عقد واحد من 
الزمن ساهمت أميركا في منع قيام دولة كانت مسؤولة عن قيامهاء وف تحطيم دولة 
بات مستقبلها مفتو حا على المجهول. 

هاتان تحربتان قريبتان منا نحن اللبنانيين. لصيقتان بنا. فلنحاول» تأسيساً على 
ذلك النظر في أحوالنا. ولنفعل ذلك واضعين جانباً الشعارات القومية» والعواطف» 
ومشاعر الأخوة حيال الفلسطينيين والسوريين والعراتيين. لنفعل ذلك بوطنية لبنانية 
منغلقة لا بل انتهازية. 

لقد لعبت سوريا دور ييا في مشروع إعادة بناء الدولة اللبنانية منذ 
التسعينيات وحن اليوم. وليكن مسموحا لنا أن نقول إنناء بالقياس إلى الحالتين 
الفلسطينية والعراقيةء أمام «قصة تحاح». 

إن ما قامت به سوريا في لبنان له ما له وعليه ما عليه. وف الإمكان تقدم مطالعة 

اققامية في حق دمشق اللبنانية. أكثر من ذلك في الإمكان القول إننا أمام فرصة قد 
تكون ضاعت لبناء علاقة محترمة بين بلدين عربيين. أكثر من هذا الكثير أننا يومياً أمام 
سبب إضافي للخحل مما نقوم به أو تا يحصل باسم العلاقات المميزة. ولكن مهلاً. 

إن ما فعلته سوريا في لبنان مشروط بتلبية قواسم ومصالم مشتركة. نعم إن 
للبنان وظيفة إقليمية بالمنظور السوري. ونعم إن له وظيفة اقتصادية. ونعم ثمة 
«اققصاد سياسي» أسود للعلاقات السياسية. ونعم إن دور الدولة الراعية كان 


60 الآن... هنا 


مناطاً بالدولة الأقل تقدماً. ولقد كان من الطبيعي» في ظل سوريا الواقعية لا سوريا 
المتخيّلة» وقي ظل لبنان الواقعي لا لبنان المتخيّلء أن نصل إلى ما وصلنا إليه: إدارة 
هجينة للحياة العامة في لبنان. 

ولكن هذا جزء من الصورة فقط. أما الجزء الآخر فلا يسعنا أن ندرك أهميته 
إلا بالنظر إلى ما يدور حولنا. 

يقال لنا اليوم إن الوقت حان لتغيير حذري يقطع فائياً مع المرحلة السابقة وينقلنا 
إلى وجهة أخرى. يضيف القائلون إن ثمة جهوزية داحلية وإقليمية ودولية هذه القفزة. 

هذاوهم. لا حهوزية داحلية» ولا جهوزية إقليمية» ولا جهوزية دولية. 
تستحق هذه القضية نقاشا تفصيلياً. لكن من شروط النقاش منع «الزجّالين» من 
المشاركة فيه؛ ورفع سيف الابتزاز القائل بأن كل من يعترض على توافر هذه 
الجهوزية (الداحلية) يكون يهدد ب «حرب أهلية». 

ليس لبنان مستعداء ولا الظروف مؤاتية» من أجل تغيير هذه الجذرية؛ سواء 
تلك الي يدعو إليها قرار ملس الأمن حهاراء أم تلك التي يهمس ها بعض 
أصحاب السرؤوس الحامية. ومرة أخرى لا بد من الترحيب بنقاش يضع البهورة 
وإيهام النفس جانباً ويحلل العناصر الواقعية الي تشكل ميزان القوى وتوضح ما 
الذي يمكن الإقدام عليه اليوم. 

ويتوحب القولء بصراحة» إن تيارات مغامرة تمدد بأن تطيح الإيجابيات 
اللبنانية المكتسبة من الدور السوري في إعادة بناء الدولة. 

إن المهمة النضالية في لبنان هي الضغط من أحل الإصلاح التدريجي للعلاقات 
اللبنانية السورية. إنه إصلاح لا يعي القطع مع ما حصل في السنوات الماضية ولا 
تغريه دعوات القفز إلى الضفة المقابلة. 

أما ما يتشدق به البعض» وما يلوح في أفق الخطة الأميركية» فلا يقود إلى أبعد 
من أن يجمع لبنان إحهاض الدولة» في حدها الأدنء (كما في فلسطين)؛ مع 
الفوضى العارمة (كما في العراق). 

لا حدر بأحد أن يكون فخوراً عا هو قائم» لكن البديل اللقترح يثير الهلع. 

200416 


روح التمديد 


التمديد للرئيس إميل لحود ليس نصا. إنه روح. وخروج الرليس رفيق 
الحريري جزء من هذه «الروح». 

بداء لفترة» أن «الروح» دَاحَلها أمران: الولادة القيصرية وقرار بحلس الأمن 
الرقم 1559. أمران يشوّشان عليها. ولكن المرحح» اليوم» غلبة الاستنتاج القائل إن 
الفترة الي افتتحها القرار الدولي احتتمها البيان الرئاسي. فالقراءة المتفائلة للبيان 
تعتبر أنه وفر «فترة سماح» من ستة أشهر ستليها فترة ماح من ستة أشهر... وبا 
أن الأمر كذلك يمكن العود على البدء وتطهير «روح» التمديد تا كان يمكنه أن 
يشوها. لم تعد التسويات مرغوبة لأن الطقس الدولي مائل إلى الانفراج» ولأن 
الأحواء الداخلية قابلة للسيطرة: خروج الحريري محطة أولى» الحكومة محطة ثانية» 
ورعا تكون الصلاحيات الاستثنائية محطة ثالثة. 

لا بد من ملاحظة أننا أمام معطى سياسي حديد: ازدادت المخاطر وضاقت 
قاعدة الحكم. ضاقت لأن رافضي المشاركة رفضوا ولأن الإحراج أدى إلى إخخراج 
من اعتبر أن له حقاً في مكافأة. ولي انتظار معرفة تركيبة الحكومة الحديدة يمكن 
القول إن السلطة ستكون في أيدي ائتلاف بمثل الأقلبة في طوائف رئيسية في البلد. 
وإذا صح ذلك وهو صحيح على الأرحح» ففيه مدعاة إلى نوع من القلق. فعلى 
عاتق هذه الأقليات «المؤتلفة» (؟) مواجهة عبء تحديات داخلية جسيمة أضيف 
إليها استمرار آلية المراقبة الدولية. 

وهذا المعطى السياسي الجديد وجه آخر. فنحن نشهد, في لبنانء ولادة صنف 
حديد من العمل السياسي» صنف الامتناع (أو المنع) عن المعارضة. هذه هي» الآنء 
حالة الحريري ووليد جنبلاط ورا غيرهما. وسواء كان الأمر امتناعاً أو منعا فهو 
يعي حروج فئات واسعة من دائرة المشاركة وانتقاها إلى بقعة رمادية تحعلها في 
حالة كمون تنتظر ما يستجد. . 

ولد هذا الصنف الغريب من تلاقح عاملين: قرار الانضباط تحت سقف 

61 


62 الآن... هنا 


الخيارات الإقليمية للبنان» والاحتحاج على الأداء الداحلي للقوى الي أعطيت ها 
وكالة حصرية للنطق هذه الخيارات وتمثيلها. الممثلون السياسيون لهذا الصنف 
مضطرون إلى التأرجح بين حدي الانضباط والاحتجاج ما يقودهم إلى تعطيل 
فعاليتهم السياسية» إلى قرار بالتحميد الذاتي» إلى التحول إلى شهود. 

تبتانء خالنياء بلق أقليات سياسية بامتياز: حاكمة) ومعارضة: وممتنعة عن 
المعارضة إلا في حالة الدفاع المشرو ع عن النفس. 

لا نعرف أي ميزانية قد تخرج من كم الحكومة الجديدة. ما نعرفه أن المشروع 
الذي تشر هو «إصلاحي» في وجهة متعارضة تماماً مع «الإصلاح» الذي يدعو 
إليه لحود في تصريحاته اليومية. 

هذافي ما يخص الامتحان الداهم الذي يواجه الفريق الحاكم الجديد. أما 
الامتحان الأدهى فهو قانون الانتخاب. 

إن الشهد الذي برتسم أمامنا لا يوحي أن وعود العدل والمساواة سوف 
تحترم. لا بل يمكن القول إن أي فشل في تعديل موازين القوى عبر الأداء الحكومي 
سيتحوّل؛ فوراء إلى ترجيح الميل نحو قانون انتخابي لا يكرّر مساوئ ما سبق وإغا 

لكن الفرق» هذه المرة» تداحل الروزنامات. فموعد التقرير التالي لكوفي 
أنان يصادف احتدام الحرارة الانتخابية. وما يبدوء اليوم» نافذة للتدحل الأحنبي 
قد يتحول إلى أبواب مشرعة قد لا ينفع في سدها استنفار الحمية الوطنية 
والقومية. 

20041 


بدل قانون أسوأ 


يعتبر البيان الوزاري لحكومة الرئيس عمر كرامي أن أولوية يجب أن تعطى 
لقانون الانتخاب. ورد في البيان ما حرفيته: 

«وضع مشروع قانون اتتخاب جديد يشكل المدخل الحقيقي للوفاق الوطئي 
والمصالحة الوطنية الشاملة» يعتمد معيارا انتخابيا واحدا يساوي بين جميع اللبنانيين» 
ويراعي الفواعد الت وضعتها وثيقة الوفاق الوطي وهي ضمان العيش المشترك 
وضمان صحة التمثيل السياسي لشى فئات الشعب على أن تحري الانتخابات على 
أساس القانون الجديد وتكون السلطة فيها حاضرة ومحايدة». 

هذا نص يحتاج إلى تحليل. 

ينبغي الاعتراف» أولاء بأن البيان يريد إظهار نية حسنة. ويندرج ذلك في ما 
صاحب التعديل والتمديد والتكليف والتشكيل من وعود. إلا أن هذه النية الحسنة 
لم تختبر جديا بعد. وإذا كان الاحتبار هو السلوك المعتمد حيال وليد جنبلاط فإن 
التساؤل يصبح مشروعا عما يمكن للنوايا السيئة أن تكون! 

بعد الاعتراف هذه النية ثمة كلام كثير يقال. 

«وضع مشرو ع قانون انتخحاب جديد...» كلمة «حديد» تذكر بالكارثة الي 
نعيشها منذ 92. لكل دورة قانوها. ولكل قانون تقسيماته ويكاد قانون العام 22000 
في مى الدعوة الإصلاحية» يبز سابقيه في المساوئ. إن قانون انتخحاب سيئا ودائما 
أفضل مما عشناه في السنوات الماضية حين كان الساحر يخرج من كمّه حمامة فلا نتعود 
عليها إلا ويكون أخخرج أرنبا. لا نعرف ما يتتظرنا ولكن نلاحظ أن لا التزام.موعد 
محدد للقانون العتيدء ولا بآلية إنتاحه. وبا أن المسافة قصيرة جدا بين صدوره وبين 
إجراء الانتخاب فمن الممكن, للمرة الثانية في «العهد الإصلاحي» الممدد له توقع ألا 
يتمكن الشعب اللبناني من إدخال قدر من الانتظام على حياته السياسية. كل الأمل أن 
يتناسى المشرّع التعبير الممحوج «استئنائيا ولمرة واحدة». 

63 


64 الآن... هنا 


يفترض بالقانون الحديد حسب البيان الوزاري أن «يشكل المدحل الحقية 
للوفاق الوطي والمصالحة الوطنية الشاملة». ماذا يعني ذلك؟ هل أنتاء بعد سنوات 
على «الطائف» لم نصل إلى «المدحل» أم أن المدحل الذي دخلناه لم يكن 
«الحقيقي». هذا نكران للخطاب الرمي المعمول به حى الآن» وهوء في أحسن 
الأحوالء يمثابة نقد ذاتي لما جرى سابمًا. غير أن الأهم من ذلك هو أن وظيفة 
قانون الانتخاب تنظيم الفرزء وإظهار الأحجامء وإبراز الخلافات فمن أين 
استجدت وظيفتا «الوفاق والمصالحة». وهل إذا تحقق كل من «الوفاق والمصالحة» 
بطلت الاكثرية حاكمة والأقلية معارضة؟ 

هذا تزوير لوظيفة قانون الانتخاب سوى أنه «تزوير إيجابي» لا نفهم إيجابيته إلا 
بعطف العبارة السابقة على ما يتلوها «يعتمد معيارا واحدا يساوي بين جميع 
اللبنانيين». هك ذا إذاً. إن معسيار المساواة يين اللبنانيين هو المقصود به مدخلا الى 
«الوفاق والمصالحة»» وبما أن هذا المعيار كان منتفيا في الماضي بقي «الوفاق والمصالحة» 
في علة. الصياغة» كما هو واضح» مرتبكة. المقصود القول إن القانون الحديد لن يفتعل 
خطللاً يميز يون اللبناننين الأمر الذي في وسعه أن يخفف الاحتقان ويعيد إنتاج توازنات 
نيابية غير مزورة بحيث يمكن للاكثرية أن تحكم من غير الطعن بأهليتها وللأقلية أن 
تعارض من دون شكوى من الظلم الأصلي الذي يلحقه القانون بما. هذا أفضل» غير 
أنه ما لا يقال في بيان وزاري. ولكن... ولكن ما المقصود ب «جيع اللبنانيين» في ما 
تقدم. هل المقصود «المساواة» بين الأفراد المواطنين الناخبين أم المقصود «المساواة» بين 
الطوائف. الجحواب الثاني هو الأصح وهو الأ كثر قربا من روحية النظام السياسي 
اللبنااي. القانون الجديد, إذأ» سيعتمد «معيارا واحداً» يساوي بين الطوائف والمذاهب. 

الواضح أن كاتب النص ما إن وصل إلى هذه الجملة» وعد المساواة» حبق 
أحس أنه تورط. فكان لا بد من الاستدراك. 

حاء الاستدراك على الشكل التالي «... وبراعي القواعد الي وضعتها وثيقة 
الوفاق الوطي وهي ضمان العيش المشترك وضمان صحة التمثيل لش فئات 
الشعب اللبناني». يعن ذلك أن ثمة ما هو أهم من «معيار المساواة بين اللبنانيين» 
وهذا الأهم هو العيش المشترك وضمان صحة التمثيل. 


لبنان 65 


ندحل هنا لب المشكلة. ففي «الأدب السياسي» اللبناني الحديث ثمة إشارات 
إلى التناقض الموجود بين «العيش المشترك» و«ضمان صحة التمثيل». وما قوانين 
الانتخاب السابقة إلا محاولات متكررة لحل هذا التناقض لحساب ما يسمى 
«العيش المشترك» وعلى حساب ما يسمى «صحة التمثيل». 

السعي إلى حل هذا التناقض قاد إلى اعتماد الدوائر الموسعة» وإلى تقسيمات 
إدارية حرافية» وإلى استثناءات كثيرة» إلخ... وحصل ذلك بحثا عن اختلاط طائفي 
يغلب» كما يقال» «لغة الاعتدال» فيتم إنقاذ العيش المشترك. وقيل» في المقابل» إن 
ضمان «صحة التمثيل»» وما يعنيه ذلك من أنظمة انتخابية» يفتح باب الغلوٌ 
ويهدد؛ بالتالي» «العيش المشترك». 

إن «العيش المشترك» قضية أكثر تعقيداً بكثير من أن يحلها قانون انتخابي يريد 
«صهر اللبنانيين». ونحن نشهدء اليوم» كم أن هذا «الصهر» فاشل وإلا لما كانت 
الصيغة المعمتمدة في البيان الوزاري على ما هي عليه. إا صيغة اعتراف بوحود 
مشكلة. 

وظيفتا القانون الانتخابي «حسن التمثيل» و«إنتاج أكثرية مستقرة» (لكل 
بلد ديموقراطي عريق صيفته في ذلك المستمدة من تقاليده» وبحربته» وتاريخه 
واحتياجاته). أما عندناء في لبنانء فلقد جرت التضحية ب «حسن التمثيل» من 
أحل إنتاج أكثرية مستقرة ومطواعة. وحصل ذلك تحديداء في مواحهة مع القوى 
السياسية «المسيحية» الي قد يختلف المرء معها سياسيا ولكنه لا يمكنه. أحلاقياء إلا 
أن يوافقها الاعتراض على التزوير اللاحق بوزفها الشعي» وبحلياته الأخيرة انتخخابات 
المعن الفرعية. 

لقد ألحقت القوانين الانتخابية «أقضية مسيحية» ,ناطق تغرقها. وقادت هذه 
القوانين إلى مفارقتين. 

الأولى» ينقسم الجسم الانتخابي الواقعي 70 الى 30 في المثة او 65 الى 35 في 
الملعة بين المسلمين والمسيحيين» لي حين ينقسم عدد النواب مناصفة. ولا محال» في 
هذه الحالة, إلا لأن تكون المناصفة شكلية إلى حد ما. ولكن إلى أي «حد ما»؟ لا 
يعكن للخلل الدموغراني إلا أن يترك أثرا رما لم نعتمد نظام الطوائف ال تختار 


66 الآن... هنا 


ممثليها). لا بد من دفع ضرية. ولكن الضريبة كانت مرتفعة بحيث يتنا أمام 
«طائفية مقلوبة» أو أمام إلغاء حييث للطائفية السياسية لا يفعل سوى استبدال 

الثانية؛ لم يكن الوصول إلى هذه النتيجة مكنا من دون التضحية بأقليات 
سياسسية هي تحديداً قوى اليسار اللبناي. وغلك» هناء أحد المفاتيح لفهم سر 
التقارب بين تيارات يسارية وتيارات طائفية مسيحية تشاركها الشعور بالغين. 

لا يمحدد نص البيان الوزاري التزامات واضحة. لذا لا بديل من أحد 
احتمالين: قانون انتخابي في منتهى السوء يضع هدفا لنفسه تأمين دوام أكثرية معينة 
حي 2009 وانتخاب رئيس جديد في 2007 يبقى حي 2013. قانون انتخابي سيئ 
جحدا يساوي بين اللبنانيين لحهة اعتماد معيار واحد للتقسيم الإداري ولكنه يبقي 
على النظام الاكثري. 

لا أمل» إذأء بقانون دعوقراطي فعلا. ولا أمل بالرهان على استيلاد قوی 
تقوم بدورها المجتمعي» وتقبل المحاسبة» وترفض أن بط على الناخبين يمظلات. 
لا ضرورة لتطوير الأداء وأدوات السجال لأن العلامات موزعة قبل إحراء 
الامتحان. 

عندما يحصل ما سوف يحصل سيقال: لم يكن في الإمكان... 

2004113 


التفاذ! 
مرض المعارضة الطفولي 


على طريقة «اليساروية» المرض الطفولي للشيوعية»» حكن القول «التفاؤل» 
امرض الطفولي للمعارضة اللبنانية». إن التفاؤل» في الواقع» هو أصل اليساروية وما 
يشايحها. إن التفاؤل» هذا المعى هو المشكلة الأصلية لأسامة بن لادن أكثر من 
«الأصولية» بكثير. من دونه ما كانت لتمارس نفسها. والتفاؤل هو العلة الي 
جعلت باطن الأرض حافلا بالقضايا العادلة المدفونة. 

لن نناقش مضمون ما قيل في لقاء البريستول وفي «برنامج العمل المشترك 
لقوى المعارضة». ولن نناقش التباينات الواضحة في الكلمات الي ألقيت وفي 
الوثيقة الي أقرّت. سنكتفي بتمرين يثبت أن «عارضاً تفاؤليا» حم على 
«البريستوليين»: وأن هذا العارض جزء من المشكلة وليس هو الحل. 

هذه عينات من التصور الوردي عن النفس: 

«الرهان الكبير على وحدتنا من كل الطوائف والمناطق». «البرنامج دليل 
قدرة اللبنانيين على الالتقاء». «بدأنا في تحقيق المشروع الوطي الكبير». «وضعنا 
يدنا على المحراث فلم يعد حائزا النظر إلى الوراء». «لحظات تاريخية... وثيقة 
جحت في جمع شل اللبنانيين». «إنها البيان الوزاري الوفاقي الحقيقي والمعارضة 
حكومة الوفاق الوطي الحقيقي ذات التأييد والتمثيل الشعي الأوسع». «وجه لبنان 
الحقيقي». «يوم مشهود». «لقاء ينتمي إلى حلقات اللحظات التأسيسية في تاريخ 
لبنان 21920 1943 1989». «إننا هناء مسيحيين ومسلمين» متحدون متضامنون 
إلى أقصى درحات الاتمحاد في الوطن». «نقطة تحوّل مهمة في تاريخ السياسة 
اللبنانية». «لم يعد مطلب السيادة الوطنية حكرا على فئة من اللبنانيين». «التغيير 
أقوى من الجرافات والمحادل». «لقاء مفصلي في تاريخ لبنان». 

يحب التسليم بأن ما حصل في بريستول مهم. لكن التفاؤل المبالغ فيه عند 
تقدير النفس» وإن كان ضرورة نضالية» ليس مرشدا لسياسة بحدية إلا إذا أرفق 

67 


68 الآن... هنا 


بقدر من التشاؤم الفعليء أوء بتقدير حقيقي لموازين القوى. إن لم يحصل الجمع بين 
الأمرين يصبح القفز في المحهول وارداء وتكون التنيجة قيادة فئات شعبية إلى مأزق. 
إن تحربة العقود الأخميرة في لبنان حافلة بالعبر شرط أن يكون هناك من يود 
الاعتبار. 1 

«البريستوليون»» إذاء قوم مصابون بحمى تفاؤلية. يتأكد ذلك من نظرتهم إلى 
خصومهم. هذه عيّنة أخرى: 

«إن الدولة في مواجهة مع المجتمع الدولي وبحلس الأمن». المدافعون عن الرأي 
الآحر هم ثلاثة أنواع «منتفعون» أو مخدوعونء أو خائفون». «الجتمع الدولي 
جاهز لمساعدتنا». «حكومة الذل والإذلال». «سلطة الأمر الواقع أنحبت سلطة 
قاصرة». مارساتهم غبية» سخيفة» وهم «غارقون في وحول الغياب عن الوعي»» 
حمقىء «لم يعد التحذير مفيدا». «هذا الرأي العام التف حول المطلب الشعبي 
الديموقراطي منذ أسبوعين في المختارة» ورأيناهم كيف حاولوا أن يسيّروا ما سّمي 
بتظاهرة المليرن وانتهت ببضعة آلاف مشارا إليهم بالسهم في ساحة البرج». 

نحن على أحسن ما يرام. هم من أسوأ وضع. العالم معنا. إن هذه هي» .عع 
ما معالم «الأزمة الثورية»: طبقة حاكمة عاجزة عن الاستمرار في الحكم؛ 
ومحكوم ون عاحزون عن أن يكونوا محكومين بمذه الطريقة. وامجتمع الدولي يحيّد 
الأدوات القمعية. والحصيلة أن لبئان ناضج لتغيير جذري وم يعد مطلوباً سوى 
توفير الأداة الذاتية لذلك. إن المعادلة القائمة قابلة للانكسارء الستاتيكو لم يعد 
مقبولاء ولقاء المريستول يودي الدور التارجني: إنه قابلة لبنان الحديد. 

حسنااًء لنستمر في هذه الترسيمة. لقد كان بديهياً في ضوء ما تقدم الذهاب 
نحو شعارات راديكالية. هذه عينة: 

«كل تسوية» ولو جزئية» على حساب السيادة الوطنية خيانة». «العيش في 
الخوف والعبودية ليس حياة». «لا بد من التغيير». «سنخوض الاتتخابات صفاً 
واحدا». «نرجو ألا يجعلوا التحوّل الدموقراطي مكلفا». «الانتخابات استفتاء على 
إدارة البلدء ومفهوم السيادة رالاستقلال» وعلاقة التبعيةء وعلى الحرية وإسقاط 
النظام الأمي». 


لبتان 69 


أي أن الأحوة في بريستول لم يغادروا الإيمان بالطريق البرلماني إلى تداول 
السلطة. غير أن المشكلة معهم تكمن هنا. فلقد كان من حقهم» ومن واجحب 
كل دعوقراطي لبناني» الدعوة إلى اعتماد قانون انتخابي عادل ودعوقراطي 
ويضمن التمثيل الشعبي. لم يفعلوا ذلك. أي لم يقترحوا مشروعاً متلائماً مع 
التقدير الواقعي لموازين القوى» وقادرا على إحداث فرز جديد. رعا كانوا 
مختلفين حول ذلك. لقد اختارواء» عوض ذلك اخحتيار عنوان آخر للمعركة 
المباشرة الت ينوون خوضها: تبديل الحكومة والإتيان بحكومة محايدة تضع قانون 
الانتخابات وتشرف عليها. 

هذا الشعار ببساطة غير واقعي. ونحن» حياله» أمام احتمالين لا ثالث هما: 
إما أنه مرفوع لتسجيل موقف فقط. وهذا مدخل لإحباط لاحق. وإما أنه 
مرفوع للتنفيذء أي لإسقاط الحكومة بالوسائل الديوقراطية. ولا وسيلة 
دمو قراطية لإسقاط الحكومة, عدا الاقتراع على الثقة في البرلمان» إلا الإضراب 
العام المفترح. وثمة همس كثير عن إمكانية اللجوء إلى تحركات ميدانية إنفاذا 
هذا الشعار. إذا حصل ذلك سنكون أمام ترحمة دقيقة للتأثير الذي تتركه «حُمّى 
التفاؤل» على بعض الأدمغة. 

أعطى «البريستوليون» انطباعاً بأن «قصر الشتاء» سيسقط في القريب 
العاحل» وأن لبنان يعيش عشية ثورة دكوقراطية لأن الأكثرية الساحقة من أبنائه في 
ضفة والأقلية المعزولة» المشار إليها بسهم في ساحة الو ج» في ضفة أخرى. 

كان يمكن القول إن هذا الانطياع خخاطئ. ولكن ما يجب قوله هو أن هذا 
الانطياع خطير. 


BB © * 


أشرنا آنفاً إلى أن النقاش الراهن سيتحتّب الدخول في المضامين. غير أنه ليس 
مكنا تحاوز عبارة قيلت في لقاء البريستول. لم يقلها «نحم» اللقاء. قالها غيره تمن 
هو عسوب على «خط الاعتدال». وف الاعتقاد أنها تعبّر بدقة عن الوعي الحماعي 
لكثير من الحاضرين. 


70 الان... هنا 


أما العبارة فهي: «لم يعد مطلب السيادة الوطنية حكر على فة من اللبنانيين 
بل أصبح مطلب فئات شعبنا بمشارهم وطوائقهم المختلفة». 

أما التعليق عليها فهو: 

أولاً ما زال وعي جماعي لبناني يعتقد أن السيادة الوطنية لا مارس إلا ضد 
سورياء وإلا لماقيل كلام من هذا النوع بعد استعادة السيادة اللبنانية من 
إسر ائيل. 

ثانيا إن هناك من يعتقد أن المعارضة إغا تقوم على أساس الأرجحية 
الإيديولوجية لفئة انتقلت من اجتكار الوطنية إلى مشاركتها مع قئات أخرى. 

ثالثاً إن احتصار «فقات شعبنا» بلقاء يضم ولو أكثرية جبلية ليس من الوطنية 
اللبنانية في شيء. 

رابعاً إن الأزمة» للأسفء أكبر تا كان يعتقد المتشائمون. وهي» فوق ذلك 
إلى تصعيد. 

200415 


الربيع اللبناني الحار 

ما يبدو أنه حرارة سياسية في هذا الشتاء الصقبعي اللبناني سيبدو بارداً حيال 
ما سنشهده في الربيع المقبل. 

المنطقة حافلة بتطورات تصب كلهاء ومن مواقع مختلفة» في بحرى تشديد 
الضغوط الأميركية على لبنان. 

هناك أو المللف النووي الإيراني. واشنطن ليست راضية عن الاتفاق بين 
«الترويكا» الأوروبية وطهران. ويتحدث أميركيون وإسرائيليون عن «خديعة» وقع 
فيها الفرنسيون والألمان والبريطانيون. ولوحظء في الأيام الأخيرة» تركيز الاتهامات 
على الدور الإيراني «التخريي» ف العراق وفلسطين ولبنان. ومن المقدر أن تعاود 
إدارة بوش وضع إيران على جدول أعماها. ولهذا القرار المرجح بعد لبناتي أكيد. 

سواء تطور الوضع العراقي بعد الانتخابات (إذا حصلت) نحو استقرار وإدارة 
الأزمة أو نحو تدهور خطير فإن الولايات المتحدة ستواصل الضغط على سوريا. 
ستفعل ذلك إذا كانت مرتاحة وقادرة على استخدام المنصة العراقية» وستفعل ذلك 
إذا تفاقم تورطها واضطرت إلى حمايته. ولبنان ساحة من ساحات توحيه الرسائل 
إلى دمشق. 

دعا أرييل شارون في مؤتمر «هرتسليا» إلى حعل 2005 «عام السلام». 
والسلام بالمعى الشاروني يعي التمهيد؛ في غزة وغيرهاء لإلغاء حق العودة» وضم 
الكتل الاستيطانية» وإخراج القدس من التفاوض. في هذا الوقت يستفيد محمود 
عباس من نحلو الساحة من أي منافس ليحول الانتخابات الرئاسية إلى استفتاء حول 
«عسكرة الانتفاضة». أي إنه في الوقت الذي تضعف فيه احتمالات السلام العادل 
سيحاول رئيس منظمة التحرير تحريد قوى فلسطينية مًا تعتيره قدرة تأثير مهمة. 
وعا أن شارون يقدم أفكاره» وعن حق» بصفتها «تفاهمات» مع بوشء وعا أن 
الإدارة معنية بتسهيل الأمور أمامه» وعا أا تستدرج إلى هذا السلوك دولا عربية 
نافذة» فإن سورياء ومعها لبنان» سيكونان في حط المرأى. 

71 


72 الان... هنا 


لقد كرر مسؤولون إسرائيليون في مؤتمر هرتسليا مواقف معروفة. غير أن 
الكلام في هذا المنتدى ذو وزن أكبر. قال سيلفان شالوم إن إسرائيل بادرت» من 
سنة» إلى شن حملة لإخراج سوريا من لبنان» وعرض لا تقوم به بلاده ضد «حزب 
الله» داعيا إلى جعل العام المقبل عام جاحات. اقترح على دمشق تناسي الحولان 
والتركيز على إجراءات بناء الثقة مع تل أبيب عبر الانتقال من «معسكر الإرهاب 
إلى معسكر السلام» وإقفال مكاتب المنظمات الفلسطينية. اعتير أن إيران «قديد 
وحودي». مالم يقله شالوم بوضوح قاله بنيامين نتنياهوء ففي رأي الأخير أن 

سوريا ضعيفة وأن في الإمكان انتراع الحولان هائياً منها موافقتها! 

ليست هذه بحرد آراء. إا عناوين لسياسات فعلية. وف اعتقاد المسوولين 
الإسرائيليين أن المرحلة المقبلة «حصبة» بإمكانية تصعيد الضغوط من أحل فرض 

إرادقم على حيطهم. 

لا تخفي واشنطن وتل أبيب أهدافهما. إن قصدهما المعلن هو توفير الشروط 
من أجل دفع الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين والإيرانيين للتنازل عن 

مطالب وطنية تخص كل شعب من هذه الشعوب. 

إن الصراع الداخلي في لبنان حزء من هذا المشهد الإقليمي. يمكنء لمن يريد 
إسناده إلى معطيات داخلية وجيهة ولكن ليس في الإمكان رفض الحقيقة البديهية 
القائلة بأن هذا الصراع هو أسير معادلات تتجاوزه ولا فكاك له منهاء ولا قدرة 

على قراءة عقلانية له خارحها. 

ومن وضعنا التفاصيل انبا أمكن لنا أن مز قيارين لبنانيين م ركزيين: 

1. يقشكل الأول مسن القوى الداعية (والعاملة) لأن يكون بلدها وزناً في كفة 
التسويات العادلة لأزمات المنطقة. وح لو كان الخطاب السياسي لبعض هذه 
القوى يفيض عن الدعوة إلى التسوية فإن الحصيلة الواقعية خاضعة لسقف محدد: 
تمكين الشعوب المعنية من تحصيل الحد الأدن المعقول من حقوقها. ينقسم هذا 
اتيار» طبعاء إلى فروع. منها من يتب هذه الوجهة لأن سوريا تريد ذلك. ومنها 
من ينظر إلى العلاقة مع سوريا انطلاقا من موقفه الأصلي من المنطقة وقضاياها. 
ومكن القول إن «فرعاً» قد يسيء إلى الآحرء ولكن مصيرية الوضع تقدم ميررات 


لبنان 73 


(ولو غير مقنعة) للتخاضي عمًا لا كن التفاضي عنه في ظروف أخرى. 
2. يتشكل التبار الثاني من قوى تقترح سياسة حيال «حزب الله»» وسورياء وفلسطين» 
وتقنمها بصفتها «مصلحة وطنية لبنانية»» وتصر على نكران حقيقة أا تصب في 
بحرى التعديل المرغوب أميركياً وإسرائيلياً. لا تفعل هذه السياسة سوى الس موازين 
القوى المختلة أصلاً الجعلها أكثر اختلالاً ولحعل أي حل عادل أبعد منالاً. ويعني 
ذلك في النهايةء الإبقاء على كثير من عناصر التوتر والانفجار في للنطقة. 
هذان التياران على موعد مع مواجهة تنطلق شرارتها الأولى مطلع السنة المقبلة 
مع وضع قانون الانتخاب على النار. والانتخابات» في الأحوال الطبيعية» مناسبة 
فرز وتصعيد فكيف في ظل تحدد التحاذب حول لبنان. ويجب أن نضيف إلى ذلك 
أن الربيع هوء أيضاء موعد صدور التقرير الثاني للأمين العام للأمم المتحدة كوفي 
أنان عن لبنان. ولا مبالغة في القول إن هناك بينناء من يعتبر أن من واحبه تأمين 
«مادة» حدية هذا التقرير بحيث يكون في الحد الأدن كما الأول وفي الحد الأقصى 
ملامساً لطرح موضوع العقوبات. 
إن القوى الدولية (أميركا وإسرائيل تحديدا) التي تصوغ سياستها آخذة المدى 
الاسستراتيجي في الاعتبار» لا ترى إلى المشهد السياسي اللبناني إلا بعلاقته العضوية 
مع هذا الحيط. ومهما كابرت الأطراف اللبنانية» ومهما كان وعيها لأدوارهاء 
فهي» في فاية المطاف (ورعا في بدايته)» جزء من استراتيجيات تتعاطى مع «الشرق 
الأوسط الكبير» لا مع «لبنان الكبير» ولا مع «متصرفية لبنان الصغير». 
لا يصادر هذا الاستقطاب الحياة السياسية اللبنانية كلها. ثمة تحال نظرياء 
ل «خحط الث» لا تضيع عنه موجبات الخيار الإقليمي الراهن» ولا يصمت عن 
الاتتهاكات للرتكبة باسم هذه الموحبات. غير أن هذا «الخط الثالث» لا بعلك اليوم» 
قوى وازنة وقادرة على أن تلمج في مشروع وطن ما هو «شرعي» ف برامج الكتلتين 
المتصارعتين. قد يكون هذا واحدا من وجوه المعضلة اللبنائية» وسيبا من أسباب 
الإحباط الذي يعيشه بعض من يلك وجهة نظر أخرى في إدارة العلاقات اللبنانية 
اللبنانية» واللبنانية السورية يرى أنها الأكثر قدرة على توفير أسباب الصمود. 
200418 


لحظة الانقطاع 


هناك من فعل كل شيء؛ كل شيء حرفياء حى يكون متهماً باغتيال الرئيس 
رفيق الحريري. لم يعد باقيا إلا ضبط الحاني الملطخة يده بالدماء. وح لو سلمنا 
ب «نظرية الموامرة» الرائجة (الحقيقة الحقيقية هي غير ما يبدو الأمر عليه)» فإن 
ذلك لا يغيّر شيعا في التتيجة الواقعية: ان السلطة متهمة إلى أن تثبت براعقا. هذا 
إذا ثبتت. إن هذه القناعة راسخة لدى قطاع واسع جداً إلى حد انه لو تبن أسامة 
بن لادن شخصيا العملية لقيل انه «عميل» عند خصوم الحريري, 

لا أحد يملك قياسا لمعرفة اتحاه الرأي العام. غير ان الانطباع السائد يقول إن 
المعارضة باتت تمثل أكثرية شعبية. لم يحصل مرة أن كانت السلطة معزولة إلى هذا 
الحد» وصدقيتها موضع شكء وقاعدة ارتكازها بمثل هذا الضيق. لو كان هذا هو 
المعيار لوحب على هذه السلطة ان ترحل. فمن المفزع جدا ان يعيش المواطنون في 
ظل قناعة موادها أن «الدولة» تقتل مواطنيهاء وتسخّر مؤسساتها للطغيان على من 
لا يقول قوها. 

يتأممس على هذا الانطباع استنتاج سياسي شديد الدلالة: ثنائية الشرعية. ثمة 
شرعية أولى معزولة ومدانة ومتهمة وتعاني من خلل تكوين. وثمة شرعية ثانية 
شعبية» صاعدة» دينامية» تنتظر التداول. لقد استهدف «اجحتمع الدولي» الأولى 
لأسباب خاصة لمصالح الدول النافذة فيه. ويأتي اغتيال رفيق الحريري ليعزل 
الشرعية نفسها عن المحيط العربي. فالرحل يمثل؛ في العمق» حضوراً عربيا في لبنان 
وجسرا من جسور علاقة البلد .عحيطه. 

سيكون اليوم مناسبة لترجمة هذه العزلة الداخلية والخارجية ولتأكيد الخلل 
ضمن الثنائية. ففي يوم الجريكة عقد احتماع في بعبدا قابله اجتماع في قريطم» 
وأعلن حداد عن بدا وإضراب من قريطم» ودعي إلى مأتم وطن من بعبداء وإلى 
مأتم شعي من قريطم يستبعد مشاركة السلطة رسيا فيه. خطان متوازيان يتنازعان 
النطق باسم بلد واحد. إن اليوم يوم احتبار. من سيأتي من الخارج؟ من يستقبله؟ 

74 


لبنان 75 


من يرافقه؟ إلى أين يتوحه؟ هل تحصل مقاطعة لرموز الحكم؟ هل يزور المعرّون أهل 
السلطة المتهمة من جانب أهل الفقيد؟ هل يزكي الزوار المعارضين وحدهم؟ وفي 
السياق نفسه يتجه «المجتمع الدولي» إلى التصرف وكأنه وصي تصدر مواقفه عن 
انقسام تمثل المعارضة فيه أكثرية مهددة من قبل حكومتها. 

لا شك في الاستهدافات الخاصة لقوى خارجية. ولكن لم يعد مكنا السكوت 
عن الجهات الي لم تترك وسيلة إلا واعتمدتها من أجل إسناد أي تدخل حارحي 
إلى مرتكز علي تزداد؛ یوما بعد يوم» قوته وححته! 

يدحل لبنان في لحظة انقطاع حاد. نحن» اليوم» على عتبة الوصول الى المرحلة 
الي لن يعود ممكناً فيها انقاذ أي شكل إيجابي من العلاقات اللبنانية السورية. إن 
الحاولة المستميتة» والمميتة» والمستحيلة لتثبيت الوضع القائم ولدت اعتراضا يدعو 
عن صدق أو خحبث» إلى صيغة أخرى للعلاقات الثنائية؛ مختلفة لكن أخوية. إن هذا 
النوع من الاعتراض هو قيد الاغيار. من كان يومن به بات» اليوم» أقل إعانا. ومن 
كان يضمر غير ما يعلن بات في موقع القدرة على الجهر. 

إن السؤولية عن هذا التحول الزاحف تقع» بدرحة حاسمة» على الحكمين 
اللبناني والسوري. لقد أتيحت هما فرصة مديلة من احل بناء روابط عميقة» 
شعيية» اقتصادية» سياسية» استراتيجية. غير انما أسقطا هذه الفرصة وغلبت 
السلبيات الايجابيات .عا ل يعد مو حا اعتباره جرد أخطاء متكررة. 

يبدو أن العطب بنيوي» ولا علاج له إذا كان ثمة علاج» الا بتحولات 
حذرية... جذرية في الاتحاه المعاكس تماما للعلاجات الحذرية المتبعة. 

الأزمة اللبنانية إلى تفاقم. ثمة أكثرية شعبية تريد التحول إلى أكثرية سياسية» 
وثمة أقلية متحكمة بالموسسات وتعاند أي تغيير. كل ما يحصل ف العام والمنطقة 
يدفع نمحر مزيد من الاحتدام ويعزز موقع فريق على حساب فريق. ولا شيء 
يضاهي عنف الضغط الخارجي على سوريا ولبنان للتنازل عما هو شرعي في 
مواقفهما إلا بوس الأداء في الرد والممانعة والتصدي. 

يقال إن الواجب الأول لرحل واقع في حفرة هو أن يكف عن الحفر. هذه 
البديهية لا تبدو بديهية. هناك من يحفرء في لبنانء قبرا للوطنية والعروبة مستغريا 


76 الآن... هنا 


أشد الاستغراب سلوك من يتردد في القفز إليه لدفن نفسه فيه. ويطال الاستغراب 
تحمرؤ البعض على التأكيد بأنه يسير إلى الحاوية بعيون مفتوحة ومن يعلن أنه أسير 
مواقف ومواقع ما بنع «وعي الخسارة الحتومة» من إرغامه على زيادة منسوب 
الانتهازية في خياراته. 

إن لبنان الذي سيولد من الأزمة المتفاقمة هو لبنان المعارضة. هذا هو الافق. 
وتتشكل معالم هذا البلد الجديد أمام أعين الجميع من غير أن يسمح غباء الحكام 
بقياس حدي لكفاءة حصومهم. لا نعرف موازين القوى قي هذا «اللبنان» المستولد 
علا ان غياب رفيق الحريري يدخل عليها تعديلاً دراماتيكياً لحساب اللنناح الأكثر 
تشدداً في المعارضة» والاكثر ابتعادا عن أي وصكفة للعروبةء والاكثر حذرية في 
السلبية حيال المحيط. لا نعرف» كذلك» برامج القوى الصاعدة» ولا حلوفا. 

إلا أن هذا المسار يطرح سؤالاً ويثير قلقا. 

أما السؤال فيتعلق بكلفة المخاض. ستكون عالية على الارجحح. أما القلق فهو 
على مصير المقاومة وما تعنيه من تحسيد لخيار إقليمي يعاند إعادة هيكلة المنطقة 
وفق المشروع المعبر عن اندماج العدوانية الأميركية بالتوسعية الإسرائيلية. 

ومن اللافت أن المقاومة هي الي تدفع أغاناً فادحة بدلاً لأخطاء يرتكبها 
غيرها باسم حمايتها. لقد باتت» بعد 14 شباط؛ في موقع أكثر هشاشة نتيجة 
المعطيات الناتجة عن جرعة اغتيال الحريري. 

200 016 


تقرير عن سير الأعمال 


مشروع نقل لبنان من موقع إلى موقع يتقدم. لم يخض؛ بعد أيأ من معا رکه 
الفاصلة لكنه يستعد لذلك. الجهات الى ترعاه أكثر نجاحاء .ما لا يقاس» في هيئة 
المسرح لصالحها من الحهات المدافعة عن الأمر الواقع. 

المشروع جزء من إعادة هيكلة المنطقة تحت ضغط العدوانية الأميركية -حظة 
التقائها بالتوسعية الإسرائيلية. أهداف المشروع شبه معلنة: إفاء «حزب الله» 
كمقاومة ضاغطة على إسرائيل وداعمة للفلسطينيين» حرمان سوريا من الحد الأدق 
من القدرة التفاوضية» تنفيذ خطوات استباقية تحسباً لتطورات الملف النووي 
الإيراني. 1 

لقد كان مقدرا لهذا المشروع أن يسعى إلى تحقيق اختراقات غداة الانتخابات 
العراقية» وبعد «النحاح» النسبي في إنعاش موسسة التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية. 
ولكن مالم يكن في الحسبان تماماً أن ينضاف شرط لبنان إلى الشروط الإقليمية 
الملائمة» وأن يكون ذلك على مستوى جرعة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. 

إن مشروع نقل لبنان من ضفة إلى ضفة كانت تنقصه. إلى حد ماء «الحلقة 
اللبنانية». ما القصد من ذلك؟ 

ينبين «قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان»» والقرار 1559ء على 
فرضية تقول إن أكثرية اللبنانيين هي مع مطالب الانسحاب السوري الكامل» 
وإرسال اليش إلى الجنوب؛ وتمريد حزب الله والمخيمات الفلسطينية من 
السلاح... غير أن هذه الفرضية لم تنحح في الامتحان الداحلي. لقد بداء حى قبل 
أسابيم» أن أكثرية اللبنانيين قد تكون صاحبة رأي آخر. ولم يكن صدفة أن يتركز 
النقاش اللبناني» ولشهورء حول عناوين مثل «الاستفتاء»» «الدركوقراطية العددية 
والدعوقراطية التوافقية»» «العدد والنوع», «المعارضة الي ثمثل إجماع اللبنانيين»»› 
الخ... إن هذا النقاش» السخيف للوهلة الأولى» متصل بصحة أو حط الفرضية الي 
نمض عليها القانون الأميركي أو القرار الدولي. 

7 


8 الان... هنا 


ولقد انعكس ما تقدم في صياغة قانون للانتخاب محكوم بممّين. الأول 
الحصول للموالاة على أكثرية نيابية. ثانياء عدم إثارة فضيحة تستدرج المزيد من 
التدخل الخارحي وذلك عبر إرضاء الجناح المسيحي من المعارضة. غير أن ثمن 
الإرضاء كان الدعوة إلى احترام خط أحمر هو عدم جواز التحالف مع الحريري. 
أي أن السلطة فضلت أن ترضي القوى الأكثر جذرية في المعارضة من أجل 
إغرائها بالابتعاد» ولو انتخابياء عن من صنفته السلطة القائد الفعلي لمذه 
المعارضة. 

وحد الحريري نفسه» وبا يمثل محلياً ودوليا وعربياء قي موقع القدرة على 
الترحيح. إذا رفض الانحياز إلى المعارضة وشعاراتها بقي المشروع الدولي حيال لبنان 
فاقداً للمند المحلي المقنع القادر على التحول إلى أكثرية نيابية. وإذا مال إلى 
المعارضة أمكن القول إن «الحلقة اللبنانية» باتت جاهزة وإن في الإمكان افتتاح 
ورشة التنفيذ الجدي لإعادة صياغة موقع لبنان الإقليمي. 

اغتيل رفيق الحريري عند هذه اللحظة. 

يقتضي العرف القول أن لا داعي لاستباق نتائج التحقيق. هذا صحيح. لكن 
روزنامة التحقيق يصعب ضبطها على الروزنامة السياسية. ثمة جرائم مزمنة لم 
تُعرف أسرارها ولن تُعرف. ومن المرعب التفكير في أننا قد لا نعرف» بالضبط» من 
قرّر وخطط وأشرف ونفذ. ولكن ما نعرفه تماماً هو أننا أمام معطى سياسي جديد 
في لبنان. وهذا المعطى ناجم عن ميل جمهور الحريري عفوياً إلى تحميل السلطتين 
اللبنانية والسورية المسؤولية» والانتقال السريع لهذا الجمهور إلى صفوف المعارضة 
وشعاراقاء هذه الشعارات الي شهدت تحذيرا كببراً عتباراً من 14 شباط. 

إن الحجة الوحيدة المستخدمة لتبرئة الجهات المتهمة سانا رطالا أن لا دليل 
حسياً على الإطلاق) هي أن الاغتيال أدى إلى توسيع القاعدة الشعبية للمعارضة بما 
يضر الجهات المتهمة... لذا يتوجب التفتيش في مكان آخر. كان يمكن لهذه الحجة 
أن تكون وازنة أكثر لولا أنه في الإمكان إعطاء عشرات الأمثلة عن خطوات 
ارتدت على الذين أقدموا عليها. فالعقلية الحاكمة ليست عقلية تراقب المزاج 
الشعبي؛ وتفشى تحول كتل بشرية» وتعرف كيف تتراحع وتبادر» وتناورء 


لبنان 79 


وتغري... كلا. إا عقلية تذهب إلى ما تريد غير سائلة عن درحة المواكبة الشعبية 
فإذا واجحهتها مشكلة تحلها بتدبير إداري يبدا ام القضاء ويتدرج E‏ 

المعطى السياسي الناحم عن الجرعة وفر «الحلقة اللبنانية» المطلوبة: لقد بات 
في الإمكان القول إن نقل لبنان من ضفة إلى ضفة هو مشروع يحظى بتأييد أكثرية 
اللبنانيين. بات في وسعه أن يندرج تحت عنوان حذاب: نشر الديموقراطية في 
الشرق الأوسط الكبير. 

انعكس هذا التحوّل في عدد من المحالات: 

أولاً حولت بر وكسلء لأيام» إلى عاصمة التقرير في شأن المصير اللبناني: إنه 
بلد ذو تقاليد دكوقراطية ولكنه خاضع لجار مستبد» وواحب المجتمع الدولي مد اليد 
إليه لإنقاذه. لا شعار أفضل من هذا الشعار لتجديد الروابط الأطلسية واستذكار 
أن الحلف يض أصلاٌ للدفاع عن «الحرية». 

ثانياً لم يعد مطلوباً البحث عن أسباب دعوة سوريا إلى الخروج؛ وتجريد 
«حزب الله من السلاح. هذه قضايا إشكالية (تطبيق الطائف أم 1559؟ إدراج 
الحزب على قائمة الإرهاب أم لا؟...). بات يكفي رفع لواء «حرية الشعب 
اللبناني» وإدراج ذلك في سياق حروب الحرية المتنقلة من أفغانستان» إلى فلسطين» 
إلى العراق. تحت هذا الشعار يمكن تمرير كل الباقي: بحنة تحقيق دولية» بدء التطبيق 
الفوري ل1559 شرطا لضمان نزاهة الانتخابات» حضور المراقبين الدوليين 
للعملية الانتخابية... باتت الانتخابات نقطة توسط مفصلية بين ما يتوحب تنفيذه 
قبلها تحضيرا لها وما سيتأسس على نتائجها. وكل انزياح عن هذا الخط المستقيم 
يعن أن تزويرا حصل وأن الحرية مهددة وأن المثال الأوكراني جاهز. 

كانت الانتخابات سلاحا في يد السلطة. إهاء اليوم» سلاح ذو حدين. 

ثالكا استدعت الجرعة التدخحل العربي. فالحريري رحل النظام العربي في لبنان. 
ولكن التدحل حصلء أيضاء لأن منسوب المخاطر ارتفع. والرسالة العربية إلى لبنان 
وسوريا هي دعوة للتأقلم مخ الوضع الدولي وتحنب أي مواحهة. كانت مصر 
واضحة في هذا الممال. غير أن الأنظار تتجه فعلا إلى المملكة العربية السعودية بحكم 
علاقتها الخاصة بالراحل وأسرته. المملكة معنية طبعاً بإرث الحريري» وبسنّة لبنان. 


80 الان... هنا 


ولكن السؤال هو عن النصيحة الي ستوجهها إلى الورثة السياسيين للحريري؟ إن 
حصيلة أي تدخل عربي هي السعي إلى تأمين مخرج. ولكن لا مخرج من دون 
قرارات سياسية كبرى تتخذها سوريا. 

رابعا ازدادت صدقية الطعن .عشروعية السلطة. إن تحول «الحوار» إلى شعار 
سلطوي إقرار بنقص المشروعية. إن الرد السياسي على العمل الأمئٍ يضع المعارضة 
في موقع الأرححية الأخلاقية بالنسبة إلى مواطنين عاديين (ونحن منهم). تبدو 
المعارضة محقة عندما ترفض الحوار وكأن شيعا م حصل. وتبدو محقة أيضاً عند 
المطالبة بلجنة تحقيق دولية. وتبدو محقة أيضاً عند المطالبة بحكومة حيادية... 

قيل إن اغتيال الرئيس الحريري عملية تسريع للتاريخ... إلا أنه تسريع في 
الاتحاه الذي كان يسير فيه: انكشاف سوري لبنافي حيال الخار ج» انكشاف 
سوري في لبنان» انكشاف السلطة اللبنانية حيال امجتمع. 

المودى الراهن هو أن مشروع نقل لبنان من ضفة إلى أخرى» حسب آخر 
تقرير عن سير الأعمالء هو في حالة حيدة. صحيح أنه لم يواجه بعد العقبات 
الحدية إلا أنه مهد لذلك بنجاح. 

من حق معارضي هذا المشروع أن يشعروا بنوع من اليتم. فالأداء الرسمي 
السوري اللبناني يبدو أنه عنصر مساعد في هذا الانتقال لأنه يملك طريقة خاصة في 
مقاومته تسدي إليه» كل مرة» أفضل الخدمات. 

20065 


هل عثرنا فعلا 
على «أسطورة مؤسسة»؟ 


هل نعيش» في لبنان» لحظات تأسيسية؟ 

نعم يجيب متفائلون. لقد توحد اللبنانيون في تشبيع الرئيس رفيق الحريري. 
تناغمت التيارات السياسية المعازضة والمعبرة عن الطوائف والمذاهب كلها. كانت 
الشعارات متشابمة ولو أن هناك من يمارس عليها وكالة حصرية. كان الحزن عميقاً 
حداء وحقيقياً, الأهم من ذلك أنه كان عاماً وعابراً للمناطق والأجيال والطبقات 
والطوائف. لم يسبق للبنان أن انخرط في عملية شبيهة تذوب فيها العصبيات 
والفروقات. 

نعم بات لبنان يعلك «أسطورة مؤسسة». كل بلد يحتاج إلى ذلك. ولبنان 
شديد الاحتياج إلى ما يساعده في ابتناء هوية وطنية جامعة تتعرّف فيها إلى نفسها 
مكوناته وفثاته الراغبة في عقد سلام فيما بينها يتجاوز برد الهدنة والاتفاقات 
الموقتة. 

استشهاد رفيق الحريري هو حجر الأساس في هذه الأسطورة الموسسة. لبنانية 
الرجل الغنية عن اليرهان معطوفة على عروبة وديعة وحميمة وصادقة معطوفة على 
نبل في السلوك الاجتماعي حيال الفقراء معطوفة على تطوير للدور الاقتصادي 
اللييرالي المرسوم للبنان معطوفة على الصلات الي تذكر المواطن بعالمية الاتشارء 
إلخ... إن هذه العناصرء وغيرهاء تشكل الضالة الي حث عنها المواطنون جميعاً 
ولكن لم يكن في وسعهم الاهتداء إليها لولا أن دهم دوي الانفجار المدبر من 
سلطي العمالة والوصاية. إذا كنت مسيحياً فلك في الحريري حصة» الحريري 
الشهيد خاصة: وإذا كنت مسلما فالأمر كذلك. وأيضاً إذا كنت غنياً أو فقيراء 
مدينيا أو ريفياء فرنكوفونياً أو أنغلوفونياء عرويباً أو لبنانياً... 

كان لبتان» في تشبيع الحريري» شبيها بمسرح الرحابنة عن لبنان. تبخجرت 
التباينات والخلافات والتمايزات والتعددية وعاد الكل» في قلب المدينة الحديثة» إلى 

81 


82 الآن... هنا 


هناءة ريفيةء إلى سكونء إلى دعةء إلى تحابب لا يعكره سوى غريب أو طارئ أو 
طابور خامس أو مندس. بداء لمرة» أن مستحضرات الفولكلور يمكنها أن تكون 
جدية: المآذن والأحراس» الجوامع والكنائس» الإنجيل والقرآن؛ الأشرفية والبسطة» 
من دون أن نتسى» طبعاء أن لبنان طائر يحتاج إلى حناحين! ولقد كان ملفتاً أن 
كاباً ومعلقين وسياسيين ومثقفين استغرقتهم هذه الحالة وأخذتهم فكتبوا أن شعبا 
حديدا يولد وأن الفينيق ينبعث» وأن نظرية صدام الحضارات سقطت» وأن 
الوحدة الرطنية اتتصرت على المتشككين؛ وأن الجوهر اللبناي خرج من مكنونه. 
لقد قيل» في أيام» عشرات المرات أكثر ما قيل خلال سنوات تمجيدا هذه المعجزة 
اللبنانية» لهذا الاجتراح العجائبي؛ لهذا الاختراق الخارج عن المألوفء هذه الظاهرة 
العصية على التفكير» أيء باختصارء لهذه الخرافة ال ذهبنا منهاء غير مرة» نحو 
الحروب الأهلية» والاقتتال» والتصفيات الممجيةء والتطهير الطائفي» وحسم الخلل 
الديموغرافي بالإبادة» والاستعانة بكل قوة أجنبية» وارتكاب الجرائم ضد 
الإنسانية... 

لقد اندلق المخزون الإيديولوجي اللبنانوي مرة واحدة بحيث كان مستحيلا 
خلال أيام» وربما في المستقبل» الخلاص من عبق التآخي وانحبة والانصهار وكل 
المترادفات الممائلة الواردة في قاموس الابتذال المعروف. 

لقد انتبه البعض إلى «الطائفة الغائبة». وارتفعت أصوات تدعو إلى إشراكها 
وتناش دها الانضمام وعدم كسر الإجماع. ولكن ميز بإبداء قلق كبير من هذا 
الغياب من يعد العدة ويشحذ السكاكين استعدادا لاستكمال الاستدارة من موقع 
إلى موقع متخفقاء لحظة بعد لحظة» من أي رقابة أحلاقية. 

يستحق الرئيس الحريري التشييع الذي رافقه إلى مثواه الأخير. وأكثر. 
والحريري سياسي لم تحده طائفته. ولقد مثل» في مرحلة من تاريخ لبنان» 
إمكانية جدية لإعادة ت ركيب البلد على معادلات جديدة. واغتيال الحريري 
استفزازي إلى أبعد حد. ولا شك أن الحزن عليه حقيقي وعميق. ولا شك في 
المعاني الكبيرة للاتمامات الشعبية الي حددت الحهات المسوولة. ولم يكن ممكداً 
التقليل من قيمة المشاعر الغاضبة الي لفت اللبناتيين وغيرهم وأزالت حواحز 


لبنان 83 


كثيرة من أمامها. ليس هذا كله موضع شك. ما هو مطروح للبحث هو 
السؤال: هل نحن فعلاء أمام لحظة تأسيسية بالمعيى الذي يسمح بنهوض بناء 
وطي متين فوقها؟ 

السؤال أكثر من ضروري. ففي وجه ما يبدو تضخما تفاؤلياً طقوسياً مة قلق 
بين يساور اللبنانيين ويتجاور مع الشعور بأن الوحدة السلبية في الحزن قد لا 
تكون» وحدهاء عاصماً دون الأزمات القادمة. هناك من قال إن الانقسامات 
اللبنانية تعمّقت في السنوات الأخيرة فهل يتوجب تصديق الإيحاء القائل بأن 
المصالحات ألغت الخلافات وبأن مناخا جديدا يسود؟ 

هل حضرر الأعلام كلها والصور كلها في مكان واحد» وضد «عدو» 
واحد. يدل بشكل كاف على أن دينامية التنابذ الي تفاقمت في لبنان قد توقفت 
وحلت محلها دينامية تقارب تستطيع إنتاج صيغة توحيدية؟ 

تدر الملاحظة أن الأكثرية الساحقة من حملة الأعلام والسائرين وراءهم لا 
تملك كلمة انتقادية واحدة تقال في حق ممارسات سابقة. 

نريد أن نعرف» علام يندم الاشتراكيون المتفاخرون حى الأمس بحروب 
الحجبل ضد «القوات» في حين أن القواتيين لا يندمون على السلوك الذي 
أوصلهم إلى الحبل إياه؟ هل قدم الشماعنة نقداً ذاتيا عن «المرحلة الإسرائيلية» 
وأحد قادتهم يجاهر بأنها فترة ذهبية سمحت بإحباط المشروع الإسرائيلي لتوطين 
الفلسطينيين (1) بواسطة السلاح الإسرائيلي؟ هل خطا العونيون فعلاً حطوات 
لملاقاة الآخرين بقدر ما فعل هولاء المنحازون تباعا إلى شعارات حاربوها؟ هل 
يستطيع أحد أن يشرح لنا «الصيغة الجديدة» بغير التعريف السلبي ضد الوحود 
السوري؟ نحو أي توازنات نحن متجهون؟ نحو أي تقاسم للسلطة؟ نحو أي ملء 
للفراغ الذي تسركه غياب رفيق الحريري؟ نحو أي سيادة؟ نحو أي منظور 
للإاصلاح الداخلي سياسيا واقتصاديا واحتماعيا وإداريا؟ كيف سيوظف أمراء 
الطوائف والمذاهب انتصارهم على «الدولة الأمنية»؟ ما الصلة بين رفع منسوب 
الكلام عن الانصهار حى الذوبان في بوتقة «الشعب الجديد» وبين الإصرار 
على الطبيعة الطائفية للنظام السياسي؟ 


84 الآن... هنا 


والسؤال الأهم هو: ألا تبدو لحظة التوافق هذه أقرب ما تكون إلى الحظة 
توصل دونات المافيات الطائفية إلى الطريقة المثلى للتقاسم وتوزيع الحصص وتنظيم 
تحصيل المخوات؟ هل تلوح دولة مركزية ما وراء هذا الانقلاب الزاحف؟ أما عادت 
الفدرالية» ورعا التقسيم» شبحا يلوح حلف التوازنات الناشئة؟ هل يعقل أن يكون 
اغتيال الحريري قد أزاح العقبة الي كانت تعترض وحدة اللبنانيين وذلك حي لو 
كان ذلك ععێ ارتداد الاغتيال على مرتكبيه؟ 
إا أسئلة لا اتقامات. وهي أسئلة المتشكّك الملدوغ غير مرة» والعاحز عن 
الاعتقاد بأن حديدا رائعاً ستصنعه هذه النخبة المنخورة بالفساد والطائفية 
والانتهازية؛ والداخلة في صراع ضار على السلطة مع الجناح الحاكم الذي يوازيها 
فسادا وطائفية وانتهازية. على هذه الضفة من المواحهة كما على الضفة الأخرى 
نمة عناصر «كشفية» بريئة» ولكن على هذه الضفة كما على الأخرى تبقى 
السيطرة لقطاع الطرق. 
2005|26 


«انتفاضة الاستقلال»: 


يعاني ما يكتب عن «انتفاضة الاستقلال» من تبسيطية مذهلة. 

تقضي الحقيقة القول إن أحداً لم يدن هذا التحرك ويعتيره بحرد ترجمة ميدانية 
لموامرة يجري تنفيذها ضد العلاقات اللبنانية السورية» وضد عروبة البلد. رعا هناك 
من يرى إلى الأمر يذه العقلية إلا أنه خفيض الصوت. 

الغلبة الكاسحة هي لتمجيد التحرك وإسباغ كل النعوت الإيحابية عليه. 
لقد بتنا أمام معادلة تزعم: «أنت شاب منتفضء إذن أنت على حق». إنه ربيع 
بيروت. إنه الحلم المستعادء إا السياسة وقد عادت إلى احتلال الساحة» إنه 
اندراج في المزاج الكون الديموقراطي «الحقوق إنساني»» إنه رفض للعسف 
ورفض المساءلة وانعدام الحرية... ويتميز بعض من يكتب بأنه يسقط على 
الشباب وعيه فإذا بالاتفاضة رسالة إلى شعوب الحوارء وانبعاث العروبة 
الجديدة؛ ودرس لبناني إلى مقموعي المنطقة من أحل كسر الأغلال وتدشين 
شضة حديثة. 

وني حين يتم الاستغراق في هذا الوصف الأخلاقي يتم ذلك باسم «عودة 
السياسة» علماً أن الغائب الأكبر عن التقييم هوء بالضبطء «السياسة». رعا كان 
ما يجري في لبنان أهم نما يسمى «السياسة السياسوية» لكن لا أحد يجرؤ على 
مغادرة التبسيط من أحل تحمل المسؤولية الكاملة عن وضع ما يجري في سياقه 
الحقيقي . 

هناك من يعتقد أن التبي الأبوي للهبّة الشبابية هو أقصى النقد الراديكالي 
للسلطة القالمة ولسلطة الوصاية. إلا أن الحقيقة هي أن المعيار الحدي 
للراديكالية» اليوم» في لبنان هو في التعاطي النقدي مع هذه البّة» أي التعاطي 
غير المضطر إلى قمع ابتهاحه ولكن المهتم بأن يضفي قدرا أكير من العقلانية 
على الأحداث المتدافعة الي نشهدها. 

85 


86 الآن... هنا 


رعا كان المدحل إلى هذا ق الراديكالي فعلاً هو التسليم» بادئ ذي بدی 
نان التصورة اف ي كيا و قدا تعبّر الانتفاضة الشبابية عن احتجاج يملك 
مشروعية لا تناقش» ولكنهاء أي هذه الانتفاضة الشبابية نفسهاء هي حزء من كلء 
إها تفصيل مهم جداً في صراعات مندلعة في المنطقة كلهاء وهي» برغم كل شيء» 
عنصر من عناصر الانكسار في موازين القوى لصا الغزوة الكولونيالية المنعقدة 
على التوسعية الإسرائيلية. 

ليغادر التبسيطيون ادعاءاقم وليتعاطوا بشكل ملموس مع الواقع الملموس. لن 
يكون في وسعهم, وبعضهم ذو وعي کون موکد إنكار أن هذ افيه كدي 
برنامج يلك قوى جبارة دافعة قي اتجحاهه هي» بالضبطء قوى متحكمة في العام 
وترغب في قيادته نحو أهداف معلنة هي» في جوهرهاء أهداف «تتمتع» بدرحة 
عالية من الحافظة والرجعية. 

إلا أننا نشهدء هناء ومرة أخرى» انقصاماً بين حطاب المستعمر وخطاب 
الترويج للاستعمار. الخطاب الأول يكون أقرب إلى الدقةء وإلى تعيين الأهداف» 
وإلى حديث المصالح والخطط والأهداف. الخطاب الثاني يكون أقرب إلى الضبابية» 
والعمومية؛ والتبشيرء ونسبة النوايا الحسنة إلى الآخرء والاهتمام بتقدم الهيمنة 
بصفتها تحررا. لقد اخترق هذا الانفصام التاريخ الكولونيالي كله وشهدناء في 
الوطن العريء نماذج فاقعة عنه في العقود الأخيرة حين كانت الولايات المتحدة تبرّر 
سياستها بالنفط؛ وأمن إسرائيل وتوسعهاء ومحاربة التحررء والدفاع عن المصالح 
الوطنية الاستراتيحية والاقتصادية فتردد أبواقهاء عندناء أن هذه السياسة إنما هي 
تبنوعة خر اريت وة مال العرك» وري الشعوب من ومرة أخرى يجد 
المرء نفسه» إذا كان معاديا للغزوة الكولونيالية» يقول كلاما في توصيف ما يجري 
أقرب إلى ما يقوله الاستعماريون قياساً بالقدر الكبير من التخريف الذي يعممه 
الدعاة الحليون لهذا الاستعمار. 

لذا نستميح ممحدي الانتفاضة الشبابية عذرا. نسلم معهم بالمشروعية العالية 
للاحتجاج. لكننا لا نستطيع أن نعمي أبصارنا عما يقال ويكتب في شان هذه 
الانتفاضة وموقعها في الولايات المتحدة وإسرائيل. أكثر من ذلك يجد المرء نفسه 


لبنان 87 


أقرب إلى هذه التقديرات المركبة من تلك التقديرات الفاغرة فاهاء المقفلة أدمغتهاء 
الجامعة بشكل خلاق بين إحباطاتها السياسية ودروس هذه الإحباطات وبين 
الاندفاعة الشبابية. 

نزعم أن الوضع معقد» ونضرب مثلين. 

لنفترض» جحدل أن نتائج التحقيق في جرمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري 
أبعدت الشبهة بشكل قاطع عن سوريا. إن ذلك لا يغيّر شيئا في النتائج السياسية 
لما حصل. ورعا يفترض أن يضع الرئيس بشار الأسد هذا الأمر في حسابه عندما 
يلقي كلمته اليوم. إن انفحار الغضب الذي حصلء والوجهة الي اتخذهاء 
والعواقب الناجمة عنهء إن هذه الأمور كلها لا تختصر بالحقيقة في ما بخص مرتكب 
الجرعة. إفها نتيجة احتقانات سابقة» ومديدة. وهي ثمرة أخطاء متراكمة. وقد 
تكون ناجمة عن عطب بنيوي أصاب العلاقات بين البلدين وجعل أي علاقة يينهما 
مستحيلة إلا إذا كانت غير سوية. لن نفهم إطلاقاً مشروعية «الانتفاضة» إلا إذا 
أحرينا مراحعة نقدية للعلاقات اللبنانية السورية» وإلا إذا أدركنا مسؤوليات 
التردي» وإلا إذا فهمنا معن ألا تكون هذه العلاقات مفتوحة إلا على المزيد من 
السوء. نضع جانبا النتقص في الريحية اللبنانية والسوريةء فالكارثة الفعلية هي في 
المخسائر الي سيصعب تداركها في المستقبل القريب واليٍ لن تنفع أهازيج النفاق 
الحالية» في لبنان وسورياء في التغطية عليها. إن الانتفاضة الشبابية» بهذا المعى» مزيج 
من مشعر ومواقف متعددة بعضها نبيل» ودموقراطي» ووطي بكل ما هذه 
الكلمات من معن. 

لكن هذا وجه من وجوه الواقع. 

الوجه الثاني لذلك هو أن الأوضاع تتجه نحو تعزيز موقع إسرائيل حيال 
حصومها وقضاياهم العادلة» وموقع الغزوة الكولونيالية حيال الأمة العربية. هذه 
حقيقة لا مراء فيها ولا حدوى من إنكارها. هذا ما يقوله المسؤولون الإسرائيليون 
والأميركيون عشرات المرات في اليوم الواحد. وهم عقون. 

نزيد على ذلك أن الدعوات المرفوعة اليوم لتصفية المقاومة «وإعادة تدوير» 
حزب الله ستزداد إلحاحا. وثحة توجهات عديدة في هذا المجال قد يكون «أفضلها», 


88 الان... هنا 


حسب «إيكونوميست» البريطانية» دمج المقاومة بالجيش. لكن يلوح في الأفق لكل 
من يعرف القليل عن السياسات الأميركية الراهنة وعن السياسة الإسرائيلية أن 
«الحلم» الذي يراود جورج بوش وأرييل شارون هو رؤية السيد حسن نصر الله 
في... غوانتانامو. 

هناك من كان يريد أصلاً محاسبة الحزب والثأر منه. وهناك من وضع 
سياسته على قاعدة منع الحزب من تعميم تحربة المقاومة ومن مد يد المساعدة 
للانتفاضة الفلسطينية. ويطيب هذه الجهات أن تحد سندا لما في لبنان والمنطقة 
فكيف إذا تحسّد هذا السند في هبّة سياسية شبابية ديموقراطية تداعب المخيلة 
الليبرالية في العام كله. 

ثمة «إرهاب فكري» في لبنان تمارسه المعارضة. إنه إرهاب يبقى» بلا شك» 
أقل هولاً.بما لا يقاس من الإرهاب الدموي الذي بمارس ضد هذه المعارضة. غير أن 
ذلك لا يمنع أن هناك محاولة لفرض وحهة نظر واحدةء ولتقدم تفسير تبسيطي حي 
السذاجة لما يجري. ويتعرض كل من يحاول الاحتفاظ بعقله إلى مطاردة شبيهة 
عمطاردة الساحرات أيام محاكم التفتيش» علماً بأن هذه المطاردة تبقى أقل ضرراً 
عليه من الحمجية الي يقترحها البعض أسلوبا وحيداً للسحال مع كل مخالف. 

نضيف إلى ذلك أن المعارضة أكثر جاذبية اليوم. وأنها مارس تأثيرا مغناطيسياً 
على قوى في الموالاة أو على قوى تحاول أن تشتق «خطاً ثالئا». أكثر من ذلك أن 
من المعيب» اليوم» أن يكون أي مواطن نزيه في صف الموالاة. ولكن» برغم ذلك 
كله. هناك من لا يزال يصر على رؤية الصورة الشاملة والمركبة» وهناك من لا 
يزال يعاند معطيا الأولوية للدفاع عن المنطقة وللدفاع عن المدافعين عنها. إن هذا 
التيار هوب بالتأكيدء أقلية في لبنان غير أنها أقلية راديكالية فعلا لا تتوقف في 
معارضتها للسلطة البائسة في لبنان ولسلطة الوصاية وإنما تذهب إلى الأساس 
والجوهرء أي إلى معارضة السلطة الفعلية الحافظة والرجعية ال تسعى إلى فرض 
هيمنة شديدة التخلف على الكون كله. 

200535 


كان يوع امن نوعا من الأيام الذي خاس فيد الأوطان او ترب کات 
مفصلية هي تلك الي يمر ها لبنان. نذهب نو ابتداع التسوية أو نذهب نحو 
الانتحار. لم يكن يوازي الحشد الهائل في ساحة رياض الصلح وحوها إلا نضج 
الكلمات الي قاها حسن نصر الله: واضحة» قاطعة» حوارية» مبدلية» مسؤولة. إا 
السياسة بالمعئ النبيل للكلمةء المعى الذي يخشى المرء ألا تلتقطه قوى سياسية 
واهمة. خحفيفة» تراءى لها أن أحذ لبنان إلى حيث تريد كناية عن نزهة في أرض 
حلاء» أي عن قرار يتخذ بعد حوار يتم إجراؤه مع النفس. 

إن اجتماع مئات الآلاف» وهذا اعتراف» هر محط استغراب فعلي. من أين 
أتى هؤلاء كلهم بعد ركام الأخطاء ال ارتكبت ضدهم؟ لقد أدت سياسات معينة 
إلى تحجويف البلد» وإضعاف مناعته» وقذف الآلاف من أبناء شعبه إلى اليأس» 
والإحباط» والاعتراض؛ والهجرة. لكن الحس الشعبي أحسن التمييز بين ما يتوحب 
الوقوف ضده وما يتوجب الدفاع عنه. كان شعب لبنان» أمس» مفاجأة لنفسه. 
أدرك أن ما يستهدفه يتلطى وراء الغلط ولكنه ينوي محاسبته على أفضل ما داقع 
عنه: على الحسم في هوية الوطنء وعلى السلم الأهلي» وعلى الاحتيار الإقليمي 
الاستراتيجي» وعلى العداء لإسرائيل» وعلى رفض الغزوة الكولونيالية المتقدمة وراء 
شعارات براقة كررها حورج بوش أمس. 

وإذا كان مسن استدراك واحب فهو ذلك الذي يعترف بأن شعب لبنان لم 
يكن كله على الموعد أمس. هذا واقع. ولكن هذه هي التعددية الحقيقية 
والديمعوقراطية الحقيقية. ويمكن حي المغامرة بالقول إنه لا أحد يعرف أين تقف 
الأكثرية: وإن وظيفة الانتخابات حسم الأمر. غير أنه ما من شك قي أن الوضع 
اللنان يمر في سيولة ملحوظة. ثمة تبادل محتمل للأكثرية والأقلية. ان ما بعد 
ساعات وأيام من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليس هوء بالضرورة» ما هو 
بعد ساعات من إطلاق الوعد بإعادة إيقاف العلاقات السورية اللبنانية على 

89 


90 الان... هنا 


رحليهاء والرهان على إمكان تنقيتها من الشوائب وقيادتها نحو أن تكون مميزة فعلاً. 
ويفترض أن يكون وضع ما بعد أمس غير ما كان قبل أيام. 

المهم أن الوحدة الوطنية هي» في هذه اللحظةء وحدة العلم والنشيدء لا وحدة 
اجار والوحدان والأهداف» ولا وحدة الانخراط في مشروع واحد يضع الثوابت 
حانباً ويتناقش في الباقي. ولقد كان مطلوبا جمع هذا الحشد الاستئنائي من أجل 
امتلاك شجاعة القول إن إصرار بعض المعارضة على أن الوحدة تحققت فوق أرض 
إيديولوحية سياسية» إن هذا الإصرار هو في أحسن الأحوال تزوير للحقيقة وقي 
أسوأ الأحوال تعبير عن رغبة دفينة في إلغاء الآخر. 

حطاب حسن نصر الله ينطلق من فرضية أن التباين موجود. لذا فهو مشبع 
بالدعوة إلى الحوارء وبالتعامل مع الظرف الراهن وكأنه ظرف تأسيسي» وباقتراح 
مبادئ عامة من أجل تحديد التعاقد الوط وحمايته. وتكاد الرغبة في السجال تأخذ 
إلى الزعم بان عددا من زعماء المعارضة كان سيقول كلاماً أعلى نيرة بعشرات 
المرات لو كان أمام جمهور أقل من جمهور أمس .ئات المرات. إلا أن هذه الرغبة 
السجالية حول حالة افتراضية تحققت أمس إذ أن بعض الخطباء كانواء عملياًء في 
صف من ينتقص من أنمية التظاهرة لا في صف من يضيف إليها. 

على أن الملاحظة الأخيرة لا يفترض أن تقود إلى الاستنتاج الذي توصلت إليه 
المعارضة والقائم على «مناورة» الاعتراف بتمثيلية «حزب الله» من أجل «تحقير» 
كل من يدافع عن «فكرة ما» عن لبنان وموقعه الإقليمي. وإذا كان هناك من 
استبق الاحتشاد بتبهيت قيمته» وبتعداد غير اللبنانيين فيه» وبالادعاء أن الحدود 
اللبنانية السورية فتحت من أجل استيراد المتظاهرينء إذا كان هناك من ارتضى هذا 
الابتذال حجة فإن ذلك حصل في سياق محدد يقول إن النصاب اللبناني تؤمنه 
المعارضة فما على «الأحزاب الشيعية» سوى الالتحاق والتخلي عن صفة «الطائفة 
المارقة». 

«حزب الله» حزب ممثيلي بالطبع. وكذلك حركة «أمل». غير أن خطاب 
نصر الله يخاطبء إلى حد بعيد» تيارا عريضا في لبنان» وجمهورا يفيض عن حاصل 
الجمع العددي للقوى الداعية إلى التظاهرة. يمكن لأي وطي لبناني أن يتماهى معه» 


لېنان 91 


وكذلك لأي عروبي» أو يساريء أو دموقراطي» أو علماني» أو حى لكثيرين ممن 
قيل لهم إن «الأحمر والأبيض» هما لونا الوطنية الجديدة. 

إن مضمون الوطنية اللبنانية» الذي عبر عنه نصر الله أمس» يتقاطع ويختلف 
مع مضمون الوطنية الذي عبر عنه كثيرون من متظاهري ومعتصمي ساحة 
الشهداء. لذا يمكن الرهان على أن التلاقي ممكن كما يمكن التحذير من إضاعة 
فرصة قد لا تتكرر. 

لقد مر التاريخ في ساحة رياض الصلح أمس. والقيادات الحقيقية تقاس 
بقدرتها على التقاط اللحظة» وعلى عدم تفويت الفرصة» وعلى استكشاف المشترك 
والبناء عليه» وعلى الحكمة في تقدير الظروف. إخ... 

وعندما نقول «مر التاريخ» فهذا يعني أن خيارات مصيرية فعلاً مطروحة على 
اللبنانيين. لقد سقط خيار «النفيين» عندما ثبت أفهما لا يصنعان وطناء وم تكن 
مقنعة محاولة الأسابيع الأخيرة لابتناء أسطورة مؤسسة على قاعدة «نفي» واحد. 
إن العقد الوطي الجديد لا بد أن يستلهم «اتفاق الطائف» من أجل تطبيقه» 
وتحكيمه» مع ترك الحرية لمن يريد تحاوزه أن يفعل شرط أن يكون مدركاً أن كل 
تحاوز ارتدادي يهدد النسيج الوطي اللبئاني. 

شهدت سياسة «اليد الممدودة» ترجمة أمينة أمس. حصل ذلك أمام مئات 
آلاف اللبنانيين. وحصل بعد قرار الانسحاب السوري. والأهم أنه حصل مرفقاً 
بصدقية من يمد اليد ومن هو قادرء إذا أرادء على لحم الحاولات الإدارية أو الأمنية 
لتحويل هذا الشعار إلى جرد مناورة. 

إلا أن التقدير الواقعي يفرض ملاحظة أن ما حرى أمس لم يكن دعوة 
فحسب إلى حوار وطن واستعراض لحدول الأعمال. إن أي معارض نزيه» 
وتوحيدي» ووطينء لا بد له من الخلوص إلى أن ثمة بنودا يصعب أن جحد مكانا لها 
في حدول الأعمال. إنها تلك البنود المتضمنة في القرار 1559 وال ثبت» بالدليل 
الملموسء أا عنصر تفجير لأي توافق. 

إذا سلمنا أن وظيفة التظاهرات التعبير عن نبض. وأنه لا وجود لتظاهرات 
تضم جميع الموافقين على شعاراها. إذا سلمنا بذلك جاز القول إن حجم ما 


92 الاآن... هنا 


شهدته بروت أمس هو أكثر بكثير من جرد إعادة التوازن» وأكثر من جرد تثبيت د 
التعددية. انه سياسياء صياغة لمواضيع الحوار إدراجاً وحذفا. 


ا مذ نما 


يمكن الافتراض أن ملابين العرب كانوا شهوداً أمس على الحدث اللبناي. 
كما أن الملايين» أيضاء كانوا شهوداً على التظاهرة الي أسقطت الحكومة. قيل في 
الثانية إا رسالة بيروت الدرموقراطية إلى العرب. حسنا. هناك قدر كبير من الصحة 
في هذه الملاحظة. ماذا يقال عن رسالة أمس؟ إنا رسالة لبنانية إلى العرب بأن البلد 
باق في خط الممانعة» وقي خط مقاومة الغزوة الكولونيالية المعطوفة على التوسعية 
الإسرائيليةء وإن هذا البقاء قابل لحماية دموقراطية ولانحياز طوعي... وذلك برغم 
كل ما حصل. رعا كان من الواحب شكر الشعب اللبناني والاعتذار منه. لقد 
ذهب كثيرون منه إلى حيث الصواب» وهذه مفاحأة طيبة. 

2005|3|9 


لحظة الذروة: 
التسوية أو الهاوية؟ 

كان الحشد هائلاً. يصعب تقدير ححمه. لكن الموكد أنه يمثل أكثريات في 
طوائف لبنانية أساسية. وعا أن لبنان «يتحاور»» هذه الأيام» بالتظاهر يمكن القول» 
من دون حوف البحازفة» إن كفة المعارضة هي الراححة. 

روافد عديدة صبّت في بيروت أمس. 

رافد الاحتقان ضد ممارسات وسياسات مستمرة برغم الإعلان الحاسم عن 
الانسحاب الشامل والكامل. ورافد الإصرار على تطلب «الحقيقة» والإقدام على 
النطوات اللازمة لذلك. ورافد الردء ولو غير المباشر وغير المعلن» على تظاهرة 
الثلاثاء الماضي. ورافد الرغبة في رسم التوازنات الناشثة والحسم في موقع النصاب 
السياسي. 

هذه الروافدء وغيرهاء تلاقت في ساحات العاصمة لتوكد أن لبنان دحل» 
وبقوة؛ في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري. 

الإعلان الأول عن هذه المرحلة كان تظاهرة الثلاثاء الماضي. حصلت لتقول 
رأياً وتحدد وجهة. اقترحت برنابحاً بخص العلاقات الثنائية؛ وأوحت بوجهة نظر في 
التوازن الداحلي» ودعت إلى حوار مشروط» ووضعت لاح المقاومة حارج 
حدول الأعمال. بدا فيها أن لينان قادر» بعد المعطى المستحدء على خوض المواحهة 
ضد السياسة الأمير كية» وضد من يطيب له الرهان عليها. باختصار أعطت تظاهرة 
«حزب الله» إشارة إلى إمكانية وقف السياق الذي كان هناك من يدفع في اتجاهه, 
لا بل إلى إمكانية عكس هذا السياق. 

الإعلان الثاني عن المرحلة الجديدة جاءء بالأمس. وهو يقول إن قوى 
لبنانية نافذة» وذات شعبية مو كدة» وممتلكة لقنوات مفتوحة مع الوضعين العري 
والدولي» إن هذه القوى راغبة في الإطاحة بكل الترسيمة المفترضة لما بعد 
الانسحاب. 


53 


4 الاآن... هنا 


من معالم هذه الترسيمة إعادة تكليف الرئيس عمر كرامي لتشكيل الحكومة» 
والدعوة إلى «اتحاد وطيٰ» على قاعدة تؤدي عمليا إلى إضعاف المعارضة» وبحنب 
التحقيق الدولي» وحماية أجهزة الدولة ومؤسساهاء والاستناد إلى شرعية يؤمنها 
متظاهرون» واققراح جدول أعمال داخلي ينهض على فرضية أن الجرعة: بعد 
التمديد» وراءنا. 

تظاهرة الأمس» وهى توليفة ناححة برن بساطة الشعار «الحقيقة»» و«الولاء 
والوفاء» وبين ضخامة الحشود» لا وظيفة لها في الواقع السياسي إلا توجحيه ضربة 
تريد أن تكون قاضية ذه الترسيمة. 

لقد بات صعباً أن نتخيّل إمكانية التهرب من التحقيق الدولي. وإذا كان 
التهرب السابق منه فضيحة أخلاقية فهوء اليوم» أخطر من ذلك. إنه خطأ سياسي 
فادح» وهو فوق ذلك» خطأ عاجز عن الاستمرار. وثمة معطيات تشير إلى أن هذا 
العنوان سيشهد تطوراً لافتاً في القريب بحيث يتحوّل التحقيق الدولي إلى مطلب 
دولي محتصضن عربياً ومستند إلى رغبة عارمة لدى قاعدة لبنانية واسعة طالبت به 
أمس ,كلء حناجرها. 

وكذلك فإن فكرة مشاورات نيابية تبدو هزيلة اليوم. فالمشاورات المفترضة لا 
يمكنها الانطلاق من أن تكليفاً حصل. والحكومة الفترضة باتت أمام أحد حلين: 
إمارمي مسؤولية الأزمة على السلطة» وإما تضمين البرنامج شعارات تقول ها 
المعارضة. ويسحب ذلك نفسه على أمور كثيرة تبدأ بقضية التحقيق ولا تنتهي 
بالرقابة الدولية على الانتخابات. 

لقد اكتمل مشهد الاصطفاف اللبناني. اكتمل الاحتشاد. نقاط التباين 
واضحة حدا. ولكن نقاط الالتقاء غير معدومة خاصة إذا شكّل حطاب هية 
الحريسري العمود الفقري لبرنامج المعارضة. لم يكن مطلوباً منها أن توافق حسن 
نصر الله على كل ما قاله أو لم يقله. وليس مطلربا منه أن يوافقها على كل ما 
ذكرت. إلا أنه قي الإمكان, عند التدقيق» اكتشاف مساحة مشت ركةء أوء لنقل» 
اكتشاف حمر عبور نحو تسوية مؤقتة يفترض فيها أن تنتظر تبلوراً أوضح لما 
سوف تستقر عليه المعارضة وللفرز الواجب الحصول في صف الموالاة. 


لېنان 95 


إن البناء على هذا المشترك هو المخرج الوحيد. غير أنه بناء لا يمكن 
الرهان» بسهولةء على تحويله إلى مبادرات حدية» ملموسة. لا زالت الخيوط 
الي تشد كل معسكر مانعة إياه من الاصطدام بالآخر خيوطا واهية» ولا يزال 
القرار الدولي حول لبنان غامضاً ومتراوحاً بين ارتضاء الفوضى والتشجيع على 
حلول مؤقتة. 

«إن نفبين لا يساويان أمة»» وإن «تظاهرتين لا تصنعان وطنا»... فكيف 
بتظاهرة واحدة. إن تظاهرة الثلاثاء الماضي اقترحت وجهة تتضمن تبنياً لبعض ما 
هو مشروع في برنامج المعارضة. وفعل متكلمون في تظاهرة الأمس الشيء نفسه: 
اقترحوا وجهة وأظهروا انفتاحاً على بعض ما هو مشروع لدى الآخرين. وإذا كان 
صحيحاً أن ية الحريري ألقت الكلمة التمثيلية المتناسبة مع ثقل الحضور المديي 
وإذا كانت أظهرت شحاعة قيادية.معئ أا شذبت الانفعالات بقدر من العقلانية» 
فإن انعقاد تسوية (ولو مؤقتة) يلوح كإمكانية قابلة للتحقق. ويتعزز ذلك على 
الأرحح» من هول البديل القابل للتحوّل إلى احتمال وحيد في حال لم ينحح 
المعنيون (رعاة مشروع الإعمار» ورعاة مشروع للقاومة) في إيجاد نقطة التوازن 
الدقيقة بين الخطين. 

لو كنا في بلد طبيعي لكنا قلنا إن خطابا رئاسيا توسط خطابي نصر الله 
والحريري. لكننا لسنا في هذه الحالة. وليس من باب المبالغة القول إن الخطاب 
الرئاسي رما يكون ألحق ضرراً عن كان يريد نصرتهم ونصر من كان يريد الإضرار 
هم. وإذا عطفنا ذلك على أن تظاهرة الثلاناء الماضي ذهبت إلى جوهر المطلوب 
الدفاع عنه» وأن تظاهرة الأمس ركزت على ما هو مطلوب الخلاص منه؛ إذا 
عطفنا ذلك على الأزمة الوطنية العامة وعلى «ابتلاع» الحلول الحزئيةء بات ممكناً 
القول إنه رعا آن أوان اقتراح معالجة غير تقليدية لمعضلة غير تقليدية. 

نحن؛ بصراحة: أمام سلطة عاجزة عن استيعاب التناقضات المعتملة في 
المجتمع اللبنان وعن اقتراحٍ 0 أكثر من ذلك. نحن أمام سلطة 
باتستء بالتأكيد وموضوعیا وبغض النظر عن أشخاصها والرأي فيهم؛ جزعءا 
من المشكلة لا طرفاً في الحل. ويتوحب على المرء أن. يكون أمياً في السياسة حن 


96 الآن... هنا 


لا يدرك أن المسار الراهنء إذا سار كل شيء على أفضل وحهء سيقود إلى 
إنتاج توازن جديد يعزز الشرط الدولي أحد طرفيهء وأن هذا التوازن لا بذ أن 
: يفرض نفسه فرضا على قمة السلطة. ورعا كان ضروريا استباق هذه التطورات 
وفتح الباب أمام مبادرات تستوعب المشروع لي مطالب اللبنانيين» من حماية 
المقاومة إلى التحقيق الدولي» وتصوغها في اقتراح حل سياسي لا يعترف بقدسية 
أي موقع. 

قبل في تظاهرة الثلاثاء الماضي إا تضع لبنان أمام مفترق. ويقال في تظاهرة 
الأمس إفا تقترح طريقاً ليس هوء بالضبط ذلك الذي اقترح قبل أسبوع. إنه 
طسريق آخر ولكنه ليس» بالضرورة» طريقاً معاكساً مامه وإن كان في التظاهرتين 
من يتمين وقوع الواقعة مد ركا أنه يحارب بسيوف غيره. 

إن اللحظة هي لحظة ذروة. يمكنها أن تكون لحظة الاندفاع نحو الانفحار 
الكبير. يكفي لذلك أن تقدم كل تظاهرة نفسها بصفتها نفيا للأحرى» أي رفضاً 
للاعتراف بحصوها وتمثيليتها. ثم أنه من الخطير حدا التكاذب وإغماض العينين عن 
وجحود قوى نابذة» أو قوى صاحبة مصلحة في رفض أي تسوية. كما أن لحظة 
الذروة نفسها يمكنها أن تستدعي القدر المطلوب من العقلانية من أحل تحنب 
امهاوية الي نقف على شفيرها. 

200015 


الانتخابات واجبة 
النسبية ضرورة 


إذا استمرت الوجهة الي يسلكها الوضع اللبناني فإن المعارضة قد تصبح؛ في 
خلال أسابيع» أكثرية نيابية! لن يتحقق هذا الافتراض طبعا ولكنه يشير إلى حقيقة 
التوازنات الناشئة وال تحسم أن غالبية اللبنانيين هي في صف المعارضة وأا تنتظر 
الانتخابات للتعبير عن ذلك. 

لا شك أن هذا التقدير يشحع البعضء في الوالاةء على السعي إلى «إبعاد 
كأس الانتخابات المرة». فمن الواضح أن حوالى نصف نواب الموالاة» ورا أكثرء 
سيضطرون إلى البقاء في منازهم اعتبار؟ً من مطلع حزيران. ولأن اللبنانيين ميّالون 
إلى تصديق هذا التوقع فإهم ميالون إلى تصديق اتام المعارضة للسلطة بالسعي إلى 
المماطلة من أجل انتزاع تمديد مديد مجلس النواب الحالي. 

لقد طالت مدة التكليف ومع ذلك فإن الرئيس عمر كرامي يبدو ورا 
وهو يتصرف وكأن المعارضين سيغيّرون رأيهم بين لحظة وأحرى في حين أن هولاء 
باتوا حاسمين في عدم الاشتراك برغم أن مطالب وشروطاً لهم تتحقق أو هي باتت 
في عهدة بجلس الأمن. 

إن السلطةء اليوم» هي في قفص الاتام. والتهمة الموجهة إليها ليست أقل من 
حاولة نسف الانتخابيات بحجج تبدو» شكلاء ذات صلقية وإن كانت فاشلة» 
عملياء في إقناع غير المقتنعين أصلا. 

من دون الاستغراق في محاكمة النوايا لا بد من القول إن الجهة الي تغامر 
بتأحيل الانتخابات ترتكب مغامرة كبيرة. إا مغامرة لأن الخطوة غير دستورية» 
وهي فوق ذلك؛ أقل شعبية من التمديد للرئيس إميل لحود الذي ضرب رقماً 
قياسيا في انعدام الشعبية. وسوف يصطدم أي قرار من هذا النوع بتعبئة لا يمكن 
نكراغا وهي غير قابلة للاستثارة وإلا تتحول نحو أساليب عمل تصعيدية من أحل 
فرض اتتراع الحقوق. 

97 


98 الآن... هنا 


ولكن الأهم ما تقدم أن توجهاً «تاجيلياً» سيبدوء في نظر المجتمع الدولي» 
محاولة انقلابية مستميتة لتجميد الزمن. رعا يجب أن يكون معروفا أنه» في الأسابيع 
والأشهر القادمة» تحتل الانتخابات اللبنانية موقعا شديد التميّز في السياسة الخارحية 
الأميركية. إفها «درة تاج» جورج بوش وكونداليسا رايس. وهي» إلى ذلك 
موضوع توافق أميركي أوروبي أكثر من مواضيع أخرى كثيرة في الشرق الأوسط 
والعالم. ولن يكون مستبعدا أن تلجأ هذه القوى إلى ممارسة ضغوط اسكئنائية على 
سوريا ولبنان من أجل ردعهما عن قطع طريق المسار الدبلوماسي. 

يمكن لمن يريد اتخاذ أي قرار أن يفعل. ولكن عليه أن يكون مدر کا لتتائحه 
ولما سوف يستدرحه من ردود. ولعل تحربة الأشهر الماضية تضعنا أمام سلسلة من 
القرارات غير الحسوبة مما يفرض Ca‏ جديدة. هذه المرة لن يفيد 
القولء وهو صحيح» إننا أمام خخطة أميركية أصلية لتغيير الموقع اللبناي. لن يفيد 
ا ا ودر ااه او ال اد 
هذه الخطة وإحباطها. من غير الجائزء كما يقول أحدهم؛ أن تنسب إلى خصم 
1 سوأ الخطط وأن نقدم على أكثر مشاريع التصدي بؤساً. 

إن الانتخابات النيابية واجبة الحصول وإلا فسيتم تفريغ الممانعة من آخحر 
عناصرها الديكوقراطية وسيلحق أذى شديد بقواها الأكثر جذرية ورسوخناً 
زارا 

لا بد من استدراك على الملاحظة القائلة بأن الانتخابات واجبة الحصول: من 
المستحسن أن بحري وفق قانون انتخابي غير المرسل إلى مجلس النواب حى لو أدى 
ذلك إلى إرجاء تقئ للموعد. ثمة ضرورات وطنية عليا لإجراء الانتخابات على 
قاعدة النسبية. لماذا؟ 

أو : إن طبيعة الانقسام السياسي في لبنان تجعل منه» عملياء دائرة انتخابية 
واحدة. والفرز المطلوب بين تيارين عريضين لا عكنه تحاهل هذه الحقيقة. 

ثانياً يعيش لبنان حالة عالية حداً من التسبيس. والقضايا الخلافية المطروحة لا 
علاقة لها مما يروج له البعض من ضرورة أن يعرف التاححب المرشحين. فالاقتراع 
سيتم هذه المرة» وأكثر من مرات سابقة» على قاعدة خيارات كبرى. 


لبنان 99 


الا إن الانقسام السياسي الراهن شامل للطوالف والمناطق. صحيح أن هناك 
أكثريات هنا وأكثرية هناك. ولكن الأصح» أيضاء أن «المعسكرين» مختلطان إلى 
حد بعيد وأن من وظيفة الانتخابات نقل هذا الانقسام المختلط إلى الندوة اليرلمانية 
بدل إبقائه في الشارع. 

رابعاً لحة ما يشير إلى أن المحلس الحديد هو نوع من «الجمعية التأسيسية». 
إن بنية ما بعد الطائف» من العلاقات الإقليمية إلى التوازنات الداخلية» لم تعد 
قائمة. ولا يمكن استشراف بنية جديدة عبر اعتماد النظام الأكثري في الدوائر 
الصغرى. 

خامساً إن القانون المطروح أمام الجحلس» إذا أقر كما هوء سيؤدي إلى 
انتختابات تبقي مئات آلاف اللبنانيين من دون أي تمثبل سياسي برلاني. وهذه دعوة 
علنية إلى التوتر. 

سادساً إن اعتماد النسبية على قاعدة الدائرة الأوسع الممكنة يشحع على مزيد 
من الوضوح السياسي والبرناجي» وبرغم على اصطفافات وفق معابير وطنية عامة 
بحيث تتشكل خطوط متمايزة يدعى المواطنون إلى تغليب أحدها. 

سابع إن النسبية وحدها هي التي تقود الكتل السياسية الكبرى إلى بلورة 
مشاريعها المستقبلية. لنكن واضحين. هناك قوى سياسية رئيسية «تعاني» من أن 
برابحها التعبوية قد تحققت وهي لا تملك مشروعا واضحاً ومعلناً للمستقبل. ف 
«التبار الوطي الحر»» مثلاء مطالب بأن يبلور أو ينحاز إلى وجهة نظر في عدد 
كبير من العناوين الي تتعدى «استعادة السيادة» طالما أن السيادة استعيدت. 
و«طلاب الحقيقة» ماذا يريدون فعلاً بعد إقرار لحنة التحقيق الدولية؟ ومعتصمو 
ساحة الشهداء هل هم متلاقون فعلا على غير الشعارات الآنية» على أهميتهاء الي 
رفعوها؟ أليس مفضلاً التقاط هذه اللحظة السياسية من أجل اختبار عمق وحدية 
ما حرى وامتحانه أمام أطروحات وطنية عامة تتناول قضايا حرى تغسبها إلى حد 
ما في احتشادات الأسابيع الماضية؟ 

ثامناً ثمة قوى تملك مواقف ماتبسةء أو لا تملك موقفاء أو تضمر غير ما تعلن 
من أمور ليست أقل من موقع لبنان الإقليمي» وسلاح المقاومة؛ والأزمة الاقتصادية 


18 الان... هنا 


الاحتماعيةء والحلول المقترحة اء وطيعة التوازنات السياسية اللاحقة» ووحدة 
الشعب التنوعة أو غلبة التنوع على الوحدة؛ إلح... هذه الأمور تحتاج إلى جلاء 
السسياسات حوها ولن يكون الأمر متاحا في ظل الدوائر الصغرى وعبر النظام 
الأكثري. 

تاسعا إلى ذلك يمكن القول إن الحم بإشراك أكر قدر ممكن من المواطنين يحب 
أن يقود إلى بحث جدي في خفض سن الاقتراع» وفي السماح للناحب أن يقترع 
حيث يقيم» إلخ... ١‏ 

هذه الأسباب» ورعا لغيرها أيضاء يبدو التهرب من النسبية الآن .كثابة 
انسحاب من تحمّل المسؤولية. 

إن رغبة البعض» في الموالاة» بالتهرّب من الانتخابات في موعدها رغبة مدانة 
وتعبر عن سعي إلى نزوير فاضح لواقع الانقسام السياسي» ولحقيقة التبدل الذي 
حصل في موقعي الأكثرية والأقلية. 

وكذلك فإن رغبة البعض» ف المعارضة» بالتهرّب من اعتماد النسبية رغية 
مدانة وتعبّر عن سعي إلى تزوير فاضح؛ ولكن مضادء لواقع الانقسام السياسي 
ولحقيقة الأححام بين الأكثرية الناشعة والأقلية. 

يحب أن يكون واضحا أن المعارضة الحالية مرشحة للفوز موحدة في حال 
اعتماد النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة. ولكنه فوز لا يضخَم الأرححية 
الراهنة» ولا يقود إلى انكسار وهمي في موازين القوى» ولا يشحع على مغامرات 
سياسية قد يغري ها الانتصار الكاسح الذي يضمنه النظام الأكثري. فهذا الأخير 
سيضع اللبنانيين أمام مرآة مقعّرة لا تعكس بدقة حقيقة البلدء ومن يتمسّك به» 
الآن» يحض جحازفة لا تقل خحطر؟ عن محازفة الرهان على التأجيل. 

نعم للانستخابات» إذا. ونعم للنسبية. هذه قاعدة «التسوية». ولكن الحسّ 
التسووي مقراجع لدى الجميع. ولذا يمكن القول إنه إذا تأكد سوء الظن 
بالسياسيين اللبنانيين فإن الأزمة, الراهنة أو المقبلة» إلى تصاعد. 

200541 


الأفق الغامض 
لما بعد الالنسحاب 


مع اكتمال الانسحاب السوري من لبنان ينفتح أمام البلدين أفق جديد. 
التوقعات صعبة بالنسبة إلى ما سوف يحصل في دمشق. فماذا عن بيروت؟ 

يلنقي حلفاء سوريا وخخصومها اللبنانيون على نسبة دور عظيم الأ*مية لها في 
لبنان خلال العقود الثلاثة المنصرمة. وسواء كان ذلك من نوع حماية السلم الأهلي» 
ومنع التفكك» وإعادة بناء الموسسات» وحماية المقاومة» أم من نوع تشحيع 
الاحتلافات» واستتباع الدولة» وتنظيم الفساد, واستخدام البلد ساحة لمواحهة غير 
مكلفةء سواء كانت السردية الأولى صحيحة أم الثانية» وح لو أمكن اقتراح 
سردية ثالثةء فما لا شك فيه ان الدور كان أساسيا وان تضاؤله» وصولا إلى 
احتفائه. مور حدا. 

ليس صحيحاً ان أحداً لا يعمل لملء الفراغ. نشهد منذ فترة» وسنشهد أكثرء 
تزايداً في استخدام مصطلح «دولي» أو «دولية». بعثة دولية للتحقق من 
الانسحاب» بخة تحضير لوصول فريق التحقيق الدولي, القرار الدولي 1559 القرار 
الدولي 1595. المراقبون الدوليون للانتخابات» التقرير الدولي عن 1559» التقرير 
الدولي عن قوات الطوارئ» التقرير الدولي عن 1595 بعد التقرير الدولي لبعثة 
تقصي المقائق؛ موثمر دولي لدعم الاقتصاد... ويستمرئ اللبنانيون ذلك إلى حد ان 
نقيب المهندسين قال» فور انتخابه قبل أيام» انه سيطالب بتحقيق دولي في قضية لم 
يعد أحد يتذكرها. وفي الامكان سرد عدد من العناوين العالقة الي ستحد من 
يطالب برنعها إلى المجتمع الدولي. ولا يعني هذا التدويل؛ عبر الأمم المتحدة؛ عن 
تنفوذ متزايد للسفراء والقناصل. ومع حفظ النسبة بين عنحر وغيرهاء ليس اسهل 
من إيراد عشرات بل عثات الامثلة الي تضج ما الاروقة السياسية عن «نصائح» أو 
«مساهمات» أو «اقتراحات» هذا السفير أو ذاك وذلك عتنما لا دو اشا ان 
مصائر تتقرر في «عواصم القرار»؛ وان أحداً لم يدكر أن الحكومة الأول في عصر 

161 


102 الآن... هنا 


ما بعد بداية أفول النفوذ السوري هي ابنة توافق سعودي فرنسي يرضي واشنطن 
ودمشق لأسباب متباينة. 

الانسسحاب المفتوح على أسئلة يحصلء وملء الفراغ المفتوح على بمجهول 
يحصل. وعند هذه المنعطفات السياسية المصيرية نشهد لبنان مندفعا بأقصى سرعة 
نحو «حرق المراحل». فباسم احترام المهل القانونية والدستورية للانتخابات النيابية 
يتم إبعاد عمر كرامي» ووصول جيب ميقاني» وتشكيل حكومة» وبدء التعاطي مع 
ملف قادة الأحهزة» ووضع البيان الوزاري» وتحديد مواعيد جلسة الثقة؛ وتعيين ما 
قبل نهاية أيار موعدا للاقتراع سواء بقانون جديد أو بالقانون المتوفر وهو العائد إلى 
زمن مضى» والمعئ بهحموم يفترض ان لبنان يتجاوزها. 

ان حصيلة التقاء هذه العناصر الثلاثة هي «تأمين» خحروج مشوه للبنان من 
الحقبة السورية والعنوان الأبرز لهذا التشوه هو القانون الانتخابي الذي سيكون 
مسؤولاً عن تشكيل الأكثرية البرلمانية الجديدة ومدى ملاعمتها للانقسامات 
السياسية اللبنانية. 

ولقد لاحظناء في الأسابيع الأخيرة» ان الدول الأجنبية المقتحمة الساحة 
اللبنانية تصوغ خطابها التدخلي بشكل حذر جداً: لا علاقة لنا بشكل القانون» 
فكل ما نريده هو احراء الانتخابات في موعدها. وتحول هذا الموعد تدريجياء إلى 
صنم للعبادة قبل ان يشر ع البعض في القول ان تأخير يوم واحد يعي إنزال ضربة 
قاصمة كمستقبل لبنان. ومع ان معارضين مكرسين كانوا «تورطوا» في اعلان 
الموافقة على «تأجيل تقيٰ» فاهم ابتلعوا مواقفهم ليصبح 29 أيار يوم الدينونة. 
والواضح ان الاصرار على هذا الموعد هو الصيغة المثلى للدفاع عن الرأي القائل بأن 
البلد أمام احتمالين لا ثالث هما: اما القانون ا محال إلى اللجانء واما قانون ال2000 
ولو مع تعديلات طفيفة. أي ان التدحل الذي يقصد تمرير قانون معين اتخذ شعاراً 
أقل فظاظة هو التمسك بالمواعيد. ومع ان اقتراح النسبية حقق انتصاراً أخلاقياً 
فلقد سقط بحجج واهية من نوع انه ليس مفهوماًء أو ان الوقت مم يعد يسمح... 
غير ان التواطؤ على آلاسقاط لا يخفي ان الطبقة السياسية اللبنانية تفضل الصفقات 
الفوقية على اعطاء اللبنانيين حق الاختيار. 


103  نانبل‎ 





ليس اصعب من الدعوة إلى تأجيل الانتخابات. ولكن يجدر التأكيد بأن 
لبنان» غير الجاهز تماماً لما بعد الانسحاب والانتخاب» كان يستحق قانونا انتخاباً 
يرتقي إلى مستوى المرحلة التأسيسية وقضاياها الشائكة. 
ليس في لبنان من يلك منظورا للخروج من الأزمة. لقد اغتيل الرئيس رفيق 
الحريري أرلاًء وثانيا هناك من اسمى الجريمة «ربيع بيروت». والأمر صحيح في ما 
بخص الاققصاد طبعاء ولكن يمكن ان نضيف ان أحدا لا ملك مشروعا وازناً 
لصياغة التوازنات السياسية في بلد عر في مرحلة «سيولة فالقة». كذلك لا توافق 
على سلاح المقاومة» ولا على العلاقات مع سورياء ولا حيال الموضوع الفلسطيي 
الداحلي» ولا على كيفية مواجهة الضغوط الخارجية المتصاعدة حتما... وفي ظل 
هذا الغموض غير البناء اطلاقا هناك من يصر على الاتيان بير لان سيبقي أكثرية 
عددية من اللبنانيين خارجه محرومة من أي تمثيل سياسي. 
ليست هذه مرحلة انتقالية إلى بر الأمان. فيها الكثير من الارتحال» والكثير من 
التقرير يوماً بعد يوم. وإذا كانت قوى دولية تحتمل مثل هذا الاضطراب فإن القوى 
امحلية كان عليها ان تكون أكثر تروياً وحكمة. 
200546 


الطائفية الوديعة 
الطائفية المأزومة 


من له أذنان للسمع يستطيع؛ إن أراد استخدامهماء أن يلتقط الإشارات 
الطائفية الضمنية الي يحملهاء أحياناء الخطاب الوطي التوحيدي. التعبير الطائفي لا 
يتقدم» باستمرار» عارياً. وليست تعريته سهلة في بعض الأحيان. 

يمكن لعبارة واحدة أن تحمل مضامين مختلفة حسب قائلها وزمن قولها. «إن 
اللبنانيين يريدون كذا» قد تعن «أن بعض أو أكثر المسيحيين»» كما قد تعن «أن 
بعض أو أكثرية المسلمين»... وذلك حسب «هوية» صاحب العبارة. كما أن 
عبارة «إن اللبنانيين يريدون عحروج الجيش السوري» تعن في 1997 مثلاً «ان 
بعض المسيحيين يريدون...»» ولكنها تعن بعد التمديد للرئيس لحود «ان غالبية 
المسيحيين والدروز...». ويصبح معناها بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري «إن 
غالبية الدروز والمسيحيين والسنة...». 

ولقد قدمت لنا الأحداث المهمة في الأشهر الأخيرة غير مناسبة لمراقبة الخنطاب 
الفنوي وهو يطرح نفسه بحلباب ينكر الفئوية. غير أن الأمانة تقضي القول بأن 
الخطاب الطائفي المسيحي كلك «ميزة» الوضوح والصراحة في حين أن الخطاب 
الطائفي الإسلامي يلحا إلى المداورة ويختبئ: أحياناً كثيرة» وراء ادعاءات غير أمينة. 
ولعل في ذلك ما يشي بالمواقع المتفاوتة ضمن السلطة بحيث يمكن للمسلمين» بعد 
الطائف» ممارسة الزعم الإيديولوحي الذي كان خاصية مسيحية في زمن آخر. 

لتأخذء مثلاء ما كررته نخب «إسلامية»» تداري انتماءها الطائفي؛ في امتداح 
النائبين غطاس خوري وحورج ديب نعمة لحظة استبداهما على لائحيّ بيروت 
والشوف بكل من صولانج الجميل وحورج عدوان. ورد في وصف النائبين: 
الاعتدالء التعايش» الهم الوطي الحامع» الأيادي البيضاءء مقاومة التطرف» الالتزام 
عواقف المعارضةء إلخ... هذه كلها صفات قد تكون صحيحة. ولكتهاء في هذا 
الجالء في غير محلها تماما. فوظيفة الانتخحابات هي أن يختار المواطئون من يمثلهم أو 

104 


لبنان | 165 


من يعتقدون أنه الأقدر على الدفاع عن مصالحهم كما يعرّفوهًا في لحظة معينة. 
ولعله يصعب النقاش في أن الجميل هي أكثر تمثيلية لموارنة دائرتها الانتخحابية 
الحصصة لقعد ماروي من خوري. وينطبق الأمر نفسه عند المقارنة بين عدوان 
ونعمة. رما يملك كل من خوري ونعمة مزايا أفضل من الحالّين محلهما ولكن 
«ميزة» رئيسية تنقصهما هيء بالمناسبة» الميزة الوحيدة المطلوبة إذا كان الموضوع 
المطروح هو الموضوع الانتخابي. 

إن الميل المعلن لخوري ونعمة» من جانب نخب «إسلامية» هوء في العمق؛ 
إنكار لحق الناخبين المسيحيين في التفضيل. أكثر من ذلك إنه إدانة لمزاج هؤلاء 
الذين لو تركوا وحدهم لاختاروا «التطرف». أي أننا لسنا أمام واقع بعكن 
تسميته «وحدة وطنية» يتم بناؤها يبن شريكين لأن الشريك المسيحي يشكو من 
عارض الاقتراع لمن كان يبمكنه أن يعقد على الشريك المسلم بناء وحدته الوطنية» 
أي الوحدة الوطنية كما يراها. 

لا يتحلى السلوك الطائفي الضمينٍ للنخب الإسلامية في أا تعطي لنفسها 
الحق في تحديد مواضفات من ريده رفيق درا الاتعان. عذاحن من حفر قا 
يتجلى هذا السلوك في أنه يقترح رفيق الدرب هذاء لا بل يفرضه ممثلاً عن 
المسيحيين. فالتوازنات العيانية في الدوائر الانتخابية تحعل من المستحيل» ثلا أن 
تقرر الأقلية المسيحية الناخبة من هو المعتدل أو غير المعتدل الذي يناسيها لدى 
الأكثرية الإسلامية الناخبة. وهكذا نصل إلى نتيجة مريعة (بالنسبة إلى أي علماني 
أصيل) مؤداها أن الأكثر عدداً يتصرف تلقائياً وكأنه الأكثر اعتدالاً حارماً الأقل 
عدداً من القدرة على ترجمة رأيه في الاعتدال أو التطرف! 

ولكن اللعبة تبقى ناقصة ومفضوحة بعض الشيء. لمداراة هذا النقص ولأحل 
استقامة اللعبة يتم استحضار مسلمين ضعيفي التأثير» إنما «متطرفين» من أحل 
استخدامهم كفزاعة تقيم توازناً افتراضيا مع من حرى تصنيفهم متطرفين مسيحيين 
(هذه وظيفة أصولبي بحدل عنحر والضنية). وبناء على هذه الحيلة يتم طلب 
استيعاد «المتطرف» المسيحي الذي عثل قومه مقايل للوافقة على استبعاد 
«المتطرف» لمسلم الذي لا عثل الكثيرء وتصيح التسوية الوحيدة المقبولة هي بين 


106 الآن... هنا 


«معتدل» مسلم ذي قاعدة تمثيلية ومعتدل مسيحي معدوم» أو ضعيف» القاعدة 
التمثيلية» إن هذاء ببساطة» نوع من التزوير. ومن يعحز عن فهمه بصفته كذلك» 
أو من ييرّره» يكن بمارس نوعاً من الطائفية الضمنية في صياغة جديدة. 

«الطائفي المسلم الوديع»» كما سلفء قد لا يكون واعياً. وهو غالبا ما 
يعتبر» صادقاء إنه إنما يصدر عن موقف «وطي» يقدّم «التعايش» على ما عداه. 
إفها طائفية الأكثرية المرتاحة إلى عددها وإلى قدرقا على التحكم في اللعبة الانتخابية 
(يقدم النموذج الدرزي اللبناني حالة معقدة من التأرحح بين «طائفية وديعة»» 
لحظة التحالف الوثيق مع مسلمين» وبين «طائفية مأزومة» في حالة الثنائية الخالصة 
مع المسيحيين). 

بيان المطارنة الموارنة الشهير هو رد على هذه الطائفية الضمنية. فعندما قال ما 
معناه: «لينتخب المسلمون المسلمين والمسيحيون المسيحيين» قامت القيامة. يتوجب 
الاعتراف بأن الرد خطير وموسف. إنه رد طائفي فجّ. ولكن المراقب العادل 
(والعلماني) للعبة السياسية الطائفية يمكنه أن يرى في هذه الفحاجة السلاح الأخير 
الذي تملكه «طائفية مأزومة» أقلاوية في مقاومة الطائفية الوديعة والضمنية 
للأكثرية. البيان صرخة احتجاج طائفي ضد سلوك طائفي هو الآخر. 

والملاحظ» هناء أن معظم السحالات اختصرت المشكلة في «البيان الطائفي»» 
وهو نتيجة» وليس في السلوك الطائفي» وهوء في هذه الحالة» السبب. لم تكن هذه 
السحالات تغرف من تراث لا طائفي. اكتفت بالتعاطي مع من يقول الأمور كما 
يرغبها أن تكون وليس مع من يصنع الأمور كما يرغبها أن تكون. أدانت من 
اكتشف وهم «وحدة المعارضة» وليس من يريد أن يكتم للآخر أنفاسه باسم وهم 
«وحدة المعارضة». 

ثمة ما هو مح في بيان المطارنة. فعندما يتحدث «اتفاق الطائف» عن المناصفة 
في عدد النواب حرصاً على العيش المشترك فإنه لا يكون يتحدث عن عدد كبير 
من النواب المسيحيين يتم اختيارهم وفق مقاييس «إسلامية» للعيش المشترك. لقد 
أدت انتخابات 92» في ظل لمقاطعة الكثيفةء إلى احترام المناصفة فهل هذه هي 
الروح الميثاقية المطلوب احترامها؟ هل هذه روح الطائف؟ 


لبنان 107 


والأنكى من ذلك أن بعض المنزعجين من البيان عمدواء بعده» وبناء على 
نصائح أجنبية» إلى إحراء تعديلات على لوائحهم الانتخابية ثم وافقوا على المزيد 
من هذه التعديلات. أي أنهم اعترفواء متأخرين» ببعض ما في البيان من وجاهة. إلا 
أفم قدموا فعلتهم الأولى» كما فعلتهم الثانية» بأنها حرص على المصالحة والعيش 
المشترك. لقد تصرفواء في الواقع» كطائفيين نموذحيين يمكنهم المساومة على الغلبة 
الواضحة بالأرححية المضمونة» كما يمكنهم الاستناد في كل لحظة» وعن حقء إلى 
ضرورة أحذ موازين القوى الديموغرافية ببعض الاعتبار. 
المزعج في بيان «الطائفية المأزومة» ر د على «الطائفية الضمنية»» المزعج 
في البيان وما سبّبه وما نتج عنه أنه يبقي اللعبة السياسية والتوازنات الوطنية في 
إطار إحصائي ضيّق. أكثر من ذلكء إنه بيان يلعق الميرد إذ يدل بالاصبع على 
مكمن أزمة فعلية: ثمة هوة متزايدة الاتساع بين توزع عدد النواب على 
الطوائف وبين توزع الهيئة الناخبة على الطوائف. وبدل ردم الحوة بالصعود نحو 
فكرة المواطنة يتم الرد عليها بالمبوط نحو منطق رحعي ومحافظ لا يدري أن أسر 
الحياة السياسية في قيود الدعوغرافيا الطائفية يرتد. ومنذ عقود» على «مخترعي» 
الطائفية السياسية ومن يعتبرون أنفسهم» اليوم أبرز حماتها والخائفين من أن 
يودي زواها إلى ذوباهم. 
2005|5|5 


من الانتصار إلى الحصار 


ليس الدليل على أن حياتنا الوطنية تشكو من عيوب أن تمر الذكرى النامسة 
لتحرير معظم الأرض الوطنية في الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي من غير أن تعامل 
عمايليق ها في البلد كله. كلا ليس هذا هو الدليل. الدليل هو أن نستفيق غداة 
المخطاب الذي ألقاه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله وكأن شيئاً 
لم يحصل. 

لو قامت الضحة ضد الخطاب لكان الأمر أفضل. ولكن أن تتجنب القوى 
السسياسية الرئيسية التعليق والنقاش والمساحلة والتأييد والرفض فهذا يوحي أن 
«مؤامرة صمت» تُحاك هي الوجه الآخر لما نلاحظه جيداً من أن الكثيرين يعتيرون 
أن مسألة بخطورة سلاح «حزب الله» يمكن لها أن تحل ب... التدليس. 

في العام ألفين» وبعد التحريرء ألقى نصر الله حطاباً في بنت جبيل. تحدث فيه 
عن الانتصار الشامل لكل اللينانيين» وعن التواضعء وأورد تلك العبارة المفتاح: 
«إنه نصر تاريخي يؤسس لحقبة جديدة ويشطب خلقه حقبة تاريخية ماضية». إنه 
حطاب الانتصار والوعد. 

بعد حمسة أعوام» وإثر «انتفاضة الاستقلال»» وقبل أيام من بدء الدورة 
الأو لى للانتخابات النيابية» ألقى نصر الف وف بنت حبيل أيضاء خطاباً حذر فيه 
من «أن المقاومة مستهدفة... وعلينا أن نستعد لمواجهة هذا الاستهداف» ودعا إلى 
«تحصين سياسي للمقاومة وسلاحها». إنه حطاب الحصار والوعيد. 

حمسة أعوام هرت العالم والمنطقة ولبنان. تغيّرت المعطيات تماما وي وحهة 
تخالفة: إلى حد بعيد لما توقعه نصر الله ودعا إليه» وتاه وعمل من أحله. 
وبكلام أدق تغيّر العام والمنطقة والتقى ذلك برافد لبناتي داحلي نقل المقاومة من 
حال إلى حال. 

لقد تعمّد نصر الله عام 2005 تکرار ما ذكره عام 2000 من شكر لسوريا 
على دعمها المقاومة ودفعها لمن ذلك. غير أن لبنان المتشكل هذه الأيام هو 

108 


109  ناتبل‎ 


بالضبط» لبنان المتحرّر من سوريا والمتحه؛ على الأرحح» نحو علاقات صعبة معها. 
لا يختصر هذا العنوان المشهد كله بالطبع ولكنه مؤشر مهم إلى مضامين التباين بين 
«التحرير» و«الاستقلال». 

ليس الحزب مسؤولاً عن الوضع الذي يرسو عليه البلد. لقد أوحدت 
الانقلابات العاصفة في العا والمنطقة المناخ العام. إلا أن «الأخطاء» الفادحة الي 
ارتكبها حلفاء الحزبء أو بعضهمء في سوريا ولبنان» ارتدت عليهم وعليه 
وفرضتء بالتالي» على خطاب 2005 أن يكون متشائماً بقدر ما كان خطاب 
0 ممتفائلاً. 

يتوجبء رعاء أن نعود بعض الشيء إلى الرراء. كلاء لم يعش لبنان قبل 
التحرير إجماعاً حول المقاومة وما تعنيه من خخيار إقليمي» وكذلك فإن الإنجاز 
نفسه استقبل بتفاوت ملحوظ وصل في حده الأقصى إلى اعتباره غلبة في 
حرب أهلية تدور بالواسطة. ولم يكن التحرير حاضرا بقوة في انتخابات عام 
0 في حين يحذر نصر الله أنه سيكون كذلك في انتخابات 2005 لکن نطق 
ثاري. والتطورات الداخلية الى حصلت منذ ذلك الوقت مهدت لما هو جار 
الآن علماً أن ذلك لم يكن ليحصل لولا التحولات الدراماتيكية في السياستين 
الأميركية والإسرائيلية ولولا الخيارات الكارئية الي اتخذت في معرض الرد 
عليهما. 

يبقى أنناء اليو أمام ما نحن عليه. إنه من باب تحصيل الحاصل القول إن 
المقاومة مستهدفة. لا يكف المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون والغربيون عن 
تكرار ذلك ويترحع صدى تصريحاهم في لبنان. ووسائل الاستهداف عديدة. 
تبدأ بالاستفادة القصوى من ارتكابات حلفاء الحزب. وثمر في السعي المحموم إلى 
«تحويف» الوضع اللبناني عبر الانتخابات. غير أنها تسلك دروباً أخرى. منهاء 
متلا أننا نشهد مراحعة تحريفية للثلاثين سنة الماضية. لقد تحدث بعضهم عن 
«حروب الآخرين» وكان يقصد حروب الإسرائيليين والفلسطينيين والسوريين 
(وغيرهم) «فوق أرضنا». ولكن الترجمة الأولى لذلك قصرت «الآخرين» على 
الإأسرائيليين والفلسطينيين. كان ذلك زمن النفوذ الموري. أما اليوم فيراد لنا 


110 الآن... هنا 


أن نقعنع بأن الثلائين سنة الماضية كانت كناية عن عدوان سوري مستمر على 
لبنان! 

إن العبث بالذاكرة هو تغطية لسياسات معينة ومشبوهة. والقصد الواضح هر 
اسعناف الصراع على مضمون الوطنية اللبنانية. فإذا كان التحرير يضعها في 
مواجهة إسرائيل فإن «الاستقلال» يحاول وضعهاء حصراء في مواحهة العروبة وفي 
تناقض مع سوريا. والواضح أن القصد من ترسيخ هذه «اللبنانوية» فتح ملف 
المقاومة بسرعة؛ ملف المقاومة لا ملف السلاح فقطء لأا واحدة من قوى التأشير 
قي الاتحاه المعاكس. 

ويترافق مع هذا العبث تقدم وعود ومغريات ترافق دخول لبنان مرحلة 
الخضوع للوصاية الأحنبية. ويمتد ذلك من إعادة بناء الجيش وصولا إلى العون 
الاققصادي والوعد الديموقراطي. إن هذه الوعود ستوضع» على الأرحح» في سلة 
واحدة مع القرارات الدولية وأبرزها 1559 بحيث يكون على لينان الجديد أن يختار 
بين طريقين: المروق على الشرعية الدولية ومعه الفقر والتوتر والحروب 
والصراعات, أو احترام الشرعية الدولية ومعه الازدهارء والاستقرارء والسلام» 
والحياد. 

يمكن الاستطراد في استعراض عناصر الضغط المصاحبة لدخحول لبنان العهد 
الجديد. والواضح أفا أسفرت»ء حن الآن» عن استقرار الخطاب السياسي الخاص 
عستقبل المقاومة عند موقف من حدين: لا بد من حوار حول سلاح «حزب الله», 
أو لابد من حوار لنزع سلاح «حزب الله», وقد أضاف وليد جنبلاط في 
كلمته في بنت حبيل «إذا لزم الأمر» إلى فكرة الحوار. وهذه الإضافة» على 
أعميتهاء لا تلفي أن دول الوصايةء وإسرائيل طبعاء ستجعل الأمر لازماً بالضرورة. 

إن ما فعله نصر الله هو رمي كرة النار في وجه الجميع. فالحوار» في رأيه 
هو حول سبيل حماية لبنان من إسرائيل والتمسك بقوة الردع. ويعي ذلك أن 
اللحزب باق على سلاحه مهما كانت الصيغة الجديدة لثنائية الدولة المقاومة. 
ويفترض» بناء على ذلك» التقدم خطوات إلى الأمام على صعيد بلورة المواقف 
من هذه النقطة الحساسة. 


111  نانبل‎ 


الواضح أن «التقدم» لم يحصل. رعا كان ذلك لأسباب انتخابية. ولكن 
متابعة دقيقة للأطروحات كلها تفيد أن الداعين إلى الحوار لا ينطقون بكلمة حول 
المحرج إذا تعثر الحوار» كما أن الداعين إلى نزع السلاح لا يكلفون أنفسهم 
عناء توضيح كيفية ذلك. 
إن في لبنان كثيرين يعتقدون أن سلاح الحزب سيسقط مثل ثمرة ناضجة وأن 
حسن نصر الله إنما كان يمازحهم عندما قال ما قاله. 
2005|5|27 


سمير قصير 
الواقعيء الراديكالي» الديموقراطي 


يوم من دون سمير قصير هو يوم لبناني أكثر فقراً. ترۍ عاذا كان يعد لنا في 
الافتتاحية التي لم نقرأها أمس؟ بمكن» رعاء التقدير. ولكنء أيضاء يمكن الجزم بأننا 
كنا سنكون أمام موقف معلل» غاضبء تحليلي ومتفوّق على ما يقوله آخرون من 
الموقع نفسه. 

هذا ما حسرناه وقد لا يعوّض. خسرنا أيضا الصوت الخاص» الصوت المعقد 
واللم ركب والذي يتشكل من روافد عديدة. هذا الصوت» أيضاء قد لا يعوّض 
خاصة أمام دفق التبسيط الممل والذي يصر على ضبط اللبنانيين في لحظة انفعال من 
أحل معاملتهم كقاصرين دائمين. 

أما وأن سمير قصير غاب فحق له علينا جميعاً أن نتوقف برهة عند الفرد ذي 
التحربة الفكرية والسياسية المميزة. حقه عليناء إذ ننظر إلى المليون متظاهر في 14 
آذار» وإلى منصة القيادة» أن نسأل: كيف نتعرّف إلى هذا الوجه؟ 

لا داعي لاستعادة نقاش مبتذل حرى ذات مرة حول «لبنانية» ”مير قصير. 
فالرحل ابن بار لبيروت. لبيروت الدركوقراطية والعربية والمختلطة. لبيروت قي بعض 
ما أضافه الفكر التقدمي إليها. 

غير أن مرحلة النضوج السياسي لسمير» كانت» كما حصل مع بعض حيله. 
عير الاتصال بالوطنية الفلسطينية. وبحب أن نعود إلى هناك من أجل البحث عن 
أصول اصطدامه بالخطاب الرسمي السوري: من تل الزعتر» إلى حرب المخيمات في 
الثمانينيات» إلى صراعات ما بعد «اتفاق أوسلو». 

إن للوطنية الفلسطينية» حى في الحظتها الكيانية» وحهين: الأول ضد 
المشروع الصهيوني وإسرائيل» والثاتي ضد الوصاية العربية خاصة بعدما أدى 
غياب جمال عبد الناصر إلى إثبات عجزها عن إنتاج خط نضالي يستوعب 
الفلسطينيين. 

112 


لبنان 113 

تأسيسا على تحربته مع هذه الوطنية الفلسطينية اعتير أنه في الإمكان استنباط 
وطنية لبنانية موازية تكون ضد إسرائيل ولكنء أيضاء ضد الوصاية العربية. من هنا 
تشديده الدائم على البقاء في موقع العداء لإسرائيل» وعلى الاستقلال اللبناني 
والقرار الحسرء وعلى ضرورة شيوع الديموقراطية العام العربي. الوصاية لا تنتهي 
بتحرّر البلد الملحق وإنما بتحرّر الوصي عبر الليموقراطية. 

لذلك لم تكن وطنية سمير اللبنانية «لبنانوية» ضيقة تمل عداوة إسرائيل 
وتهمل أهمية المصير المشترك للشعبين الليناني والسوري. ولأها كانت كذلك فهي 
توشر إلى وحود خطوط تمايز ضمن «انتفاضة الاستقلال» المتشكلة من قوى 
متقاطعة قد لا يطول التقاؤها. إن في هذه «الانتفاضة» من لم يقطع فائياً ووجدانياً 
وفكريا وسياسيا مع مرحلة سابقة ميرت ب «التحالف مع الشيطان لير لبنان». 
وف هذه الانتفاضة من لا يزال يعتبر أن حراب لبنان مسؤولية الفلسطينيين بالدرجة 
الأولى لأنهم أرادوا احتلاله واستخدامه وطن بديلاً. وفيها من يعتقد حاداً أن دمشق 
كانت تسعى إلى مشروع توحيدي خخطيرا 

ولكن لي هذه «الانتفاضة» أيضاً من بملك فهماً آخر للخطر الإسرائيلي على 
لبنان» وللسياسة الإسرائيلية في المنطقة» ومّن يلك تحليلاً آحر للحروب الأهلية الي 
اندلعت في لبنان ولمراحلها وقواها والاستراتيجيات المتضاربة فيها. وفي 
«الانتفاضة»» أيضاء من لا يعانع بأقصى العلاقات الاندماحية مع سوريا شرط أن 
تكون طوعية ودكوقراطية. كان سمير قصير من النوع الثاني ولقد وحد نفسه مرات 
عديدة إلى حانب «أبطال سلبيين» سبق له تقديمهم؛ أو تقدم أسلافهم السياسيين 
والإيديولوحيين» في كتاباته التاريخية عن المنطقة ولبنان وبيروت. ولأنه كان كذلك 
فهو كان يقترب ثم ييتعد بعض الشيء عن «الخطاب الحنبلاطي» كما عن فج 
الرئيس الشهيد رفيق الحريري. والثاني» تحديداء يمثل بحكم ماضيه وانتمائه وثقافته 
ووعيه» نوعاً من «العروبة الوديعة»» عروبة تحصيل الحاصلء العروبة البديهية 
المتحرعة» بعد سلسلة الخيبات» قدراً من «الواقعية» المصرية السعودية. 

إن التقاء الوطتيتين الفلسطينية واللبنانية عند سميرء وهو التقاء لا يقود 
بالضرورة إلى وعي قومي عربي دموقراطي (وهذا محل نقاش)» وضعه على 


14 الآن... هنا 


حط التماس مع السياسة السورية حيال المسالتين معا وف حين أن هناك في 
البيئفتين اللبنانية والفلسطينية» وبتفاوت» من اكتفى بالموقف السلي من دمشق 
الطاحة إلى أن تكون العاصمة الإقليمية المرجع فإن سمير كان متميزاً بالذهاب 
نحو الدعوة إلى تحديد حيوية المجتمع السوري بالدموقراطية تقديراً منه بان 
ميش الشعوب العربية مسؤول عن التردي العام وعن تأزم العلاقات البين 
عربية. 

لا ينتمي الشهيد إلى الوطنية اللبنانية كما صاغتها قوى وتيارات فكرية كينية؛ 
سواء مسيحية أو إسلامية. ولا ينتمي طبعاً إلى الفكر القومي التقليدي. لقد حالت 
فلسطينيته دون أن يكون «لبنانيأ» با معن الإيديولرحي كما أا قرّبته من عروبة 
تعلي من شأن المسألة الديموقراطية وتربطهاء وهذا طبيعيء بالكيانية الي ترسم 
الحدود السياسية الواجبة الوحود من أجل ممارسة السيادة الشعبية. 

ينتمي سمي إلى مدرسة قرّرت عدم الخضوع الدائم للضغط باسم القضية 
القومية من أجل دفعها إلى إسقاط التطلب الدموقراطي. لقد نشأت هذه المدرسة 
ضمن بيئات اليسار العربي واعتبرت أنها معنية بإسقاط التحريم المضروب على أي 
محاولة شعبية لمنعها من الاستفادة من ضغوط خارجية على الأنظمة. تقترح هذه 
المدرسة سياسة على حافة السكين: إذا كان الخارج يضغط للحصول من الأنظمة 
على الطاعة فلا بأس من اقتناص الفرصة لتوسيع هامش الحريات. إا نظرية قد لا 
يوافق المرء على الحاولات التطبيقية الي حرت لها (الفرق كبيرء مثلً» بين العراق 
ومصر). رعا كانت نظرية تتضمن بعض الوهم غير أنه وهم أقل من ذلك الموجحود 
في الرأي الزاعم أن ثمة خيراً يرتحى من أنظمة القمع لإيصال القضية الوطنية 
والقومية إلى هاية سعيدة... للشعوب. 

هذه المدرسة علاقة مركبة ب «الغرب». لا هي علاقة التبعية كما مارسها 
أنظمة وتدعو إليها تيارات ليبرالية مستحدة» ولا هي علاقة صدام تناحري تريده 
أصوليات قومية ودينية. ولكنهاء أيضاء شديدة الاختلاف عن علاقة الافحان الي 
يمارسها اليمين اللبناني بعد أن يكون أفرغها من كامل مضموفها التحديثي وحوّها 
إلى قوقعة فارغة تماما. 


115  نانبل‎ 


مير الذي غاب هوء على الأرحح» من هذه المدرسة الي وإن كانت 
تستدعي تقاشاً واختلافاء فإنها تشكّل مساهمة غنية في المشهد الوطي. لقد غاب 
تاركاً للتبسيط أن علا الفراغ. وهو يملوؤه. 

كان سعير قصير الفلسطيي واقعياء وسمير قصير اللبناني راديكالياء وسمير قصير 
السوري دكوقراطيا. الخيط اللاصق بين هذه المواقف قابل للدفاع عنه ولكنهء أيضاء 
قابل للنقاش. ومن المحزن جداً أن يغيب عن هذا النقاش صاحب النبرة المميزة الي 
في وسعها إغناؤه. 


¢ ة#© 


قال صديق إنه قد لا يكون المطلوب باستشهاد سمير قصير أن تنطفئ زاوية في 
القلب» بل أن تضاء زاوية في العقل. قال ذلك لائما وعاتباً وملمحاً إلى أن ثمة تهمة 
جاهزة لكل من يعرف الكثير الكثير الجامع ولا يتنازل عن القليل القليل ما يفرّق. 
والتهمة الجاهزة هي أن التماهي مع الشهيد ممنوع من جانب من قد يتعرض 

لاعتداء من القاتل يتخذ شكل التشارك الشكلي في بعض المفردات. 
2005|6|3 


جورج حاوي: 
ا 


لننس أوضاع اليسار اللبناتي اليوم. لننس ما كشفته لنا الاتتخايات من أن 
التحندق الطوائفي يكاد يلغي المساحات المشتركة بين اللبناتيين. لننس ما يطيب 
للبعض تكراره من أن احتياطي اليسار في المجتمع اللبناني يفوق ححم التنظيمات. 
لنتذكرء فقطء أن هذا «الوطن المعلق»» الفاقد لأي عمود فقريء العاجز عن إنتاج 
مركز توحيدي جديء لنتذكر أن هذا الوطن يحتاج؛ كضرورة لا بد منهاء إلى تيار 
وطين دكوقراطي يساري عروبي. 

إذا نسينا ما نسيناه وتذكرنا ما تذكرناه» أمكن لنا القول إنه لا محال لكتابة 
تاريخ اليسار في لبنان» ولا بحالء أحياناء لكتابة تاريخ لبنان في العقود الأربعة 
الماضية من دون حفظ مكان للشهيد حورج حاوي. لولاه لكان الحزب الشيوعي 
اللبناني دحل في مرحلة تكلس ولكان صعباً أن يكون دوره الدور الذي كان عليه 
منذ مطالع السبعينيات. 

كان أبو أنيس من الشيوعيين الذين اعتيروا أن وصمة يجب أن تمحى في تاريخ 
هذا التيار» وصمة الاعتراف بالتقسيم في 48. لذاء وبعد عقدين» قاد. مع رفاق له 
التحول الذي شهده الموثمر الثاني في وقت كان فيه العرب يبحثون عن سبل الرد 
على هزعة 67 والعالم يعيش ربيع الشباب» والأفكار الماركسية تتعرض لعملية 
تحديد حاول البعض أن يصد رياحها عن اليسار العري. 

ولقد مهد هذا التحوّلء المتلاقي مع الانقلابات الي تعيشها أحزاب الحركة 
القرميةء مع الجذرية لمندفع نحوها كمال جنبلاط» لنشوء المعسكر الذي قاد 
النضالات المطلبية العمالية والفلاحية والطالبية في لبنان. ولقد حصل ما حصل في 
لبنان» وكان يمكنه أن يكون لبنانيا فحسب» في ظل انعقاد طلب الإصلاح على 
شعار حماية المقاومة الفلسطينية الي تصاعد استهدافها وصولا إلى اندلاع الحروب 
الأهلية ودخرها في منعطفات متعددة شديدة التأثر ما كان يدور في المنطقة. 

116 


لبنان | 117 


كان حاوي من الرعيل اليساري اللبناتي الذي حاول أن يقود بلاده في عكس 
امحرى العام للتراجع العريء هذا التراحع الذي تبدّى؛ مرة» محاولة تأديب الوطنيين 
اللبنانيين؛ ومرة أحرى» وأخطرء بخروج مصر من دائرة الصراع. ظهرت لي هذه 
المرحلة مواه به القيادية» وحس المبادرة له» وقدرته الفائقة على التفلت من أسر 
المعادلات العقائدية الضيقة. 

تحوّل حاوي» اعتباراً من 75» إلى وجه عربي ودولي. إلى وحه عربي بصفته 
أحد المسوولين (بعد رياض الترك) عن مصالحة اليسار الما ركسي مع القضية 
القومية» وإعادة وضع فلسطين في موقعهاء وتقلع كراءة وسارية الوجدة والتحوز 
والتقدم. وإلى وحه دولي بصفته واحدا من قلائل يخوضون نضالا مسلحا ضد 
القوى المرتبطة بالمشاريع الاستعمارية. وإذا كان حاوي غالى في الذهاب إلى 
التحالف مع الثورة الفلسطينية إلى أقصى مدى فإنه فعل ذلك كعمل تطهري 
يسمح له بان يطرح في الآن معا أزمة حركة التحرر الوطي العربية وأزمة البديل 
الثوري عن قيادها. 

لى يكن صدفة., والحال هذه أن يكون من المبادرين إلى إطلاق «جبهة 
المقاومة الوطنية» ضد الغزو الإسرائيلي وأن يخوض معركة إسقاط الاتفاقات الي 
فرضت على لبنان. 

كان الرحل يتمتع بفائض حيوية. كان يعشق التكتيك. كان شديد الميل إلى 
مواعمة الشعار اليومي مع اللحظة الراهنة. باخنتصارء كان شديد المبالغة في التفاعل 
معالمستجدات. لم يكن ليرضى بتراحع دور ار الوطنية واليسار. ولم يكن 
ليطيق أن حزبه يمكن أن يكون معزولا وأن أحداثا كان منخرطا فيها يمكنها أن 
تستمر من دونه دافعة إياه إلى موقع المتفرج. 

يمكن القول إن حورج حاوي هو الرحل اللاهث وراء الفعالية حى لو قاده 
الأمر إلى استبدال نفسه بالحزب» وإلى أحذه على الرفاق التردد والرغبة في تلمّس 
موطئ القدم. 

عندما يستشعر ضرورة المصالحة مع حصوم كان ييادر إلى المصالحة. وعندما 
يمحس أن الريح تحب في حهة كان يحاول ركوها. وعندما يشتم التطورات كان 


118 الان... هنا 


يسبقها ليلافيها. وكان قادرا على أن يغرف من ريفيته الي لم يغادرهاء ومن أميته 
الي اختبرهاء ومن ثقافته المطلة على بعض ما يجري في العالم» ومن ثقته الهائلة 
بالنفس» ومن رصيده التضالي» كان قادرا على ذلك كله من أجل تقدم الموقف» 
مهما كان جديداء وكأنه استمرار حرفي لما سبق. 

إلا أنه في ذلك كله» لم يضع البوصلة الي تمديه إلى الأفق البعيد: التحرّر 
الوطين والقومي والاجتماعي. اختط لنفسه طريقا للوصول إلى هذا المدف» ودخل 
في منعرجات كثيرة» وبقي في ذهنه أن الانغراس ف التربة امحلية» كما هي» وبكل 
إيجابياتها وسلبياتها. شرط من شروط الانوحادء أي شرط من شروط الاحتفاظ 
بالنبرة اليسارية في برج بابل اللبناي هذا. 

إن شعوره بأنه واحد من أبناء الجبل لم يفارقه. ولعل ذلك هو ما وفر له 
الشرعية الداحلية المطلوبة للدخول في مغامرات لا تحصى» في مغامرات فكرية» 
وسياسية ونضالية؛ وعسكرية» وللعب دور المهماز الذي يرغم أياً كان على لوم 
نفسه لأنه بطيء الاستجابة. 

كان جورج حاوي في المشهد السياسي اللبناني» خلال الشهور الماضية» حاضراً 
بقوة» ولو أنه حضور إعلامي أكثر منه تنظيمياً. كان في منطقة ما بين الحزب الشيوعي 
اللهناني؛ وهو عضو فيه» ويين الحساسية الت مثلتها «حركة اليسار الديموقراطي». إلا 
أن الأمانة تقضي القول إنه كان مزعجا لقوى وجهات أكثر تما يسمح به موقع «القوة 
الثالثة». ولعله لعب دورا في الدفع نحو الانخراط النشيط في «انتفاضة الاستقلال»» 
ومارس هواينه المفضلة في اقتراح المخارج السياسية» والحلول الافتراضية» والسعي إلى 
توحيد ما يعتيره مشروعاً لدى الأطراف اللبنانية المتقابلة. كان يصعب عليه أن بيدأ 
حديثاً عن الأزمة من دون الانتقال إلى اقتراح التسوية» أي التسوية الي تعلم من تحاربه 
أن الوصول إليها حتمي... بعد خسارات لا تحصى. 

إن الرد الوحيد على استشهاد أبو أنيس هو امتناع اليسار اللبناني عن الغرق 
في اتتصارية زائفة أو في سوداوية مستسلمة. إن بعضاً من نشاطيته الفائقة 
ضروري... مهما كان مكلفاً. 

2005|6|22 


التحفظ أولاً 


رب ضارة نافعة. رب حرعة تعيد تذكير الجميع بضرورة الاتزان 
والتحفظ. فما نشكو منه» منذ أشهرء هو العيش في تناقض حاد بين طلب 
الحقيقة وادعاء معرفتها. ولقد تيزت الردود على مسلسل الاعتداءات 
والتفجيرات الي شهدها لبنان بتلاقي بعض السياسة وبعض الإعلام وبعض 
الشارع على إصدار الأحكام القاطعةء وتوحيه الاتمامات الحاسمةء وبناء المواقف 
ععزل عن التحقيقات» والإقدام على عمليات «سحل رمزي» لبعض من طالتهم 
الظنون. 

لقد حل الاستدلال السياسي محل القرائن الجرمية. ورعا كان ذلك ميرراً في ما 
بخص محاولة اغتيال مروان حمادة» ثم حرية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وباسل 
فليحان ورفاقهماء ثم جرعة اغتيال الزميل مير قصير. إلا أن الصورة تشوّشت 
بعض الشيء مع اغتيال حورج حاوي. ومن النتائج السلبية لما هو مير أن حرمة 
الدم منعت أي نقاش لا بل وفرت زادا لمن أراد التشكيك ,ما يقوله المحقق الدولي 
ديتليف ميليس. 

ثم جاءت محاولة أمس لاغتيال وزير الدفاع الياس المر لتضفي على المشهد 
العام تعقيدا لا مكان له» من حيث المبدأء في التفسير التبسيطي السائد. 

ما هي النتيجة الي نصل إليها لو اعتمدنا لفهم ما حرى أمس الآلية الي 
حرى اعتمادها لفهم ما سبق. نحدد خصوم الياس المر السياسيين» حصي كل 
كلمة قيلت ضده نقوم بحردة للاققامات الي وحهت إليهء ندقق في نسبه 
العائلي والسياسي» نستذكر موقعه وموقع والده في النظام «السابق»» نستحضر 
الحملة العنيفة الي شهدا انتخابات المعن الشمالي ضد تحالف «التيار الوطي 
الحر» مع «رمز الحقبة السورية»؛ وقريب «رأس النظام الأمي»» وأحد أقطاب 
الفساد والإفساد وتسخير الدولة وقمع الخصوم» ونعيد قراءة ما كتب عن محاولة 
بعث النظام الإحرامي» [لخ... وبناء على كل ما تقدم نخلص إلى النتيحة القائلة 

119 


060 الآن... هنا 


بأن كل من سبق له أن أشار إلى عيب في الياس المر هو شريكء أو متواطىئ؛ أو 
محرّضء في محاولة اغتياله. 

إن هذاء بالضبطء هو ما يفترض جنبه. ولقد شهدنا حربة على ذلك بعد 
التفجير. وكان لافتاً أن بعض أصحاب الاقامات الجاهزة كانوا مرتبكين وفضّلوا 
اللحوء إلى تقديرات عمومية عن «أعداء لبنان» وعن «الذين لا يريدون حيرا لنا» 
وعن «الراغبين في دفع البلاد نحو الفوضى»» وعن «المستفيدين من الخلافات 
الداخلية»... صحيح أن أصواتاً ارتفعت لتقول إن العملية الأخيرة تأني في سياق ما 
سبقها لكنها أصوات كانت فاقدة لقدرقا الإقناعية خاصة وأا صادرة عن 
نعارضنين غنيدين لاتحنال أن يكون ار في الوزازة ابنديدة يفده سوبا على 
رئيس الجمهررية. 

يقالء في العادة إن سلطيَ القضاء والإعلام متحالفتان. ولقد برزت فعالية 
هذا التحالف» قبل سنوات» قي الموجة الي اجتاحت دول أوروبا الغربية وكانت 
«الأيدي النظيفة»» في إيطالياء رمزها الأبرز. إلا أنه هناك» حيث اللركوقراطية 
ناضجة فعلاًء احتج كثيرون على مبالغات هذا التحالف لأنه يضع سلطتين غير 
منتخبتين في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية المنبئقتين من الإرادة الشعبية 
الحرة. ووصل الأمر إلى حد التحذير؛ في فرنسا مثلاء كما في غيرهاء من أن تحل 
«جمهورية القضاة» محل المؤسسات التمثيلية إذا لم تعرف كيف تضبط صلاحياقاء 
وإذا استمرت» حن الحد الأقصىء مستفيدة من القنوات المفتوحة بينها وبين 
الإعلام. 

أما ما شهدناه في لبنانء خلال الشهور الأخيرة» فهو أدهى. نبحث عن 
القضاء فلا نحجده أو نحده وقد وضع نفسه ووضعوه في موقع الشبهة. نطالب 
بتحقيق دولي ونروح نطارده. نترك للسياسيين حق إصدار الأحكام و... تنفيذها. 
ونحول الإعلام من أداة لطلب العدالة إلى أداة للشأر. 

لقد آن لهذا الوضع أن يتتهي. لا لصالح التعتي > ولا لصالح التمويهء ولا لصاح 
الصمت. أن يتتهي لصالح قدر من الحصافة؛ ومن وزن الكلام» ومن إحضاع 
السلطات غير المنتخبة لمراقبة الرأي العام. 


لبتان 121 


إنه زمن التواضع. زمن المسؤولية. زمن التأمل في شبكة التعقيدات الحيطة 
بالوضع اللبناني والمرحلة الانتقالية الاستثنائية الي يعيشها. زمن الفرضيات لا التتائج 
القاطعة. زمن القولء مثلاء إن الجهات المستفيدة من إزاحة الياس المر متعددة» وأن 
البلد المفتوح قابل لأنواع شى من الاختراقات. 
رما يساعد قي ذلك أن تتولى جهة رسمية ما إطلاع المواطنين إن لم يكن على 
«الحقيقة» فعلى الأقل على البعض منها الذي بات محسوماً في أمره والذي هو في 
عهدة لحن التحقيق. الشفافية؛ هناء أكثر من ضرورية. إفاء في الواقع» حاحة 
وطنية. كما هو حاجة وطنية اتضاح المسوولية السياسية العامة عير تشكيل 
الحكومة, واتخاذ الخطوات الضرورية لبلورة المرجعية الأمنية. 
2005|7|13 


لعنة لبنانية 


يغالب المرء نفسه وهو يقرأ تصريحات عدد من رجال الأعمال اللبنانيين. 
يغالب نفسه حى لا يقول فيهم» في أثناء محنتهم والحنة العامة» كل الهجاء الذي 
يكنه هم. 

إذا راحعنا المحطات الرئيسية السابقةء في الأشهر الأخيرة على الأقل» وال 
لعبت الأدوار الحاسمة في تقرير المصير الوطيئء فإننا لا نحد أثرا لمولاء. ويأتي ذلك في 
امتداد تاريخ لحم يقوم على التعفف من ممارسة السياسة ومن التدخل في توجيه 
الأمور نحو هذا المنحى أو ذاك. 

لقد استفاقواء فجأة» مع اندلاع أزمة الحدود بعد المبادرة السورية إلى توجيه 
رسالة سياسية بقالب أميئء أو بذريعة أمنية» إلى النظام الناشئ في لبنان. استفاقوا 
ليقولوا كلاما يتميّز بقدر عال من السطحية. صرح أحدهم: «إن ما يحصل وصمة 
عار على جبين المسؤولين اللبنانيين كافة دون اسشناء. لم يتحرك هم حفن حى 
الآن. يحب ألا يظنوا أن مغل هذه المشكلات حل بواسطة الماتف». وهدد 
الصناعي المشار إليه ب «موقف حازم للفاعليات الاقتصادية الي تمسّها في الصميم 
مأساة الناس الاقتصادية من جراء الطريقة الي يعالج ها بعض أركان الطبقة 
السياسية شؤون الوطن». صح النوم! 

لقد كان مطلوباً إغلاق الحدودء وزيادة أرتال الشاحنات» ووقف التصديرء 
وتضخم الخسائر وتهديد المصانع بالتوقف» وارتباك التحارة» وتلف الزراعة» لقد 
كان مطلوباً ذلك كله» وأكثر» من أجل أن تشعر بورحوازيتنا اللبنانية التافهة بأن 
الطبقة السياسية ليست على ما يرام. 

لقد كانت هذه النتيجة مكتوبة» كاحتمال على الأقل؛ في سلسلة التطورات 
الأحذة بعناق لبنان منذ فترة. ولقد كان واضينا أن السياسيين اللبنانيين» بعد 
استشهاد الرئيس رفيق الحريري خاصة. لا يدخلون الاقتصاد في حسام عند اتخاذ 
القرارات. ومع ذلك فإن الميئات الاقتصادية» أو الي تسمي نفسها كذلك» صمتت 

122 


لبنان 123 


صمت القبور ثم ارتفع عويلها وهي تشهد لامبالاة «الطبقة السياسية» حيال ما 
هوء بحق» كارثة وطنية. 

لقد افتقدنا هذه الحيئات عند البحث في قانون الانتخاب مثلاً. ثم افتقدناها 
عند الانتخابات ال أوصلت الغرائز الطائفية إلى الذروة. ويأتي هذا الافتقاد في 
سياق تقسيم للعمل ارتضته هذه البورجوازية لنفسها ويقضي بفصل الدائرة 
الاقتصادية عن الدائرة السياسية والتسليم بأن الثانية هي اختصاص حصري لأبناء 
العائلات أو لزعماء الميليشيات. 

وحن الصناعي المذكور فإن إطلالاته التلفزيونية» في خلال الأزمة المستمرة 
تميِزت ععاملة السياسة مثل الجرب الذي يفترض تبه والتهرّب من كل سوال 
حول الموضوع والاستغراق في استعراض حلول تفنية لمشكلة سياسية وطنية من 
الدرحة الأولى هي مشكلة العلاقات اللبنانية السورية. 

إن ما نحن عليه الآن في لبنان» أي ان الأزمة العامة الى نعيشهاء هي» .معن 
ماء نتيجة من نتائج امتناع هذه الفئة عن السياسة وعن العمل العام. ليس هذا هو 
السبب الوحيد ولكنه؛ بالتأكيد؛ سبب أساسي. 

والمقصود بالعمل العام» هناء ما يتجاوز السياسة المباشرة. إن له علاقة بكل ما 
يعن المجتمع. فنحن لا نعرف مثلاًء أن رأسماليتنا مهتمة جدياً بالتعليم وأا صاحبة 
كلمة فيه. ولا هي مهتمة بالبيئة. ولا بالثقافة. ولا بالإعلام. ولا هي تربط 
مصالحها بالتقدم الإجمالي للبلد. وبعيد كل البُعد عنهاء مثلاًء أن تطالب للمواطن 
بحن الاقتراع النيابي أو البلدي حيث يسكن. ولم نسمع عنها اهتماما ملحوظاً 
بتحديث القوانين. إها تتصرف تصرف نقابة صغرى معنية بالشؤون المباشرة الي 
تقهمها. وهي تراقب وتقترح وتحتج وتؤيّد عندما يكون الأمر المطروح لصيقاً 
مصالحها المباشرة والضيقة. وتعتقد واهمةء أن في وسعها أن تزدهر في اقتصاد 
ليبرا ينمو وسط يتمع مشدود إلى روابط تقلبدية ومتخلفة. ولا تمانع في أن تبدو 
كمن ينهب البلد فبا أو كمن انفصل عنه تماما بحيث إذا أتت المنازعات والحروب 
الأهلية عليه أمكن للا النفاذ يحلدها وتحريب ثرواتها والانتقال إلى حيث يمكنها أن 
توالي الربح السريع. 


124 الآن... هنا 


افد ان2 تقدموا لخوض المعترك السياسي. إلا أنهم فعلوا 
ذلك بصفتهم أفرادا كما أنهمء في الجال السياسي» حضعوا لقوانين اللعبة الطائفية 
والمذهبية ولم بيد أي أثر عليهم لصدورهم عن فوقع اقتصادي واحتماعي محدد. 
ويكفي أن نلاحظ كيف يختار أحد هولاء مدير لشركته وكيف يختار نائبا أو 
حليفاً حي ندرك أنه يه يفعل الشيء الأول وفق معابير الكفاءة والفعالية ويفعل الشيء 
الثاني وفق معايير الزبائنية والولاء. 

إن الفرق شاسع بين أن يقتحم رحال أعمال عالم السياسة وبين أن تقتحم 
طيقة رحال الأعمال السياسة فارضة قيمها ومقابيسها وساعية إلى المساهمة في 
صناعة المستفبل. وكذلك الفرق شاسع بين الاستعانة ببيروقراطيين وزعماء أحزاب 
وقوى سياسية لتنفيذ سياسة معينة وبين إيلاء السلطة إلى شخصيات وزعماء 
طوائف وعشائر وتقاسمها معهم على قاعدة التسليم لهم بالتفوذ الكامل على المجتمع 
والإبقاء على واحة «المبادرة الحرة». 

إن البورحوازية اللبنانية هي لعنة لبنان الأولى (مثيلاتها في البلدان العربية 
الأحرى أسوا منها). وإذا كان هناك من استناء فإنه» بالضبط إثبات للقاعدة 
القائلة بأن هناك من تخلى» بالكامل» عن مسؤولياته الوطنية. 

إن هذا الغياب المدوي هو الذي يساعد اللعبة السياسية في أن تدور» حصراء 
في النطاق الطائفي وأن تنحرف إلى ما تنجرف إليه من توتر يهدد الوطن» كل 
مرةء بالتصدع. وهذا الغياب هو الذي يسمح للسياسيينء المعنيين بتعبئة قواعدهم 
الطائفية» بالاندفاع نحو مغامرات يغيب عنها الهم الاقتصادي فتقود نحو أزمات من 
النوع الذي نعيشه اليوم. 

إن إصلاح الإدارة العامة حزء من الاقتصاد. وقانون الانتخاب جزء من 
الاقتصاد. ومستوى التعليم الر سمي والخاص جزء من الاقتصاد. وعلاقات الطوائف 
في البلد الموحّد أو السوق الموحّدة جزء من الاقتصاد. والإنتاج الثقاقي حزء من 
الاققصاد. والحرية الحقيقية للإعلام حزء من الاقتصاد. والعلاقة اللبنانية السورية 
حزء من الاقتصاد. ومصر المدنبين الفلسطينيين حزء من الاقتصاد. واستقلال 
القضاء جزء من الاقتصاد. ومرونة التشريع جزء من الاقتصاد. وسلامة الطرقات 


لبنان | 125 


جزء من الاققصاد. والمناخ جزء من الاقتصاد. والمهرجانات الفنية جزء من 
الاقتصاد» ويعكن الاستطراد... 
إن «الاققصاديين» اللبنانيين يوكلون معظم هذه القضايا المشار إليها إلى 
سياسيين يستمدون نفوذهم من أواليات لا علاقة لها البتة هذه العناوين. وعندما 
يقودنا هؤلاء إلى مآزق يعلو الصراخ. حي عندما يعلو الصراخ فإنه يكون مصحوباً 
يهذه المقولة الفارغة: حاشى أن نتعاطى السياسة! 
280050 


لبنان مرجع قضيته الوطنية 
لأول مرة في تاريخه 

يدعل لبنان» منذ فترةء مرحلة تاريخية غير مسبوقة. وربما كان لازماً إزاحة 
الكغثير من التفاصيل من أجل تبين الملامح العامة لحذه المرحلة. يمكن وضع غير 
عنوان لها إلا أن العنوان الأبرز يبقى تحديد مضمون الوطنية اللبنانية وصياغة موقف 
لبناني محكوم بالعوامل الداخلية فحسب حيال النزاعات المندلعة في المنطقة وأهمها 
النزاع المستمرء بأشكال ودرحات» متنوعة مع إسرائيل ومع رعاتها العائدين إلى 
«الاستعمار المباشر». 

الملمح الأول هذه المرحلة هو أنه» لأول مرة في تاريخ الكيان» يبدو مركز 
القل في تقرير المصير الوطي موجوداً لدى المسلمين اللبنانيين بصورة عامة» ولدى 
المسلمين السنة و نخبهم بصورة خاصة. 

الملمح الثاني» وهو مرتبط بالأولء هو أن مركز الثقل هذاء البارز منذ «اتفاق 
الطائف»» متحرر من أي علاقة مباشرة ودونية بأي دولة عربية. وإذا كان 
«التحرر» من هذه العلاقة» مع سورياء حصل في سياق معين ونتيجة أخطاء 
منهجية, فإنه أدى إلى نوع من العودة المسيحية المتنامية إلى دور «الشراكة». 

المح الثالث» وثمة مفارقة محتملة هناء هو أن هذه العملية التاريخية» البادئة 
منذ سنوات؛ استقرت في ظرف يشهد الوضع العربي العام انهيارا ملحوظا ويتعزز 
نفوذ القوى الغربية» وتستعد إسرائيل لوثبة توسعية جديدة تحاول قضم المزيد من 
الأرض الفلسطينية. 

الملمح الرابع هو أن اختيار الموقع الإقليمي الإجمالي للبنات بات فعلاً حرا 
لأبنائه ومواطنيه ومحكوما بالتوازنات في ما ينهم طالما أنه من الواضح أن الإجماع 
المطلوب غير متوافر. 

لا بد من عودة سريعة إلى الوراء من أحل اكتشاف كم أن هذا الجديد هو 
جحديد فعلا. 

126 


لبنان 127 


فمن عام 48 إلى عام 67 ولي ظل الأرححية الطائفية المعروفة» كان «الحياد» 
حيال الصراع العربي الإسرائيلي هو الشعار السائد. إلا أن «الحياد»» في تلك 
المرحلة» كان أقصى ما تطمح إليه إسرائيل وحلفاؤها لأن الصراع كان محتدماً فعلاً 
وكل حياد لدولة عربية فيه قوة تحسم من معسكر المواحهة. لقد تخللت أحداث 58 
هذه الفترة. إلا أنها أحداث بحمت جوهرياً عن محاولات الارتباط بالأحلاف 
الاستعمارية المعادية وليس عن أي محاولة حدية للانضمام إلى دولة الوحدة المصرية 
السورية. وعندما استقر الوضع الداخلي بعد 58 على توازنات محددة بدا أنه 
يعكس التوازن العربي الغربي. 

إن منطق «الحياد» هو الذي قاد بعض القوى إلى اعتبار باه لبنان من عدوان 
67 إنحازا. لقد عمّمت هذه القوى أطروحة الشماتة من المهزومين وسعت إلى 
استثمار الانقلاب الحاصل بالانقضاض على التجربة الإصلاحية الجدية الوحيدة الي 
عرفها لبنان. لقد كان «الحلف الثلائي» معادياً للشهابية لأسباب عديدة بينها أا 
محاولة تحديثية لم تكن ممكنة لولا عقلانية الناصرية وواقعيتها. 

يحكن القولء بلا مبالغة» إنه» على امتداد تلك السنوات» كان التيار الوطيي 
القومي في لبنان جزءا من حركة واسعة تقودها القاهرة وتضبط إيقاعها. 

تصاحب الدحول الفلسطيي المسلح إلى لبنان مع اندفاع النظام فيه نحو 
الانغلاق. ومع غياب جمال عبد الناصر بات برنامج الحركة الوطنية اللبنانية العروبية 
حماية الثورة الفلسطينية ودعمها تعويضا عما فات لبنان من مشاركة في نضالات 
سابقة وسعياً إلى فتح باب الإصلاحات الداخلية. 

استمر هذا العنوان حاضرا بين 75 و82. إنه عنوان لبناني قطعاً ولكنه يسلم 
بأولوية الدفاع عن المقاومة الفلسطينية. تعقد الوضع نتيجة الانشقاقات الي رافقت 
التوتر الفلسطيي السوري إلا أن ما يمكن قوله هو أن النواة الصلبة للحركة الوطنية 
بقيت أقرب إلى منظمة التحرير حى بعد استعادة العلاقة مع دمشق غداة زيارة 
الرئيس أنور السادات إلى القدس. 

دخلنا في مرحلة جديدة بعد الخروج الفلسطييي صيف 82. وجرى إحباط 
«اتفاق 17 أيار» بعون سوري. وحصلت تباينات حول الموقف من العودة 


8 الآن... هنا 


الفلسطينية اللسلحة. ولكن ما كان يحصلء عملياًء هو التأسيس للمرجعية السورية 
الي تكرّست بعد الطائف وإفاء الحرب والمشاركة في مؤتمر مدريد. 

وفي خلال التسعينيات تصاعدت المقاومة اللبنانية لإسرائيل مرعية من النظام الذي 
لعبت سوريا الدور الأبرز فيه. كان التقاطع واضحاً بين هذه الوطنية اللبنانية وين 
المصالح السورية. ويمكن القول» بصورة إجالية» إن هذا الوضع استمر حن العام 2005 
مع محطة بارزة في العام 2000: «تغيير» في سوريا يعقب «تغييرا» في لبنان» الانسحاب 
الإسرائيلي» تحدد الانتفاضة الفلسطينية» وصول أرييل شارون إلى السلطةء إلخ... 

إن 2005 هو عام الأزمة اللبنانية السورية وذلك في سياق تطورات دولية 

إقليمية ومحلية متداخلة» لا ضرورة» هناء لفك تشابكاتا. المهم أن الأزمة 

حصلت» والعلاقات توترت» والقوات السورية انسحبت» والنفوذ السياسي 
السوري انمسر حى بات هامشياً جدا. 

وهكنا بات على لبنان أن يواجه الأسئلة المطروحة عليه في ظل ملامح 
المستحدات المشار إليها آنفا. 

من نافل القول إن ثمة تأثيرات أحنبية ملموسة» وإن الحديث عن «دول 
الوصاية الحديدة» لا مبالغة فيه. ومن نافل القول إن دولاً عربية ازداد نفوذها في 
لبنان عوازاة تقلص النفوذ السوري. ولا بأس» أيضاء من القول إن إيران حاضرة 
بشكل أو بآحر. إلا أن هذه الملاحظات لا تلغي القدر من الصحة في الأطروحة 
القائلة بأن هامش قدرة اللبنانيين على الاختيار الحر لما يريدونه لبلدهم من هوية 
ومن موقع ومن دورء إن هذا الهامش اتسع. ومن هنا التأكيد أن المسؤولية كيرت 
بقدر اتساع الهامش. 

إن لبنان يقف اليوم وحده قي مواجهة إسرائيل والحركة الصهيونية. ووحده 
تعيئنء بالضبط أن لا مرجعية عربية تملي عليه موقفه أو تشاركه في تحديده. إن 
على لبنان» وحده؛ أن بملك رأياً في الصراع المندلع في فلسطين (وهو كذلك برغم 
«خطة غزة»)» وفي مصير الاحتلال الأميركي للعراق» وقي طبيعة العلاقات المنشودة 
بين المنطقة وأهلها والآخحرين؛ وني ملفات عديدة ذات أهمية استثناتية من نوع 
الملف النووي الإبراي وغيره... 


129  نانبل‎ 


يكن رسم حريطة المواقف اللبنانية المعقدة حيال هذه القضايا. إلا أن ما يجب 
قوله هو إن الضغط متصاعد من أحل اسطمار أحداث السنة الفائتة للقول بأن لبنان 
ما ان يستعيد حريته وسيادته واستقلاله حي يصبح بالإمكان حذبه إلى «وهم 
الحياد» الذي لا ترجمة واقعية له إلا إعادة ربطه بأزمات المنطقة من غير البوابة الي 
استقر عليها منذ سنوات. إن شعار هذا الضغط هو تحويل «نزع الميمنة السورية 
على لبنان» إلى «نزع للعروبة فيه». ويراهن هذا الضغط على تشكيل التلاف 
عريض يحمل هذه المطالب ويجعل المرارات من سياسات سورية في لبنان هادي 
وحيداً لتحديد مضمون الوطنية اللبنانية وصلتها بالهوية القومية. 

من رسائل هذا الضغط؛ مثلاًء تقدم قراءة تحريفية للثلاثين سنة الأخيرة يغيب 
عنها بالكامل البعد الإسرائيلي والرعاية الأميركية له. 

ولكن الوسائل غير «الثقافية» لهذا الضغط أكثر حضوراً. إن ما نشهده هو 
محاولة فتح القرارات الدولية على بعضها. بحيث يصبح 1595 في خدمة 1559ء 
وبحيث يتحول 1614 إلى صيغة ملطفة من 1559. ومكمن الخطورة في هذه الحاولة 
هو تحنب الاصطدام المباشر بالقوى الرافضة ل1559ء وتكبيلها عبر قرارات 
وسياسات أخرى؛ من أحل استدراحها إلى بناء موازين القوى الداخلية ال تحسّن 
شروط وضع 1559 موضع التطبيق. 

إن القول بأن لبنان يقف وحده حيال إسرائيل والحركة الصهيونية والقوى 
الت ترعاهاء وأن على توازناته الداخلية أن تلعب الدور الحاسم في إنتاج موقفه من 
هذه العتاوينء إن هذا القول يمكن صياغته بأسلوب آخر. إن لبنان يقف وحده 
أمام امتحان 1559 الذي يشكل في هذا الشرط الموضوعي تكثيفا بالغ الدلالة عما 
يمكن أن تعنيه الوطنية اللبنانية وصيغة علاقتها تمحيطها. 

يقود ذلك إلى استنتاج يقول بأنه على النخب الأكثر وزناً في لبنان» اليوم» أي 
على النخب السنيةء أن تقول رأياً حاسماً لأن الأمانة الى بين أيديها لا تقل عن 
ترجيح الحسم في عروبة البلد وعن إدراك أن الحياد «سراب» لم يقد في السابق» 
ولن يقود. إلا إلى تصديع لبنان. 

200598 





يتكرر اللشهد منذ فترة: عمل إرهابي؛ تكائر الوافدين إلى المسرح أو 
اللستشفى» سيل من التصريحات. أدخلت تعديلات طفيفة تمثلت في أن ضعف 
الجاذبية الإعلامية للحدث يكن له أن يقلّل عدد الوافدين» ويخفف من إعلان 
المواقف. إلا أن التعديل الأبرز كان» بلا شك نشوء أكثرية نيابية حديدة» 
وتشكيل الحكومة: وانتقال بعض السلطة الأمنية من يد إلى يدء والتوزيع الحديد 
للأدوار بين المؤسسات المتعاطية في الموضوع. 

يعكن القولء بهذا المعئ» إن المحاولة الآثمة الي تعرضت إليها الزميلة مي 
شدياق» أففت فترة السماح الممنوحة للحكومة. لقد كان في وسعها أن تحادل 
بحدائة عهدها. بات ذلك صعباً الآن. إلا أن الحادثة» كما سابقاتاء أدت إلى 
ارتسام خريطة مواقف باتت واضحة: 

أولاً هناك من يبادر إلى نعي الدولةء والتشهير بغياب الحكومة» والشكوى من 
تفكيك الأحهزة الأمنية» ولوم وزارة الداخلية على التقصير... وقد انضم إلى هذا 
الفريق بعض من كان في المعارضة السابقة ولم يصبح جزءا من الأكثرية الجديدة. 

ثانياً هناك مَّن يندفع فورا إلى اعتبار الجريمة والعحز حيالها نتاجاً لازدواحية 
مستمرة في السلطة ولشراكة مستمرة بين النظامين الأمنيين اللبناني والسوري. أي أن 
شقاً من السلطة هو ابحرم هو القادر على تعطيل أي محاولة للشق الآخخر من أحل وضع 
حد لما يجري. والاستنتاج السياسي من ذلك أنه لا بد من حسم هذه الثنائية. 

الا تتولى الحكومة (بعضها) وعدد من مؤيديها التأكيد على أن ما يمكن 
القيام به يحصل. ويصل الأمر أحيانا إلى استخدامات غير موفقة إطلاقاً مثل تلك 
الي لجأ إليها وزير الداحلية حسن السبع الذي أقحم في الشبكة الأمنية الإحرامية 
من لا علاقة لهم اء وانتهى إلى ما يشبه إعلان «العجز الأبدي». 

يمكن القول إن الطارئ على هذا المشهد العام هو صدور انتقادات من مراحع 

130 


لبنان 131 


عليا في الأكثرية الجديدة تعبّر عن فقدان الصير. غير أفاء في الواقع» انتقادات 
تتتسب إلى الرغبة في حسم الازدواحية ولو أا مضطرة إلى تأحيل رغبتها انتظارا 
لتقرير لحنة التحقيق الدولية. 

إن الوضع الأمي الضاغط» وهو كذلك فعلا يستوحبء رعاء قدراً من 
التصويب للنقاش. إن المطلوب بداية هو البدء بالتمييز بين ما يمكن تسميته «المئة في 
المئة جهد» وبين «المئة في المئة نتائج». ويفضي هذا التمييز إلى حصر المطالبة بالشق 
الأول لأن الوصول إلى إنحاز الشق الثاني هوء في الواقع» مستحيل. 

يعي ما تقدم أن البحث يجب أن يطال الجهود المبذولة» واستكشاف أوحه 
التقصير فيهاء والبحث عمًا يمكن فعله» والاطمئنان إلى أن الإمكانات متوافرة أو 
السعي إلى توفيرها (ليس مستحباً هذا اللجوء السريع إلى السفارات والأجهزة الأمنية 
الأجنبية)... وفي استطراد ذلك يجب الكف عن التصرف وكأن الحكومة أي حكومة 
فاشلة تماما لمجرد وقوع عمل إرهابي أو أكثر. إن أذ الأمور من خواتيمها يضيّع 
توجيه الأنظار وتركيزها على العنوان احدي وهو خحاص» أساساء بالجهد. 

إن استعراضاً لما يحصل في العالم حولناء اليوم وبالأمس» يظهر لنا أن حكومات لا 
تشكو من الغياب ولا من الازدواحية يمكن لما أن تراجه حالات شبيهة عا نواجهه. 
وأن دور الهيتات الرقابية» من برلمانية أو إعلامية أو أهلية» أن تبحث عن القصور في 
الاستعداد وتمتنع» إلا حيث يجب» عن «تسييس» أي ثفرة قد تبرز. 

غير أنناء في لبنان» ننتمي إلى ثقافة سياسية معينة تجعل من هو في المعارضة قادرا 
على قول أي كلام وأن يطرح» في الأمن والسياسة والاقتصادء مشاريع وأفكارا لا 
علاقة ها بالقدرات الفعلية. ورعا تعاني الحكومة الحالية من أا كانت قبل أسابيع» في 
المعارضة وكان بعض أطرافها يمارس الخفة في توجيه الاتمامات وني الوصول إلى 
استتتاحات متسرعة. لقد انقلب السحر على الساحر .معين ما. ويتعزز ذلك من أن 
أنصارا للحكومة الحالية يرسلون الكلام على عواهنه وبلا مسؤولية عندما يكون 
الموضوع في مصلحتهم ويشا ركون» بذلك في تدعيم الثقافة السياسية المشار إليها. 

2008 


نوعان من الطمأنينة 


تقرير ديتليف ميليس افتتح مرحلة جديدة في تاريخ لبنان وسوريا والمنطقة. 
دخلنا في وضع حديد لا نعرف كم سيدوم. لا نعرف له غهاية واضحة» ولا هكن 
استبعاد مفاجآت تَحوّل مساره. ثمة قلق عام ناجم من أن المرء» بشكل عام» عدو ما 
يجهل. فالرضع الإقليمي مأزوم من فلسطين إلى العراق إلى ما يتعداهما. وقد 
أضيفت بؤرة (بورتا؟) توتر حديدة. 

لا يلغي القلق أن في لبنان نوعين من الطمأنينة. لنقل إن التناقض الموجحود بين 
هذين النوعين من الطمأنينة هو ما يستدعي القلق. 

يقوم النوع الاول من الطمأنينة على تقلع رواية متماسكة للتطورات: إن 
الجهاز الأمئ المشترك السوري اللبناني هو من دبر اغتيال الشهيد رفيق الحريري. 
النتائج الاولية للتحقيق الدولي تشيرء عن حقء إلى ذلك. إن اهتمام العالم بلبنان هو 
في ذروته» والاستعداد للمساعدة قائم» و«الدول» لن تضشكت عن الجريكة 
وستضغط لمعرفة «الحقيقة»» وهي» أي الدولء لا ترمي إلا الى تقدم العون 
القضائي وامالي والسياسي» وح إذا حاولت تحاوز حدها فإن القدرة على لجمها 
متوفرة. وهكذا فإن لبنان يعيش على عتبة مرحلة زاهرة وما عليه سوى اجتياز 
بعض الصعوبات من أحل ولوجها .علء قدميه. 

البنوع الثاني من الطمأنينة بعلك» هو الآخرء روايته: إن المسؤولين السياسيين 
والأمنيين في سوريا ولبنان بريئون من الاتقامات الموجهة إليهم. لا بل إن هذه 
الاقامات هي حزء من مؤامرة تستهدف البلدين والنظامين لأسباب سياسية ذات 
عد إقليمي متصل ,موقعهما المانع. تقرير ميليس لا يعتد به كثيرا إلا بصفته بيانا 
سياسيا. إن المحقق الالماتي هو رأس حربة الموامرة المعدة منذ سنوات» واليي تذرعت 
بتفجيرات 11 ايلول لتدحل حيّز التنفيذء ولقد كان واضحا أنه بعد انتقاها إلى 
العراق» ستطل على إيران» وسورياء ولينان» وفلسطين الخ... لا تحال والحالة 

132 


هذه إلا الاستعداد للمقاومة» وتحيّن الفرصة لإعلان ذلك جهارا. 

رواية واضحة تطمئن أصحابها مقابل رواية أخرى واضحة تطمئن أصحاهاء 
إن الغلية هي» طبعاء للأولى في المشهد السياسي اللبتاني والعربي والدولي» ولكن 
هذه الغلبة لا تز قناعة الطرف الآخر وإن كانت تدفعه إلى ملاعمة تكتيكاته مع 
ميزان القوى. 

يمكنء طبعاء اكتشاف تمايزات طفيفة في معسكر كل من الروايتين. إلا أن 
الخط الفاصل بينهما يقلل من أهمية هذه التمايزات. 

في مقابل هذه الطمأنينة الموزعة على معسكرين متناقضين ثمة رواية لا تفعل 
سوى التسبب في إقلاق أصحاها. 

تنطلق هذه الرواية من تقويم نقدي للتحربة السورية في لبنان وتنظر إليها في 
كليتها. يقود ذلك الى عدم استبعاد اي احتمال» وإلى التدقيق في ما يقدمه ميليس 
وفي الردود السورية عليه. وهذا المع فإن في الإمكان توجيه انتقادات إلى التقرير 
ولكن, في المقابل» ثمة وضوح في أن التفنيد الذي تعرّض إليه غير كاف أولاء ولا 
هو مقنع. 

لا يلغي ما تقدم ان اصحاب هذه الرواية حاسمون في ان المنطقة تتعرض إلى 
مشروع عدراني اصلي تقوده الحملة الكولوتيالية الاميركية المعطوفة على الاندفاعة 
التوسعية الاسرائيلية. انه مشروع اصلي بمعين انه سابق للتمديد لإميل لحود 
ولاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وهو معلن وموثق وكفيل باختراع كل 
الأكاذيب الممكنة لتيرير نفسه» كما في العراق» فكيف إذا تسنّت له تبريرات مقنعة 
تلقى هوی شعبيا. 

يتجاوز هذا المشروع العدواني لبنان ليطال المنطقة كلهاء وليعيد إخضاعها 
وهيكلتها عا لا يتلاعم مع مصالح شعوها. لا يستهدف هذا المشروع قوى تعاديه 
وتحاول التصدي له وإحباطه فحسب» بل» ايضاء قوئ وسطية تطرج عليه تسويات 
مشروطة» وقوى «حليفة» لا تذهب في الالتحاق إلى المدى الذي بات مطلوبا. 

إن إقنام الادارة الاميركية على وضع اليد على قضية بمحجم اغتيال الرئيس 
الحريري هو نموذج صارخ عن ادعاء الحق في حين أن الباطل هو المطلوب. ويؤدي 


134 الآن... هنا 


هذا السلوك الاميركي إلى حشر لبنانيين في زاوية ضيقة تجعل الخيارات صعبة: لا بد 
مسن استكمال التحقيق وصولا إلى الحقيقة وتعيين المسؤولين عن الحريمة كائنا من 
كانواء ولكن لا بد ايضاء من تحديد المشروع الاميركي الاسرائيلي الاجماللي 
والسعي, بكل الوسائلء إلى منعه من تحقيق أهدافه. 

يمكن للمطلب اللبناني الخاص بالتحقيق ان يأخذ البلد في وحهة سلبية. الا ان 
ذلك لا يتتقص ابداً من مشروعية هذا المطلب. كما يمكن لموازين القوى الفعلية بين 
لبنان والدول الغربية ان ُخرج موضوع التحقيق ووظيفته عن السياق الذي يود 
لبنانيون ضبطه فيه. ولكن» هنا ايضاء لا يفترض ان يقود هذا التخوف إلى التخلي 
عن السعي وراء الحقيقة. 

ليس سهلا إيجاد نقطة التوازن الدقيقة بين أمرين. من هنا مصدر القلق الذي 
تحاول طمأنينة زائفة إزاحته سواء لصالح هذا التبسيط او ذاك. لا يمكن البحث عن 
راحة ساذجة تقوم على إسقاط امانيها على تعبين الجهة الإحرامية او على اسقاط 
امانيها على حقيقة الاستهدافات الاميركية الاسرائيلية الاجمالية. 

يجدر القول ان التحاذبات يين الروايتين» والتحاذبات الداخلية الي يعيشها من 
يريد امتلاك وعي مطابق الحقيقة المشهد العام» ان هذه التجاذبات لا زالت في بدايتها. 
والمفارقة هي ان التطورات المرتقبة لن تفعل سوى مفاقمة الاتحاهات الحالية. سيزداد 
المطمئنون» على تناقضهم» اطمئناناء وسيزداد القلقون قلقا. 

20001007 


لبنان وسوريا: 
5 لاحظات 


تتردى العلاقات اللبنانية السورية. هناك من شرع يتحدث عنها مستخدما لغة 
«حربية». بات منع التدهور يقتضي وساطات. ال حوار المباشر مقطوع. ليس ممكناء 
في الأفق المنظورء إنقاذ ما يمكن إنقاذه. 

هذه ملاحظات حول الوضع الراهن» والمحتملء هذه العلاقات. تحاول هذه 
الملاحظات أن تكون باردة في ظل إدراك صعوبة ذلك» وني ظل الدم المسفوح» 
وفي ظل تعاظم الانطباعات المتبادلة عن انعدام الصلة بين الشرور المضمرة والنوايا 
المعلنة. 

أولاً لا ينعكس التوتر اللبناني السوري بالطريقة نفسها على كل من 
البلدين. ففي لبنان يتحول هذا التوتر إلى تصدع داخلي أو إلى ما يشبهه مما لا 
تسمح بإخفائه أهازيج الوحدة الوطنية. ليست هذه دعوة إلى التصدع وإغا 
تقرير في شأن وجوده. أما في سورياء وبقدر ما نملك من معطيات» فإن التوتر 
نفسه يسستثير قدراً من التماسك الداخلي يبقى مشوباً بعيوب كثيرة ولكنهء 
بالتاكيدء أقوى من السابق. إن ما نشهده» موضوعياء هو أن الوطنية اللبنانية 
تتأزم لدى اصطدامها بسوريا في حين أن الوطنية السورية تشتد عند اصطدامها 
بلبنان. يطيب للبعض تفسير هذا التباين بأنه نتيجة للطبيعة «الديموقراطية» 
للنظام اللبناي وهي «طبيعة» يصعب إسباغها على النظام السوري. إلا أن هذا 
التفسير» على وحاهته» لا يحل مشكلة. وهو فوق ذلك قاصر. لقد سبق للنظام 
السوري أن دحل في منازعات مع جيران وأشقاء من غير أن نشهد هذه 
الظاهرة. لا بل لقد حصل العكس. ففي النزاع السوري الفلسطيي ازداد 
الفلسطينيون وحدة في حين أمكن تسجيل تباعد بين السياسة السورية الرسمية 
وبين المزاج الشعبي. ويمكن قول الشيء نفسه في حالة سوريا والعراق إبان أزمة 
مطلع التسعينيات. 

135 


6 الآن... هنا 


يتوحب عليناء في لبنان» أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا لأته سوال تترتب 
نتائج سياسية على أي جواب عنه. ورعا كان الجواب هو أن طبيعة الأزمة اللبنانية 
السورية توفر فرصة للقول إن التوتر الفعلي ليس» بالضبط» بين سوريا ولبنان وإنما 
بين سوريا وقوى خارجية تحرّك الخيوط في لبنان. القول بأنها توفر فرصة لا يعني 
الجزم أن هذه الفرصة قائمة فعلاً. ولكن التنبيه إلى ذلك ضروري حى لا نستغرق 
الوقت في بحث طويل عن صحة ما تعرّض إليه عمال سوريون في لبنان. فالقضية 

ثانياً إن للقوى اللبنانية الداحلة في اشتباك مع النظام السوري رواية عن تقدير 
الوضع القائم. فهي تقول إن لبنان يتعرض إلى هحمة سورية تأحذ طابعاً أمنياً 
تفجيرياًء وتستفيد من علاقات لدمشق مع قوى في «الداخل». ومن أسباب هذه 
الححمة أن النظام السوري لم يستوعب ثماماً أن لبنان بات بلدا مستقلاًء أو أنه يريد 
تدفيعه لمن هذه الرغبة في الاستقلال. 

وهناك من يضيف أن الهحمة تعبير عن نية سورية في استعادة الفردوس المفقود 
وما أن هذه النية مقموعة» بعد سنوات من التحكم المطلق» فإا تترحم نفسها 
إرهابا وتخرياً وثاراً. 

صححيح أن في لبنان من يعيد أزمة العلاقات إلى 2004 أو إلى 2000 أو إلى 
0 أو إلى 1975... ولكن الصحيح أيضاً أن القوى الداحلة في اشتباك تعتير 
نفسهاء ولبنانء في موقع دفاعي خالص بدليل أا تطالب بأفضل العلاقات بين 
الشعبين! 

الثا تقول الرواية السورية الرسمية إن لبنان تحوّل إلى مقر ومر للتآمر والهحوم 
على سرريا الوطن والنظام. فلبنان إذ يتوحه إلى المجتمع الدولي ليطالبه بأقصى 
العدالة» وبالاقتصاص من القتلة والمرتكبين والمتورطين» فإنه يحول نفسه إلى مطية 
يستخدمها أعداء سوريا من أجل الضغط على النظام وقديده بالسقوط. يمكن لهذه 
الرواية أن تيرّئ أفراداً وقادة ومسؤولين لبنانيين» وأن تنسب إليهم التوايا الطيبة» 
ولكن ذلك لا يغيّر شين في التقدير السوري القائل بان دولاً تريد تصفية الحساب 
معها تتلطى وراء «التحقيق» و«الحقيقة» من أجل تمرير مشاريعها. 


لبنان 137 


وتراقب دمشق كيف أن لبنانيين يصابون بهلع عندما تشيع أنباء «صفقة» ماء 
ويتذرعون بخوفهم من أن تطال الوضع اللبناتي» في حين أن مصدر خوفهم الفعلي 
هو احتمال بحاة النظام السوري من الحصار. تقول الرواية السوريةء باختصارء إن 
هناك في لبنان من يدفع نحو سياسة تنهض على أساس أن الخلاص اللبناني هو في 
دمار سوريا أو إسقاط نظامها. ما لا تقوله الرواية نفسها هو أن لا عجبء والحالة 
هذى أن یکون الرد تا 

رابعا رعا كانت الحقيقة مركبة. رعا كانت في مرتبة وسطى بين الروايتين. 
ورما كان على اللبنانيين أن يصارحوا أنفسهم أكثر أو أن يحتملواء على الأقل» 
مصارحة. 

نعم إن لبنان» بمعيئ ماء هو ي حالة هجومية حيال سوريا. ونعم إن لبنان هو, 
ععن آخر في حالة دفاعية حيال سوريا. إذا كان ما تقدم صحيحاء وهوء على 
الأرحح صحيح» يفترض الاستنتاج أن الوضع لن يستقيم لأنه لا يولّد جا قابلاً 
لاستيلاد نتائج. عليناء في لبنان» أن نقرّر. 

إذا كنا في حالة هحومية فهذه لها مترتبات تبدأ بتنظيم آخر للوضع الداحلي 
ولا تنتهي بنقل المعركة إلى الداحل السوري. نحن في حالة عجز فعلي عن الوفاء 
هذه المترتبات مهما بالغ البعض في البهورة. إن غيرنا هو الموجود في حالة هجومية 
حيال سوريا. وهذا «الغير» يستند في سياسته إلى مطالب نرفعها نحن؛ وهي 
مطالب يمكنها أن تكون عادلة. 

إذا كنا في حالة دفاعية فواجبنا هو التواضع من أحل تظهير هذه الحالة. والمعيى 
السياسي للتواضع هو أن نضبط كل مطالبنا حيال دمشق بحيث لا تنحاوز كثيرا 
مطلب تحصين الوضع الداخلي اللبناني بعد الحدث التاريخي المتمثل بانسحاب القوات 
السورية من لبنان. إن المطلوب هو ترجمة هذا التواضع؛ مع ما قد يعنيه من حفض 
مستوى مطالب يعتبرها البعض عادلةء إن للطلوب زيادة منسوب تعريب العلاقة على 
منسوب تدويلها. لذلك يحب التفكير ملياً في معاني التدويل وقطع الطريق» بسرعة» 
على تبلور أي موقف يمكنه الاندقاع نحو المطالبة بقوات حماية أحبية. 

ما هو المغزى السياسي لطلب حماية دولية؟ 


إن لبنان مسوقء رغماً عنه ربماء نحو التحول إلى منصة تطويق لسوريا. لكن 
لبنان مكشوف ويعاني من تصدع داحلي ويجد نفسه عرضة لردود سورية. إن 
طلب الحماية يعن تحميل «الجتمع الدولي» مسووليته بحيث يصبح شريكاً في تلقي 
الردود بدل أن يكون مستفيدا فحسب من الخلاف اللبناني مع سورياء ولكن توفير 
الحماية يحرر لبنان» إذا يقي موحد من أي وازع» ويجعله قادرا على مواكبة الحملة 
الدولية على د مشق. إن «الحماية» هنا دفاعية شكلاً لكنهاء في العمق» إشارة 
الحسم في انتقال لبنان إلى المححوم. 
خامساً إن الإقدام على إعادة تحديد ما يسعى لبنان إليه من سوريا عبر 
«المجتمع الدولي» قد لا يكون كافياً من أحل أن يتوقف التدهور في العلاقات» ومن 
أحل قمع أي رغبة ثأرية قد تراود أحدا في د مشق. هذا صحيح. لكن هذه الخطوة 
ضرورية» مع أنها قد لا تكون كافية» من أجل إبطاء هذا الاتجحاه الذي يبدو محتوماً 
نحو الحاوية. 
2005|12|16 


الحوار ينقطع 
الحوار يندلع 


منذ سنوات وكلمة سحرية تظلل لبنان: الحوار. حي إن هناك من أنشأً 
«الموتمر الدائم للحوار الوطيي» فأصر لبنانيون كثيرون» عن قناعة» على تسميته 
«الموتمر الوطينٍ للحوار الدائم»! 

الدعوة إلى الحوار عكن ها أن تكون حيلة سياسية. فالداعي» جرد الدعوة, 
يحتل موقعاً إيجابياً في المخيلة العامة إذ يظهر عاقلاً ومسؤولاً ومستفيداً من التحربة 
السابقة حيث السلاح حسم (أو لا يحسم) الاحتلاف. والداعي يستطيع أن يرحئ 
إيضاح موقفه خالطاً بين الشكل الذي هو الحوار والمضمون الذي هو الموقف 
وچا الأول على الثاني. والداعي يستطيع الرهان على أن المواطنين سيتناسون كم 
أن نبرته الحوارية تتراحع بمقدار تقدمه نحو موقع الغلبة. 

كان «الحوار»» إذاء هو الحل السحريء وهو الغاية في ذاته. وعبما كانت ترتفع 
المطالبات تستحدي موقفاً واضحاً عن اليوم التالي للحوار... إذا لم يكن مثمراً. 

استمرت «إيديولوجيا الحوار» حاضرة بقوة عشية وخلال مرحلة الاضطراب 
الي دخلها لبنان ولم (لن) يخرج منها. إلا أن المفارقة الي نعيشها هذه الأيام هي أن 
اتدلاع الحوار» تضخم الحوار» حصلء بالضبطء في لحظة انقطاع ال حوار والأزمة 
الوزارية الي افتتحها. 

تزوغ عينا قارئ الصحف وهي تطالع العناوين الي يوحي الكثير منها أن 
الدعوة الحوارية بانت شكلا من أشكال الصراع وأداة من أدواته. هذه عيّنة عن 
مبادرات أو اقتراحات أو حوارات جارية فعلاً. 

رئيس المحلس النيابي نبيه بري أطلق مبادرة مثلثة الأضلاع وحال وفد يمثله 
على قيادات من أجل تنظيم حوار يستضيفه اليرلمان. 

نواب «14 آذار» (ناقص نواب «التيار الوطئني») بادروا إلى عقد اجتماع 
قررواء في ختامه, الدعوة إلى حوار مع قوى أخرى بينها حركة «أمل» الي كان 

139 


140 الآن... هنا 


رئيسها دعا إلى الحوار كما ذكرنا. حاول أن تفهم. 

الحوار قائم بين وفد يمثل «الثنائية الشيعية» وبين رئيس الحكومة فواد 
السنيورة. وهو حوار يكن له أن ينتقل إلى الرياض ليشمل رئيس كتلة «المستقبل» 
سعد الحريري ويخلص إلى نتيحة يتم تعليقها عير الحوار الذي يجريه السنيورة مع 
وزراء آخخرين في الحكومة. 

يسمع اللبنانيون عن الحوار الدائر بين «حزب الله» و«التيار العوني». يقال إنه 
يتقدم» وإنه حدي» وإنه يستند إلى أوراق عمل وإلى صياغات. لا نعرف الكثير عن 
المضمون ولكن يمكن الترحيح أن الطرفين جديان. 

في هذه الأثناء يحصل حوار عبر الأثير بين الأمين العام ل «حزب الله» حسن 
نصرالله وقائد «القوات اللبنانية» “مير حعحع. حاء الحوار متأخرا عن التحالف 
الانتخابي في بعبدا عاليه لا بل في ظل المخاطر الى تحيط به ولكن لا بأس. ويبادر 
جعمحع إلى طلب تعميق الحوار عبر مناظرة تلفزيونية. يتمهّل نصر الله في الرد 
مدركاء راء أن الشاشات تفيض حوارات» وأن محترفين سياسيين وصحافيين 
يحكن لهم أن يكونوا ي مكانين في وقت واحد» وأهم یکررون» في كل مرة» 
«مونولوغات» تصبح حوارا .محرد أن تقابلها «مونولوغات» أخرى. 

وفد من نواب «المستقبل» يجول. يخرج من لقاءاته كلها معلنا الاتفاق» 
وفي كل مرة تنتقل الأزمة من جمود إلى تفاقم. حاول عمرو موسى في دمشق 
وغيرها أن يجري حوارات فتعرض إلى قمع شارف قلة التهذيب. ويكاد 
السقيران المصري والسعودي يصابان بيأس. حاول كل .مفرده. ثم شكلا ثنائيا 
يمثل نصابا عربيا لا بعكنه أن يتعارض مع مصالح الأغلبية ولا أن يستفز غيرها 
ومع ذلك... 

وليد حنبلاط بارس هوايته المفضلة: الحوار بواسطة اليرقيات السريعة 
والمقتضبة والمكررة. يتوجه إلى أشخاص بعينهم ولكن يبدو واضحاً أنه يخاطب 
الشبح الذي يتهدده. فاروق الشرع يجاور سيرج برامرتز قبل تعيينه. وزراء 
الخارحية العرب يتحاورون حول لبنان في ظل غياب وزير الخارجية اللبناني الذي 
ينفي أن يكون حواره مع رئيس حكومته تعطل. 


141  تن[انبل‎ 


ليل مكاوي يعلن أنه ينتظر تشكيل الوفد الفلسطيي الموحد لكي يبدأ حواراً 
معه. ولا ندري حى الآن من الذي حاور إسرائيل بالكاتيوشا وما إذا كانت هي» 
فعلاء الجهة المقصودة. 

حن أحمد فتفت تحاور هاتفيا مع الياس عطا الله ووحدت الصحف نفسها 
وهي تنقل الخبر من غير أن توضح من التقى الرحلان آخر مرة وما الذي دفعهماء 
فعلاء إلى هذه المكالمة. 

حوار. حوار. حوار في بك ركي» أو حارة حريكء أو عين التينة» أو الأرزء أو 
المختارة» أو قريطم» أو الرابية» أو السراي» أو ساحة النحمة... 

القضايا المطروحة عديدة وشاملة تقريباً: العلاقات اللبنانية السورية (بميزة 
لكنها حربية)» التعريبء التدويل» قرارات مجلس الأمن» المسؤوليات الأمنية» 
التحقيق والترسيع وا محكمة, الطائف» التوافق» التصويت» الأكثرية والأقلية» سلاح 
المقاومة؛ السلاح الفلسطيي (داخل المخيمات وخارجها)» ترسيم الحدودء الوصاية 
الجديدة» شروط الدعم الدولي أو انعدام الشروط المخاطر الإسرائيلية والأطماع» 
مصير الرئاسة الأولى» الصلاحيات» تنبوات ميشال حايك... 

ثمة مواقف توضحت أو هي في طريقها إلى ذلك. مواقف تغيرت من دون أن 
نعرف ماما وجهة استقرارها. مواقف تأكدت. مواقف مبدية أو أقل مبدئية. 
تحالمات لم يحالفها حظ الحوار ففقدت الكثير من مضموفا السياسي والبرنابجي. 
تحالفات تحتضر. تحالفات تنتظر من ينعاها. تحالفات يتم استبدانها بعد نوع حاص 
من الحوار هر ذلك الذي يجريه المرء مع نفسه. 

نعم فة إيجابية في هذه الأزمة. لقد اقترب المشهد السياسي من الوضوح. 
وضوح لا يبعث على التفاؤل لكنه يطمئن إلى ملامسة المواطن للواقع. 

لم يعد ينقصنا إلا المزيد من الحوار. وتدل التحربة الي نعيش على أن انقطاع 
الحوار مدخل إلى الاستفاضة فيه. 

2005|12|0 


محطات لبنانية سورية 
فعالية «الأواني المستطرقة» 


ثمة نقاش مكتوم إلى حد ما في سوريا: من تسبب مخسارة لبنان؟ 

قدم عبد الحليم خدام جواباً باسم جناح من أجنحة السلطة هو الجناح 
«المهزوم» حالياً. الجواب تبسيطي ولا تغيّر من صفته بعض الأهازيج اللبنانية في 
استقباله. ما قاله حدام هو أنه كنا في الأييض قأصبحنا في الأسود. كان الوضع 
رائعا (في لبنان وفي سوريا ولي ما يخص علاقاتهما) فأصبح الوضع كارثيا وانتهى 
الى ما انتهى إليه. أما لحظة القطع بين المرحلتين فتقع في منطقة ما بين 1998ء تاريخ 
خروجه من «الملف اللبناني» وبين 2000 تاريخ استلام الرئيس بشار الأسد الحكم 
في دمشق. 

الجناح الحاكم حالياً في سوريا يملك جوابا آخر إلا أنه جواب يعجز عن 
التعبير عن نفسه ماما لأن ذلك سيقوده الى حردة حاب للماضي الذي هوء حى 
الآن» مصدر شرعية الوضع الراهن. وخلاصة الحواب أن الانهيار الحاصل الآن هو 
التتسيجة الطبيعية للأساسات المغلوطة الي مض البناء فوقها. إن الذين أداروا لبنان 
من دمشق استولدوا فيه نظاماً عصيا على أي اصلاح او تقدم او تغييرء لذا تقع 
المسوولية عليهم لأن ما أوحدوه لم يصمد أمام تواتر الضغوط الخارحية واللبنانية. 

حرج هذا النقاش المكتوم إلى العلن مع شهادة خدام. وكان أطل برأسه حزئيا 
في «الرسالة الوداعية» لغازي كنعان. نقول حرج إلى العلن لأنه كان محتدما في 
سوريا ولو وراء الكواليس. فوق ذلك أنه كان» منذ منتصف التسعينيات» يعبر عن 
نزاع حقيقي ضمن السلطة» وهو نزاع كان الرئيس الراحل حافظ الأسد 
يضبطه ويوازن بين قواه» ويغلب تدريجيا وحهة على وجهة. 

كان لبنان من 95 إلى 2000 «الساحة» الي تدار فيها «صراعات» سورية 
سورية. كان يمكن قراءة التمايزات السورية انطلاقا من رؤية التضاريس اللبنانية 
الي لبت دور المراة المكيرة لما محري في دمشق. ومن دون أي رغبة في احتزال 

142 


لېنان 143 


الحياة السياسية اللبنانية فإها كانت في وجه بارز من وحوهها انعكاسا لتباينات 
موحودة في سوريا. ومن هناء ربماء الطابع الهحين ل «الدكوقراطية» اللبنانية لأنها 
كانت «دكوقراطية سورية بالواسطة» و«اللعبة» الي تدار عيرها نزاعات ممنوع 
عليها الخروج إلى العلن. لم يكن ممكناء والحالة هذه أن يحتكم التنافس اللبناني الى 
تقاليد الحياة السياسية اللبنانية وحدها لأنه كان مطالبا بأن يستبطن ويعير عن 
النزاع الممنوع في سوريا وأن يتطعم ببعض أدوات خوض ذلك النزاع. 

لا عكن فهم محطات بارزة في لبنان من دون فهم هذا التداخل بينه وبين 
سوريا. وسيكون لافتا اننا سنحد» في كل محطة من هذه المحطات» كيف أن الأواني 
المستطرقة فعلت فعلها وكيف أن محوراً سورياً لبنانياً كان» على الدوام» في مواحهة 
محور سوري بلبناني» وكيف كانت الانتخابات تحصل ب «الأصالة» عن لبنان 
وب «النيابة» عن سوريا. 

التمديد للرئيس الياس المراوي محطة أولى. القوى السورية الداعمة للتمديد 
(مرموزا إليها بعبد الحليم خدام وحكمت الشهابي وغازي كنعان) تحالفت مع 
قوى لبنانية (مرموزا إليها بشكل خاص بالرئيس الشهيد رفيق الحريري ووليد 
جنبلاط). 

القوى الي رفضت التمديد كان يرمز إليهاء سورياء بشار الأسد الحديث 
العهد في ورائة أخيه باسل والمتحه إلى وراثة والده» كما يرمز إليها لبنانيا ب 
«أصدقاء باسل» (سليمان فرنحية» طلال أرسلان...) وبقيادة الجيش مع خصوصية 
لحر كة «أمل» و«حزب الله». لا ضرورة للاشارة الى القوى السياسية «المسيحية» 
لأغا كانت حارج اللعبة تماما ومعترضة عليها. 

انتخاب العماد اميل لحود محطة ثانية. نشهد الاصطفاف نفسه مع بعض 
الفوارق (غازي كنعان يتخحذ مسافة عن خدام والشهابي) الحريري يوافق من دون 
حماسة. يدل هذا الانتحاب على تعديل في موازين القوى (كان موقع بشار ضمن 
النظام السوري قد أصبح أقوى) ويودي الى مزيد من التعديل في الموازين نفسها في 
البلدين. فالجناح المعترض على إميل لحود يضعف ويحصل انتقال في إدارة «الملف 
اللبناني» في دمشق. الدرس من ذلك أنه يخطع كل من لا يرى التأثير المتبادل بين 


4 الان... هنا 


البلدين ولو أنه متفاوت. معن أن ما يجري في ببروت عنصر فاعل» نسبياء في 

المحطة الثالثة بعد انتخحاب لحود في 98 هي انتخابات 0 النيابية في لبنان. 
لقد شهدت الموجة الارتدادية الأولى على الفوز الذي حققه جناح سوري لبناني 
على حناح سوري لبناني آخر. وليس صدفة والحالة هذه أن يكون دور غازي 
كنعان (وقانونه) في هذه الانتخابات محاطا بالغموض حي الآن. إلا أن العام 2000 
شديد المفصلية ويتحاوز جرد الانتخابات. 

إنهه لبنانيا وإقليميا ودولياء عام التأسيس للأزمة الراهنة. فيه وصل بشار 
الأسد إلى رئاسة الجمهورية في سوريا في حين كان حليفه اللبناتي» إميل لحودء 
يتعشر. وفيه أنحزت المقاومة تحرير معظم الأرض اللبنانية ما فتح الباب أمام 
مطالبتها بنزع سلاحها وإقفال الجبهة. وفيها الملمح الأول لدبيب الحيوية في 
البيئة المسيحية. ولكن هناك أيضاء اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية ووصول 
أرييل شارون إلى السلطة في إسرائيل» وفشل المحادئات السورية الإسرائيلية» 
ووصول حورج بوش إلى البيت الأبيض.. لقد كانت هذه العوامل» وغبرهاء 
هي العوامل الي تفحرت لاحقا بعد تدافع الأحداث الذي ككن التأريخ له 
بتفحيرات ]1 أيلول. 

الحطة الثالثة إذا هي محطة فرض التعايش في لبنان وبدء اختبار الأسد الابن في 
سوريا. الاصطفافات هنا وهناك على حاها. 

يمكن المرور مرورا عابرا بإزاحة غازي كنعان وحلول رستم غزالي مكانه» 
كما يجدر التوقف بالحاولة الي قام يما لحود لتعديل التوازن لصالحه حيال الحريري. 
إلا أن ذلك يقود إلى المحطة الرابعة. 

التمديد للحود هو انخطة الرابعة. ونلاحظء هناء أن التحالفات قي لبئان» 
والامتدادات في سوريا بقيت على حاها. عارض الحريري التمديد ومعه جنبلاط 
وحصلا على دعم من الحيوية المسيحية المتحددق» وعارض خحدام التمديد» كما 
قال في المقابلة مشير إلى أنه كان أصبح حارج دائرة القرارء وعارضه» أيضاء 
غازي كتعان. 


لبنان 145 


إلا أن الملهم. في تلك اللحظة» ليس التمديد حصرا بل التمديد الذي 
«يفرض» في أثناء هبوب العواصف. نحن أمام حطوة تتم في معاكسة البحرى 
العام للتطورات اللبنانية والإقليمية والدولية. لقد تم تناول هذه التطورات غير 
مرة ولكن من المهم القول» تكراراء إن الإعصار كان يضرب» ومن المهم 
القول» تحديداء إن ارتفاع التحديات كان يصادف لحظة حرجة لبنانيا وسوريا 
وهذه اللحظة الحرحة هي توفر قناعة راسخة لدى قطاعات شعبية واسعة في 
البلدين بان لا جال لتعليق الآمال على مشروع إصلاحي لا في لبنان ولا في 
سوريا. والخلاصة السياسية من ذلك أن ما جرى تقديعه بأنه إصلاح انتهى إلى 
تشديد القبضة أولاء وثانياء وهذا الأهم» إلى تضييق القاعدة الشعبية للسلطتين 
في بيروت ودمشق. 

لقد دحل البلدان في مواجهة شرسة مفروضة عليهما من دون تأمين الحد 
الأدن الواحب من عدة المقاومة الناححة. ثم كان ما كان.. 

نحن» اليوم» في المحطة الخامسة. لقد استقر الوضع اللبناني على توازن هش إنما 
تملك الأرححية فيه قوى سياسية تمثل الحريرية عصبها والجنبلاطية صوقا الأعلى. 
إن ما أعلنه حدام من «منفاه» الباريسي هو محاولة إيجاد ترجمة سورية للانتصار 
الذي حققه حلفاؤه اللبنانيون على خصومه السوريين (واللبنانيين). وربما كان 
انتحار غازي كنعان التعبير عن العحز عن المجاهرة بذلك في دمشق. والواضح الآن 
أن الخنط الذي يرسم التباينات السورية واللبنانية هو نفسه الذي حدد المعسكرين في 
سوريا ولبنان سابقا. إن هناك من يريد أن يقطف في سوريا من انتصاره اللبناني 
وهناك من بريد حرمانه هذا الانتصار في لبنان أولا. إن الصراع مفتوح وخطير 
ومتصاعد والحياد هو الخيار الأصعب. 

200614 


سالكتبك! 
«الفرس قادمون». وراء هذا الشعار الصرخحة يراد استنفار العصبية «العربية». 
الفرس قادمون. ها هم باتوا في العراق» وينظرون» من هناك بشوق إلى 

شواطئ المتوسط اللبنانية حيث بهد لهم «طابور خامس» اعتقده اللبنانيون مقاومة 

فكشف عن نفسه بصفته «جالية عجمية». 
لم يكن ل «الفرس» أن يتقدموا نحو إنحاز التمدّد لولا الاحتلال الأميركي 

للعراق. هناك شبهة تواطو إذا. والغزو مسوول عن انبعاث هذا الخطر الجديد الذي 

يهدد هوية المنطقة وعروبتها. لكن الأميركيين هم» في الوقت نفسه» «أصدقاء». 

لقد حرروا الشعب العراقي بحيث يمكن القول إنه» برغم المصاعبء ثمة دموقراطية 

تنفرس في بلاد الرافدين. وهي مدعاة لإعادة النظر بالكثير من الأطروحات 
والمفاهيم «الخشبية» إلى حد أنه بات مسموحاً لناء في لبنان؛ أن نتمتع ببعض 
فضائلها ونعمها عليناء وأن نطالبها بأن تشمل برعايتها «الشقيقة سوريا» الي لن 

تتحرر إلا إذا جرى احتلاها. 
لكن «الفرس قادمون» شعار صرخة يذكرنا بصدام حسين الذي نتسب إلى 

المهمة التمدينية الأميركية إنقاذنا من طغيانه. فهل يعي ذلك أننا في وارد تمجيد 

الرسالة الموقراطية الغربية بعد دبحها عمفهوم عنصري معاد للإيرانيين شرط إدانة 
هذ المفهوم في شق منه» هو الشق الخاص .ععاملة الأكراد المتحدرين جيعاً من 

سلالة صلاح الدين الأيوبي! 
نحن عنصريون مثل صدام وديموقراطيون مثل حورج بوش» وننظر بإعحاب 

إلى نجخاح الأكراد بدمج مطلبهم العادل ف حق تقرير المصير بالمشرو ع الأحني الذي 

نقفز بين اعتياره احتلالاً واعتباره تحريراً فنحل مشكلتنا باشتقاق مصطلح جدید: 

إنه تحلال! 
لأننا عنصريون مثل صدام فإننا نكره الفرس بصفتهم كذلك ونكره بالتالي 

امتدادهم نحونا. لكن هذا الامتداد يحصل بواسطة عرب أقحاح. لا بد لناء إذاء من 

146 


لبنان 147 


أن تكون أسوأ من صدام فزيد المذهبية على العنصرية ونروح نؤسس الموقف 
على هذا الدمج بين الأعراق والطوائف. 

ولأننا دعوقراطيون مثل بوش فإننا نكره المقاومين العراقيين ونحذر» بالتالي» 
من أن يرغب أحبد في تقليدهم فيخطر بباله أن يعادي الاحتلال الأمي ركي 
الفعلي للعراق» والنفوذ الأميركي الفعلي في لبنان. تقودنا العنصرية ضد الفرس» 
والمذهبية ضد أبناء ملتهم العراقيين» إلى التخندق في موقع مذهي» نسميه زوراً 
العروبة؛ ولكن هذا التخندق إياه يضطرب لأنه يضعنا في موقع واحد مع 
رافضي الاحتلال. 

يتدخحل الديالكتيك هنا. سنكره شيعة العراق لأنهم فرس» وسنكره سنة العراق 
لأفهم «مقاومة»» وسنقول» فوق ذلك» إننا نملك وجهة نظر متماسكة في الشأن 
العراقي! نفعل ما نفعله ثم نغرق في تناقضات يجرنا إليها الوضع اللبناني وتعقيداته. 
لن يعود معروفا إذا كنا نريد للمزاج الشيعي العراقي أن يكون مثل المزاج الشيعي 
اللبنان في الموقف من الاحتلال؛ آم بالعكس. ولن يعود مفهوماً أيضاً سر صمتنا 
عن مخاطبة المزاج السئي اللبناني لمطالبته بالتشبّه بالمزاج السي العراقي من الاحتلال. 

لقد حاول البعض ملء وعاء العروبة .عفاهيم عنصرية ضد الفرس والأكراد 
مثلاً. وها نحن نشهد محاولة لملء الوعاء إياه بمفاهيم عنصرية ضد الفرس (مع 
تعاطف واضح حيال الأكراد) مخلوطة يمفاهيم مذهبية ضد الشيعة» وذلك مرة لأنهم 
مع الاحتلال في العراق» وثانية لأفهم ضده في لبنان. 

غير أنناء في الأحوال كلهاء نعجزء أو يعجز بعضناء عن أي كلام حدي في 
السياسة وعن أي إمساك بالقضية القومية في شروطها الحالية» أي شروط غلية 
خطاب ديي على مشروع مقاومة الغزوة الأميركية الراعية للاندفاعة التوسعية 
الصهيونية. 

بعد زمن عروبة عنصرية جاء زمن عروبة عنصرية مذهبية. وهي عروية تقوم 
على عملية استبدال واضحة: نتغاضى عن المشروع التوسعي الإسرائيلي الواقعي 
والمدعوم من الولايات المتحدة لنركز على المشروع الفارسي الافتراضي المنسوب 
إليه الاحتيال على الاحتلال الأميركي للعراق. 


148 الآن... هنا 


وفي الحالين تغيب عن البال أسئلة بديهية: نحن العرب» ماذا نريد؟ مَّن هي 
القوى الي تعرقل موضنا؟ ما هي المسؤوليات الداحلية عن البوس الحالي؟ ما هي 
سياساتنا ليعاملنا العالم باحترام؟ كيف ننحح في وقف التفتت الذي نعيش؟ إلخ... 
عندما نطرح الأسئلة الصحيحة نكون تقدمنا نصف الطريق نحو الأجوبة الملائمة» 
ونكون أقدر على إدراج سياسات معينة في سياق لا يخلط بين الانتقائية 

والديالكتيك. 
2006|16 


من الوحدة الوهمية 
إلى التعدد الواقعي 


مغات الآلاف من اللبنانين يحتشدون اليوم. سيكونون كثراً. سيعيّرون» على 
طريقتهم» عن الوفاء للرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي اغتيل قبل عام مماما. 

لامككنء ولا يحوزء حصر الوفاء بالمتظاهرين. إن كثيرين من غير المشا ركين 
يست شعرون فعلا الآثار السلبية البالغة لغياب الرحل. ومع ذلك يعتبر هؤلاء أن لا 
مكان لحم في ساحة الاعتصام لأنهم لا يوافقون على عدد من الشعارات المركزية 
ال يحصل اللقاء في ظلها. 

إن تحرك 14 شباط 2006 يحصل في نطاق أضيق من المدى الأوسع الذي 
يفترضه «الوفاء» للحريريء واستنكار الجرعة الي أودت به» وطلب العدالة» 
والبحث لي تدبّر الشأن الوطيئٍ الذي أصيب بفعل الغياب. إن اعتصام اليوم هو 
ترجمة لقراءة سياسية لحدث يراد له أن يغادر موقعه الوطي والأخلاقي. أكثر من 
ذلك. إننا قد نكون» في ساحة الشهداءء أمام ترجمة بلهحات مختلفة لحدث شكل 
معلا بارا في حياتناء وهو حدث لا تقف الكتل المشاركة في إحياء ذكراه على 
مسافة واحدة منه. 

إن 14 شباط 2005 اختبار لإيديولوجيا 14 آذار 2005. اختبار ستخرج منه 
هذه الإيديولوجيا خاسرة. 

رماوحب عليئا أن نميّز بين حركة 14 آذار وإيديولوجيا 14 آذار. ففي 
الحركة التقت روافد حزبية وتنظيمية وطوائفية في تظاهرة كانت الأضخم من 
نوعها في تاريخ لبنان. وبغض النظر عن أي اتفاق أو اختلاف مع شعارات تلك 
التظاهرة» تقتضي الأمانة القول إا حسمت لي أمر محدد وأوضحت وحود أكثرية 
راححة تاتقي عند عناوين معينة. هذه حركة 14 آذار. أما إيديولوحيا 14 آذار 
فشيء مختلف. وعكن لتبيان معالمها الرئيسية الاستعانة بعبارات أطلقها خطباء ذلك 
الحشد الاستثنائي: «نحن مئة في المئة لبنانيون»» «أنتم لبنان» كل لبنان»: «الوحدة 

149 


150 الآن... هنا 


الوطنية الفظيعة» (كذا)» «فجر الحرية ييزغ من جديد»» «يا كل لبنان» «أنتم 
لبان أنتم كل شيء»» «التاريخ يبدأ اليوم»» «ملحمة توحيد لبنان»» «اللحظة 
التاريخية لبناء لبنان الجديد»: «نلتقي لنؤكد الوحدة الوطنية»» «أول مدماك في بناء 
وطن واحد»» «لن يكون في إمكان أحد بعد اليوم أن يقلبنا ضد بعضنا البعض»» 
«نطوي صفحة نفتح صفحة». «اتحدتم اليوم» في كل يوم» تحت راية العلم 
اللبناني»» «انبعث لبنان من جديد ودا إخ. 

هذاغيض من فيض ما قيل في تلك الأيام. ويمكن لنا أن غير ثلاثة محاور 
تنتظم الخطاب الإيديولوحي لتلك الفترة: 

أولاً نسبة الوحدة الصافية البلورية إلى النفس. ذابت التمايزات كلها وانصهر 
الجميع في «بوتقة واحدة». كانت الجموع ترسم حدود بقعة الزيت المنتشرة بحيث 
تضيع الحقيقة القائلة إا لحظة تقاطع يمكن لها أن تكون عابرة أو دائمة حسب 
سياسات وتوجهات واستراتيجيات لاحقة. جرى نفي السياسة الي لا يحتاج اليها 
هذا الجوهر المتعالي. 

ثانياً وحدة المجتمعين في ذلك اليوم هي هي وحدة اللبنانيين جميعاً. الخصوم 
أنواع من «العملاء» و«الخفافيش» و«أمراء الليل». مَن لم يكن خاش اقات 
بطاقة هويته وطرد من الفردوس. 

ثالكا إن 14 آذار تحب 8 آذار. هناك حدث في مواجهة لاحدث. 

م يحصل ما حصل قبل أسبوع باستثناء تسجيل حركة عبور كثيفة لحافلات 
قادمة من سورياء ولتحراكات في المخيمات الفلسطينية ( كان صعبا استحضار 
«الفرس»)... ثم جاء «لبنان» ليطرد «اللالبنان». 

هذه المحاور هي وجوه لقول واحد مترابط الحلقات: لا يستقيم الحديث عن 
الوحدة الكاملة المتجلية تماما إلا بنفي ما قد يشوش عليها. 

... ثم دارت الأيام. وجرت مياه كثيرة. وبعد أن كانت المنصة غلبت بعض 
الجمهور انقسمت على نفسها واختلطت التحالفات في الانتخابات النيابية. ثم 
كانت حكومة. ثم تصدعت حكومة. ثم حصلت انقلابات قي الاصطفافات 
مرشحة» رعاء لأن تترحم نفسها في انتخابات فرعية مقبلة. وبات في الإمكان» 


لبنان 151 


اليوم» التعرض لمخاطر أقل عند التأكيد أن 14 آذار 2005 لم تختزل لبتان وإن كان 
حدل الأكثرية والأقلية لا يزال مفتوحاً. 

لقد كان ممكناء قبل 11 شهراء تنظيم اعتصام يسمح باستيلاد وهمي للشعب 
الموحد. لم يعد ذلك وارداً الآن. إن الطموح الفعلي؛ والواقعي» هو الاعتراف بأن 
الوحدة المفترضة حول برنامج معيّن لم تتحقق ولكن ذلك لا يلغي أن الأكثرية 
مسحمرة بصفتها أكثرية. ويهذا المع فإن اعتصام اليوم يتم تمت شعار «الشارع لنا 
وليس هم»» ويقدّم بصفته ردا على «عاولة انقلابية». إن اعتصام اليوم» مقارنة 
بالذي سبقه قبل 11 شهرأء هو اعتصام «الانقسام المعلن» بعد اعتصام «الوحدة 
الوهمية». ليس قي ذلك أي عيب. هذه ألف باء السياسة والديكوقراطية. 

إن أحداً لا ييسب زوراً إلى حدث اليوم هذا البُعد الانقسامي. إن هذا 
التفسير مستقى من البيان الأخير ل «قوى 14 آذار» (أو ما بقي منها). فالبيان 
يعرف بأن وعوداً سابقة لم تتحققء وأن المعركة لم تنحزء وأن هناك من يريد 
ربط مصير الشعب اللبناتي «بالحلف السوري الإبراني وبحسابات الدفاع عن 
المنشآت النووية الإيرانية». وفيي معرض إبداء الاستعداد لحوار وطيٰ (يستبعد 
قوى ذات حيثية تمثيلية مؤوكدة) يذكر البيان أن القصد هو «التوافق على النقاط 
العالقة أو تلك الي باتت اليوم موضع احتلاف بين اللبنانيين» (العلاقة مع 
سورياء سلاح «حزب الله») . 

يراد لتظاهرة اليوم» إذاء دعم وجهة نظر على حساب وجهة نظر أخرى. لذا 
سيكون سمحا جد تكرار «الرديات» عن الوحدة الصافية. ولكن ييقى أن تحد 
الصلة بين ما يجري و«الوفاء» للرئيس الحريري الذي يشكّل نقطة توافق أرقى من 
العناوين الي طرحها بيان «14 آذار» الأخير. 

يحب أن نضيف إلى ذلك أن قوى «14 آذار» لا تنطق كلها بلسان واحد في 
ما يخص هذه العناوين؛ ثمة تلاوين يفترض أخذها بالحساب. وكذلك فإن القوى 
غير المشاركة اليوم ليست قوى متماهية تماماً ولا هي تدعي ذلك. 


قلنا إن حطاب 14 آذار 2005 كان خطاباً إيديولوجياً. يحب أن نضيف أن 
هناك من كان يدرك ذلك ماما لكنه استخدمه من أحل خوض معارك ذات صلة 
بالسيطرة على السلطة واستكماها. لذا يتوحب أن نراقب» بدقة» الخطاب الذي 

سيرافق 14 شباط 2006. 
200624 


الموقع اللبناني 
بین خیاری“ إقليمييد 

مير يوم الثلاثاء 14 شباط بكلام كثير عن الحاور الإقليمية. 

اعتسبر شاوول موفاز أن «سيطرة حماس على السلطة الفلسطينية يجعلها جزءا 
من محور الشر الذي يبدأ في إيران وير بحزب الله في لبنان». ولم تفته مطالبة سوريا 
ب «تطبيق القرار 1559» والإشارة إلى أفها «تستخدم حزب الله منصة لنشاطات 
إرهابية ضد إسرائيل». كان موفاز يتحدث في القاهرة في ما بدا حاولة إسرائيلية 
لتحبيد مَّن يمكن تحييده عن المحور المشار إليه. 

إلى ذلك نشرت الصحف شهادة رئيس شعية الاستخبارات العسكرية 
الإسرائيلية الجديد عاموس يولين أمام لحنة الخارجية والأمن. أراد الرحل أن يكون 
مبدعاً قي أول ظهور له. إلا أن حدود إبداعه بدت قاصرة ومكتفية باستخدام 
«قوس الشر» بدلا من «محور الشر». إلا أن القوس» في رأيه» مثل المحورء يمتد من 
إيران إلى سوريا إلى «حزب الله» إلى «حماس» إلى «الجهاد الإسلامي». ولقد حذر 
من تنسيق بين هذه القوى ومن سعيها إلى «إقامة حلف دفاعي يدعم من خلاله 
أحد الأطراف الطرف الآخر». 

لا تخلو هذه الإشارات الإسرائيلية» وهي تكرّر إشارات أميركية؛ من دقة. 
فالقوى المشار إليها هي. فعلاً» قوى متقاربة من دون أن يعي ذلك تامأ أا 
تشكل «محورا» أو «قوساً», ومن دون أن يعني أن درجة «التنسيق» في ما بينها 
على هذه الدرجة العالية» ومن دون أن يمنعها ذلك من أن تغلب حساباتا 
الوطنية وتكيّف سياساما مع المعطيات الحيطة ها وتنحح في الزعم فا تضع 
مصلحة بلادها أولاً. 

الإشارات الإسرائيلية لا تخلو من الدقة إذا. ولا يجد قادة الكيان الصهيون أي 
حرج في التأكيد أهم حزء أساسي من الحور المضاد للمحور السوري الإيراني... 
إخ. لا بل يفاحرون بأغم أداة من أدوات الضغط على ما يسمى الجتمع الدولي 

153 


154 الآن... هنا 


لتعاط أكثر قسوة مع دول احور وتنظيماته» ويهددون بأنهم سيكونون جاهزين 
للتدخل في حال حصل أي تلكو. 

نمة مواجهة باردة وساخنة تدور في المنطقة. وهي تدور بين محورين وتبدو 
قابلة, في أي لحظة إلى مزيد من الاشتعال. ولقد كان الرهان الأميركي عند 
احتلال العراق» كما الرهان الإسرائيلي عند العودة إلى مدن الضفة وحصار ياسر 
عرفات» أن للردع مفعوله» وأن القوى المتصدية للمشروع الأميركي الإسرائيلي» 
أو الممانعة له أو الي تشعر أنه يستهدفها ويرفض التسوية معهاء أن هذه القوى 
ستتبع «النموذج اللييي». لم يحصل ذلك. حصل العكس على الأرحح بدءا من 
العراق. وحاءت الانتخخابات المصرية لتؤشر إلى أن القوى الصاعدة» ولو أا لا 
تسعى إلى مناطحة مع الولايات المتحدة» هي أكثر تشدداً في التعاطي مع السياسة 
الأميركية الإسرائيلية. وتكرّر الأمر» .مضمون أكثر جدية» في الانتخابات التشريعية 


الفلسطينية. 
وتقضي الأمانة القولء هناء إن المنطقة ونخبها لم تستوعب بعد معن الحدث 
الفلسطيينٍ الذي ستستمر تفاعلاته حاضرة بقوة في الإقليم وقي كل من دوله. 


وبغفض النظر عن التفاصيل المتعلقة بالمواقف من استلام «حماس» السلطة الوطنيةء 
علما بأففا تفاصيل مهمة حدأء فإن نتيحة الانتخابات تشجع على الاستنتاج أن 
المزاج الشعبي في المدى العربي الإسلامي يزداد سلبية حيال واشنطن وتل أبيب 
ويحوّل أي نقطة حلافية مع «الغرب» إلى مناسبة للتعبير عن هذه السلبية. 

تدل التطورات المتسارعة في المنطقة إلى أن التوازن بين المحورين هش ودقيق. 
صحيح أن التحالف الأميركي الإسرائيلي وحلفاءه. هم الأقوى. إلا أن طبيعة 
المواجهة» وأرضهاء وميدافاء وموضوعهاء إن هذه كلها توحي أنه من حق القوى 
الإقليمية أن تشعر أنه في وسعهاء إن لم يكن الانتصار فعلى الأقل منع الاستهداف 
المعادي من الانتصار والاستقرار. وليس صعباً على المرء أن يلاحظ أن هذه القوى 
الإقليمية تتصرف انطلاقاً من تقدير متفائل لموازين القرى. 

المواحهة مفتوحة إذا. ومن ين حساباته على أفها حسمت يخطى. ومن يعتير 
أا ستكون سهلة يخطئ. ومن يعتير أن في الإمكان تحنبها يخطئ. 


لبنان 155 


يقود ما تقدم إلى الإطلالة على الوضع اللبناني. ويقودناء تحديداء إلى محاولة 
فهم أطروحات لبنانوية تعتير أن إنقاذ الوطن غير مكن إلا بالعداء للمحور الإقليمي 
المشار إليه. قد لا يكون شعار «لبنان أولاً» هو الشعار الموحّد لقوى الأغلبية» وقد 
لا تعطيه كلها المعئ نفسه» ولكن ما لا شك فيه أنه شعار يداعبها ويعبّر» بشكل 
أو بآخرء عن توجهاتها. 

إن «لبنان أولاً»» ف المعطيات الموضوعية» هو شعار هحومى ضد الجهات 
الإقليمية الي تنسب إليها نوايا شريرة. وهو كذلك هحومي لأنه يقصد المقاومة 
متهماً إياها ني لبنانيتها. وهو هجومي لأنه يعي بالنسبة إلى البعض» تحديد الصراع 
على الجنوب اللبناني وتحصينه الحالي ضد إسرائيل. 

«لبتان أولاً» شعار وطينٍ خادع. فهو يوحي أن رافعه يعتبر أن الصراع في 
المنطقة انتهى أو أنه في طريقه إلى ذلك» وأن المطلوب هو استخلاص دروس الهزائم 
واس تنقاذ لبنان عير تحييده. ويوحي» أيضاء أنه شعار سكونء هادئ» سلمي. انه 
شعار ما بعد انحلاء غبار المعارك واتضاح أن اللبنانيين أمام متوجبات مترتبة عليهم 
حيال بلدهم. 

الحقيقة غير ذلك. إن «لبنان أولاً» هو شعار يرمي إلى زج لبنان في المواحهة 
الإقليمية عبر دفعه إلى الانخراط في محور يتم تعريفه عبر تحهيله وتسمية احور الآخحر: 
سوريا وإيران... 

والشعارء إياه» بات يعي رفضاً لتسويات داخلية عقلانية (الوثيقة بين «التيار 
الوطي الحر» و«حزب الله» تموذج عنها)» ودفعا للبنان نحو سياسات لا طاقة له 
على احتمالحاء ولا قدرة له على تنفيذهاء ولا تؤدي إلا إلى رفع منسوب التوتر 
ضمنه» وفتحه» أي التوتر» على الاحتمالات الأكثر سوادا. 

إن هذا الشعار حطر بقدر ما هو بريء شكلاً لأنه يطرح على اللبنانيين أسئلة 
لا يملكون أحوبة عنهاء ويقترح عليهم سياسة لا يملكون أدوات تنفيذهاء ويصور 
لحم ميزان القوى الحلي والإقليمي على غير ما هو عليه فعلاً. 

إنه شعار يفترض أن للبنان مهمات يؤديها ضد الحور الذي يتهدده إلا أنه 
يفعل ذلك كأنه يقصد إبعاد لبنان عن مهمات خطيرة يقترحها هذا احور عليه. 


156 الآن... هنا 


ممعي آخرء إنه شعار يطمح إلى دور لبناي فعال ونشيط ومبادر ضد قوى لبنانية 
وإقليمية مصنفة بأنها مصدر الخطر حالياء وذلك بغض النظر عن الكلفة العالية حداً 
هذا الدورء وبغض بغض النظر عن الاحتمالات الضعيلة للنجاح! 
ل فا أن الخيار الواقعي المطرو ح على اللبنانيين هو التالي: ننقذ البلد 
أو بحره إلى الخراب دفاعاً عن سوريا وإيران. 
إن الخيار الواقعي المطروح على اللبنانيين» والمستحق فعلاً أن يكون ,عثابة 
«لبنان أولا»» هو: ننقذ البلد بتسويات عقلانية أو بحره إلى التقاتل والخراب دفاعاً 
عن الذين يستهدفون سوريا وإيران وفلسطين والعراق. وهؤلاء معروفون. وكل 
تشابه بين ما يقولونه وما يقوله بعض اللبنانيين هو حض صدفة. 
2006|2|16 


في العراق وفي لبنان: 
لا تسويات بلا تنازلات 


يقف العراق عند حافة الحاوية. يكاد ينزلق إليها. يضع رجلاً في الفراغ. 
يتردد. يتراجع. يتأرجح. تتكائر الاعتداءات المذهبية. تحصل ردود أفعال. تزداد 
عمليات التطهير. تتعرض الإرادات لاختبارات أقسى فأقسى» وتتعرض الخطابات 
السياسية لتجاذب يوزعها بين التمحور على الذات الراغبة في الثأرء والتضامن مع 
الشقيق في لحظة تعرضه لظلم. 

كان الأسبوع الماضي صعباً في سياق أعرام صعبة وعقود صعبة. إلا أن 
الوشائج م تنقطع تماما ولا يزال أفق التسوية مفتوحاً. 

ينعكس الحدث العراقي على لبنان طبعاً. مة تربة خصبة» وتزداد خصوبة, لتلقي 
الستفاعلات والانفعال معها والتموضع حياها. وعندما نستمع إلى تعليقات في يروت 
عن مخاطر الفحة قي العراقء ندرك» بسرعةء أن الكلام موحه إلى اللبنانيين أيضاء وأنه 
تحذير من السماح لتصدعات واضحة في البيعة الإسلامية (السنية الشيعية) بأن تأحذ 
مداها. احرص واضح هنا على عدم الوصول إلى «العرقنة» في وقت يقال إن الخطر 
الذي يتهدد العراق هو اندفاعه نحو شكل من أشكال «اللبننة». 

التأثر اللبناني بأحداث العراق هو «لبناني» .معن ما. أي أنه محكوم بالسياق 
الوطي الداحلي» وبالأمزجة المذهبية الحلية والخيارات الي استقرت (ولو موقتا) 
عليها. يعني ذلك مثلا» أنه يمكن لمسلم سين لبناتي أن يشعر بعرفان جميل حيال 
سياسة أميركية «ترعى» البلد وأن يكون معادياً حذرياً للسياسة الأميركية إياها في 
ما يخص العراق. إنه مع رايس هنا وضدها هناك. وقد تقوده التباسات موقفه إلى 
استحضار الزرقاوي القابل» في لبنان» كما في العراق» لاستخدام مزدوج ضد 
الصليبيين و... المواطنين. وفي المقابل» يمكن لمسلم شيعي لبناني أن يكون شديد 
العداء للسياسة الأميركية في لبنان من غير أن يمنعه ذلك من الإعحاب يأحمد الحلي 
في العراق أو بغيره من الذين ينكرون أي ميرّر لمثل هذا العداء. 

157 


158 الآن... هنا 


لقد شهدناء في العراق» في الأيام الماضية» بروز حطين متوازيين: التوتر الأهلي 
من حهة» ومساعي التوافق ودعوات الانضباط من جهة ثانية. لا بل يمكن القول» 
تأسيساً على التجربة اللبنانية» إن الإكثار من التودد وإظهار الأخوة غالباً ما يعكس 
تقديرا لخطورة الحال. ولقد كان واضحاً أن هناك في لبنان من سارع إلى إقفال 
النوافذ الي يمكن للرياح العراقية الضارة أن تدخل منها: مهرجانات» زيارات 
متبادلة» مواقف مشتر كة» نداءات» اجتماعات علمائية... إلح. 

غير أنه قي لبنان» كما في العراق»ء لا يمكن معالحة هذا التردي بالمراهم والكلام 
المعسول والخطوات الفولكلورية. ففي العراق» مثلاء لا محال للمباشرة بوأد الفتنة 
إلا بالاتحاه نحو سياسات وطنية تعاقدية تقوم في الحد الأدن» على رفض الاحتلال 
ورفض الإرهاب التكفيري. هذا الحد الأدن ضروري ولو أنه قد لا يكون كافياً. 

أما في لبنان» فالوضع أكثر تعقيدا وذلك بفعل حصوصيات التعددية اللبنانية 
الي تضيف أبعادا أحرى على التوتر المذهي. 

يفترضء من حيث المبدأء أن يكون اللبنانيون متجهين إلى حوار وطي. 
ويحصل ذلك في وقت امار فيه التحالف الرباعي» وتحالف 14 آذار» واستجدت 
مواضيع خلافية» وتعرض الحو السياسي لنوع من التسميم الذي ساهمت فيه 
مواقف تصعيدية غير محسوبة. ومن الخطأ الاعتقاد بأن الحوار العتيد يعكنه أن 
يكون ناجحاً من غير أن تكون القوى الرئيسية واعية لضرورة الإقدام على 
تسويات سياسسية حدية. إن رسم سقف للاحتلاف» وخحفض التأثر بالوقائع 
العراقية» غير ممكنين بنداءات نوجهها إلى العراقيين أو بتكرار تعويذات من نوع 
«لبنان أولا». 

ومن البديهي» عشية أي حوار أن يشعر المواطن العادي بقلق. ومصدر القلق 
أن الوثيقة الوحيدة الناتحة عن حوار حدي بين طرفين مختلفين لاقت» عند غير هماء 
هذا القدر من التجاهل أو التحامل أو التفسير القائم على سوء النوايا. إن التفاهم 
الذي جرى التوصل إليه بين «حزب الله» و«التيار الوطي الحر» كان يمكن له أن 
يشكل معلماً في نوعية السلوك السياسي والحسّ التسروي ما يقطع الطريق على أي 
محاولة لمداواة الانقسام بالأهازيج الوحدوية. 


159  نانبل‎ 


لو قيلء قبل أشهرء إن «الحزب» و«التيار» قادران على صياغة أرضية تلاق 
حول سلاح المقاومة أو العلاقة مع سوريا أو الفارين إلى إسرائيل أو ترسيم 
الحدود... لر قيل ذلك لبدا غريباً. غير أنه حصل. إلا أنه حصل في ظل انقلاب في 
التحالفات والمواقع والمواقف عا مح لرافضي التوافق الاختباء وراء القنابل الدحانية 
من أحل إطلاق النار على وثيقة يمكن القول فيها إا تتضمّن المطالب المشروعة 
للأطراف كلها وليس حصرا للطرفين الموقعون عليها. وليس مقنعاً لأحد هذا 
التركيز على أن تجحاهلا وقع لاتفاق الطائف أو للقرارات الدولية الطارئة. ليس 
مقنعاً لأن هذا التركيز ليس محكوماً بإحياء الروح التوافقية للطائف. 
لقد رسم طرفان لبنانيان الحدود الي يمكن أن يصلا إليها من أحل التوصل إلى 
تفاهم. ورسماء في الوقت نفسه» معالم تسوية إجالية» وأوضحا أنهما قادران على 
تنازلات جدية ردا على معضلات الوضع اللبناي. يصعب قول الشيء نفسه عن 
آخمرين مدعوين إلى الحوار ويريدون له أن يكون حکوما بأكثر حلقاته غلواً 
وتطرفا. 
2006|28 


161 


8 مقابل 67 


عرّبت القمة المبادرة السعودية. لم تسحل دولة تحفظاً. حن إذاء أمام حدث 
تاريخي فعلاً. وهو كذلك لأنه» في الوقت نفسه» مرة تطورات ممتد عقودا إلى 
الوراء ونقطة قطع معها. 

أما التطورات فذات صلة بتراجع الموقف العربي الإجمالي في مواجهة إسرائيل 
بنسبة توطد العلاقات مع الولايات المتحدة. أما القطع فهو في الإقدام على صياغة 
«مبادرة سلام عربية» تقيم فصلاً واضحاً بين مرحلتين من مراحل الصراع مع 
إسرائيل ما قبل حرب حزيران وما بعدها. 

وإذا كان جائزاً إطلاق توصيف مختصر ينفذ إلى جوهر ما حرجت به القمة 
فهو: 48 مقابل 67. 

مرت مرحلة كان الخطاب المسيطر في عالنا يطالب باسترجاع فلسطين 
كاملة. وهو مسيطر لأن الأحداث الى حرجت عليه بدت نشازاً. ثم جاءت مرحلة 
تميزت بوجود خطين يصر الأول على التمسك بالشعارات الماضية ويطالب الثاني 
باعتماد قدر من البراغماتية أي بتنازل عن بعض الحقوق ويصر على بعض آخر ولو 
باسم «المرحلية» و«خذ وطالب». 

ومنذ مدريد حي أمس كان واضحاً أن النظام العربي سلّم بقيام إسرائيل فوق 
الأرض الحتلة عام 48» ووافق على الاعتراف ياء وإتامة علاقات سلام معها مقابل 
الانسحاب من المناطق الي احتلت في 67. غير أن قضية واحدة بقيت عالقة من 
المرحلة الأول هي قضية حق اللاحثين الفلسطينبين في العودة إلى ديارهم بما في 
ذلك تلك الراقعة ضمن ما يعرف بدولة إسرائيل. 

إن مافعلته قمة بيروت هو قطع حبل الصرة بين حرب 48 ونتائحها 
وحرب 67 ونتائجها. لقد بات العرب يسلمون لإسرائيل» لي أي تسوية محتملة 
معهاء بكل ما حصلت عليه في «معر كة الاستقلال». ما في ذلك حقها في 
التحكم بحق العودة الفلسطيئ. 


163 


4 الآن... هنا 


إذا وضعنا الكلام التزويقي انا فإن هذا هو جوهر المغزى السياسي للت 
ومن لا يصدق فعليه أن يراجع المبادرة في صياغتها الأخيرة. سيلحظ تشديدا 
اسصائياً على مطلب الانسحاب من الأرض الحتلة. وسيلحظ من جهة أخرى» 
تمييعا مقصوداً في الحديث عن قضية اللاحثين. ف «الحل العادل» المشار إليه هو 
أي حل يتوافق طرفان على أنه كذلك في ما يخصهما. والمطلوب لم يعد تطبيق 
القرار 194 بل البناء عليه والانطلاق منه. 

إن مراجعة سريعة لتحربة المفاوضات العربية الإسرائيلية وصولاً إلى كامب 
ديفيد 2 وطابا تظهر الأهمية الي تعلقها إسرائيل» كل إسرائيل عا في ذلك أقصى 
اليسار فيهاء على رفض حق العودة. وإذا كان هناك بين القوى الدولية النافذة من 
يصر على طلب الانسحاب الكامل فما من دولة أوروبية (ناهيك عن الولايات 
المتحدة وروسيا) تدعم ما كان حي الأمس شرطاً عربيا للسلام. ويبدو ان النظام 
العربي استبطن هذا المعطى وأدرك أن لا مبادرة يمكن لها أن تعيش إلا إذا وازنت 
بين تصلب في طلب الانسحاب وتراخ في طلب العودة. 

وما أن تحربة المفاوضات نفسها تقول إن إسرائيل توافق على «حق العودة» 
إلى أرض الدولة الفلسطينية المقبلة» بشروط» فإن ذلك يكمل توضيح الصورة. فما 
يريده العرب هو الحصول في الأرض الحتلة عام 67 على «كل حقوقهم» 
(الانسحاب الكاملء الدولةء حق العودة) لقاء التنازل لإسرائيل عن كل ما 
حصلت عليه في 48 .هما في ذلك طرد الفلسطينيين. 


© © © 


إن هذه المعادلة الجديدةء 48 مقابل 67ء لن تكون مقبولة من إسرائيل. ليس 
الحديث هنا عن حكومة آرييل شارون وحدها. فإيهود باراك هو الذي رفض 
الانسحاب حى حدود 4 حزيران في الحولان. وهو نفسه الذي أصر على 
الاحتفاظ بنسبة عالية من الأرض الفلسطينية الحتلة في حرب حزيران. 

إن المؤسسة الحاكمة في إسرائيل تتصرف على أساس أن العرب يريدون ييعها 
مما تملك. ولذلك فإهًا ترد بأن ما حصل في 48 حصل والمطلوب تقاسم ما حصل 


فلسطين 165 


في 67 أي الاحتفاظ بمكاسب من تلك الحرب. وعا أن شارون هو الحاكم اليوم 
فإن خلافه مع شريكه العمالي لا يتحاوز التباين في تقدير حجم المكاسب اليّ يكن 
«انقاذها» ضمن الشروط الإقليمية والدولية للصراع. فح يوسي بيلين ينسب أي 
انسحاب تمل إلى عجز عن البقاء لا إلى رغبة في الانكفاء عن شطر من أرض 
إسرائيل التاريخية. 


إذا كان صحيحاً أن هذا هو الجوهر السياسي لقمة بيروت فإن التساؤل 
مشروع عن البند الخاص ب «ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيي الذي 
يتناف والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة». هذا «البند اللبناني» هو ممع ماء 
من استضافة بيروت للقمة. 

لنلاحظء أولء انه لم يرد في سياق الحديث عن «التوصل إلى حل عادل 
لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين». أي انه لم يرد في ما يطالب العرب إسرائيل بالقيام 
به. لقد ورد مستقلاً وتحت عنوان «تقوم الدول العربية عا يلي»: أي إنه ضمانة 
عربية للبنان غير ذات صلة ب «حق العودة» وإغا ب «رفض كل أشكال 
التوطين». 

إن الموضوع» لأهميته» يستحق تعليقا على حدة. 

2002|39 


الآن هنا 
جارحة... لكنها حقائق 


كان يقال» عن حقء ان الشعب الفلسطيي» وحده» لا يستطيع تحرير 
فلسطين. ويعن ذلك ان ما قد ينطبق على حركات وطنية عديدة لا ينطيق عليه. 
والسبب في ذلك هو الطبيعة الاستيطانية للمشرو ع الصهيوني. 

كان يقال أيضاًء عن حق» ان التصدي لاسرائيل مهمة عربية عامة. ليس 
من باب التضامن مع شعب شقيق بل من باب تأكيد المصلحة المشتركة الي 
يوحدهاء عملياء ارتباط المشروع الصهيون بالاستهدافات الاحنبية العامة في 
المنطقة. 

ومن باب أولى يجدر ان يقال اليوم ان «شعب الضفة الغربية» لا يستطيع 
تحريرها. ان توفير أفضل الشروط الذاتية يبقي هذا الحدف بعيد المنال 
ومستحيلا. فلو كانت القيادة اكثر حكمة وحذريةء والتنظيمات اكثر وحدة 
ونضالية» وادارة الحكم الذاني اكثر شفافية ودعوقراطية» لو توفرت هذه العوامل 
كلهاء واكثرء لما كان ثمة بحال لحسم الثنائية مع الاحتلال لصالح التحرير 
والاستقلال. 

هذه حقيقة جارحة. لكنها حقيقة. وما شهدته الارض الفلسطينية الحتلة في 
العقد الاخير هوء في العمق» نكسة لخيارين استراتيحيين ينطلقان من الثقة بقدرة 
الفلسطينيين وحدهم. يقول الخيار الأول ان الالتصاق باسرائيل» وطمأنتهاء 
وكسب ود الولايات المتحدة؛ والاستعداد للدوران في هذا الفلك الشرق اوسطي 
المرعي اميركياء ان ذلك كله سيقنع اسرائيل باحقاق بعض الحقوق الوطنية 
الفلسطينية وذلك بغض النظر عن الصلة بالمسارات العربية الاخعرى وبالوضع العربي 
العام. 

ويقول الخيار الثاني ان الدحول في مواحهة عسكرية شاملة مع اسرائيل سيقود 
الى استنزافهاء واضعافهاء وارغامها على الجلاء» من دون قيد او شرط تقريياء 

166 


167  نيطسلف‎ 


من الضفة والقطاع. ويودي ذلك الى قيام دولة فلسطينية تُبقي المعركة مفتوحة. 
ويجادل دعاة هذا الخيار بأن الدور العربي يمكنه ان يكون داعماً من بعيد لان 
القدرات الفلسطينية» خاصة في صيغتها الاستشهادية» تكتفي بذاتها. وقد جاء 
نموذج الانسحاب الاسرائيلي من لبنان ليزكي هذا الوهم. 

لقدبدالوهلة ان الوضع الفلسطيي انشق الى تيارين احدهما دون مستوى 
الممانعة العربية الضعيفة» وثانيهما فوق مستوى هذه الممانعة. ولقد انعكس ذلك 
تعايشاً بين خطين فلسطينيين يختلفان حول الكثير ولكنهما يلتقيان عند حدود 
الرهان على القدرة الذاتية الوطنية سواء كانت سلمية أم حربية. 

لقد آن الأوان لمراجعة نقدية لهذا الرهان. 

ان صعوبة المراجعة كامنة في ان التدهور في الوضع العربي وصل الى حد 
مقلق. لم تعد انظمة حاكمة تحد مصلحة نظرية ووطنية لها في منع المزعة الفلسطينية 
امام ارييل شارون وجيشه. فتعريف هذه المصلحة بات جغرافيا بالمعن الحصري 
للكلمة لا يستطيع ان يستشرف الآثار الدراماتيكية لبزوغ قوة اقليمية عظمى في 
هذه المنطقة الحساسة والواقعة على تماس مع العرب الافارقة» وعرب الخليج» 
وعرب المشرق. 

تعيد الانظمة العربية صياغة مفهومها لأمنها الوطني باتحاه اكثر تواضعاً اي 
اكثر اعترافا بالحزيمة. وهي. إذ تضطر لمراعاة فورات شعبية» فانها تدرك ان في 
الامكان تطويق الاحتحاج ومنعه من ان يجد حبل الصرة الذي يشده الى قضية 

ان مراحعة فلسطينية «واقعية» لاساليب العمل واستراتيجياته في ظل هذا 
الوضع العري» ستقودء للوهلة الاولى» الى التسليم بالارححية الاسرائيلية. ان 
هذه الواقعية خادعة لاسباب عديدة اهمها ان اسرائيل لا تملك صيغة واقعية 
لممارسة هذه الارححية. لقد فاض هما جموحها فوضعت لنفسها اهدافاً يكفي 
منعها من تحقيقها حين يكون ذلك مساوياً لالحاق هزيمة بما. إلا ان هذا الانجحاز 
يقتضي توافقا فلسطينياً داحلياً على وقف التأرحح بين التصدي المسلح المفتوح 
الآفاق والتراجع بسرعة نحو الانضباط تحت سقف املاءات صعبة. عدا عن 


168 الآن... هنا 


ضرورة الخلاص من ممارسة الأمرين في الوقت نفسه وبشكل يهدد بجعل الاقتال 
الاهلي شبحا دائم الحضور. يحب الكف عن سياسة الانتحار الجماعي عبر 
تنازلات لا قعر ها والكف عن السياسة المراهنة على تحويل الانتفاضة الى عملية 
استشهادية جماعية. 

وعلى قاعدة هذا التوافق يمكن تحديد نسج العلاقات العربية» الرسمية والشعبية» 
وعلى اساس ان المواجهة مديدة وانه من غير الجائز الزج بالقوى الحية كلها في 
مواحهات ذات توقيت سياسي خاطئ بل مدهش في تجاهله للخطأ. 

اذا حصل ذلك فانه لن يعي انتزاع انتصار سهل. يبمكنه ان يعن فقط عدم 
ارققان المسستقبل وتدمير الاحتمالات الي يحتويها من احل اشباع نرحسية وطنية 
وتنظيمية تكاد تصبح حطر داهاً. 

هذه الحقائق جارحة. ولقد كان الأحدى مواحهتها بعد العدوان 
الاسرائيلي الاخير بدل تسريع الاحداث بطريفة تزيد التفارق ضمن الصف 
الفلسطين؛ وتقفز فوق حقائق الوضع العربي» وتوفر لشارون توسيعاء ولو 
مؤقتاء هامش المبادرة. 

2029 


«جنيف»... حاجة فرنسية 


تسبّب «مبادرة حنيف» مشكلة فلسطينية. وتشكل إحراجاً لإسرائيل 
الليكودية. وتطرح تحديا على واشنطن يُرغم كولن باول على تذكير من يهمه الأمر 
«أنا وزير خارجية الولايات المتحدة» حي لا يتصرف معه أرييل شارون وكأنه 
وزير خارجيته. 

إلا أن «مبادرة حيف»» الي لن تقدم حلاً فورياً للنزاع الفلسطيئي 
الإسرائيلي» تجعل الأوروبيين سعداء. أكثر من ذلك أفها تبدو مثل حاحة فرنسية 
داحلية ملحّة. 

منذ اندلا ع الانتفاضة الثانية وثمة شيء يحصل في فرنسا. فشبان المحرة» وهم 
باللاين» يتماهون مع شبان الأرض الحتلة. يعبّرون عن غضبهم» واحتقاناقم» 
ورفضهم للتمييز ضدهم» وضيقهم بالغيتوات الي يعيشون فيهاء بالاتحاه نحو انطواء 
إتن قد ينفحر غضبا ضد أحهزة السلطة» أو ضد المحلات التحاريةء أو ضد مواطنين 
يهود. 

يمحصل ذلك في ظل انطواء ماثل يصعد بين الأخيرين ويجعلهم يغلبون 
يهودية معينة على الانتماء إلى الجمهورية» خاصة عندما تبدو لحم متجاهلة 
للخاوفهم أو مقصرة في حمايتهم. ولا يتردد قطاع من هولاء لي التماهي مع 
سياسات أرييل شارون» ورفض أي انتقاد اء وتقدمها بصفتها الخيار الوحيد 
المتاح لرد التهديد الوجودي الذي تتعرض له «الدولة اليهودية الوحيدة في 
العالم». 

وينمو, في هذا السياق» صراع جديد على موقع الضحية. فالشبان العرب 
والمسلمون يعتبرون أنفسهم موضع اضطهاد وعنصرية يرون هما صورة يومية 
مضخمة في ما يحصل في فلسطين. ويرد الشبان اليهودء أو شبان يهودء بأهم 
يُحشرون في موقع الأقلية المطاردة تماما كما هي حال إسرائيل في «البحر 
العري» المحيط بها. 

169 


وقي حين يقول الأوائل إن «الإسلاموفوبيا» هي السمة الأولى للوضع 
الفرنسي الراهن» يقول الأخيرون إن انبعاث اللاسامية هو الخطر الأول لاتصاله 
بشياطين الماضي الفرنسي ولارتفاع درجة الخطر في هذه «الشياطين» عن تلك 
الموجودة في الماضي الكولونيالي. 

تدحلت عناصر كثيرة في تسعير هذا التوتر. 

لقد اندفع مسؤولون إسرائيليون إلى تصنيف فرنسا بأفا البلد الأكثر عداء 
لليهود في أورويا. وتأّس على ذلك مطالبة هؤلاء بالهجرة وعرض المساعدات 
عليهم في حال قرّروا الانتقال إلى أرض ميعادهم. ووصلت المبالغات» هناء إلى حد 
استوجب ردوداً من يهود فرنسيين يرفضون هذا الخيار ويصلون إلى حد تحميل 
سياسة شارون بعض المسوولية عمًا يحصل ل «الدياسبورا». 

ولوحظ أن مثقفين فرنسيين» من الحريصين جدا على متانة العلاقات الأوروبية 
الأميركية؛ ومن المحتجين على موقف جاك شيراك في حرب العراق» وعلى ما 
يعتبرونه انميازا إلى الجانب الفلسطيي» لوحظ أن هؤلاء طبّقوا على النزاع 
الفلسطيي الإسرائيلي النظريات السائدة حاليا عن خطر الإرهاب وضرورة محاربته» 
وصمتوا عن قول كلام نقدي في حق الحكومة اليمينية في إسرائيل. ولم يجد هؤلاء 
تبريراً لعزلتهم في بيئتهم إلا تحميل الإعلام مسؤولية الترويج لصورة مزورة عن 
البزاع. 

فة مثقفون يهود بين هؤلاء طبعاً. ولكنهم في هذا المحال صدروا 
عن موقف لا علاقة له يبهذا الانتماء وإنما بتصور أعم لما يحب أن يكون عليه 
الموقف الغربي من التهديد الأصولي الإسلامي خالطين بين برحي نيويورك ومخيم 

تداحل هذا الحو المؤدي إلى تقوقع مع قضايا أخرى من نوع مشكلة الححاب 
من أحل أن تحد فرنسا نفسها مهددة عمخاطر تراحع المثال الجمهوريء والعودة 
القوية للطرائف والجماعات ما دون الوطنيةء وهو أمر يجب وضعه في إطار 
التهديدات الأصلية لفكرة الدولة الأمة المتمثلة في العولمة» وتحويل بعض السيادة إلى 
أوروباء وتعزيز اللامركزية على حساب العاصمة. 


171  نيطسلف‎ 


لا بمكن الإطلالة على الموقف الفرنسي من مبادرة حنيف إلا على قاعدة هذه 
الخلفيةء وهي خلفية تجعل دعم المبادرة حاجة وطنية داحلية. 

ليس الحديث هنا عن موقف الدولة الفرنسية فحسب. فهذه لم ُحدث 
مفاحأة .عا فعلت. فالمعروف أنها مع حل متوافق عليه» ومع تصوّر لمضمون الحل 
قريب لما ورد في الوثيقة» ومع اتخاذ مسافة عن شارون تخدم» في ما تخدم» رد 
التحية له على مواقف كثيرة بينها الاحتقار الذي يعامل به مندوبي أوروباء والفيتو 
الذي يضعه على أي لقاء بياسر عرفات. 

إن الحديث هنا هو عن النخبة الفرنسية والرأي العام الفرنسي. 

لقد أدى «استيراد النزاع الشرق الأوسطي» إلى فرنساء وتداخله مع قضايا 
العولمة والعولمة البديلة» والانغلاقات المذهبية والطوائفية» وإعادة تموضع القوى 
السياسية الفرنسية حياله» ووفرة الإنتاج الفكري» ومحاولات توسيع محال قهمة 
«اللاسامية» لتطال كل انتقاد لإسرائيل» واندماج النقاشات حول فلسطين بتلك 
الخاصة برب العراق بتلك الخاصة يممصير العلاقات الأوروبية الأوروبية ومع 
الولايات الملتحدة وانفجار قضية الحجاب... إلخ. أدى ذلك كله إلى نوع من 
«الحرب الداحلية الباردة والمنخفضة التوتر». 

وبداء لفترة» أن النصاب السياسي والثقافي المومّن لانتقاد شارون لا يكفيه 
موازنة ذلك بالمحوم اللاذع وانحق على العمليات ضد مدنيين إسرائيليين. كان لا 
بد من أن يتوازن نقد شارون بتأبيد لتيار إسرائيلي آخر حن لا تبدو مواقف 
فرنسية صباً للزيت فوق نار «الحرب» الفلسطينية الإسرائيلية. وحاءت مبادرة 
جنيف, بالمشاركة الإسرائيلية فيهاء هدية من السماء. 

لقد سمحت بإطلاق مبادرات أهلية كثيرة داعية إلى دعمها ورعايتها 
وتبنيها وحعلها جزءاً من السياسة الخارجية الفرنسية في حين أفاء في الواقع» 
ضرورة داخلية (لا بأس في ذلك ورعا كان أفضل). ومن يقرأء اليوم» العرالض 
الفرنسية المؤيدة للمبادرة» فسيفاحأ بتواقيع لأشخاص أمضوا السنوات الأخيرة 
في سحالات حادة ضد بعضهم تبادلوا حلالما المامات في منتهى الخطورة. ومن 
الواضح» حداًء أن وظيفة المبادرة تيريد الأجواء الحتقنة في فرنساء وتوليد 


172 الآن... هنا 


توافقات تمتص التوترات» والسعي نحو هدنة عربية إسلامية يهودية تنعكس على 
المناخ العام. 

لقد حاول بعض المنضمين بحماسة إلى تأيد المبادرة» تقدعها بصفتها وثيقة 
ضد شارون وعرفات على قدم المساواة. غير أن ذلك يبدو تبريرا من أجل تغطية 
انسحايهم من الزاوية الي حشرهم فيها صمتهم عن رئيس الوزراء الإسرائيلي 
وارتكاباته ولو أنهمء حي إشعار آحر» سيرفضون الاعتراف بذلك. 

لقد تسبّيت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في تصديع مشروع عمل عربي 
يهودي مشترك في فرنسا تحت عنوان مكافحة العنصرية. وأوصلت الانتفاضة الثانية 
الصدع إلى حافة خطيرة لأا طرحت سوال المواطنية والقيم الكونية ضد الانغلاق 
الطوائفي. 

ثم حاءت المبادرة لتوجد مخرجاً يسمح بالتأسيس لوئام ماء لوثام يعيش عبره 
الفرنسيون صيغة التعايش يرن يوسي بيلين وياسر عبد ربه» وهي ليست بالضرورة 
الأفق الأكثر احتمالا لما قد يعيشه الإسرائيليون والفلسطينيون. 

أي إنماز أكثر من وضع ألين فينكلكروت وبيار أندريه تاغييف إلى حانب 
طارق رمضان وباسكال بونيفاس! 

2003122 


هنا الوردة... 


يكاد المرء لا يصدق ما يقرأ. إن هناك بين القادة الفلسطينيين» من يدعو العرب 
والسلمين إلى «ترك مأزق شارون ليتطور». يبدو أن صاحب الدعوة هو الذي لا 
يصدق ما يقرأء أو أنه يقرأ بنظارات خاصة لا تجعله يرى الاغيارات المتالية في العالمين 
العربي والإسلامي. ينتمي الرحل إلى فة مبتلية تعتبر كل إنحاز لصم مشكلة وقع فيها. 
وآحر إنحازات هذه الفئة ما تطلق عليه «الاعتقال المأزقي»» قاصدة بذلك المزعة 
الساحقة الي أنزها صدام حسين باختلين الأميركيين بت ركهم يقبضون عليه. لسنا 
ندري ما كان الوصف لو أن جورج بوش هو المسجون» ولكننا ندري أن المتفائلين 
الأبديين اغتبطوا كثيرا لسقوط بغداد بالطريقة المعروفة معتيرين أن ذلك فخ سيطبق 
على الأميركيين ويشكل محطة تالية في الحزائم النازلة هم منذ «أم المعارك»! 

الاقام الذي يوحهه القائد الفلسطيئ المشار إليه يطال من يرمي طوق اة 
لشارون فيقبل بعدم إدانة وثيقة حنيف وكتنع عن النضال لإسقاطهاء أو يتعاطى مع 
«خريطة الطريق» ولا يرى فيها جرد وسيلة لإنقاذ إسرائيل مما تتخبط فيه. 

ليست المشكلة في تعريض كل من «الوثيقة» أو «الخريطة» لنقد. المشكلة هي 
في الإيحاء بان كلاً منهماء أو أياً منهماء وسيلة فك الطوق عن رئيس الوزراء 
الإسرائيلي الحاصرء والموضوع في موقع دفاعي. 

إن اقتراح محاربة شارون بتركيز حهد فلسطينٍ وعربي ضد «وثيقة جنيف» 
حرائة في البحر. لا «يفيد» ذلك إلا في تشتيت الصف وتحويل الفوضى إلى ما 
يشبه الفتنة. وهو يقوم على فرضية أن الكل صهاينة لا فرق بين أقصى اليسار 
وأقصى اليمينء .معن أن الشعارات والسياسات يجب أن تتبرأ من ملامسة دنس 
التمبيز والبناء عليه. وهو لا يقيم أي وزن لرأي عام عالمي أو فلسطيئ يرى القطاع 
الأكبر منه سياسة شارون المتطرفة عير «الوثيقة». أي ان هذا الاقتراح هو الذي 
ينع مشكلة الاحتلال من أن تتطور لأنه يساعد في تبرئة امحتل» ويوفر للإدارة 
الأميركية فرصة التملص من تحديد مضمون ل «رؤبة» الدولتين. 

173 


4 الآن... هنا 


إن الدعوة لتركيز حهد لإسقاط «الوثيقة» حرب على طواحين هواء. إا 
عملية انتحارية» ليس ضد رواد مقهى هذه المرة» وإنما ضد وهم هو وهم 
بالضبط لأنه أرقى» عا لا يقاس من موازين القوى الحالية بين الفلسطينيين 
والإسرائيليين. 

إن ما قد لا نخسره بالحرب ضد الوثيقة نخسره في الحرب ضد الخريطة. يؤدي 
ذلك إلى مزيد من الحشاشة في وضع السلطة الوطنية» وإلى استعداء اليسار والوسط 
في إسرائيل» أي إلى إرغامهما على الالتحاق أو مزيد من الالتحاق بالخيار 
الشارون؛ وإلى توتير العلاقة مع المجموعة الدولية» رأياً عاماً وحكومات» وإلى 
تجاهل بحلس الأمن وقراره الأحيرء وإلى توفير ذريعة إضافية لبوش من أجل 
الانفكاك عن وثيقة يدعي رعايتها... 

إن ما يبدأ حطأ في التقدير ينتهي خطيئة في السياسة. وخطأ التقدير هو 
اعتبار شارون في مأزق والحركة الوطنية الفلسطينية في حالة هحوم. ينتج عن 
ذلك اعتبار يقول إن إسقاط «الوثيقة» و«الخريطة» هو بعض من فائض الجهد 
لا يحول دون إحكام الحصار على شارون» وقطع مخارج الطوارئ عليه» وسحنه 
في دوامة معضلته لأن تباشير القضاء النهائي عليه وعلى دولته أقرب منالاً من 
أي وقت آخر. 

هذاهو تام العدمية. وهذا هو المدخل المفضل لتبديد ما تبقى من قوة في 
خحوض معارك لا هي ضرورية ولا حاسمة. إن انتقاد وثيقة حنيف ممكن. وكذلك 
امتلاك وجهة نظر في الخريطة وأوالياتها وأوحه قصورها. غير أنه من غير الجائر 
وصول عمى الألوان إلى حيث يستحيل التمييز بين مخاطر «حلول افتراضية» وبين 
حطر «الحل» الواقعي» الملموس» الحاري تنفيذه. 

الوردة هنا فلنرقص هناء قال أحدهم. ويقصد أنه يتعيّن تحديد الحيز الحقيقي 
للمواحهة في كل لحظة. وهذا الحيز في فلسطين» اليوم» هو ضد المشروع الشاروني 
المعبر عنه في «حطاب هرتسليا». 

فشارون يضع الفلسطينيين أمام الخيار: إما الحرب الأهلية وإما «الحل» من 
طرف واحد. أي إما تطبيق القراءة الإسرائيلية ل «خريطة الطريق» وإما مواحهة 


175  نيطسلف‎ 


خطر ضم قسم من الضفة» وتقطيع أوصال الأرض الحتلة» وضرب التواصل بين 
الفلسطينيين» وقطع صلتهم بانحيط إلا لأغراض التجارة أو... الرحيل. ولا عضي 
يوم ولا نمضي ساعةء إلا وهذا الحل الزاحف يتقدم من دون أن يبدو في الأفق 
إجماع على مقاومته وإحباطه. ثمة معارضة حذرية تطلق النار في غير اتحاه» وثمة 
حكومة تدفن رأسها قي الرمال مراهنة على «احتماع مثمر». وة وسطاء 
يتصرفون وكأن سحر الكلام دواءء ومحة «رعاة» يعرفون أنهم يكذبون عتدما 
يكتشفون جملة في كلام شارون توحي بأنه وني لالتزامات. 
لقد بات صعباً تصديق دعاة «ترك مأزق شارون يتطور». لا يعقل أن 
هؤلاء لا يعاينون الخط البياني التنازلي للوضع العربي والإسلامي وللوضع الدولي 
المحيط بقضيتهم. ولا يعقل أن ما عيّزهم عن البن لادنية يتعطل في هذا المجال 
بالضبط. إن التفسير الممكن لسلوكهم هو أهم يضبطون سياساتهم على إيقاع 
الصراع على السلطة وليس على إيقاع الصراع على الأرض. فإذا وضعنا هذه 
الفرضية في الحسبان بات ممكناً فهم الكثير ما يبدو متناقضاً وغير عقلان. فهل 
هذا هو الموضوع فعلاً؟ وهل هذا ما يختبئ وراء الكلام الكبير؟ هل هذه هي 
الوردة الي يرقصون حوها؟ هل يد ركون الآثار «التعبوية» لخطاهم؟ هل 
يعتذرون من أحمد ماهر؟ 
2003|12|23 


توافق بوش شارون: 
الهدف السياسي للحرب المستمرة 


لا يعادي حورج بوش العرب» حكومات وشعوباء ولا يصادقهم. يستهزئ 
ممم. جمع حيباقم الممتدة منذ عقود, وضعها في رزمة واحدة» وجلدهم بما. 
وهكذاء وفي دقائق» أعلن انسحابه من سياسة أميركية عمرها سنوات» وأعلن أنه 
يويد التوسع الإسرائيلي في الأرض امحتلة عام 67 ويتفهّم الرفض الإسرائيلي لحق 
العودة. 

لقد ألغى بوش الأساس السياسي الذي كان يستند إليه بعض العرب لتبرير 
الالتحاق بواشنطن. وهو التحاق قاد قبل 67 وبعدها إلى خوض معارك ضارية 
ضد كل معارض. ولا تسى هذا الخط الالتحاقي الاتتصار كشف حورج بوش عن 
شروطه الجديدة؛ علماً أن الجديد في ذلك هو الإعلان الرسمي فقط طلما أن أي 
تحليل للسياسة الأميركية كان في وسعهء لو أرادء استقراء ذلك. 

أحذ بوش الوقت الكافي قبل أن يرد على قمة بيروت. ففيها عرض العرب 
تسوية تتضمن مقايضة. وهذا هو مضمون أي تسوية. أخذ منهم ما أعطوه؛ وزاد 
عليه» ولم يبد معنياً بتقدم أي مقابل. وهو إذ فعل ذلك فإئما سعى إلى الحصول 
على الحزية الي تعاقب من يعلن مبادرة ويعجز عن بناء موازين القوى الي جعلها 
قابلة للتنفيذ.يشعر بوشء في قرارة نفسه» أن أفضاله على العرب كثيرة. فهو حرّر 
شعباً من شعوبهم من ديكناتورية باغية. وهو يعرض على الفلسطينيين تحريرهم من 
قيادهم الي تقف عقبة في وجه حصوهم على دولة (ليس مهما إذا كان ذلك عر 
بحرب أهلية). وهو يقترح على القادة العرب مشاركته في هذه المهمة نا لقبوله هم 
في التحالف الدولي ضد الإرهاب. ويجمل ذلك كله في أنه يريد إدراج العرب في 
«شرق أوسط كبير» ينعم بالدركوقراطية والاستقرار والازدهار. 

لم يرد بوش على قمة بيروت فحسب. وجه رسالة إلى «القمة التائهة». ففي 
حين رافقت الالتباسات المعروفة التأجيل» وفي حين يتطاير الزعماء المرب من 

176 


177  نيطسلنف‎ 


عاصمة إلى أخرى لبحث جدول الأعمال» وفي حين يعكف خبراء على التدقيق في 
عبارات المشروع الإصلاحي» وقي حين يشتد النزاع حول إعادة إطلاق «مبادرة 
بيروت» أو تعديلهاء في هذا الوقت قال بوش: انسوا بيروت! ما بعد بغداد وليس 
كما قبلها وأنتم لم تفعلوا سوى المساهمة في تضاؤل وزنكم. 

يمكن للرئيس الأميركي التأكيد بأن ما قدمه لأرييل شارون سبق له أن 
استلمه من القادة العرب فرادى ومجتمعين. فمبادرة بيروت نم یکن هاء في 
العمق» وني ظل السلوك العربي بعدهاء إلا أن توصل إلى هنا. ويهذا المع يكون 
بوش وضع عَرّبه (أي النظام العربي كله) في الزاوية: لا يمكنهم أن يكونوا معه» 
وفق القاعدة الجديدة» إلا كما يريدهم أن يكونوا معه. ليسوا حلفاء يحملون إلى 
التحالف بعض مطالبهم. إهم أتباع يُؤمّرون. وما عليهم سوى الكف عن هذه 
الازدواحية الخطابية الي تعكس» في النهاية» فصاما بين القول والفعل انتهت 
مدة صلاحيته. 

يكشف كلام بوش أمام شارون عمق المعضلة العربية. فبغض النظر عن 
النواياء والقدرات» والسياسات» والتواطؤات» لا فدرة لدى النظام العربي على 
هذا القدر من التأقلم تحت السقف الأميركي الإسرائيلي. ولكنء في المقابل» لا 
قدرة راهنة ولا مأمولة على اختراق هذا السقف. ومن غير المقدّر لعلاج 
الصدمةء على طريقة بوش» أن يسعف المريض. فد لا يقتله» ولكنهء بالتأكيد, 
سيزيد عذاباته. 

لمو لم يكن العرب في عنق زحاحة لكان يمكن القول» اليوم» نهم في عنق 
زحاحة. من أقصى المغرب إلى المشرق ينوء الوضع العربي تحت أثقال وطنية خاصة 
بكل قطر ثم يأتي ما هو مشترك» نظرياء ليزيد الأعباء. لا يستطيع حاكم عربي 
واحد تركيب جملة مفيدة» ومقنعة» وقابلة للترجمة» عن فلسطين أو العراق. وبينما 
هو في عز تلعثمه حاء من يطالبه بلبس قناع الإصلاح ثمَا يدحله» فائياء في الطور 
«الكراكوزي». 

ليس أصعب على النخب والشعوب من العيش مع ديكتاتور مهرّج. غير أن 
هذا هو ما نحياه. ولا يبدوء في الأفقء أن ضغطا شعبيا ميتبلورء أو أنه إذا تبلور» في 


178 الآن... هنا 


شرطه الإيديولوجي الراهن» قادر على قلب المعادلة. المأساة مضاعفة إذاً. إن البديل 
الوحيد المحتمل؛ ولو بعد حين» للوضع الراهن عاجز وحده» بالضرورة» عن أي 
إنحاز يحدث اختراقاً ويوقف التدهور. 

إن اللوحة المرسومة آنفا هي الصورة الوردية من المشهد. الآني أعظم. 

إن العرب المشيعين بعدالة قضاياهم (وهي عادلة» وعدالتها مسؤولة عن 
مأساوية الوعي العربي) قد لا يصدقون أن شارونء إياه» إذ يتعرض إلى ضغط 
فعليء فإنما هو الضغط الممارس عليه من ينه ومن قوى تتهمه بالتفريط» وببيع 
حقوق شعب إسرائيل إلى حملة بوش الانتخابية! 

إن شارون بهذا الضغط أو بدونه» لا يعتبر وعود بوش فاية المطاف وإغا 
منطلق تفاوض. لقد «اضطر» إلى أن يقبل ما قبله لأنه يتصرف كمن وصل إل 
المرحلة ما قبل الأخيرة من انتزاع الموافقة الأميركية على مشروعه: التبديد السياسي 
للشعب الفلسطيي رفي ظل الهيمنة الأميركية الكاملة على المنطقة). لقد بات الإنحاز 
وراءة وسوف ينح إلى الزيد. يفعل» هو ما يفعل حي تطال يذه شولك بوش 
الباقي حرباً في العراق؛ معط على الآخرين؛ وشا للجنة الرباعية» واستحلابا 
لطوي بلمء وتحيدا للأمم المتحدة» وتعطيلاً لأي تدحل آخر حن لو كان إنسانياً 
يستهدف نحدة شعب مهدد بخطر ماحق. 

لا شك ولو للحظة؛ في أن بوش وشارون يعرفان أن الوضع العربي الراهن 
«عاحز» عن مماشاتهما في «الحل» الذي يقترحانه. إذا كان هذا صحيحاء وهو 
صحيح» فإن الرحلين لم يكونا يعلنان مبادئ تسوية. كانا يعلنان الهدف السياسي 
للحرب المستمرة الي يخوضانها ضد العرب. يعي ذلك بكلام آخرء إن «إعلان 
واشنطن» يرمز إلى الموقع الذي تريد أميركا وإسرائيل إنزال العرب إليه ودفعهم 
للا خطاط نحوه. ثمة عمليات جراحية كثيرة في الأفق يراد لما أن تجعل ما نستهوله 
اليوم أقصى أمان الغد. 

إن الاسم الرمزي لمذه العمليات الجراحية هو «الشرق الأوسط الكبير». وما 
دور حديث «الإصلاح» هناء من جانب واشنطنء إلا الدور التقليدي الذي يلعبه 
المعحذر. والهدف العملي ذه العمليات استتصال شأفة أي ممانعة بحيث لا تعود 


179  نيطسلف‎ 


تطلء في كل مرة» بوحه حديد ولو أنه» من عبد الناصر إلى بن لادن» يقطع 
مسافات ضوئية نحو التخلف وترجيح احتمالات الفشل. 

إن الصراع العربي الإسرائيلي زاخر .عحطات مهمة. هذه واحدة منها وهي 
شديدة الأهمية. غير أن التحربة تعلّم أن كل مشروع حلء (أو توافق)» كان يترحم 
موازين قوى ويتقرّر مصيره وفق ديناميات لا علاقة لها كثيرا بالنصوص. إن إعلان 
واشنطن» هذا المع إعلان لمرحلة جديدة في هذا الصراع. يعن ذلك أنه عنصر في 
صياغة الصراع وليس برناجا تفصيليا لحل. 

إن الديناميات الراهنة تشير إلى اتحاه إسرائيل إلى طحن الشعب الفلسطيي. 
الطحنء تعريفاء يلقى مقاومة. فهل بإمكان هذه المقاومة أن تقلب المعادلة في ظل 
الارتضاء العري هذا الشكل من الالتحاق بالولايات المنحدة؟ 

200441 


كي الوعي 

«تعلّمت من التحربة أن المرء لا ينتصر بالسيف وحده». هكذا خاطب 
شارون الكنيست الإسرائيلي أمس في معرض مناقشة «خطة الفصل». الرحل 
الذي عش بالسيف والذي يهدده حاخامات ومستوطنون بالسيف» يقدم 
نفسه كمن حرج بحصيلة لحياته المديدة. لقد بات في رأيه أن الانتصار لا يتحقق 
بالقوة العاربة وحدها. لا بد من قدر من المكر. لا بد من مناورة لا تكون؛ في 
الحقيقة» إلا حديعة حربية تخدم الحدف إياه: الإبادة السياسية للشعب 
الفلسطيي. 

مكر شارون ذو حدين. المبالغة فيه تؤدي إلى كشف المخبوء وإاء وظيفة 
المناورة. وبذلك تتحقق خسارة المويدين ويتم إحراج المروحين. لكن التقليل منه 
يفقده فعالية الجذب حيال من تبقى من المعسكر القرمي الديئ المتطرف. إن خطة 
شارون للفصل هي مكر مدروس (تولی مستشاره دوف فايسغلاس الشرح). 

ماذا تقول الخطة في صيغتها الرسمية: رفع المسؤولية الإسرائيلية عن غزة» 
تأحيل القرار الحكومي إلى ما بعد انتهاء التحضيرات» تقسيم الانسحاب إلى أربع 
مسراحل يسبق كل واحدة منها قرار» البقاء عند الحدود مع مصرء حراسة الغلاف 
الخارحي اليري للقطاع؛ السيطرة على الحال الجوي؛ مواصلة النشاط في الخال 
الحوي» تدمير مساكن المستوطنين والمباني الحساسة والكنس» السعي إلى السيطرة 
على التكتلات المركزية للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وعلى بلدات مدنية 
ومناطق أمنية وأماكن تملك إسرائيل مصالح أخرى فيهاء إلخ... 

هذه إعادة انتشار تبقي القطاع تحت الاحتلال (حسب دراسة قانونية مرفوعة 
إلى الحكومة الإسرائيلية)» وتوفر قاعدة سياسية من أحل ضم مناطق شاسعة في 
الضفة الغربية. ولذا فإن أي تصويت على الخطة في الكنيست هو تصويت يطال» 
في الجوهرء مصير الضفة الغريية في حين يبقي مسألة الانسحابات التدريحية رهن 
قرارات لاحفة تتخذها الحكومة. 

180 


181  نيطسلف‎ 


يعني ذلك عملياًء إن أي أكثرية تحصل عليها الخطة في الاقتراع المقرر اليوم 
لا تعينيء إطلاقاء مباشرة التنفيذ. فعشية كل انسحاب يفترض بشارون أن يحصل 
على أكثرية حكومية. ولي قراءة سريعة لخريطة القوى يتبين أن معسكر «اليسار» 
يقرع في البرلمان في حسين يتولى معسكر «اليمين» التقرير في شأن التنفيذ في 
الحكومة. 

وتزداد الأمور تعقيدا نتيجة أن مسلسل الاقتراع الخاص بخطة الفصل يتوسطه 
اققراع يخص اليزانية. القوى القادرة على حماية شارون («اليسار») في موضوع 
هي نفسها القوى الي ستعمل على إسقاطه في موضوع آخر. ولذا فإن سباق 
الحواحز الذي يضطر رئيس الحكومة إلى خوضه يوحي بأنه سينهكه إلى حد يجعل 
مستحيلاً الوصول إلى حط النهاية. 

وفي هذه الحالة يكون مكر شارون حقق له للضي في الضم الزاحف للضفة 
الغربية» ولي اتباع سياسة الأرض الحروقة في القطاعء وذلك في ظل تصفيق دولي 
(وعربي) ل «خطة الفصل» الي قد تحد نفسها مضطرة إلى انتظار الانتخابات 
المبكرة ونتائجها.إن ما حرى أمس في غزة ليس محرد يوم إضافي على «أيام الندم». 
إنه تعبير عن سياسة حوهرية تتخذ أشكالاً متنوعة ولكنها تاتقي عند فكرة واحدة 
عبّر عنها موشيه يعالون. لقد اشتق رئيس الأركان الإسرائيلي مصطلحاً جديدا في 
وصف العلاقة مع الفلسطينيين: كي الوعي. ويعني ذلك تسليط قدر من الضغط 
عليهم كنعهم حي من برد التفكير بالدفاع عن النفس خوفا من رد الفعل شديد 
الإيلام. 

إن «كي الوعي» الفلسطيينء عند يعالون» هو كسر فائي للإرادة الفلسطينية 
ببمحيث تيل إلى تحديد سقف المطالب على قاعدة الحد الأدق المشترك بين شارون 
وغلاة المستوطنين. تسقط هذه السياسة نظرية «الجدار الحديد» العزيزة على قلب 
جابوتنسكي وال طبقهاء بنحاح» خصومه في حزب «العمل». لا تسقطها إلا من 
أحل اتباع نمج أشد عدوانية يمكن له أن يبلل حد السيف ببعض المكر. 

2006 


مهمة أخرى (أخيرة؟) 


يقول كاتب فرنسي إن ياسر عرفات أنحر مهمتين تاريخيتين في حياة واحدة: 
أوجد الشعب الفلسطيي على خريطة الشرق الأوسط بالصراع مع إسرائيل» وأقنع 
الشعب إياه» لاحقاء أن لا بديل عن تسوية. 

مهما كانت نسبة الدقة في هذا الكلام فما لا شك فيه أن المهمتين المشار 
إليهما تعطيانه هذا الموقع الفريد. إنه المقاوم الأول والمفاوض الأول. وهو المفاوض 
الأول بالضبط لأنه المقاوم الأول. لا تجتمع هاتان الصفتان في شخصية فلسطينية 
أحرى علماً أن المشروع الوطين لم ينجز بعد وأن المخاطر تحيط به» وأن الشرطين 
الإقليمي والدولي ليسا في صالحه. 

ها أن مرحلة تنقضي ححين لو كان الداء طائرة جديدة توي في الصحراء 
اللييبية ويخرج منها أبو عمار سالا مرحلة امندت على أربعة عقود. عرفت 
اتتصارات وانتكاساتء وإنحازات وأخطاء. عايشت المد القومي الذي احتضن 
النضال الفلسطيئٍ وقدم مشروع حل يتجاوزه ولوء أحياناء بالاختلاف مع 
وعايشت مرحلة الحزر المسؤولة» قبل غيرهاء عن الوضع البائس. 

لم يكن عرفات جرد قائد لثورة شعبء علماً أن هذا أمر جلل. ففي الحالة 
الخاصة للشعب الفلسطينٍ كان التبديد هو المصير الذي ترسمه الصهيونية له. كان 
مقدرا له أن يتشتت» ويشطبه ويلغى فلا ينبعث ولا يغادر» إطلاقاء موقع 
«الشعب الفائض». أبو عمار أوحد هذا الشعب عن ما وفي سياق تنه القيادة 
الناصرية إلى الإمكانات المائلة الموجودة في توظيف الكيانية الفلسطينية ضد 
إمرائيل. وأبو عمارء إياه» غالى في هذه الكيانية عندما لم تعد الحركة القومية 
حاملاً حديا للتحرر الوطيني. و«نحح», على امتداد سنوات» في تحويل منظمة 
التحرير إلى «الوطن المعنوي» للشعب الفلسطيئ قبل أن تقوده الظروف إلى تحربة 
في الحكم الذاتي لم يلفظ التاريخ حكمه عليها بعد وإن لم تكن» في ظروف 
التسعينيات» أفضل الخيارات المتاحة. 

182 


فلسطين 183 


الملهم أن عرفات ليس من طينة قادة نعرفهم. ليس لأنه» شخصياء بتميّز عن 
غيره بل لأن العلاقة ال نسجها شعبه معه علاقة اسطنائية. 

ليس صدفةء رعاء أن عرفات يعتمر ثلاث كوفيات: إنه قائد حر كة «فتح»» 
وزعيم منظمة التحريرء ورئيس السلطة الوطنبة. «فتح» هي العمود الفقري 
للحركة الوطنية:ء والمنظمة هي الإطار الجامع للداحل والشتات» والسلطة هي 
الحكم الذاي للفلسطينيين تحت الاحتلال. 

وقي وقت تعتل صحة عرفات يكتشف الجميع أن هذه المستويات الثلاثة 
المشار إليها تعاني من مشاكل بنيوية عميقة. 

«فتح» هي» اليوم» محهول كبير. تضاءلت قيادها التاريخية. وانتهت لعبة 
التوازنات السابقة في قمتها. وتحاول لجنتها المركزية أن تفرض نفسها كمرحع في 
ظل تباينات بين أعضائها. غير أن «كتائب الأقصى» كتائب. والأحهزة الأمنية 
متعددة. والساحة مفتوحة لتدخحلات خارجية. والطموحات الشخصية رعناء 
أحيانا. والمرجعية «المؤتمرية» قديعة. 

والمنظمة في حالة شلل. هذا أقل ما يقال. ويعيٰ ذلك في رأس ما يعني 
تراحع الإطار الناظم للشعب في أماكن تواحده» وظهور تعارضات في ما يخص 
«حق العودة»» وازدواجية في النشاط الدبلوماسي» وتبعثر للمساعدات الدولية» 
وتراحع الصلات بقوى عربية ودولية» [خ... 

أما السلطة فقد تركها البطش الإسرائيلي أنقاضاً أو شبه أنقاض. لا تسيطر 
فعلاً على الأدوات الأمنية» ولا تحسن إدارة الخدمات» ولا تستطيع معالحة التضخم 
البيروقراطي والفساد والمحسوبية» ولا تمرف تحديد هويتها بين «الدولة» 
و«الثورة»» ولا تقدم نفسها كنظام رئاسي أو برلماني» ولا تنتج أجهزة رقابة» ولا 
تحسم في ما إذا كانت سد أمام الاحتلال أم امتدادا له» ولا تمارس سيادة» ولا 
تبسط ولايتها بالتساوي على الضفة والقطاع إلخ... 

هذا كله حى لا نتحدث عن مستوى رابع غير متبلور تماما هو مستوى 
«المقاومة» حيث تتداخل «فتح»» أو بعضهاء مع «حماس»» و«الجهاد», 
والجبهتين» وغيرها. والكلام عن هذا المستوى الرابع؛ والجديد نسبياء هوء في آخر 


184 الآن... هنا 


المطاف كلام عن التيار الإسلامي غير الممثل في المنظمة أو السلطة والذي تدخل 
أطراف منه في علاقات تالف تنافس مع «فتح». 

هذه المشاكل مقذوفة كلهاء ودفعة واحدة» أمام الشعب الفلسطيي. ويتساءل 
كثيرون؛ عن حقء عما إذا كان ممكناً تقدم جواب بسيط على هذه التحديات 
يكون مقدمة لطرح الهم الأكبر: ما العمل الآن؟ أين هي القضية الوطنية بالضبط؟ 
ما سياسة إسرائيل واحتمالات تغيّرها وكيفية التعاطي معها؟ في أي موازين قوى 
إقليمية ودولية نعمل؟ 

إن إنتقاذ وحدة حركة «فتح» أولوية مطلقة. ولكن هل من رمز لهذه 
«الوحدة» بعد كل ما جرى؟ وهل من رمز يستطيع تأمين التماسك بين الضفة 
والقطاعء بين الأرض الحتلة والشتات؛ بين «فتح» وغيرها من الفصائل سواء 
المنضوية تحت لواء المنظمة أو العاملة حارج هذا الإطار؟ 

لا يقدم المشهد الفلسطيئ الراهن جواباً شافياً على هذه الأسئلة نخاصة إذا 
أعذنا بالاعتبار درحة من اصطدام المزاج الشعي المعبأ بالمزاج العربي والدولي 
الراغب بتسرية بأي لمن أي بالثمن الذي تريده إسرائيل. 

هذه الأسباب» وغيرهاء يبدو عرفات محكوماً بإنحاز مهمة أخيرة: تأمين انتقال 
سلس في «فتح» والمنظمة والسلطة. 

ليست هذه دعوة إلى التنحي. إا اقتراح طبي ذو بعد سياسي. فح لو أثبت 
الرئيس عرفات أنه يملك في جعبته روحا حديدة بيقى أن عليه ألا يخسر ثانية واحدة 
في معركة ترتيب البيت الفلسطيئ. 

20040 


أسئلة فلسطينية 


فور الإعلان عن فوز حورج بوش سرت التكهنات. ستكون الولاية الثانية 
مختلفة عن الأولى. ستتدخحل واشنطن أكثر لمحل الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية. 
يمار نوش ضخطا على ريل شاروقة: طالما ان الرئيس لن يجدد لنفسه» وطالما 
ان نائبه ذيك تشيين غبر مرشح لأسباب صحية فان الأيدي ستكون طليقة لارغام 
إسرائيل على تنازل. 

قيلء إضافة إلى ذلك ان الإدارة تحتاج إلى عملية «كسب عقول وقلوب» 
من أجل تسهيل سياستها العراقية» ومن أجل توفير شروط نشر الدموقراطية» ومن 
أجل كسب قوى ثي الحرب المعلنة على الإرهاب. 

وكان طون بلير استبق نتائج الانتخابات الأميركية بالقول انه سيجعل من 
التسوية في الشرق الأوسط أولوية سياسته الخارجية. ثم عاد وكرر الأمر بعد 2 
تشرين الثاني موا انه سيمارس «ضغطاً» على الولايات المتحدة من أجل ان 

تشاركه الرأي. 

حاءت «غيبوبة» ياسر عرفات في هذا التوقيت بالضيط من أحل ان تحذب 
الانظار حول «الشيء ما» الذي يتوحب حصوله. 

فالمشهد قبل «الغيبوبة» هو ان شارون ماض في ترتيب الاوضاع من أحل 
التمكن من تنفيذ خطة الفصل. وبالرغم من المتاعب الي يواحهها في حزبه 
ومعسكر اليمين فانه ممح في انتزاح اقتراعين في الكنيست يوفران صدقية لنواياه سما 
هي تطبيق الخطة أولاء وعا هي دفن «خريطة الطريق» ثانيا. 

ولذلك سرعان ما تحول الحديث» في عواصم عربية وغربية» عما بعد عرفات 
إلى حديث عن توفر امكانية مستجدة لايحاد صلة ما بين الخطة والخريطة. فالوضع 
الفلسطيي الذي قد ينشأ يحرم إسرائيل من زعم «ان لا شريك» ولذا فان الخطوات 
من جانب واحد اضطرارية. ولوحظ ان معلقين إسرائيليين تعمدواء في معرض فك 
اسرار الولاية الثانية لبوشء التركيز على ان المرض الطارئ لعرفات يفسح ف المجال 

185 


6 الاآن... هنا 


أمام ايحاد صلة الوصل المطلوبة وال تصر عليها مصر ولا يخفي الأوروبيون رغبتهم 
فيها. 

من لليكر الحسم في اتحاه الاحداث. ولكن ما يمكن قوله؛ اليوم» هو ان أي 
صلة وحل» ان وحدت» ستكون واهية جداً. أضف إلى ذلك ان شارون سوف 
يستحضر ترسانته من الذرائع من أجل ان يقول ان مشكلته لم تكن مع عرفات 
الشخص وإغفما مع القيادة الفلسطينية ال يدعى انها تتهرب من تنفيذ التزاماها 
يموجب «الخريطة». 

ستبقى الكرة في الملعب الفلسطيئ حى من دون لائحة المطالب الشارونية. 
ستبقى هناك لأن الفلسطينيين في موقع الاضطرار الى ترتيب أوضاعهم وملء الفراغ 
المائل الناشئ. 

والصعوبة في هذه المهمات انها ستحصل في ظل غياب صمام الأمان الذي 
كانت الخطوط تتجمع عنده فتتحرك كيفما اراد لها أو تحمد عندما يكون في 
الجمود مصلحة وعندما يتحول إلى حائل دون أي تنازع أهلي. 

فمن ميزات القيادة العرفاتية ان الآحرين» في الساحة الفلسطينية» يجدون 
القاسم المشترك معها ولكن» أيضاء يضطرون إلى اتخاذ موقع معارض. ان الحلفاء 
الضمنيين لعرفات هم أيضاء معارضوه. ومن يراقب المشهد السياسي الفلسطيئي 
يلاحظ ان كل طرف سمح لنفسه بترف المعارضة مطمئنا إلى انه بحرد قوة ضغط لا 
ملك تأثير إذا لم تمارس نفوذها على مركز القرار. 

لقد أدى ذلك إلى عدم تبلور تيار سياسي. أو حزب» أو اثتلاف» يستطيع 
الزعم بأنه يمثل الحالة الوطنية جمعاء. لا اللحنة المركزية ل «فتح» جحت» 
ولا اللحنة التنفيذية لمنظمة التحرير» ولا الحكومة, ولا الجلس التشريعي» ولا 
القيادة الوطنية الموحدة... موسميا. ولا وحود لمن يستطيع ان يمون على الإدارة 
في الضفة والقطاع» وان يضبط الأحهزة» وان تبقى كلمته مسموعة لدى 
الشتات. 

لذلك نمة اعتقاد بأن المهمة المطروحة على الفلسطينيين لن تكون سهلة حى 
في ظل الجمود فكيف إذا اتخذ قرار ارحي بتحريك الأمور في وحهة معينة. 


فلسطين 187 


ان المطروحة أسماؤهم لمواقع قيادية قد يكونون مقبولين من الخارج ولكنهم لا 
يوفرون هيمنة ذات صدقية على الداحل الذي يعن أيضاًء ملايين الفلسطينيين في 
المناي. 

لنأخذ محمود عباس مثلاً. انه في الصف القيادي الأمامي ل «فتح» والمنظمة 
والسلطة. وهو يملك علاقات عربية ودولية متينة غير ان أبو مازن قادم إلى موقع 
جديد محتمل من ماض اعتراضي قريب. هل تسلس له «فتح» القياد؟ والمنظمة؟ هل 
نفوذه في غزة كما نفوذه لي الضفة؟ ما العلاقة بينه وبين التجمعات الفلسطينية في 
الخارج؟ هل سينجح في ان يتراحع من وضعية المعارض المنكفئ إلى وضعية 
المسؤول الأول المدعو إلى تمثيل حط اجماع أو شبه اجماع وإلى احتواء الآخرين؟ 
هذه أسئلة جدية في ظل غياب التفويض الشعي الصعب حالياًء وفي ظل انعدام ما 
يبرر وراثة المختلف لمن اختلف فيه. وما ينطبق على عباس ينطبق» رعا أكثرء على 
أحمد قريع. وعند الانتقال للكلام عن فاروق القدومي تقفز مشكلة العلاقة 
(اللاعلاقة بالاحرى) الي أقامها مع الداحل حيث مركز الثقل الحالي للحركة 
الوطنية الفلسطينية. 

هل الحل في تقاسم للمناصب؟ هل من يضمن التناغم المطلوب فلا نعود أمام 
داعل يرفع لواء حق المصير وخارج يطرح شعار العودة؟ هل القيادة الموحدة الي 
تقترحها «حماس» هي الحواب؟ وإذا كان نعم فما هي الوجهة السياسية هذه 
القيادة» ما هي استراتيجيتهاء ما هي وسائلها النضالية المعتمدة» ما هي أحوبتها عن 
أسئلة لن تتأخر في ان تكون مطروحة؟ 

هذه الأسئلة. وكثير غيرهاء يطرحها التقاء اللحظة الدولية الإسرائيلية بلحظة 
الارتباك القيادي الفلسطين. وتتعزز حطورة هذه الأسئلة من التفاوت الواقعي بين 
الأجوبة امحتضنة اقليمياً ودولياً وبين امزاج الشعي الفلسطين كما يقدم نفسه حي 
الآن. 

2001116 


ليس عن عرفات 
... عن أعدائه 


دعونا لا نتكلم عن ياسر عرفات. لتتكلم عن عدوه» عن أعدائه. 

استعمار فلسطين» عير الحركة الصهيونية وبإشراف الإمبراطورية البريطانية» 
مشرو ع هائل الأهمية لأصحابه. إن زرع هذا الكيان في فلسطين؛ وبدلاً عنهاء يهدف 
إلى منع انبعاث العرب كأمة واحدة» وإلى حراسة طرق المستعمرات» ولاحقاء إلى 
حماية النفط ومنابعه وطرق إيصاله. والدعم الذي لقيته الحركة الصهيونية ثم إسرائيل 
تسباعاً مسن عواصم أوروبية ثم من الولايات المنحدة كان وثيق الصلة بمصالح مهمة 
واستراتيجية وحاسمة» وهي مصالح لا تومن إلا والأمة العربية مفتتة» خانعة» مكسورة. 

أضفي على هذا المشروع» وبمفعول رحعي» هرل اجزرة النازية الي ارتكبت 
في أوروبا ضد اليهود وشكلت ذروة للاسامية جرى التعبير عنهاء بأشكال متباينة 
الحدةء في أوروبا الوسطى والشرقية وفي حواضر العواصم الغربية من باريس إلى 
برلين مرورا بفيينا. ولقد أمكن تحويل هذا الحول إلى رصيد أخلاقي في مرحلة أولى. 
أما في مرحلة ثانية فقد حرى تثبيت دولة إسرائيل بصفتها مستودع هذا الرصيد 
والمستفيد الأول منه. 

لقد التقى رافدان جباران في بحرى واحد. التقت مصالح الغرب» أو القورى 
المهيمنة فيه مع الرغبة الجاتحة في التكفير عن الذنب. وتحوّل هذا المزيج الفائق 
الفعالية إلى قوة ضاربة وحارفة خبطت الشعب الفلسطيين خبطة واحدة ففعلت به 
مافعلت علماً أن استهدافاقا تتجاوزه من أجل منع العرب» وهم أمة حديثة 
وناشئة؛ من أن يحضروا على مسرح التاريخ المعاصر. 

إن إسرائيل الي بددت الفلسطينيين» بعد الرفض الصهيونئ للاعتراف .محرد 
وحودهم» إن إسرائيل هذه لا تقل عداء للشعوب العربية النحيطة هاء للمصريين 
والسوريين والأردنيين واللبتانيين والسعوديين» عن عدائها للشعب الذي تلقى» 
بصدره» وطاقا الكيرى. 

188 


فلسطين 189 


إن الموقف من إسرائيل؛ مذا المعيئ؛ قضية وطنية داخلية في كل قطر من 
الأقطار العربية. فعندما تعمل مصر مخلصة وجاهدة لمواجحهة إسرائيل تكون تعمل 
جاهدة وعخلصة من أجل نموها وازدهارها وتحررها وتقدمها وإطعام الجائعين فيها 
وتعليم الفقراء وبناء الصناعة الوطنية ولعب الدور الإقليمي الذي توهلها له عراقتها 
ودكوغرافيتها وجغرافيتها. وإذا كان من اختبار يدل على ذلك فهو اختبار العدوان 
الثلاثئي عام 56. كان هناك من يريد الثأر لتأميم قناة السويس لبناء السد العالي. 
وكان هناك من يريد معاقبة مصر على عدم الالتحاق بالأحلاف. وكان هناك من 
يريد تحقيق حلم شطب القاهرة وتحييدها. وكان هناك من يريد تأدييها لدعمها 
ثورة التحرر الوطي في الجزائر. 

ومايقال عن مصر يقال عن غيرها. وما يقال عن حرب 56 يقال عن 
حروب غيرها بما في ذلك حرب 67. ومن الواجب تأكيد هذه الحقيقة برغم ما 
نسمعه من كلام تافه هذه الأيام. لقد كان رأس الحركة القومية مطلوباً وحرى في 
سياق ذلك تلبية النزعة التوسعية الإسرائيلية. 

إن إسرائيل ليست قضية وطنية داحلية في كل بلد عري. إفاء بالالتباسات 
المثارة حوهما في الوجدان الغربي» قضية وطنية داخلية في كبرى الدول الغربية» وح 
في موسكو نفسهاء وفي عواصم أوروبا الشبرقية والوسطى: 

إن الوعي الغربي الشقيء الأوروبي تحديداء أراد تصدير أزمته جنوباً فرمى 
العرب ب «المسألة اليهودية» محولاً ضحاياه السابقين إلى جلادين معاصرين عله 
بذلك يكفر عن عقد تاريخية» ويومّن مصالح استراتيجية» وينقل الإسرائيلي إلى 
حيث التماهي معه والتشبه به لجهة الإرث الاستعماري. 

لا يمكن فهم السياسات الغربية من دون إدراك هذه الحقائق. لا جال لفهم 
فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبولندا إلا بالدخول عميقاً في فهم حضور مسألتين في 
تاريخ وثقافة كل من هذه البلدان: المسألة اليهودية والمسألة الاستعمارية. ولا 
يعكن:ء بالتالي» وضع سياسة عربية في مواجهة الصهيونية وإسرائيل من دون 
الوعي التفصيلي فاتين المسألتين في امتدادهما الجغراقي» وهو شبه شامل» والزمئي 
وهو يعود إلى قرون. 


190 الآن... هنا 


إن العنف الذي أصبنا به شديد الت ركيز. إنه عصارة قرون من التحارب 
والمغامرات والغزوات. إنه حصيلة مؤامرات وحطط واستراتيجيات. إنه نغوذج 
السزواج الفريد بين ما يمكن استخراجه من باطن الأساطير والرؤى وبين عقلية 
علمانية عصرية وحديثة. إنه عنف حركة عمالية وطنية شديدة الاتصال بأحوال 
العالم وتقلباته» وشديدة التشبّع بأطروحات الحركات القومية المأزومة والمنغلقة 
والمتوترة. إنه عنف يسلط على العرب» انطلاقاً من فلسطين» أزمات أورويا 
ونجاحات أوروبا وإحفاقات أوروبا. يحشدها كلها في رزمة واحدة ويقذفها في 
وجهنا. 

لقد كانت بقعة تلقي هذا العنف واسعة في مرحلة من المراحل. أي أن 
المستهدفين منها كانوا في مواحهتها وعلى استعداد لامتصاص آثارها ومعالحتها. 
لقد لعب ياسر عرفات دوره في هذا السياق لفترة ما. 

ولكن ما حصل لاحقاً هو أن هذه البقعة شرعت تضيق. غادرها من غادرها 
داجما بين حروجه من المواجهة وبين إعادة هيكلة جحتمعه» وإعادة النظر بسياسته 
الإقليمية والدولية. وغالباً ما حصل ذلك بأعذار وححج» وبوعودٍ وتمنيات نكتشف 
اليوم أا كاذبة وأا لم توت ازدهاراً ولا تقدماً ولا عزة ولا موقعاً. 

ومع الانحسار المتزايد لرقعة المواحهة» ومع تصاعد درجة العنف بتصاعد قوة 
إسراليل واشتداد الانمحياز الأم ركي إليهاء بقيت فلسطين» وحدها تقرياء في 
الساحة وبات على شعبها وقيادته أن يصدا هجمة تحرقهم ولكنها قدد غيرهم. 

إن ما كان علينا جميعا مقاومته» وهذا ما فشلنا به» ألقي كله على عاتق 
الشعب المورّع بين الوطن والشتات. إن ما لم نرتفع؛ جميعاًء إلى مستوى رده» وإلى 
مرتبة القدرة على منازلة القوى المحتشدة وراءه» بات يستطيع الانفراد بالفلسطينيين 
وحدهم. 

إن أي حر كة وطنية فلسطينية» مهما كانت فائقة الاسنائية» ومهما كانت 
عالية الكفاحية والتضحية» ستبقى عاجزة» وحدهاء عن رد هذا العدو الذي لم 
يسبق للتاريخ الاستعماري؛ حن الاستيطاني؛ أن عرف مثيلاً له لجهة المخزون الذي 
ابتناه لنفسه» وابتئ له» في أرض غير أرض المعركة. 


191  نيطسلف‎ 


ليس النقاش إذاء أي نقاشء عن ياسر عرفات. يمكن قول الكثير عنه سلباً 
وإيحاباء وإيجابا أكثر منه سلباً. ولكن سيبقى أنه أبقى قضية شعبه حية على امتداد 
عقود وذلك بعد أن تخلى عنها كثيرون ممن يستهدفهم العدو المشترك. 

لقد قاد نضال شعبه في منعرجحات لا حصر لا. وفي حين بقي الخط البياني 
النضالي الفلسطينٍ متصاعدا كان الخط البياني لموازين القوى العربية الإسرائيلية 
(الأميركية) متراجعاً وهابطاً. لقد سبحت الثورة الفلسطينية طيلة نيف وثلاثة عقود 
عكس التيار. ليس غريباء والحالة هذه» أن تكون اضطرت إلى محطات استراحة 
وإلى هدنات» وإلى فرص لالتقاط الأنفاس؛ لا بل ليس غريباًء والعرب على ما هم 
عليه أن يتم اللحوء إلى تسويات ومساومات. الغريب» فعلاً» هو أن بملك 
القاعدون كلاما سهلاً يقذفونه في وجه المجاهدين. 


® © 


إن التشييع الذي وفرته فرنسا حاك شيراك لياسر عرفات يحفر في القلب. لا 
فضل فيه إلا لنضال الشعب الذي قاده الراحل. ولا فضل فيه» عدا ذلك إلا لأمانة 
فرنسا لقيم الجمهورية والثورة حى في لحظة من هذا النوع حين ترتقع أصوات 
فرنسية تدعو إلى مراجعات ذات منحى خطير. 

إن التشييع دليل إضافي على الاختراق الذي أحدثته النضالات الفلسطينية ضد 
الشرط الراهن للعلاقات العربية مع العالم. 

ييقى أن تكون مصرء اليوم» على الموعد» وألا يكون المرور فيها عبورا سريعاً 
نحو فلسطين الي تبتعد بالتأكيد كلما صدق محمود درويش في مخاطبة شعبه: 
وحدك! 

200412 


التوسّع لإسرائيل 
الديموقراطية للعرب 


فكرتان طرحهما رئيس الوزراء البريطاني طوي بلير في الأسابيع الماضية عند 
حديثه عن الشرق الأوسط. 

الأولىء هي أن النزاع الفلسطيي الإسرائيلي هو الأكثر إلحاحاً في العام 
اليوم. ولذا فإنه ينوي جعله الأولوية المطلقة في ولايته الثانية وسيحاول أن يقنع 
حورج بوش بفعل الشيء نفسه في ولايته الثانية. ولقد أشيع حو في بريطانيا عشية 
زيارة بلمر إلى واشتطن أن الرحل سيستخدم ثقله من أحل أن يقنع حليفه الأطلسي 
بوحهة نظره. لا يبدو أن الزيارة حققت هدفها تماما. 

الثانية» هي أن نشر الدموقراطية في العالمين العربي والإسلامي أمر مستحب» 
وأنه يصلح لأن يكون واحدا من أهداف السياسات الغربية. قال بلير ما تقدم في 
معرض نفي التهمة عن نفسه من أن يكون واحداً من «المحافظين الجدد» 
الأميركبين. أوضح أنه يرى في نشر الديكوقراطية «عملاً تقدميا». 

يمكن الإطلالة» من هاتين الفكرتين» على المواقف الي يطوّرها «انحافظون 
الجدد» في الولايات المتحدة. ومع أذ التنويعات بالاعتبار يمكن اخحتصار هذه 
المواقف كما يلي: 

أولاً إن المهمة الأكثر إلجاحا في العالم, اليوم» هي إثبات أن النزاع 
الفلسطيي الإسرائيلي عدن جدا. 

ثانيا تأسيسا على هذه الحامشية لا لزوم لأي تدحل. وبا أن غياب ياسر 
عرفات يقدم وكأنه فتح نافذة فإن المطلوب إقفاحا بسرعة. لم يكن عرفات في ذاته 
المشكلة. المشكلة هي في المطالب الفلسطينية» حى في حدها الأدنء الي دد أمن 
الدكوقراطية الوحيدة والحليفة في الشرق الأوسط. وحن لو لم تكن قددها فإن 
الاهتمام ها يصرف النظر عمًا هو أكثر أ*مية. 

152 


فلسطين 193 


ثاثا إن عدم التدحل» وهذا يجب أن يكون واضحاء هوء في العمق» دعوة إلى 
دعم ما يقوم به أرييل شارون. غير أن أي دعم للحاكم الإسرائيلي لا يتوجب عليه 
أن يصل إلى حدود استفزاز المستوطنين ومتطرلي المعسكر القومي الديي. إن 
التحالف بين أقصى اليمين الأميركي وأقصى اليمين الإسرائيلي يستحق الحماية» 
حي لو كان أقصى اليمين الأميركي ذا شبهة (أو ماض) لا سامية. إن أفق العلاقة 
بين الطرفين مفتوح. 

رابعاً إذا كان النزاع العربي الإسرائيلي هامشياً فإن مشكلة العالم العربي هي 
التعشر والفشل والقمع وما ينجم عن ذلك من إيديولوجية إسلامو فاشية. لا حل 
لذلك إلا باستخدام الوسائل كلهاء .ما في ذلك العسكرية» لنشر الدركوقراطية 
وفرضها وحمايتها. ور ذلك يمكافحة الإرهاب وأشكال المقاومة» وإحضاع الدول 
المارقة» وهزة إيديولوحيات الممانعة» والتصدي لانتشار أسلحة الدمار. 

امسا كل تقدم للحلول الإقليمية على المهمات آنفة الذكر قد يع إنشاء 
دولة فلسطينية إرهابية» كما يساوي تشجيع العرب والمسلمين على الإرهاب الذي 
يمكن أن يكافا. 

ليس أسهل من عقد مقارنات كثيرة. ففي أميركاء اليوم» وكقاعدة عامة» 
ينبع التأييد الأعمى لأقصى اليمين الإسرائيلي من البيئة نفسها الي ينبع منها 
«التطلب» الدموقراطي. هذا سر شائع لا تفسير له إلا أن المقصود ب 
«الدركوقراطية» استعادة لشعار «المهمة الحضارية» الذي استخدم في تبرير الحملات 
الكولونيالية. نعم ثمة مفارقة. غير أن التجربة تعلّم أن القصد من رفع لواء 
«الديكوقراطية» صرف الأنظار عن مشاكل أخرى» وتوفير ذريعة من أجل إعادة 
هيكلة الوضع العربي في اتحاه حسم موازين القوى وإنتاج أنظمة الطاعة الكاملة 
للمركز الإمراطوري. , 

إن تمرينا بسيطا يوكد ما سبق. فلو أخذنا أسماء الكاب» والبحاثة» 
والمفكرين؛ والموسسات. والوسائل الإعلامية» ومراكز الأبحاث؛: لو أخذنا هذه 
الأسماء كلها سنصادف هذه الحقيقة القائلة بأن الأكثر «صهيونية» في الموقف من 
إسرائيل هو الأكثر «دموقراطية» لي الموقف من العرب. يسمون هذه الظاهرة 


194 الآن... هنا 


«الوضو ح الأحلاقي»ء أو «الحرب العالمية الرابعة»» أو «معركة الأجيال القادمة»» 
لكنها مسميات تصب كلها في ججرى واحد. 

أليس غرياً أن كل من هو أقل من هولاء حماسا ل «الديكوقراطية» هو نفسه 
أقرب إلى سياسة بلير القائلة عملياء بأن درجة التدخل لفرض الحريات يجب أن 
تكون متوازية مع درجة التدحل لحل النزاع الفلسطيي الإسرائيلي ولو أنها غير 
متوازنة تماما مع درحة التوازن قي هذا التدحل. 

إن هذه هي واحدة من مشكلات «اللييرالية العربية الهجينة». تريد لتا أن 
نصدق السلعة الأميركية الزائفة المصدّرة إلينا وأن نتجاهل الحقيقة الأميركية 
الناصعة: الوطنية. فواشنطن إنما تيرّر نشر الديموقراطية بالمصلحة الوطنية 
الأميركية. نشر الليموقراطية أكذوبة. الوطنية الأميركية جديرة بأن تعلمنا 
روس كنيزة: 

الليبراليون العرب يتجاهلون هذه الحقيقة. يصرون على قراءة منحرفة هاء 
وعلى انتقائية مبتذلة. يتهرّبون من الجواب عن السؤال المركزي: ما عنصر الجمع 
بين التأييد الأعمى للتوسعية الإسرائيلية وبين الحرص الأعمى على الدموقراطية 
العربية؟ ما السبب في هذه الرغبة العارمة بتعميم «ثقافة السلام» على حساب 
«ثقافة العدالة» أو «ثقافة السلام العادل»؟ 

إن فضيلة بلير» في هذا السياق» هي قدر من التماسك. لذا يسعه القول إن 
حطابه الديعوقراطي للعرب تقدمي تمييزاً له عن خطاب «الحافظين الجدد». خطابه 
يهتم ممشكلات المنطقة ولو أنه لا يربط كل شيء ها. خطاهم من موقع نقيض 
تماماً ولو تشارك الطرفان» لفظياء في بعض الأهداف. 

ليس ما تقدم دفاعا عن بلير. إنه» بداية» مدخل إلى سجال مع «اللييراليين 
العرب». وهوء ثانياء تمبيز ضروري من أحل تفكيك خديعة الدعوة اللدكوقراطية 
الي يروج لها اليمين الأميركي الأقصى. 

أما رئيس الوزراء البريطاق فله حساب آخر. فهو وإن بدا متمسكا ما يطالب 
به فلسطينيا فنا يفعل ذلك من موقع المتراجع تحت الضغط الأميركي الإسرائيلي. 
إن موقفه» اليوم» متخلف عمًا كانت عليه حصيلة الموقف الأوروبي قبل سنوات. 


195  نيطسنف‎ 


لقد بات يوزع مسووليات الأزمة بشكل غير عادل» ويلقي على الفلسطينيين 
الأعباء الرئيسية للخروج منها. ومع أنه يعلن التمسك ب «خريطة الطريق» فإنه 
يواقق على «خطة الفصل» الي تدفنها أملاً منه» وهو أمل غير موثوق» بأن تفتح 
«الخنطة» الباب أمام «الخريطة» فتفتح هذه بدورها الباب أمام مفاوضات وضع 
غهائي غامضة النتائج. 

ليس سرا أن إسرائيل وأميركا تمسكان يبمفاصل الانتقال من محطة إلى أخرى» 
ولیس سرا أن بلير لم يقنعنا كثيرا بوزنه في واختطن: 

ييقى أن لبلير فوائد عديدة بينها أنه يخدم جيدا كوسيلة سحالية مع «الليبراليين 
العرب». يمكنه أن يكون مرشدهم إلى وعي نقدي للسياسة الأمي ركية» أي للسياسة 
الب ينسبون إليهاء وهاء الرغبة في تحرير العرب من القضية الفلسطينية» ومن أي 
هم وطي أو قومي» مدخلا إلى جنة الديموقراطية الموعودة. 

20041119 


عقبة جديدة 
في وجه «السلام» 


محمود عباس آخذ في التحوّل إلى... عقبة في وحه السلام. هذاء على الأقلء 
مايقوله عنه مسؤولون إسرائيليون يأخذون عليه أنه لم يقم الاحتفالات لغياب 
ياسر عرفات وأنه يتحدث عن دولة فلسطينية في حدود 67» وعن القدس الشرقية 
عاصمة اء وعن حل عادل لقضية اللاحئين على أساس القرار 194. 

لقد بى التحالف الأميركي الإسرائيلي موقفه خلال السنوات الماضية على 
قاعدة تقول إنه لا يجوز توسل الإرهاب من أجل أي قضية مهما كانت عادلة. 
وتجحاهل التحالف المذكور كيفية تحقيق العدل في الحالة الفلسطينية ما دام سلاح 
الفيتو حاضرا في مجلس الأمن» واللحوء إلى محكمة العدل الدولية ممنوعا وغير بحد. 
ولميهتم حورج بوش أن يكون عادلاً حين تسامح مع جدار الفصل» وأطلق 
وعوده لأرييل شارون بشأن ضم الكتل الاستيطانية وإسقاط حق العودة. 

قيل استنادا إلى ما سبق إن عرفات عقبة لا لأنه يمثل طموحات وطنية ولكن 
لأنه يتسامح مع الإرهاب» ويرفض توحيد الأجهزة الأمنية» ولا يقيم وزناً للشغافية 
المالية ومكافحة الفساد. ولما حاول البعض اليرهنة على أن هذه الاعتراضات تزوّر 
جوهر الموضوع فإنه لم يحقق نحاحاً سياسيا وإن كانت أكثريات شعبية» في أوروباء 
انحازت نحو الرأي القائل بأن شارون هو العقبة أكثر من عرفات بكثير. 

ساد انطباع مؤداه أن الفلسطينيين أعداء أنفسهم» وأن من يدعو» بينهم» إلى 
المقاومة المسلحة هو الأشد عداوة لشعبه. يعن ذلك أنه كان يكفي أن يغير 
الفلسطينيون وسائل تحصيل حقوقهم كي يحصلوا على هذه الحقوق. صحيح أن هذا 
الانطباع لم يكن شاملاء ولكن الصحيح: أيضاء أنه تحوّل إلى مرشد للعمل السياسي 
الدولي؛ وبداء لوهلة» أنه أحدث اختراقا مهما في الوسط الفلسطيي نفسه. 

وكان أن غاب عرفات. وكان أن تقدم أبو مازن. ويفترض بالثاني أنه مثل 
شرعي للأطروحات الدولية حول الوسائل الممنوعة. ولقد استقيل على هذا 


156 


197  نيطسلف‎ 


الأساس. وفي حين كان يجول في العواصم ويلتقي الرؤساء والحكام ويتلقى التزكية 
منهم» كانت الشرطة الإسرائيلية تنهال ضرباً في الشوارع على منافسيه في معركة 
الرئاسة. غير أن محمود عباس» المندرج في المزاج الدولي لجهة أساليب العمل لم 
يكن في وسعه إلا أن يكون مندرجاً في المزاج الفلسطيي لجهة الأهداف. أراد أن 
يقدم نفسه في الحملة الرئاسية» خليفة ليرنامج عرفات من دون أن يتنازل عمًا 
جعله» قبل فترة» معارضا لعرفات نفسه. 

بكلام آحر يوفر تقدم أبو مازن فرصة لوضع سياسات معينة على انحك 
والاختبار.ولقد جرى الرد عليه عبر تطورين بارزين. 

الأول انتقلت الولايات المتحدة من القول إن رقف الإرهاب شرط ضروري 
وكاف إلى القول إن هذا تحصيل حاصلء وإن الانتخحابات» حن لو أوصلت 
الاعتدال» ما هي إلا الخطوة الأولى في درب الألف ميل. لقد بات الفلسطينيون 
مطالبين بأن بعضوا فترة غير محددة في مطهر الدموقراطية قبل أن يسمح بانتقا هم إلى 
حنة الاستقلال. ولعل الترجمة الأكثر حسية لهذا التحول هي ما طرأ على مؤتمر 
لندن من تغيير وظيفي. كنا أمام مؤتمر دولي لإعادة إطلاق المفاوضات فأصبحنا 
أمام لجنة فاحصة تختبر الأهلية الفلسطينية لتقترح عليها دورات تأهيلية. 

الثاني انتقلت إسرائيل إلى دائرة الوضوح لتصرح» بلسان كبار مسؤوليهاء أن 
المشكلة مع الفلسطينيين هي مطالبهم الوطنية لا أسلوهم في الحصول عليها. وقيل 
في هذا السياق إن أبو مازن» إذ يدين الإرهاب ويتشدد في البرنامج إنما يكون عهّد 
لتبريسر لاحق لاستئناف الإرهاب ما دام البرنامج مستحيل التطبيق. بكلام آخر ان 
أبو مازن» في ما يشترك فيه مع عرفات» هو العقبة الجديدة أمام السلام وبغض 
النظر عمًا يختلف فيه مع سلفه. 

إن الإشارة إلى محمود عباس بصفته الرئيس الفلسطيي المقبل ليست مصادرة 
على المستقبل. فالانتخابات لم تحصل. ولكن ما ينطبق عليه ينطبق بالدرجة نفسها 
وأكثر على أبرز منافسيه مصطفى البرغوثي... كما على معظم الفلسطينيين 
العاملين في الشأن الوطئ. 

2004120 


إعادة الانتشار في غزة: 
عواطف حارة وعقل بارد 


يصعب عدم مشاركة الفلسطينيين فرحتهم. فلسطينيي غزة تحديدا. ها هم 
المستوطنون يبدأون الرحيل في إشارة أولى إلى إعادة انتشار «تحرر» القطاع» 
داخلياء من الوحود المضينٍ للمستوطنات والقوات الي تحميها. لقد تحمل الفزاويون 
كثيراً ومديدا. ومن حقهم أن يرقصوا في الشرارع» في شوارع هذا الشريط 
الساحلي الضيق والمكتظ والذي شرع يبدو أكثر اتساعا ورحابة. 

إن التفاوت واضح بين التعبير الفلسطيي العاطفي وبين الحسابات الباردة 
لأرييل شارون. فالرجل يقود سفينة إسرائيل. وهو يعتير أن طاقتها الاستيعابية في 
هذه ال مرحلة لا تطيق حمولة ما تطمع به من أرض الضفة الغربية» ومن حسم 
مصيري القدس ومشكلة اللاجئين؛ إلا إذا تخففت من وطأة غزة عا هي حضور 
لآلاف المستوطنين فيها يستدعي حضور أكثر من مليون فلسطيي في قلب 
النسزاع. تبحر سفينة شارون أسرع؛ وبصعوبة أقل» إذا رمت غزة في البحر. 

إلا أن امحال مفتوح تماماً لرواية أخرى. لرواية فلسطينية ذات تلاوين 
متعددة. ففي الإمكان القول إن إعادة الانتشار لم تكن لتحصل بعد 38 عاماً 
من الاحتلال لولا سنوات المقاومة» وححم التضحيات» وإظهار الاستعداد 
للمزيد من العطاء» ولولا فشل الغزوات المتكررة؛ وعمليات التهدم؛ والحرف» 
والاغتيالات» والقصفء والاعتقالء والخنق الاقتصادي. هذا صحيح ثماما. ولا 
يمكن أن يدعي حلاف ذلك حى من ينسب إلى الاستعداد للتفاوض فعلاً 
سحرياً. إن الصمود الوطي في غزة سبب جوهري من الأسباب الي دعت 
شارون إلى الإقدام على هذه الخطوة. لا بل إن هذا الصمود هو ما جعل 
المستوطنين يغادرون من دون أن تنحح دولتهم لا في تحريد المقاومة من السلاح» 
ولا في تحجريد شعبها من العزعة» ولا في الدفع نحو الاقتتال» ولا في استيضاح 
وجهة اليوم التالي. 

198 


199  نيطسلف‎ 


إلا أن المللدوغ من اللغة الظافرية» والمراقب لطبيعة موازين القوى المتحكمة 
بالصراع» لا يمكنه إلا أن يتوزع بين العواطف الحارة والعقل البارد. إن أي سوء 
تقدير لما هو حار الآنء قي غزة» بمكنه أن يتحول غد إلى مدخل نحو سياسات 
خاطئة. وينطبق الأمر على من يقلل من أهمية المقاومة في فرض إعادة الانتشارء 
وكذلك على كل من يحاول إنكار الجانب شبه الطوعي في الخطوة معتيراً أن في 
الإمكان استنساخ التجربة نفسها في الضفة أو القدس. 

لدى شارون حساباته. ولا بأس من محاولة فهمها. 

يريد الرحل إنشاء كتلة إسرائيلية «واقعية» في جنوحها التوسعي. وهو براها 
مؤلفة من بعض ال «ليكود»» وبعض «العمل» (رعا كله)» وبعض العلمانيين» 
وبعض المتدينين. إا الكتلة المسماة «الطوفان الكبير». وعكن أن نضيف إليها أن 
شارون ما زال يخاطب معظم المستوطنين في القدس ومحيطها والكتل الكبرى في 
الضفة الغربية. وهو يتوحه إلى هذه الفئة الأخيرة بان الفصل بينها وبين مستوطئي 
غزة هوء في الظروف الحالية» شرط للفصل بين غزة والضفة» وإدخالهما في مسارين 
متبايسنين» وتوجيه ضربة قاضية إلى الحركة الوطنية الفلسطينية تعزز الضربة السابقة 
الخاصة بمحاولة الفصل بين أهل الأرض الحتلة وأهل الشتات فضلاً عن الحاولة 
السابقة لإعطاء فلسطينيي القدس وضعية خاصة: فضلاً عن التمايزات بين المناطق 
«أ» و«ب» و«ج»» فضلاً عن تقسيمات «غربي الجدار» و«شرقي الجدار». 

يريد شارون» كذلك, تعزيز العلاقة التنسيقية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. 
هذا ما يقوله كل يوم. وهو يرى هذه الإدارة الأميركية تقدم على مغامرات خطيرة 
لتسرتيب الوضع الإقليمي لصالحها وصالح إسرائيل فلا بأس من أن يشاركها في ذلك 
ولو قاد الأمر إلى «تنازلات مؤلمة». لقد رفضت هذه الإدارة نظرية «القدس أولا ثم 
بغداد»» ولم تتعاط بإيجابية مع «بغداد أولاً ثم القدس» وذلك برغم «الضغط» العربي 
والرحاء البريطاني. إن ما يفعله شارون هو أنه يقدم إلى حليفه هدية (ولو اضطرارية) 
تسمح له بالقول إنه لا يعتدي على العرب والمسلمين نقط ولا يكتفي بغزو بلدا 
وإغاء أيضاء يشحع مبادرات سلمية تعيد إليهم بعض حقوقهم. إن الثمن الذي ستدفعه 
واشنطن بدل هذه «المدية» يوازي حاجتها إليها اليوم. 


0 الان... هنا 


ويحاول شارون إنعاش علاقات إسرائيلية عربية. لقد نسق خطته مع مصر أكثر 
مما نسّقها مع السلطة الوطنية دامت» أي الخطةء قائمة بالأصل على افتراض أن لا 
وجود لشريك فلسطيي. والملاحظ أن إعادة الانتشار أعادت بعض الحرارة إلى المعاهدة 
المصرية الإسرائيلية ما شجع البعض» في تل أبيب» على التفكير بإحياء دور أردنيٍ ما في 
الضفة. وإذا كان هذا التحسين في متناول شارون فهو يعرف أن في وسعه الاتكال 
على جورج بوش من أحل توسيع رقعة التجاوب العربي مع «الخطوة الشجاعة». لقد 
بات علينا أن ننتظر إحياء أميركيا لتلك الدعوة إلى تقديم مكافأة عربية لإسرائيل تتخذ 
شكل الارتقاء بعلاقات» ووصل ما انقطع» واستثناف الاجتماعات الشرق الأوسطية 
الإقليمية ال سبق لها التمهيد لأطروحات «الشرق الأوسط الكبير». 

إن إعادة الاتتشار هذهء هي» أيضاًء إعادة تموضع من أجل فرض القراءة 
الإسرائيلية ل «خريطة الطريق». وتقضي هذه القراءة بفك ارتباط حارج سياق 
التفاوض ثم بفرض شروط مستحيلة لبدء التفاوض. وإذا كان بوش» في مقابلته 
الأخصيرة مع التلفزيون الإسرائيلي» أعرب عن انحياز إلى هذه الوحهة فإن الوضع 
الناشئ كفيل بأن يستدرج دولا عربية وأوروبية إلى هذه القراءة. 

لا نعرف» حى اللحظةء ما إذا كان الجيش الإسرائيلي سيفادر غزة في توقيت 
محدد» وما هي الإملاءات السابقة لذلك. ولكن يمكن القول إن المغادرة نحو الحدود 
هي» في غرف شارون» تحرير له من الاحتلال وإطلاق ليده في أن يرد على طريقته 
إذا تحاوزت «غزة» ما هو مرسوم ها دعما لنضال يتوقع تصاعده في الضفة. 

وليس من الجائز استبعاد حصول شارون على مكافآت أخرى. ويمكن؛ مع 
قدر محسوب من المجازفة» افتراض أن تطورات معينة على «الحبهة الشمالية»» وفي 
لبنان تحديداء يمكن لها أن تكون ضمن سلة المكافآت المشار إليها. 

يكن الاستطراد في استعراض الاستهدافات الشارونية وحساباتها الباردة. لا 
يعي ذلك إطلاقاًء أن النجاح الحتمي هو من نصيب هذه الأهداف. وة 
مؤشرات» في غزة» قد ترغم شارون على مراحعة حساباته. 

إن المقصود هو ألا يوحذ أحد إلى حيث يعجز عن قراءة المشهد كله وعن 
وضع سياسات تعرف حدود الانتصار الموضعي في زمن التراحع الإجمالي. 

2005|8|16 


نموذج إغراء 
أم قاعدة إكراه؟ 


عندما يخرج آخر مستوطن من غزة تكون إسرائيل حطت خطوة نحو تغيير 
شكل احتلاها للأرض الفلسطينية الي استولت عليها عام 67. ويتخذ هذا 
التغيير وجهين. الأول هو إلغاء الطابع الاستيطاني لاحتلال غزة والذهاب به نحو 
صيغة نيو كولونيالية. الثاني هو تعزيز الطابع الاستيطاني لاحتلال الضفة الغربية 
في ظل موقف رسمي معلن وصريح بنية ضم القدس الشرقية» والكتل 
الاستيطانية» والشريط الفاصل عن الأردنء وكل أرض تعتبرها إسرائيل ذات 
أهمية حيوية ها. 

إن التغسييرء في الاتجاهين, يعني أن الأرض المحتلة... محتلة. وهو يعني ذلك 
بالحاح أكبر تأسيساً على وحدة الحال بين القطاع والضفة الي سبق للدولة 
الصهيونية أن اعترفت ها. ولقد حاولت إسرائيل» وفشلت» في أن تصل بانسحاما 
من غزة إعادة الانتشار بالأحرى» إلى نقطة يصبح ممكناً معها إلغاء صفة 
الاحتلال. غير أن الردود القانونية كلها كانت حاسمة في أن ما سوف يستقر عليه 
الوضع لا يلغي هذه الصفة. 

يمكن «الرهان» على أن التطورات الداخلية في إسرائيل» واحتمالات 
الانتخابات المبكرة» والاضطرار إلى إعادة تأطير الحياة السياسية» وصعوبة التوصل 
إلى توافق حول استعناف العمل ب «خريطة الطريق»... يمكن «الرهان» أن هذه 
العوامل» وغيرهاء ستؤجل البحث لي التسوية الشاملة ولي مصير الضفة. وإسرائيل 
الي لم تعد تملك شيعا تقوم به داخل القطاع ستحد نفسها أمام متسع من الوقت 
للمضي في فرض الوقائع على الضفة: استكمال الجدار» زيادة الاستيطان» 
التهويد... 

بكلام آعرء ستحاول إسرائيل تدعيم الفوارق بين الوضع الناشئ في غزة 
والوضع ال تتمناه للضفة. ولا يملك فلسطينيو الضفة خياراً آخر سوى مقاومة 

201 


202 الآن... هنا 


هذه الوجهة؛ والمصير الذي تشير إليه» والضغط من أجل استناف التفاوض حول 
التسوية الشاملة. وليس مستبعداء في الشروط الراهنةء أن تشهد الضفة سخونة 
يمكن لها أن تفيض نحو الأرض الحتلة عام 48. 

إن السؤال المطروح» اعتبار؟ً من الخريف القادم» يتناول سلوك فلسطيتيي غزة» 
وكيفية توظيف لمعطى الجديد لديهم في خدمة القضية الوطنية العامة. ويمكن 
القولء اخحتصارآء إفهم أمام خيارين أقصيين تم التعارف على تسميتهما «هونغ 
كونخ» أو «هانوي». هل يتجه الغزاويون إلى بناء «نموذج إغراء» أم «قاعدة 
إكراه»؟ 

يعن السلوك الأول الإقدام على بناء واحهة تلي مطالب المجتمع الدولي في ما 
بخص الدرموقراطية» ومكافحة الفساد» والشفافية» والحكم الصالمح» وحقوق 
الإنسانء وسلطة القانون» ومركزية الأمن» واحتذاب الاستثمار» وإنعاش الاقتصادء 
وتعميم «ثقافة السلام»» وتطويق الاتحاهات العنفية... وذلك ف إلى 
الانتخابات أواحر هذا العام. سيكون الهم هو كسب الرأي العام العالمي 
والإسرائيلي» والانتصار في المعركة الإعلامية؛ والظهرر .عظهر الابن الصاح والمطيع 
للموسسات الدولية وذلك على أمل الحصول على مكافأة في شكل دولة مسالمة 
تضم أكير نسبة ممكنة من الأرض الحتلة. 

ويعي السلوك الثاني بناء قاعدة إكراه تناوش الاحتلال المحيط بغزة» وتضغط 
عليه» وتربط سلوكها حياله بسلوكه في الضفةء وترتضي حرب استنزاف معه» 
ولا تمانع في عودته إلى ممارسة اقتحامات محدودة» وترهن استقرارها وازدهارها 
امحتمل بالمصير الإجمالي للقضية الوطنية. 

لا شك في أن مرتكزات الخيار الأول جذابة» وبراقة» ومغرية» وأكثر اتساقاً 
مع المراج الدوي؛ ومع النبض التراحعي المتحكم بالوضع العري. ولكن ما لا شك 
فيه أيضا أن هذه المرتكزات تضيع عن تحديد الواقع الفعلي ولا تطرح على نفسها 
السؤال المضي حول تعريف العلاقة المستمرة يين الفلسطينيين والإسرائيليين بصفتها 
علاقة احتلال. إا مرتكزات تدير ظهرها تماماً لأي حس عدالي ناهيك عن أي 
تطلب وطي مشروع. 


فلسطين 203 


لا يعن هذا الفهم لمعن الخيار الأول أن الفلسطينيين مطالبون» حرفياً» باعتماد 
الوجهة الثانية. والواضح من تطورات الأيام الأخيرة: لا بل الأسابيع الأخيرة» أن 
من ينسب إليهم تفضيل الوجهة الثانية لا ينوون ممارستها بالشكل الذي يفترضه 
بنيامين نتنياهو. فهم يدركون أن الغزاويين بحاجة إلى قدر من التقاط الأنفاس 
والراحة. إلا أن الخط الأحمر بالنسبة إليهم» هو الحؤول دون أن يتطور «الحكم 
الذاتي» في غزة إلى حد فك الارتباط الكامل مع الضفة والانسحاب من تشكيل 
احتياطي للمعركة الوطنية المستمرة. 
إن الانتخابات القريبة عنصر مهم لتبيان التوازن بين هذين النهجين وقواهما. 
غير أن ما يتوحب قوله هو أن الانتخابات عنصر حسم في الدول المستقلة تحديداً 
وذات السيادة. ليس هذا هو الوضع الفلسطييئ. وموحبات التحرر الوطيئء إذ لا 
تلغي مفاعيل الانتخابات» فما تفرض موحبات أخرى. ويعي ذلك أن الفلسطينيين 
مضطرون في مرحلة ما بعد إعادة الانتشار في غزة وصولاً إلى تحرير أرضهم إلى 
إيحاد نقطة التوازن الدقيقة المانعة لأي اقتتال والحاضنة للبرنامج الوطينئٍ وأساليب 
النضال المتنوعة الخادمة له. 
7 |2005 


من غزة إلى العراق 


لننس أن التاريخ يعيد نفسه فما كان مأساة» مرةء يكون مهزلة مرة ثانية. 
عندناء يكرر التاريخ نفسه فيكون مأساةء مرةء وأشد مأساوية ثانية. 

ننسى ذلك وتتساءل: هل من علاقة ما بين خطة فك الارتباط في غزة وإحالة 
الدستور العراقي على الاستفتاء في ظل التباينات المعروفة حوله؟ هل القضيتان 
منفصلتان؟ هل هما حدثان قابلان للاندراج في سياق واحدء مع غيرهماء من منظور 
المواجهة المستمرة بين القوى الخارحية الاستعمارية والقوى الي تقاتل» متراحعة» 
دفاعا عن المنطقة ومصيرها؟ 

نضع التزامن بين «خخطة غزة» و«دستور العراق» جانبا لنميل الى القول ان ما 
يجمع بين الحدثين اعمق من «العارض الزمي». 

إعادة الانتشار الاسرائيلية في غزة تراجع مؤكد. هذا احد الوجهين. الوجه 
الآاحر هو ان إعادة الانتشار في عرف النخبة الاسرائيلية الحاكمة اليوم بيمينها 
ويسارهاء لحظة في مشروع اعم يسعى الى ضمان التوسع في الضفة الغربية ومنع 
اي حل لقضية فلسطين يتمتع بحد ادن من العدل. 

وضع دستور عراقي حديد بعد نقاشات صاخبة وعلنية يمكنه ان يكون تقدما. 
إلا انه بعيد كل البعد عن الاوصاف الي يسبغها عليه حورج بوش وأركان الادارة. 
انسه تثبيت للانقسامات في العراق وحض على المزيد منها. لقد بات لي وسعنا ان 
نلاحظ. مع بعض المحازفة المحسوبة» انه في المدى المنظورء لن تقوم قائمة لدولة 
مركزية حديرة هذا الاسم في العراق. 

تمثل الواقعتان رجع صدى لما شهدناه قبل حوالى تسعين عاماً. الها صيغة 
متحددة لشكل الارتباط العضوي الذي كان قائما بين سايكس بيكو ووعد بلفور. 
فتقسيم المشرق العربي حسب الاهواء والمصالح الاستعمارية كان شديد الصلة بوعد 
الوطن القومي لليهود. ورعا ما كان لحذا الوطن ان يرى النور لولا اسباب عديدة 

204 


بينهاء بالتأكيد» السيطرة المباشرة على المدى الاقليمي المحيط به. 

ها نحن» بعد عقود» نواجه القضية نفسها حاصدين في آن معا نتائج فشلنا 
وأحباطاتنا ولكن» ايضاء آثار الإصرار غير العادي للتحالف الكولونيالي الصهيوي 
على إحضاع المنطقة والنجاحات المتحققة على هذا الصعيد. 

تستعيد المرحلة الجديدة الثالوث المسؤول عن النكبات. الاستعمار المباشر 
يعود. المشرو ع الصهيوي يدحل في اندفاعة توسعية جديدة ساعيا الى قضم المزيد 
من ارض فلسطين. وما كان إحباطا لأي مشروع توحيدي يتحول الى ديد مباشر 
يرمي الى إضعاف الدول القطرية المركزية. 

ان الضلع الثالث في هذا الثالوث» إضعاف الدول القطرية المركزية» هو» على 
ما ييدوء وحهة عامة. لن يكون مسموحا لدولة من هذا النوع بأن تنشأ في 
فلسطين. والحدث العراقي الدستوري خخطوة هائلة الاهمية في هذا المنحيئ. ورعا 
كان هذا هو الأفق المرسوم لسوريا وغيرها. ويمكن الحزم ان هذا هوه من وحهة 
نظر دول الوصاية الحديدة, الأفق اللبناني» وهو أفق ندحل فيه» يوما بعد يوم» 
باحتفالية تستدعي الرثاء. 

لا شك في أن إضعاف الدور المصري هو «أم المصائب» في هذا المحال. لم 
يمحصل ذلك أساساء عبر التشكيك العميق بالدولة القطرية المركزية في مصر. 
ولكنه حصل عبر حرماها من ان تنمتع» مثل الدول المركزية الاخرى في المنطقة» 
واللقصود اسرائيل وتركيا وإيران (مع التفاوت بينها)» ممدى حيوي استراتيحي 
ترسم على أساسه سياساتهاء وتسعى الى نوع من المواعمة بين مصالحها الوطنية 
ذات المدى العربي (والافريقي) وبين اضطرارها الى احذ المعطى الدولي الحديد 
وأحاديته القطبية بالاعتبار. لا دور جديا لمصر حيال ليبيا ولا حيال السودان. أما 
دورها الفلسطين فخاضع لتطويع استتنائي. ويترك باقي سكان المشرق على جوع 
يستصرخ حضورا مصريا مفقودا. 

كان يطيب لياسر عرفات ان يقول «مصر دولة. الباقي كانتونات». هذا 
صحيح .معن انه من دون مصر يصبح الخطر ماثلا وهو مائل على امتداد المشرق 
العربي كله. 


206 الآن... هنا 


إن المرحلة المتميزة ب «خطة غزة» و«دستور العراق» تحمل الملامح الخطيرة 
كلها: امساك اميركي .عفاصل المنطقة مع توزيع ادوار لشركاء دوليين» ارغام دول 
عربية على الانكفاء داخل حدودها او اداء دور الكومبارس قي المشروع الكبيرء 
محاولة تفكيك الدول العاصية او العاحزة عن التكيف مع الجذرية المستجدة» إطلاق 

يد المشروع الصهيوني للتوسع امحسوب في فلسطين. 
2005|80 


الفصل الثاني 
قال الشعب الفلسطيي في الأرض الحتلة كلمته. قاها في يوم انتخابي هادئ 
ونموذجي انتهى إلى ما يمكننا اعتباره» بحق» أول تداول سلمي للسلطة هذه الجذرية 
في تاريخنا العربي. سنعيش مع هذه المحطة الفاصلة لسنوات قادمة. وسيكون في 
وسعنا لاحقا أن نرى ما إذا كنا أمام حشرجة تواكب تراجعنا أم أمام بداية موحة 

ارتدادية تصد عن المنطقة غائلة عدوان مهين يزداد *مجية ممقدار ما يلحظ وهنا 8 

مقاومته. هذه دفعة أولى من الملاحظات حول الدرس الذي لقننا إياه شعبنا 

الفلسطيي. 

ه لقد حققت حركة «حماس» فوزا يفوق توقعاتها وتقديرات الجميع. إنه نوع 
من الفوز الذي يُقال فيه إنه لو كان أقل لكان أفضل. لقد كان مستحسناء 
رعاء أن تتقدم «فتح» وأن تشكل «حماس» قوة ضغط اعتراضية حدية. لكن 
الناحب أراد غير ذلك وفضّل القطع على التدرّج. لقد ارئمت السلطة بين يدي 
«<ماس» فارضة عليها تعايشات قد تكون صعبة مع الرئيس المنتخب محمود 
عباس» ومع الإدارة الفتحاوية» ومع أجهزة الأمن. كما بات على الحركة أن 
تبادر بسرعة إلى اقتراح تصورها لإعادة هيكلة منظمة التحرير وإعادة صوغ 
العلاقات المتقطعة بين «الداحل» و«الخارج». 

ه الفوز الذي يفوق التوقعات هو فوز في سياق. من أجل أن نفهمه علينا أن 
نستحضر السياسة الإسرائيلية الأميركية حيال ياسر عرفات وحيال الشعب 
الخاضع للاحتلال وحيال محمود عباس نفسه. لقد استمرت هذه السياسة» بعد 
أن انضمت إليها أوروباء حي قيل ساعات من الاقتراع حين هَُدَّد الفلسطينيون 
بالتجويع في حال مارسوا حرياتهم. إلا أن مسوولية خاصة تقع على عاتق 
«فتح». لقد «نححت» هذه الحركة الرائدة في أن تجمع المساوئ: فسادء 
فوضى أمنية» سوء إدارة» إسقاط ثنائية الاحتلال المقاومة. ويمكن للمرء أن 

207 


208 الآن... هنا 


يتخيّل ما كانت ستكون التتائج لولا مروان البرغوثي» وكتائب الأقصى» 
وإبعاد المترهلين عن تصدر اللائحة. إن حركة لا ينقذها مروان البرغوثي هي 
حركة في أزمة كبرى ولا خيار لها لإنقاذ نفسها إلا بالعودة إلى تلك الوطنية 
الواقعية الي ميزها. 

أوضح الشعب الفلسطين أنه علك مخزوناً نضالياً يكم الأفواه التي بنت 
استراتيجيتها على أساس أنه شعب منهك يفترض إنقاذه قبل أن يستسلم 
ولكنها في الواقع انصرفت إلى الانفصال الوحدافي والاحتماعي عنه. لقد 
تعاطى فلسطينيون وعرب» بضغط عالمي» مع الانحياز الإسرائيلي إلى اليمين 
وكأنه قدر لا راد له. لا بل خرج من يزعم أن إسرائيل تجنح إلى السلام كلما 
كانت أقوى. رفض الفلسطينيون هذه المقولة لأن تحربتهم التاريخية تقول 
عكس ذلك وعبّروا عن رفضهم عبر صناديق الاقتراع. 

تستطيع «حماس»» اليوم» أن تملك ترف الدعوة إلى «الوحدة الوطنية». الرد 
«الفتحاوي» الأول محكوم بالمرارة إلا أنه لا يفعل سوى تدعيم النتائج. إن هذا 
هو الحل الأفضل للفلسطينيين وإلا سيكون على الفائز أن يتحمّل تبعات فوزه 
مستفيداً من تجربة في إدارة مؤسساته ومن حبرته في البلديات. 

ستكون «حماس» مضطرة إلى رفع منسوب الواقعية لديها. لقد استلمت 
مسؤوليات حكم ذاتي على تماس يومي مع الاحتلال وثمة عالم من التفاصيل 
اليومية الذي يفرض الاحتكاك. ولا بد لذلك من أن يترك أثره على 
صياغتها لمشروعها الوطي العام بدءا ببت مصير الهدنة وصولاً إلى مرحلية 
الحل. 

ستتدخل نتائج الانتخابات الفلسطينية في مسار الانتخابات الإسرائيلية. 
وسسيتعزز» على الأرحح» منطق الحلول المفروضة من جانب واحد وعلى 
حساب التفاوض و«خريطة الطريق» و... «تفكيك المنظمات الإرهابية». 
وليس مستبعداً أن يدعو بعض الغلاة إلى تصعيد العنف. إلا أن الوضع الناشئ 
في الأرض الحتلة سيجعل «الانفراد» هروباً إلى الأمام. إن مَن كان يشك في 
أن الصراع مفتوح عليه أن يتأكد من ذلك. 


209  نيطسلف‎ 


لاتتصار «حماس» آثاره المباشرة على الوضع العربي الحيط. على مصر المعنية 
بالصراع والمتدعلة في «حل غزة». على الأردن حيث يفترض بالمملكة أن 
تعيد النظر في الكثير من حساباتها في ظل وحود حركة إسلامية قوية لديها. 
على سوريا الي ستعتير أن ثغرة فتحت في جدار الحصار. على لبنان حث 
السؤال الفلسطيي مطروح بقوة وحيث يأ التحوّل ليضيف قوة إلى موقف 
«حزب الله» والمقاومة. 

سيضع الانتصار دولا عربية أحرى أمام مسؤوليات حديدة وخيارات صعبة. 
إن دعمها للسلطة قد يتهم بأنه دعم للإرهاب. وسيكون عليها أن توازن بين 
علاقتها بالقفضية الفلسطينية» في صيغتها الناشئة» وبين علاقاتها مع الدول 
الغربية. 

يودي الانتصار إلى إرباك المجتمع الدولي. ستظهر تباينات داخل أوروبا وبينها 
وبين الولايات المتحدة. ولكن يجب أن يكون مفهوما هنا أن العلاقة مع 
الأوروبيين محكومة يهموم إسرائيلية أولاً وبالدرجة الأساسية. لن يكون 
الانسحاب سهلاً. ومن المقدّر حصول مناورات كثيرة تحت عنوان مطالبة 
«حماس» بتعدذيل استراتيجيتها وتغيير أهدافها. سيعود تعريف «الإرهاب» 
ليكون مطروحاً بقوة على جدول الأعمال. 

يوجه انتصار «حماس» ضربة قاسية إلى خحرافة «الهلال الشيعي». ثمة «هلال 
مانعة» لكل طرف فيه توجهاته الحلية الخاصة. إن إضافة البعد الفلسطيي إلى 
حور الممانعة حدث استئنائي بالمعايير كلها. فبرغم كل ما يقال فإن الوهج 
الرمزي للقضية الفلسطينية يطال العالمين العربي والإسلامي» ومن يقبض على 
هذا الوهج يتحوّلء مباشرةء إلى قوة ذات امتداد إقليمي ودولي لا يستهان به. 
يكشف الانتصار جوهر التناقض في مشروع جورج بوش الزاعم نشر 
الدكوقراطية قي الشرق الأوسط الكبير. لا تفعل الديكوقراطية سوى توفير قاعدة 
شعبية شرعية للاعتراض على السياسة الأميركية وذلك في بلدان عربية 
وإسلامية عديدة وكذلك في بلدان أميركا اللاتينية. إن واشنطن أمام مشكلة 
في احترام إرادة الشعوب أو في رفضها. إن الإصابة في القلب: ليست 


210 الآن... هنا 


الدموقراطية بديلاً للوطنية» إهها أداة من أدوات تحقيقها. إن للتطلب الوطيي 
والتحرري أولوية. إن ركم اترات والمرغيلات: يهار لد اهر ي 
العراق وحعلته فلسطين حطاما. هاتوا دموقراطية وحذوا مقاومة! لقد اقتربت 
المنطقة أمس خطوة مهمة من توفير الأرضية اللازمة لمتع المشروع الأميركي من 
هزعتها. 

ه تقذم «حاس» يوكد اتجاهاً عاماً: «أسلمة» القضية الوطنية. قد يحب البعض 
ذلك وقد لا يحبه. إلا أن هذا هو الواقع. إن من لا يدرك المعاني العميقة 
لخسارة «فتح»» إحدى أبرز حركات التحرر الوطي الشعبية في التاريخ 
المعاصرء إن من لا يدرك ذلك يوحي أنه يعيش خخار ج المنطقة ومزاحها 
ومتاعبها ورغباتها وإرادتها في عدم الانكسار واستعداد شعوها للدفاع عن 
النفس بأي لغة متاحة. 

ه لقد اعتقد العام الغربي. نخبه الحاكمة على الأقلء أن إضعاف الحركة الوطنية 
والشعور القومي يفتح الطريق أمام التيار الليرالي الالتحاقي. ها هي البدائل 
الإسلامية نملا الفراغ وتستعد لتتحكم بمرحلة تاريخية مديدة نافية إلى الامش 
الإرهاب العدمي ومعه التبعية الي لا تقل عدمية. 

إن هذه الدفعة الأولى من الملاحظات لا تختزل إطلاقاً ما يمكن أن يقال في 
هذه الانعطافة المهمة. إن الإحاطة بالمعطى الطارئ صعبة وخاصة أنه خاضع 

لتحاذبات لا حصر لها. إلا أن الإحاطة قد تكون عمل الغد. يمكن الاكتفاء اليوم» 

بتسجيل الإنحاز الدكوقراطي الفلسطيين وبالانحناء أمامه» وبالتمئ على «حماس» أن 

تكون على مستوى تطلعات شعبها وشعوب المنطقة. 

2006007 


الشعب الفلسطيني 
يمارس... عقوقه! 


هكذ إذا. كان كل شيء يسير على ما يرام إلى أن قرّر الشعب الفلسطي 
ممارسة عقوفه» لا حقوقه. فعل ذلك بديوقراطية. إلا أنه أفقد الدكوقراطيةء بفعلته 
هذه الكثير من معانيها: هل يعقل ها أن تُنتج أكثرية تعطي الأولوية لمقاومة 
الاحتلالء أو» على الأقل؛ لتعريف العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بصفتها 
علاقة مختل بخاضع للاحتلال؟ 

جد اناا يدّعون أنهم حديرون بالاحترام يقولون إن إسرائيل ستقرر بعد ما 
حرى الانفصال عن الفلسطينيين» وإن إجماعاً وطنياً من اليمين إلى اليسار يجنح نحو 
ذلك الخيار. لم يعد ثمة بحال للتفاوض. إن ما كان يقوله المتصلبون الإسرائيليون من 
أنه «لا شريك لإسرائيل»» وكان قابلاً للنقاش على امتداد العقدين الماضيين» بات 
الآن ما به وخارج النقاش. ويرى بعض المتحذلقين أن الشعب الفلسطيي 
بإعطائه الأكثرية ل «حماس»؛ حرّر إسرائيل وجعلها أكثر قدرة على ممارسة 
حقها في تقرير مصيرها بنفسها وعبر حطوات انفرادية. 

هذاء ببساطة؛ ركام من الأضاليل. 

أولاً» إن قرار الانفصال عن الفلسطينيين هوء بالضبطء تايارم إسرائيل 
قبل أسابيع في قطاع غزة. ولقد فعلت ذلك في ظل حكومة تضم اليمين واليسار 

معا. ويمكن القول» ترطيباً للذاكرة» إن الانسحاب من طرف واحد كان شعار 

حزب «العمل» في المعركة الانتخابية الي خحسرها إيهود باراك في مواجهة أرييل 
شارون» وإن الثاني عادء لاحقاء إلى تبن الفكرة. 

ثانياء لقد تم التنفيذ في وقت يصعب فيه القول إن إسرائيل «لا تملك 
شريكا». كان محمود عباس رئيسأء ولا يزال» وكانت «فتح» تملك الأكثرية. 
ومع ذلك فاوضت إسرائيل الولايات المتحدة لا السلطة الوطنية ولا منظمة 
التحرير. وعندما وحدت ضرورة ل «حوار» ما فإفا أقدمت عليه بواسطة 

211 


2 الان... هنا 


مصر. لقد كان المحال مفتوحاء من الحانب الفلسطيئء لحل متفاوض عليه يمكن 
إدراحه في سياق «خريطة الطريق» ولكن شارون رفض. كان الفلسطيتيون من 
دون شريك. 

ثالئاء عشية الانتخابات الفلسطينية تماماً كان إيهود أولمرت» المنجه نحو 
فوز انتخابي في فهاية آذار» يختتم مؤتمر هرتسليا. والمؤتمره كما هو معروف» 
يضم النخخبة الإسرائيلية من شي الاتحاهات ويناقش موازين القوى .معناها الواسع 
بين إسرائيل ومحيطها. والانطباع الذي يخرج به أي متابع لأعمال المؤتمر هو أن 
الا تحاه الراجحح في إسرائيل لا يدافع فقط عن تحربة غزة وإنما يعتبرها قابلة 
للتكرار في الضفة درعا «للخطر الدعوغرافي». قد لا يكون الناحب الفلسطي 
العادي شديد الاطلاع على مناقشات هرتسلياء ولكن ما فعله موقف حيال ما 
يستشعر به» في حياته اليومية» من اتحاهات إسرائيلية. الانفصال وجهة مقررة 
قبل الانتخابات الفلسطينية لا بعدهاء ولا دحل لفوز «حماس» اء علماً بأن 
هذا الفوز يمكنه أن يعززها. 

رابعاء ثمة كتابات لا تخشى التناقض. افتتاحية «نيويورك تامز» أمسء مغلا 
استعادت أطروحة «لمتصلبين» الإسرائيليين من أنه «لا شريك فلسطينياً». إلا أنما 
ل توضح لنا ما إذا كان «المتصلب» الإسرائيلي يمكنه أن يكون شريكا 
للفلسطينيين. ليس في الأمر أي حطأ. هذا منهج. هذه نظرية التسوية. كان ياسر 
عرفات مَل الواقع بإشاراته إلى «سلام الأقوياء» أو «سلام الشجعان»» لأن 
الحقيقة هي أن رعاة التسوية لم يكونوا يرون إليها إلا بصفتها عقدا يين إسرائيل 
القوية وخصمها الضعيف. 

خامساً. ها نحن يلدغ من الجحر نفسه للمرة الثانية. لقد كان ياسر عرفات 
رئيسا منتخبا ومع ذلك رُفضت التسوية معه لأنه «شحع الفساد والإرهاب»؛ كما 
يقال. ووّحهت في عهده ضربات قاسية إلى مرتكزات السلطة الوطنية. فلما أزيحت 
«العقسبة من وجه السلام» يموت عرفات (اغتيالا؟) حصل الانسحاب من طرف 
واحدء وها نحن اليوم نسمع من يردد أن هذا الانسحاب بات قدراً عحتوماً لأن 
الفلسطينيين باختيارهم «حماس» أضاعوا فرصة ثمينة للتسوية! 


فلسطين 213 


المدعون أيهم حديرون بالاحترام يركزون جميعاً على سلاح واحد ويجدون 
أساليب مبتكرة للتذكير به: الجوع عاقبة الليموقراطية وعقوبتها. لن جد مسؤولاً 
إمرائيلياً أو غريياً واحداء لن جد صحافيا واحداء من المعترضين على النتائج إلا 
ويرفع سيف «العقوبات الاقتصادية». صحيح أنغهاء في هذه الحالةء مساعدات» إلا 
أن التهديد بقطعها يستخدم كسلاح عقابي» ويشترط لعدم استخدامه أن تتخلى 
«حماس» عن موققها من إسرائيل» وعن سلاحها. 

كنكل از أن التشاعنات كلها الغريية طبعاء تر بأقنااضرورية أن 
لإسرائيل مصلحة فيها. إن إسرائيل؛ اليوم» تمارس في الأرض الفلسطينية امحتلة» .ما 
في ذلك غزة احتلالاً من دون كلفةء والمساعدات الأوروبية والأميركية تسد هذه 
الثغرة بالضبط. 

تخل ايا أن جاه مطالية بالتخلي الفوري عن برناجها ومن دون 
مقابل. بكلام آحر» انها مطالبة بأن تخون البرنامج الذي يمكن الافتراض أا حازت 
الثقة الشعبية يما بسببه. ويجب الاعتراف بأنه ليس من باب اللكوقراطية في شيء أن 
تتوجه إلى طرف أحرز اتتصاراً على قاعدة البرنامج «ألف» لتطالبه بتطبيق البرنامج 
«باع». 

نسجلء ثالثاء أن أحدا لا يخطر في باله» مثلاًء ربط المساعدات أو العلاقات 
مع إسرائيل يمطالب من نوع الالتزام بإزالة الاحتلال» أو الاعتراف بالحقوق الوطنية 
الفلسطينية» أو وقف ياء المستوطنات والجدار: أو تنفيذ أحكام محكمة العدل 
الدولية؛ أو» حن الالتزام بوعود تعاقدية حرى التوقيع عليها (إزالة بور» إطلاق 
سحناءء تخفيف حواحز...). 

لسنا في عيون نخب أميركية وأوروبية في موقع بشري مساو للموقع 
الإسرائيلي. هذه هي الحقيقة العارية الي تتأكد يوميا. منا من يرضى هذه الدونية» 
ومنا من يعمل لتغيير هذا التفاوت عملياء ومنا من يجد حلولا رمزية ها. وظيفة 
الانتخابات أن تفصل بين هذه الإجابات. 

200618 


غزو العراق 
وحال العرب 


هل نفتح القفل؟ 


كان المفكر السوري ياسين الحافظء رحمه الله يقول ان لا مجال للتقدم العربي 
من دون فتح قفل الاسلام. هذا الكلام الذي كان صحيحا بالأمس هو صحيح 
اليوم وبحدة اكبر. لم يفتح العرب قفل الاسلام ولذلك فهم يوالون الانحدار» 
ويتلقون اهزائم» ويخرحون من كل هزعة أشد محافظة وتقليدية» اي اكثر استعدادا 
لنكسة جديدة. ان المسار العربي مسار تنازلي. 

لقد جحددت أحداث السنة الماضية» وخائمتها تفجيرات 11 أيلول وحرب 
افغانستان» جددت طرح الموضوع المتكرر منذ قرن ونيف. فمن دون ان نعرف اي 
اسلام نريد لن نستطيع التأسيس لكان لنا قي العالم» مكان يحفظ الحد الادنى من 
الحقوق. وكشفت التطورات الاخيرة أن خحطرا داهما يواحه وعينا. انه حطر 
الانشطار بين «اسلام طالباني» متشنج» ومنغلقء وبين اسلام يريده لنا الاميركيون 
«متساحا» أي تقليديا وغافلا عن الاتصال بمنظومة الوعى الذي يفترض بنا امتلاكه 
لمأزقنا وقضايانا ومصاحنا. 

لقد انطلقت» في الغربء آلة الدعاية الجبارة داعية المسلمين في كل اقطارهم 
والعرب بشكل خاص,» الى تغيير مناهج التعليم» وتعديل التوجهات الثقافية» ومراقبة 
خطب المساجد... قد تكون هذه كلها تحتاج الى مراجعة ولكن المطلوب» اميركياء 
هو توفير مضمون لهذا التغيير يحتث بؤرة الممانعة الي لم يتم القضاء عليها بعد. أما 
تطوير هذه النواة الصلبة من احل توفير بيئة تسمح بسياسة أكثر رشداء اي اكثر 
إصراراً على المصالح الوطنية والقومية» فهو ليس على حدول الاعمال. 

ولعله بات واضحاء اليوم» أن المسألة الثقافية» هذا المع الواسع» ستكون 
واحدا من أيرز أسئلة المرحلة المقبلة عريياً وإسلاميا. لقد كانت مطروحة في الماضي 
ولكن بطريقة جعلت ما حصل» وهو كارئة متصلة ممكناً. 

عندما كان يقال لنا «شرق اوسطية» كنا نشهر السلاح ضد «التطبيع 
الثقاي». ونتغافل» والحالة هذه» عن كل الافيار الذي نعيشهء وتعيشه مجتمعاتناء في 

217 


محال الصراع مع الهحمة الاستعمارية الجديدة وطليعتها الإسرائيلية. وعندما كان 
يقال لنا «عولمة» كنا نشهر السلاح ضد «الغزو الثقالي» ونتغافل عما عداه ما 
يشكل» فعلياء حوهر العولمة الزاحفة. 

م يمحصل ذلك في “فراغ. إنه النتيجة الطبيعية لتعثر وجودناء كأمة» سياسياً 
واقتصادياً واستراتيجياً وأمنياء واقتصار هذا الوجود على حالة ثقافية نعتبرها 
مهددة. ولكن ما يشدنا الى أسفل بقي يفعل فعله خاصة اتنا اضفنا الى نقص الوعي 
بأسباب تراجعنا امتشاقاً لسلاح طاله هذا التراجع مثلما طال غيره وأكثر. ولذلك 
فإننا نعيش» منذ عقود, انفصاما لا حدود له بين مبالغات سياسية واقعية تلامس 
التطرف الاستسلامي وبين مبالغات ايديولوجية جامحة يعبر عنها تطرف إسلامي 
تحول» في غير بلد. الى فعل تدمير. 

إن فتح قفل الاسلام يعني إحداث ثورة فكريةء تنويرية» تحديثية» تعيد للدين 
موقعه في قلب المشروع القومي الديموقراطي. وما لم يحصل ذلك فإن البديل عنه 
سيبقى مشروع الثورة لمحهضة باسم دين يعاني من تخلفنا قدر ما نعافي من ترجمته 
الضيقة وامحافظة. 

أن يكون العدد السنوي ل «السفير» مخصصاً لتلمّس هذه القضايا هو 
تحصيل حاصل. لقد بدت الفكرة جذابة مجرد أن طرحت. 

ولا يدعي العدد إحاطة شاملة .بموضوع له هذه الحساسية وهذا الاتساع. انه 
محرد محاولة للحض على التفكير والتبصرء وهي محاولة تنطلق من ان التطورات 
المتلاحقة في السنة الماضية في منطقتنا والعالم كانت على تماس مباشر هذا العنوان» 
وهي ستكون كذلك في المدى المنظور. 

2010101 9 


الآن هنا 


تواحه المنطقة العربية حالة غير مسبوقة» لم تعرفها في الماضي القريب. فالعقيدة 
المنسوبة الى رئيس الدولة العظمى حورج بوش تضع هذه المنطقة والعالم الاسلامي 
الحيط بها في قلب الاعصار. 

لم تعتد سياساتنا على هذا المستحد. وني حين يتحكم بالقرار الأمير كي 
أشخاص اخقيروا «الحرب الباردة» جيدا» وأداروهاء وانتصروا فيهاء تسيطر على 
التحربة السياسية لحكامنا الدروس المستقاة من تحربة كنا فيها على أطراف هذه 
الحرب ولو اننا كنا على أطرافها المهمة. 

منذ 11 أيلول حدد بوش فلسفة سياسته الخارحية «إما معنا أو ضدنا»» ثم 
أضاف الى ذلك تشخيصاً ل «غور الشر»» ثم بدا واضحاً أن التركيز سيتم على 
«الشر» ف هذه المنطلقة. وما انه يفعل ذلك بعد انيار «اميراطورية الشر» الي 
كانت تقيم نوازناً مع الولايات المتحدة؛ فإنه يشعر بأن المواجهة ليست مضطرة الى 
ان تكون «باردة» لا بل ان السخونة مطلوبة فيها من فلسطين الى العراق» وان 
شعاراتها يمكن ألا تخحل من التعبير عن الرغبة في تغييرات جذرية. 

كان الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي «ضد» الولايات المتحدة. غير ان 
الرد الأميركي اكتفى ب «الاحتواء». وليس صلفة ان يكون «الاحتواء» هو 
الاسم الذي اعطي» في العقد الماضي» للسياسة المتبعة حيال العراق وإيران. 

الجديد في الامر هو اعلان فشل هذا التوجه من أجل بربحة الخلاص السريع 
من الخصوم. والحديد في الأمرء أيضاء التغيير الطارئ على مضمون «معنا». ل يعد 
مصطلح «معنا» يشمل العلاقات السياسية والاتتصادية والأمنية والاستراتيحية 
المعقودة؛ وبقدر من الالتحاق» بين حكومة عربية والحكومة الأميركية. فلو كان 
الأمر كذلك لكانت الأنظمة العربية» في معظمهاء «معنا». أصبح لا بد من تضمين 
هذه ال «معنا» شروطا إسرائيلية تقتضي الاصطفاف في محاربة «ارهاب» لا 

219 


220 الآن... هنا 


يسعه» تكوينياً» ان يكون مقاومة لأنه موجه نحو المدف الخاطىئع! أكثر من ذلك ان 
هذه الشروط الاسرائيلية» كما هي مطروحة حالياء مقدمة في صيغة شارونية 
قصوى تستصعبها «صحة» النظام العربي الراهن بالرغم من تمالكه المريع. 

لا ضرورة» والحالة هذه لاستهحان الضغوط الى تمارسها الولايات المتحدة 
على الحكومات العربية. ان هذه الضغوط توازي التعريف الجديدء من حانب 
واشنطن, للمنطقة بأنها مسرح العمليات ضد الحرب الكونية على الارهاب. 

في أيام «الحرب الباردة» كانت أوروبا هي المسرح. ومن الواحب 
استذكار الضراوة الى خاضت با الولايات المتحدة المعركة هناك (التهديد 
بالسلاح النووي حاضر باستمرار) من أجل ان نحسن تقدير المعاملة الي 
سنلقاها. لقد اقيمت أحلاف عسكرية عير أطلسية» وتأمّن حضور أميركي 
عسكري مباشرء وتم ميش القوى المعادية كلهاء ولاح شبح انقلابات في دول 
ديكوقراطية اذا تغيرت الأكثرية فيها بالاقتراع الحر (ايطاليا)» وأخضعت 
المبادرات السياسية كلها لمنطق المواجهة من موتمر هلسنكي الى «الاوست 
بوليتيك». بكلام آخر حكم منطق الاستقطاب تفاصيل التوحهات كلها بحيث 
يمكن ضبط الوضع في دول التحالف ونقل المعركة الى معسكر الخصم حى لو 
كان «الناقل» عددا محدودا من «المنشقين». لم تكن منطقتنا منحاة عن هذا 
الصراع ولو اها م تكن في قلبه. ولا شك في ان تطورات شديدة الأهمية 
حصلت بالارتباط مع هذه الثنائية وبتقدير الموقف من التحالفات الدولية 
ومنطقها والمصالح العربية فيها. 

لقد كانت اسرائيل» في تلك الفترة» مرتكزا مهما للسياسة الأميركية (منذ 
أواسط الستينيات على أقل تقدير). ولكن عرباً كثيرين فضلوا العلاقة مع واشنطن 
على أي شيء آخرء وتحديداء على حركة القومية العربية وتخالفاتها مع «الشيوعية 
العالمية». ثم مر عقد التسعينيات حيث كبر الطموح الأميركي ليحاول بناء نظام 
شرق أوسطي يكون لإسرائيل فيه الموقع المميز. وتي هذا العقد الماضي كانت 
واشنطن ترى» بين العرب» أصدقاء وحصوماء لأا لم تكن حددت هذه الرقعة 
وحوارها بصفتها المسرح المقبل الحرها الكونية الجديدة. 


غزو العراق وحال العرب 221 


أما وان الوضع انقلب وانتقلنا من الحامش الذي تصارع واشنطن عليه الى 
لمعن الذي تصارع فيه فكان لا بد من أحذ ذلك بالحساب من أحل استباق ما قد 
يمحصل. لم ينجح حكامنا في عملية التكيف هذه بالرغم من ان الولايات المتحدة 
اعطت اشارات» سابقة على 11 ايلولء الى هذا «التصعيد» قي اهتمامها. من هذه 
الاشارات تغيير العقيدة الدفاعية ل «الناتو». ومنها تطوير «المبادرة المتوسطية 
للأطلسي». ومنها تكثيف الحضور المباشر والمناورات. وتصب هذه العناوين كلها 
في محرى واحد نشهد اليوم آثاره. 
لقد ارتقى الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط درحات وأصبحت المطالب 
منه شديدة الجذرية. انه «القلب النابض» ل «محور الشر». وهو ان لم يكن 
«معنا» بشروط صعبة فلن يكون مسموحاً به ان يتعم بحرب باردة مديدة. فهذه 
الحرب تكون «باردة» اذا كانت موازين القوى تفرض ذلك. أما الخلل الحالي 
فيغري بقدر لا بأس به من السخونة. 
2002|46 


الان هنا 
لا النفط سلاحء ولا الجيش... 


«النفط ليس سلاحاء النفط ليس دبابة» قال مستشار لدى مسؤول عربي 
كبير. بريد هذا الكلام طمأنة الاسواق والاصدقاء. الاسواق اولا حي لا تصاب 
بذعر في وقت يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة حرجة. والاصدقاء حى لا يشعروا بأن 
هناك من يريد الضغط عليهم. وإذا وضعنا الاسواق جانباء فإن الاصدقاء المعنيين» 
اي الاميركيين» لا يتورعون عن استخدام النفط» او غيره» سلاحاء وأن يعاملوا 
اكثر من نصف الدول الممثلة في الامم المتحدة على قاعدة عقوبات متدرحة. 

لقد اشتدت المطالبة الشعبية العربية باستخدام سلاح النفط ضد دول داعمة 
للاحتلال الاسرائيليء وذلك» بالضبط» من احل عدم إحراج حكومات معينة 
بدعوقا الى استخدام السلاح. اي ان هناك من كان يعطي دولا أسبابا تخفيفية 
فيكف ي بأن نقئّن استخراج الطاقة» وان لا تعرض عن نقص يفتعله غيرهاء وان 
توحي بأفها تملك خيارات متعددة يمكنها استعماها من احل ان يكون صونًا 
مسموعا. 

وإذا أريد للنقاش ان يخرج من هذه الدائرة المغلقة: هل النفط سلاح ام لا؟» 
فإن السؤال الذي يبقى مطروحا: هل من الجائز لطرف ان يستند الى ما لديه من 
عناصر قوة من احل ان يلقي ها سعيا وراء تعديل موازين القوى؟ ان الذهاب الى 
لب الموضوع يكشف وجود مدرستين. تقول الاولى ان التقرب من الاميركيين؛ 
وطمأنتهم والاندراج في سياساهم الكونية» تجعلهم يغليون علاقتهم مع العرب 
ويستغنون عن اسرائيل الي يلعب اللوبي المويد ها دورا كبيرا وحاسما في تعمية 
واشنطن عن مصالحها الحقيقية. وتقول المدرسة الثانية ان الولايات المتحدة رتبت 
اولوياقا في المنطقة اثناء «الحرب الباردة» وبعدها بشكل يجعل كل انتزاع لحق 
عربي من اسرائىل محكوما حمر إحباري هو قذر» متدن او مرتفع» من توتير 
العلاقات مع واشنطن. ولقد دلت التجارب الماضية كلها على ان واشنطن ماضية 

222 


غزو العراق وحال العرب 223 


في تطويع الوضع العربي وإضعافه من احل إنزاله تحت سقف المقبول اسرائيليا. 
ولقد عرفت هذه الوجهة اندفاعا اولء بعد حرب الخليج وانتهاء الاستقطاب 
الدولي» وهي تشهد رَحما حديدا منذ 11 ايلول. 

لا ضرورة لتبادل الاهامات بين المنتمين الى هاتين المدرستين بين العرب. غير 
ان الواحب يقضي تقدم عناصر النقاش الى اوسع جمهور عربي والاحتكام اليه. 
ولكن بها ان المدرسة المغالية في واقعيتها هي الحاكمة فإها تحول دون ذلك. 


© ¥ 


جرى نطوير نظرية في بلد عربي اساسي تقول ان الجيش لا يحارب إلا دفاعا 
عن احتلال ارض وطنية. ييدوء للوهلة الاولى» ان هذا الطرح عقلاني حدا وانه 
يصدر عن شعور عميق بسطوة فكرة الدولة الامة والسيادة» ويرفض الدحول في 
مغامرات تبدد القوى. وهكذا نصبح امام واقع يقول ان النفط ليس سلاحا 
يستخدم في فلسطين وان الجيوش العربية» بدورهاء ليست سلاحا طلما ان لا 
احتلال مباشرا. 

لا يعود مفهوماء والحالة هذه» سبب وجود معاهدة الدفاع العربي المشترك. لا 
بل لا يعود مفهوما سبب وجود تحالفات وأحلاف في العالم كله. لقد فعّلت دول 
حلف شال الاطلسي المادة الخامسة من الميئاق دعما للحرب الاميركية ضد طالبان 
والقاعدة. وتقول المادة المذكورة ان اعتداء على دولة من دول الحلف هو اعتداء 
على الكل يجعل الاشتراك في الحرب إلزاميا. لا بل ان حيش الدولة المعنية شارك في 
حرب الخليج الثانية عند احتياح دولة عربية لدولة عربية برغم ان ارضه الوطنية لم 
تكن مهددة. فكيف تستقيم تلك المشاركة مع هذه العقيدة الجديدة المرفوعة في 
وجه حالة هي كناية عن احتياح الدولة الاسرائيلية لدولة فلسطين الي تعترف ها 
الحكومة المشار اليها وال تفاحر بأنها هي الى ترعى قيامها. 

ثم من الذي قال ان التهديد للأرض الوطنية يمكن قصره على احتلال احني 
مباشر؟ ان الحرب تصبح واجبة عند تهديد المصالح الوطنية العليا لأية دولة وبعد ان 
تفشل المساعي الاخرى في رفع هذا التهديد. وف الامكان القول ان ما تقوم به 


224 الان... هنا 


اسرائيل في فلسطين ينتمي الى هذا الصنف من التهديد للمصالح الوطنية العليا لغير 
دولة عربية؛ لمصر طبعاء ولكن ايضا للاردن وسوريا ولبنان» والى حد أقل الممكلة 
العربية السعودية. 

يككن للمرء ان يفهم ان مشاعر الأحوّة الإنسانية أو» حى القومية لا 
تستوجب أن يزج بلد نفسه في حروب طاحنة. ولكن ما ليس مفهوما هو الامتناع 
عن استخدام طاقات اي بلدء اقتصادية أو عسكرية؛ إذا كانت المصلحة الوطنية في 
حطر. 

إن بعض من لا يشارك في مع ركة فلسطين اليوم» وبأقصى طاقة ممكنة لديه 
سيدفع الثمن لاحقا. سيتم ميشه والقضم من مصالحه» والتضبيق عليه» وإضعاف 
سيادته» وإملاء الشروط عليه والتقليل من اهمية موقعه الاقليمي وما قد يجنيه منه» 
وارغامه على فقدان الجواب عن سوال ملح: لماذا تفتطع الشعوب من لقمة عيشها 
لبناء حيوش وتسليحهاء ولماذا تقنع بوضع مصيرها بين ايدي قيادات لا تدرك ان 
السياسة» هي» بين امور احرى» فن الاستباق. 

20247 


معنى أن تكون ناصرياً اليوم 

ليست هذه زيارة الى ثورة يوليو. فقط الى حقبة فيها. الحقبة الناصرية. لا 
نوستابحيا في الأمر. فعبور الزمن سيتم ذهابا من احداث راهنة الى تجربة سابقة» 
وإيابا منها الى محاولة استكشاف منطق في التعاطي مع مشكلات حالية. والقصد 
طرح السؤال التالي: هل يمكن للعربي ان يكون ناصريا اليوم؟ 

البدايةء وهي ذريعة» ما حصل لحدى عبد الناصر في «الأهرام». انه تحريف 
في عنوان مقال. لكنه تحريف يقول الكثير. ارادت ان تنقل عن والدها شرحه 
لقبول مبادرة وليام روجرز. فهو يسعى الى بحنب ظرفي لمواجهة مع الولايات 
المتحدة من أجل ان يتمكن من بناء سد الصواريخ في سياق حرب الاستنزاف. 
غير ان العنوان اوحى ان الرجل يعتزم الانسحاب الكامل من المواجهة. فبدل 
موقف «ناصري» معقّد بتنا أمام موقف «ساداتي» بسيط. 

موقف جمال عبد الناصرء في هذه الحالة» مركب. وهو نموذج عن فج. فهو 
يسمح لنفسه بالتراجع التكتيكي في معركة. يميد خصوما. يكسب اصلقاء ويورطهم. 
يستخدم الوقت لتعديل موازين القوى. لا يضيّع هدفه النهائي. يحسن تقدير نفوذ 
القوى الخارحية ومع التفوق الاسرائيلي. يستفيد» قدر المستطاع» من تناقضات. 
يبحث عن تحالفات ثابتة وراسخة تقوم على تبادل المصالح. يظهر معرفة بالعالم كما 
هو فعلا وكما يحدد سياساته. يراهن على صدقيته الوطنية والقومية عا يوسع هامش 
المناورة لديه. يتراجع خطوة إعدادا للتقدم خطوتين. يفهم الصلات العميقة يين 
الولايات المتحدة وإسرائيل ولا يمنعه ذلك من احراج الطرف الاقوى» عير استعارة 
مظلته» من أحل اتقاء هجوم الطرف الحلي او تكبيل يديه. يطوّق بالسياسة ارححية 
ا لخصم العسكرية في انتظار استعادة القدرة الدفاعية في طور ارقى من المواحهة. بيز بين 
الحظة هجوم ولحظة دفاع لحهة الشعارات واساليب العمل الخاصة بكل منهما. 

من وقفء أآنذاكء ضد هذا السلوك. فعل ذلك حشد من فرسان اجملة 
النورية. من المزايدين. من الذين اعتيروا هزعة 67 ازاحة لآخر عقبة من درب الثورة 

225 


226 الآن... هنا 


الحقيقية. من الذين خلطوا بين خحدش اسرائيل عند القشرة وبين الاعداد لمواحهة 
حدية معها. من الذين اشتروا راحة الضمير بدولارات يدفعوفا لمن يبدو تحاوزا 
لعبد الناصر عن يساره. من المأخوذين بثورات الطلاب في العالم. من «الخنواحات» 
اليسراويين. من القطريين في فلسطين وغيرها. من اصحاب نظرية التوريط 
الصبيانية. كان هؤلاء كلهم قلة. لكنهم اعتيروا قبول المبادرة خيانة وعملواء من 
حيث یدرون او لا يدرون» في خدمة عرب آخرين وقفوا ضد المبادرة شكلا ومع 
صاحبها ودرلته وإدارته فعلا ومضمونا. 

لقد كانت تلك المرحلة مهمة (حوادث أينول 1970 بعدها» وموت عبد 
الناصر). ومنذ ذلك الوقت لم نعد نشهد في الحياة السياسية العربية خطا يجمع بين 
الواقعية الباردة في الحساب وبين التمسك بأهداف بعيدة مع تسخير الوقت والجهد 
لاحداث التعديلات الي تقيم وصلا بين الوضع الملموس والقصد المنشود. 

بتنا أمام واقعية مبتذلة تفهم التغيير انتقالا أي تراجعا من تأقلم الى آحر. وامام 
نزعة تمردية احلاقية تخلط بين «ان الحق معنا» وبين توفير امكانات وطنية وقومية 
ودولية لاتزاعه. وأمام سياسات «قنفذية» تتمسك بالمطالب ولا تنتهج سياسة 
تراكم الانحازات لكسر التقوقع والاقتراب من الاهداف. 

انتهت موت ناصر هذه المحاولة الفريدة في تاريخ العرب الحديث للمشي على 
حد الشفرة (مع حطر السقوط دائما)» للمشي باستقامة على حبل حاملا ما 
يساعده على التوازن: معرفة بالواقع من حهة وحرص على تغييره من جهة ثانية. م 
نعد نعيش تي ظل سياسات تعرف امكاناتها في بلدها وامتها وعالمها وتطرح 
الشعارات الملائمة ليس لتأبيد الأمر الواقع وإنما لتحريكه» ولو جزئياء نحو تأمين 
مصالح محددة. 

صدرء قبل أيام» تقرير التنمية الانسانية العربية. كل صفحة صفعة. نحن أمة في 
القاع تنمويا وديموقراطيا واندماحا وثقافة وإنتاحا. انه عرض حال مزر. يكاد 
يكون بيان إفلاس. 

سال حير كثير في عرض التقرير والتعليق عليه. ولأن 23 يوليو كان يقترب 
ذهب البعض الى اكتشاف العلة قي الناصرية. ان جال عبد الناصر هو الذي سقى 


غزو العراق وحال العرب ‏ 227 


جذور هذا التخلف المريع. تناسى اصحاب هذا الرأي ان الناصرية دامت» عملياء 
5 صنة فقط (1955 1970) وأننا نعيش منذ 32 سنة مرحلة لاحقة عليها تحمل» 
في جوانب كثيرة منهاء مات الارتداد عليها. لقد حصل انعطاف مذهل بعد 
0. وما نحن عليهء اليوم» تعود مسؤوليته الى الفئات الى تولت السلطة بعد 
ذلك. اوء بالاحرىء تعود اليها وإلى مثيلاتًا ممن كانت حاكمة قبل 1970 في 
بلدان عديدة بأكثر ما الى عهد الثورة. خاصة ان هذه الفئات» مهما بدت مختلفة 
مع بعضها اليوم» كانت على خحلاف» من مواقع متباينة» مع عبد الناصر. 

ان حكامنا اليوم هم ممثلو الشقاق ما بعد 1970 بين الواقعية المبتذلة والهوبرة 
الجذرية. وإذا وضعنا جانبا فشلهم المتمادي في حل المسألة الوطنية والقومية فاننا 
نبقى» بشهادة تقرير التنمية» أمام فشل مذهل في الجواب عن سؤال التنمية. 

كانت التنمية هما ناصريا بامتياز. وكانت كذلك الى حد ان قوميين مشارقة 
اعتيروا ذلك مذمة. دعا عبد الناصر (ومارس) الى السيطرة على ثروات البلاد» 
وإدارتها من دون انغلاق» وتوسيع رقعة المستفيدين منها. وسعى الى بناء قاعدة 
صناعية؛ والاهتمام بالريف» والاصرار على اعلى قدر ممكن من التكامل العربي. 
وفتح باب التعليم أمام أبناء الفقراء. ان هذه بعض من معالم تلك المرحلة. لم تكن 
موفقة يقول بعض النقاد. صحيح لم تكن موفقة تماما. ولكنهاء في المعايير التي 
كانت سائدة في ذلك الوقت» عربيا وعالمثالثيا» كانت أفضل من غيرها ضمن 
الشروط المتاحة ها. ولقد شكل ضغط القضية الوطنية» بفعل وجود اسرائيل 
وتوسعها ولعبها دورها في قفل طريق الاستقلال» شكل هذا الضغط عنصرا معرقلا 
لأن المصالح الغربية المتضررة» ومعها ركائز عربية نافذة وداعمة لحاء وجدت رأس 
الحرية النموذحي... والناجح. 

ان السياسات الي اتبعت (في عهد عبد الناصر وبعده) تؤكد اننا كنا امام 
مشروع قاصر للتنمية فبتنا امام مشروع ناحح للتبعية. فمن طفرات الريع النفطي» 
الى تسخير القطاع العام لمصالح ما دون وطنيةء الى إعادة الميكلة؛ الى الانفتاح» الى 
حفز المزاج الاستهلاكيء الى اعدام قيمة العمل والانتاج» الى الارتكاز على سلع 
تصدير أحادية» الى رفض أي هج تكامليء الى... إن ذلك كله هو الذي دفع 


8 الاآن... هنا 


باتماه ان تكون حالتنا على ما يصفها التقرير. لقد انتهى التحدي الناصري 
للآحرين عبر نموذج اقتصادي» اجتماعي مغاير ومع ذلك فإن الفوارق بيننا وبين 
العالم المتقدم تزداد. ومن دون الادعاء بأن النموذج فابل للاستعادةء في عالم اليوم» 
فإن فيه توجهات عامة تبقى أكثر قدرة على اعانة العرب في مواجهة عصر العولمة 
وبناء القدرة الذاتية للخوض في هذا الغمار. 

أحرى ثلاثة وزراء خارجية عرب محادئات في واشنطن تناولت الموضوع 
الفلسطيين في لحظة تأزم خطيرة. 

الشكل شكل تضامن عربي. الواقع غير ذلك. غاب السوريون. غاب 
اللبنانيون برغم ترؤس العمل المشترك حي القمة المقبلة. وغابت» الى حد بعيد» 
المبادرة الاجماعية الي اقرت في بيروت. ومن يدقق النظر يكتشف تباينات بين 
اعضاء الوفد انفسهم. يمكنء لمن يحب المقارنات السريعة» ان برى قي الجهد العربي 
للتاقلم مع رؤية حورج بوش شيئاً يشبه قبول عبد الناصز مبادرة روحرز. ان في 
ذلك قدرا من التسرع. فهذا التأقلم لا يريد كسب الوقت لتعديل أي شيء؛ وهو 
يأنيء اصلاء في استطراد مبادرة غير مرفقة ببدائل. ان التأقلم هدفه ايجاد امتداد 
عربي يمارس وصاية «قومية» على قضية فلسطين من دون اي ادعاء بامتلاك تصور 
ارقى يقود الى بذل جهد اكبر من اجل حل اكثر عدلاً. 

لم يكن جمال عبد الناصر فلسطينيا. كان عرييا. او» اصبح عربياً. ولا حاحة» 
اصلاء لزعيم مصر لان يكون عرياً كما قد تكون حاجة زعيم مشرقي. وعلى 
الارحح ان الناصرية» 'كتحربة» زا من الفكرة القائلة ان قضية فلسطين هي قضية 
العرب المركزية. وهذه الفكرة: بالمناسبة» تستحق المزء. ان قضية العرب المركزية 
هي سيرهم نحو مشروع جامع بينهم يؤمن لهم مصالحهم في هذا العام بأفضل 
طريقة ممكنة» واسرائيلء بالاصالة عن نفسها والنيابة عن غيرهاء هي واحدة من 
اهم العقبات امام هذا المشروع. لقد وحدت من اجل ذلك. ومن هنا فإن العرب» 
في سعيهم الى تحقيق قضيتهم المركزية» مضطرون للتعاطي مع المسألة الاسرائيلية. 
ويحق لنفلسطيتيين اعتبار هذه المسألة قضيتهم الوحودية لا المركزية فحسب بمحكم 
الطابع الاستيطاني للصهيونية. 


غزو العراق وحال العرب ‏ 229 


تمثل الناصرية» بهذا المعين» ارقى حالة عربية (واسلامية طبعاً) في التعاطي 
مع الموضوع. لقد اكتشفت» بالتحربة» عشية وأثناء وغداة العدوان الثلاثي» 
معن اسرائيل المستمد من الاعتراض الاستعماري على هضة العرب. وحاولت 
تقسعم حواب مركب بقضي بالاستمرار قي إيقاظ مصر والعرب وفي خوض 
اشكال من الحرب الباردة (او الساخنة .عقدار) مع اسرائيل. وتحكم بالصراع 
مفهوم يقرل انه مدعاة الى الترقي العام من احل الوصول الى حالة تسمح برد 
التحدي. يصب الصراع» اذ في بحرى اوسع منه: انه يستفز التقدم ويوجحد 
مناعة داحلية» بالمعئ الممتد من الاقتصاد الى الثقافة» تحرم اسرائيل من لعب 
دورها التعطيلي. 

يستند هذا الوعي الناصري (المصري؟) الى تقدير لحدلية العلاقة بين القطري 
رالقوي ها الفترئ يفرط اجره جام رى مسقل وطالب 
القومي يشترط وعيا بالمصالح المشتركة المستقبلية وبالتدرج الطوعي نحوها. وهكذا 
ما لم تنشأ مصلحة قطرية قي التحرر والتقدم» وما لم يتم اكتشاف الصدام بين ذلك 
وبين وظيفة الكيان الاستعماري وادوات اهيمنة الغربية الاخحرى» فلا حال لاقناع 
شعوب بأكملها وزجها في معارك الدفاع عن طموحاقًا. 

ان نةا حتملا للناصرية يقول انها تشرط وجود «القومي الحيد» في 
«القطري الجيد». لذلك تردد عبد الناصر امام الدعوة السورية الى الاندماج 
الفوري. ولذلك لم يحبط الانفصال وكان في وسعه ذلك (ليته فعل؟). ولذلك رعى 
صيغة ما للقطرية الفلسطينية. ولذلك عقد صفقة مع فواد شهاب. الناصرية تقود 
الىم» في آن معاء الى تشذيب للقطري وقهذيب للقومي من احل ضمان مسار مديد 
بيدأ بتحصين الوحدات الوطنية الداحلية ليصل الى عدم التنابذ بين الدول ثم يتدرج 
نحو التكامل لتكون الوحدة في الافق البعيد. 

والمأساة «القطرية» الفلسطينية واحبة العلاج عبر تطويق اسرائيل وإضعافها 
وحصارها بالتقدم العربي لانه مى تم الارتضاء بالتعايش مع هذه المأساة باتت 
المطالبة صعبة بحقوق اخرى تبدأ بحقوق العمال ومر بحقوق الاقليات ولا تنتهي 
بحقوق النساء. 


230 الان... هنا 


ان رغبة في الاستفزاز تدفع الى القول بأن عبد الناصر لامس» ذات مرة» فكرة 
م را ود الي ا ال E E‏ د 
العربء والفلسطينيون ضمنهم» على انحاز حقيقي في ما يخص قضيتهم المركزية. 
ولكنه. هنا ايض اكتشف استحالة ذلك لانه يعن نسفاً للعلة الجوهرية للكيات 
الصهيونٍ وهي علة غبر ذات صلة بتحميع اليهود المضطهدين في العالم. 

ان ما يحصل عربياً اليوم هو محطة في التسليم بانتصار المشروع الصهيوني: 
يأحذ الاسرائيليون ما يريدون وتأخذ القوى الاجنبية الباقي وتستمر في تأقلم 
انحداري لا قعر له. 


© © * 


يعكن الاستطراد في هذه الزيارة» انطلاقاً من وقائع راهنة» الى الناصرية. 
ومكن» من دون ححل» التطرق الى مسألة الدركوقراطية تقبيما ونقدا للرحل الذي 
حرك كتلة الملايين الهامدةء غير ان الدليل السياحي منحاز لصالح ترحيح الايجابيات 
الماضية في ضوء الواقع الحالي. 

... ومع ذلك هزم جمال عبد الناصر. لقد حورب لايجابياته وهزم للنواقص 
عاج ي نادم فيل ترمي الولدامع غاء الل الرضخ؟ 

أن تكون ناصرياء اليوم» يعن ان تتمثل نقدياً هذه التجربة لتؤوسس على 
دروسها وتتجاوزها. ليست هذه حالة الناصريين ولا حالة الآحرين على تنوعهم. 
فالشورة المضادة الي اندلعت عام 1970 تأحذ في طريقها كل شيء ما في ذلك 
الوعي. وهي ما زالت عاتية وي لاجا تبره سدادا من جانبنا عن فترة حاولنا 
فيها حضوراً عاقلا وكرعاً. 

20023 


جار الله القتيل» جار الله القاتل 


حذ محطات رئيسية في تاريخ اليمن وحدد منها موقفا. 

الإمامة في الشمال كان لا بد لما ان تزول من اجل إفاء القرون الوسطى 
وتلمس الطريق نحو حد أدق من الحداثة. 

الاستعمار في الجنوب كان لا بد أن يلقى مقاومة ترغمه على الخلاء. 

«التشطير» كان لا بد ان يتجاوز بعد نجاح الثورتين» وفي أفق الاندراج في 
المشروع العربي الأكير. 

تقدم هم بناء دولة عادلة كان لا بد من طرحه من دون السقوط في فخ 
«اليسراوية» المتطرفة. 

السعي الى توحيد الحياة السياسية بين الشمال والجنوب ضروري مرفقا بجعل 
اهم التوحيدي معيارا. اذا كنت شماليا والسلطة الشمالية ضد فأنت جنوبي. 
والعكس صحيح. 

إنهاء «التشطير» لا بد ان يكون مدروسا ومتأنيا ومحافظا على مكتسيات 
تطال التعددية» واحترام الرأي الاخرء وحقوق المرأة... 

الحرب الانفصالية في 94 لا بد ان تكون مرفوضة خاصة وان الاكثر حماسة 
لها هم من كانوا الاكثر نزوعا نحو الاندماج الفوري والكامل. 

مداواة آثار الحرب أولوية مطلقة. لا يكون ذلك بالتخلي عن رفاق أخطأوا 
ولا بالالتحاق بظافرين ظفرواء يكون بالتشحيع على المصالحة الوطنية» وتنقية 
الوحدة من الشوائب» ورفض مقاطعة الانتخابات» وبناء موقع قوي للمعارضة. 

حذ هذه المحطات الرئيسية ستجد ان حار الله عمر كان باستمرار على 
الموعد, انه واحد من قلة اجتازوا المراحل المضطربة في اليمن وكانوا على 
الجانب الصحء اوء اقرب ما يكون اليه. لم تغوه سلطة دار بخارها قي رؤوس 
رفاقه. لم يسقط في فخ تسريع التاريخ في هذا البلد الفقير. لم يسمح للعصبيات 
المناطقية» الي عافن منها كثيراء ان تؤثر على ثباته ووضوح الرؤية لديه. لم 

231 


232 الان... هنا 


يرتبك في تنويع أشكال النضال» من العمل المسلح الى التبشير الديموقراطي. لم 
يغب عن باله يوما موقع بلده في المشروع العربي العام ولو انه احياتاء جمع 
الوطنية والقومية بطريقة تستحق ان تثير نقاشا. لم عنعه جسمه المنغرس في تربة 
اليمن من ان يبقي رأسه مفتوحا على كل ما يستجد في العالم: لقد كان ممتعا 
الاستماع اليه يناقش أسباب اهيار الاشتراكية في العالم وهو الذي شاهد 
«تباشير» ذلك ف عدن»ء ولكن المتعة الاكبر هي الانصات اليه يرسم حدود 
المراحعة المطلوبة مميزا بين وحدة الالمانيتين ووحدة اليمنين ورافضا ان يكون 
اهيار الجدار سببا للارتداد عن... بناء دولة. 

جار الله عمر القتيل هو من أفضل النماذج الي انتجتها التجارب القومية 
واليسارية العربية في العقود الاحيرة» ولانه كذلك وبسبب من تربيته الدينية» فلقد 
احسن الجمع بين رفض المهادنة الايديولوجية مع التيار الاصولي وبين ضرورات 
وض معارضة واسعة تدافع عن التعددية. 

قاتله يدعى علي جار الله ليس معروفا. غير ان الثابت هو انه من خريجي 
مدارس الايمان الي أدارها الشق الاصولي المتخلف في تجمع الاصلاح. 

ان شخصا في اليمن ترب على اعتبار جار الله عمر زعيما سياسيا يستحق 
الموت قتلاء واليوم» وبتهمة الكفرء ان شخصا من هذا النوع يدل على الحاوية الي 
نتجه الى الوقوع فيهاء وندفع دفعا نحو ذلك بفضل هذا المزيج «الخلاق» من 
العدوانية الخارجية والعجز الداخلي. 

200210 


المنطقة في مهب جذريتين 


الإعصار الذي سيضرب المنطقة يتشكل من التقاء رافدين: الحذرية الأميركية 
والجذرية الإسرائيلية. وإذا كان هناك من يخطئ في تقدير قوته فلأنه يرفض 
الاعتراف بأننا أمام أميركا جديدة وأمام إسرائيل جديدة وأمام صيغة جديدة في 
العلاقة بين الطرفين. 

ان الادارة الحاكمة في واشنطن هيء في الوقت نفسه» الأكثر كينية منذ عقود 
والأكثر عدوانية. ويدل مشروعها للميزانية على نوع من الانحياز الاحتماعي ضد 
الفقراء يودي بكل ادعاءاتها عن «الحافظة ذات الوجه الانساني». فالاقتطاعات من 
ضرائب الأغنياء لا يوازيها إلا الخفض ف التقديمات للفئات الأكثر هشاشة. وتأني 
الزيادة الصاروحية على نفقات الدفاع من أجل ان تلغي فوائض بيل كلينتون لتعيد 
الولايات المتحدة الى عصر العجوزات ف الميزانية. 

والسياسة القائمة على التفارق الاجتماعي الداحلي» أي على التغليب الأناني 
لمصالح الأشد ثراء تنعكسء قي الخارج. أنانية قدمية لا يسلم منها أقرب الحلفاء في 
أوروبا القديمة و... الجديدة. وبعد ان تمادت واشنطن في ازدراء الاتفاقات الدولية 
ها هي تقد في بحلس الأمن» نموذجاً عما تعتيره التعدد والتشاور. فالالتحاق اء 
وكسر إرادة المحتلفين معهاء والانتقال من الارجححية الى السيطرة هي معام 
السياسة الي يراد لها ان تقود العالم. 

لا بد من قول ما تقدم في ظل عناد المتوهمين بالديموقراطية القادمة الى 
العراق أولأء والى المرب والمسلمين تاليا عبر سياسة البوارج والحروب الي 
لا ذكاء فيهاالا في ما حص بعض الأسلحة. لن تشذ توحهات بوش عندنا 
عن غيرها ولن يعاملنا بأفضل مما يعامل القسم الأكبر من مواطنيه. وهو قادرء 
الا اذا دفع تنا باهظاء على انقاذ قدر من التماسك الداحلي مستندا في ذلك الى 
كتلة شعبية متطرفة ومشبعة بأفكار «الثورة المحافظة» الي أوصلت رونالد ريغان 
مرة الى السلطة. 

233 


234 الآن..- هنا 


وتحدر الاشارة» برسم من يعتقد ان الادارة» وبعد العراق» ستجعل اقامة 
الدولة الفلسطينية أولوية» ان بوش» وقي سياق الحرب المقتربة» سيفتتح مع ركته 
الانتخابية لولاية ثانية. 

لقد كانت هذه المرحلة, على الدوام» مرحلة تقارب بين رئيس الولايات 
المتحدة واسرائيل ولكنهاء هذه المرة» ذات طعم خاص. 

ينوي بوش» في ما تبقى له من وقت» حسم قضية الصوت اليهودي لصالح 
الحزب الجمهوري واليمين الصلب. وهو حقق خطوة في هذا الاتحاه في الانتخحابات 
النصفية للكونغفرس. ويعتزم تصديق استطلاع الرأي القائل ان يهود أميركا 
سيقترعون لصالحه ولو كان منافسه السناتور اليهودي (الحافظ) الديموقراطي 
جوزف ليبرمان؛ ولمن يعرف القليل عن السياسة الداخلية الأميركية فان كسب 
الجمهوريين معركة الصوت اليهودي يعن إلحاق هزعة مديدة بالحزب الديكوقراطي 
وانشاء وافع سياسي جديد في الولايات المتحدة يقرم على حرمان اليسار اللييرالي 
من نسغ أمدهء طيلة عقود» بحيوية متحددة. ويلتقي توحه بوش هذا مع تحولات 
سوسيولوجية وايدلوحية تعيشها الأقلية اليهودية في أميركا وتدفع يما الى وسط 
المشهد السياسي وعينه وتجحعلها نقترب» أكثر فأكثر» من المعسكر القومي المتشدد 
في إسرائيل. وليس صدفة» والحالة هذه ان تكون النواة الصلبة لمفكري المحافظين 
الجدد في الولايات المتحدة متشكلة من يهود متحدرين من أصول يسارية. 

لم تف إدارة بوش اها تفضل شارون لرئاسة الحكومة. تأجيل الاعلان عن 
حريطة الطريق. الوعد بضمانات القروض. والأهم من ذلك تعيين إليوت ابرامز في 
بملس الأمن القومي مشرفاً على ملف الشرق الأوسط. والرحل؛ اذ يتطلع الى 
شارون» يرى في امحارب الاسرائيلي قامة تشرشل ويعتبر ان أفضل وسيلة لدعم 
اليمين في تل أبيب هي تمتين التحالف بين يهود أمير كا واليمين الأقصى فيها. 

ان ادارة من هذا النوع لن تكتفي بوضع اليد على العراق ولكنها ستعمل على 
حفض سقف التطلع الفلسطيي الى أدن مستوى ممكن. 

تلتقي هذه الجذرية مع جذرية اسرائيلية واضحة للعيان. ورعا كان علينا ان 
نتساءل عما اذا لم تكن الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة مفصلاً هاما في تاريخ الدولة. 


غزو العراق وحال العرب 235 


م يطل الحديث عن «ما بعد الصهيونية» حى حققت الصهيونية» في 
صيفتها الأقرب الى التحريفية» انتصارا. ولعله من الواحب قراءة الحصيلة في 
المصير البائس لما يسمى اليسار سواء في شقه الذي شارك في حكومة الوحدة 
الوطنية (العمل) أو في الشقّ الذي عارض (ميريتس) ولقد كان ملفتاً ان الدرس 
الذي استخلصه يوسي سريد من هزعة حزبه هو أن السبب يعود الى عدم اعلاء 
الصوت كفاية ضد... ياسر عرفات. ويخدم هذا الدرس في تنبيه من يهمه الأمر 
الى ان المقترعين لم يكونوا يردون على العمليات الاستشهادية فقط وانغا على 
الح ركة الوطنية الفلسطينية عمجملها وعلى «الخونة» من بينهم الذين ارتكبوا... 
اوسلو! 

منذ أواسط السبعينات واليمين صاعد في اسرائيل. وأدت الحاولات المتعثرة لما 
يسمى اليسار (رابين» باراك) الى تأكيد هذا الصعود. فالأمر يعود الى تحولات 
دمغرافية جدية (راجع انضمام ناتان شارانسكي وحزبه الى «ليكود») والى شعور 
متزايد بالقوة المانعة ة لأي «تناز ل». 

إن يكيسناً إسرائيلياً معيناً يصعد الى موقع الهيمنة في امجتمع. وإذا كان شارون 
حل أولاً بين الجنود فإن الملفت هو أن عميرام منسناع حل ثالثاً. وهذا التحول 
صل بتيارات عميقة في المختمع وبحساسية خاصة تشده الى ما يجري في العام والى 
التموضع لمستجد للدياسبورا اليهودية على ين الخارطة السياسية في كل بلدان 
العالم. 

عصب الحركة الصهيونية الذي أسس الدولة وادارها لفترة ينتمي الى البنية 
الشوفينية في الحركة العمالية الأوروبية. وتحديداً الى هذه الحركة في أوروبا الوسطى 
والشرقية (دوها أكثر انحيازا الى بوش من أوروبا الغربية) حيث القوميات مأزومة 
وحيث البديل عن «اليسار الشوفيي» حر كات عنصرية حادة مثل جابوتنسكي 
الترجمة اليهودية ها وشكلت الفاشية مرجعها. 

وعاشت دولة إسرائيل لعقود في ظل استقطاب دولي واحتلت مكانا مميزا في 
قلب الاشتراكيين السعقراطيين الأوروبيين الذين رفضوا الاعتراف بأن الكيبوتس 
ليس ناظما حياتها. 


236 الان... هنا 


لم نعد اليوم أمام شيء من هذا القبيل. ولذا فإنه من المسموح لنا القول بأن 
نتائج الانتخابات الأخيرة قد تكون مؤشراً الى تأسيس جديد لدولة إسرائيل يستند 
الى التحولات الداحلية والدولية ويحاول الاستفادة من المعطيات الإقليمية الي 
ستنولد عن الحرب الأميركية على العراق ومشروعها للتغيير «الجذري» في الشرق 
الأوسط على حد وصف كولن باول أمس الأول. 

كتب ديفيد غروسمان: «انتصر شارون لأن أكثرية الإسرائيليين تعتقد أنه 
سيضرب الفلسطينيين بقوة أكبر». وهو سيفعل ذلك مدركاً أن جذريته المعيرة عن 
«اعتقاد» الأكثرية لن تصدها الولايات المتحدة ولن تقف في وحهها «خارطة 
طريق» نعاها سلفا ولن يخرص أصحاها عليها كثيراً. 

إن واحدة من هاتين الجذريتين كانت كفيلة بالنيل من الضعف العربي 
الاستنائي» رسمياً وشعبياً... فكيف إذا التقتا وضربتا معا؟ 

2003|28 


الإعلام الحربي 


ليس سرا ان السفارة الاميركية في بعروت» كما كل سفارة اميركية في العالمء 
تتصل بوسائل الاعلام لتعرض عليها خدماتقا في ما بخص تغطية «الحرب الحتملة» 
في العراق. اي ان السفارة تقوم بواحبها. 

السر هو ان القارئ او المشاهد اللبناني والعري لا يعرف الكثير عن تحاوب 
وسائل الاعلام المعنية. سينتظر» لكي يصبح مطلعاء بدء العمليات القتالية ورؤية 
المراسلين بأزيائهم الكاكية. في غضون ذلك يضرب نطاق من السرية حول 
الشروط الى يضعها الجانب الاميركي على الصحف والتلفزيونات من احل الموافقة 
على اعتماد المراسلين ومن معهم. 

فواشنطن تدرك بعد التحربة المرة في فيتنام» وف ظل ثورة الاتصالات الحالية» 
ان الاعلام اكثر خطورة من ان يترك للاعلاميين. وق المعلومات ان الصحافيين 
يُفترض هم مرافقة القوات الاميركية الغازية حصراء والتزام «ميثاق شرف» عنعهم 
من بث ما لا يحصلون على إذن عسكري ببثه من ضابط الموقع. وعلى الضباط ان 
يعودوا بالتسلسل الهرمي, امام قضايا شائكة» الى دونالد رامسفيلد شخصيا او الى 
رئيس الاركان ريتشارد مايرز. 

ولقد أكمل البنتاغون» حى الآن» تدريب 232 صحافيا على مهمات شبه 
قتالية ولكنه توقف عن ذلك لأن الوقت يضغط ولأن «الامن الاعلامي» سيتوفر 
ميدانيا. وهكذاء فإن مراسلا تلفزيونيا سيحد نفسه امام المعضلة التالية: هل في 
الامكان توجيه اي انتقاد الى ممارسة جندي اميركي يتولى حراس شخصيا؟ 

لقد جرى اختبار هذا الاسلوب في الحرب السابقة على العراق. وكان علينا 
ان نتتظر صدور عشرات الكتب اللاحقة من اجل معرفة حقيقة ما جرى» علما 
بأن بعض هذه الكتب فكك» منهجياء ما كان ينقل الينا على انه الحقيقة. 

ان تعليب التغطية الاعلامية للحرب هو قمة جبل الجليد في خطة محكمة ترمي 
الى السيطرة على مسرح العمليات الصحافي. فالبنتاغون لا ينوي ترك شيء 

237 


8 الآن... هنا 


للصدف. وهو جددء من احل ذلكء الاتفاق مع جون ريندون (ريندون غروب) 
الذي بات معتمده الرسمي منذ عشرين سنة: نيكاراغواء بناماء البلقان» هابيء 
افغانستان» العراق 1 والعراق 2. 

وظيفة راندون هي «هندسة الصورة» بالمعئ الاستراتيجي للكلمة. فهو 
الذي يساعد في انشاء الاذاعات الموجهة ضد العراق. وهو الذي اكتشف 
«العشيقة الشقراء» لصدام حسين. وهو الذي ساعد كولن باول في عرضه 
المرئني والسموع امام بجلس الامن. وهو لا يتواق عن اخحتراع أحداث تتم 
تغطيتها لاحمًا وعن ابتداع جمعيات يصبح رأيها مسموعا («التحالف من اجل 
العدالة في العراق»). 

والرجل منصرف منذ اشهر الى تحضير الحملة المسبقة للحرب والى وضع 
قواعد العمل الاعلامي ائناعها. وقي العدد الاخير من «لونوفيل ابسرفاتور» انه هو 
واضع الافكار التمهيدية للعدوان وعلى رأسها «تركيز السجال العام على ضرورة 
تغيير النظام في بغداد بسرعة»» ومن اساليبها «عمليات سرية لتغيير الرأي العام 
المتردد» (عرائضء مقالاتء تحقيقات» جمعيات وهمية...). 

يستحسن بوسائل الاعلام اللبنانية والعربية ان توضح للمستهلكين نوع 
الاجابات الي قدمتها الى الادارة الاميركية في ما يخص هذا الموضوع بالذات. ونحن 
نعرف ان سباقا محموما يحصل الآن من اجل انتزا ع موقع نموذجي من «التغطية 
الكاملة». ان هذا الموقع قد يدر مالا اعلانيا كثيراء ولكن المطلوب تحذير المواطنين 
مماتدفعه المنطقة مهنا لحصوها على الصورة الاميركية عن الحرب... وهي»› 
بالضرورة» صورة معقمة او وردية! 

2003|29 


الديموقراطية والتطلب القومي 


إن الرأي العام يختار إعلامه ويصنعه رعا أكثر تا يصنع الإعلام الرأي العام. 
ورا تنطبق هذه الملاحظة أكثر قي ما يخص المرئي والمسموع. 

ليس من باب الصدفة» والحالة هذه» أن تكون «فوكس» حسمت السباق 
لصالحها ضد «سي. ان. ان» في الولايات المتحدة. فهي أكثر التصاقاً مزاج الحرب 
العدوانية وأقل مهنية. وما أن الرأي العام الأمير كي متحمس للحرب بأكثرية 
واضحة فلقد انعكس ذلك على نسبة المشاهدة. 

لقد شهدنا في الأسابيع الماضية سباقاً بين الفضائيات العربية. ومّن يعرف 
طبيعة المناقشات في غرف التحرير» ومن يلاحظ درجات الإقبال جد ربطاً محكما 
بين تغطية تدين الحرب وبين ارتفاع عدد المشاهدين. القناة الأكثر نماحاً هي الي 
يُكثر من صور القتلى المانيين» وُظهر الدمار» وتتوقف عند الأسرى المدنيين» 
وتستخحدم قاموسا شدي الانحياز ضد «الغزو» و«العدوان». ليست وظيفة 
الفضائيات» العربية أو غيرهاء مخاطبة العقل. تكتفي باستفزاز المشاعر. والمشاعر 
العربية إلى جانب العراق. 

لهذا السبب وليس لغيره تحوّل وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف 
إلى ظاهرة شعبية. قد يقول قائل إنه لا يقول الحقيقة» وانه سخيف وسوقي» 
وشتّام» ودعاغوحي... وليس مستبعدا أن تكون هذه الأوصاف صحيحة خحاصة 
إذا حوكم الرحل بمعيار مخاطبة الرأي العام الأحني. غير أنناء هناء أمام نوع من 
التشاوف الذي يخطئ نماما في تعيين التطلب العربي. فالمواطن العادي يرى في 
الصحاف شخصاً شحاعاًء حاضرا في أرض المعركة: تعبوياء حريئاء رافعاً 
للمعنويات. لقد أعطى وجها لما أبداه العراقيون من مقاومة. 0 
حاحة نفسية لدى الكثيرين. وتحوّل غيابه إلى علامة خطر. واستفاد كثيراً من 
شبق عام إلى تصديقه. وساعده في ذلكء أن الحانب المعتدي ارتكب هفوات 
إعلامية بائسة. 

239 


0 الآن... هنا 


إن شعبية الصحاف استفتاء يوكد الرفض العربي العارم للعدوان. وهو عارم إلى 
حد أنه أقدم على معالحة الذاكرة فمحا منها ما كان يمكن أن يؤاحذ الصحاف عليه. 

فمة مثال آخر على الانحياز الشعي. إذا أحري استقصاء للرأي يقول: من 
تفضل قنة الجزيرة أم صاحب قناة الجزيرة؟ هل هناك من يشكك ف النتيجة. 
الجواب محسوم. وعكن» هنا أيضاء توجيه اتهامات لا تحصى هذه الفضائية. غير أن 
هذه الاتمامات لا تلغي إطلاقاً وحود تطلّب قوي لدى الجمهور العادي على موقف 
نضالي ولو رافق ذلك تأفف من هموم مهنية مو كدة. 

إن من واحب أي مسؤول أميركي أن يطرح على نفسه السؤال التالي: ذا 
احتارت الحكومة القطرية الصديقة خط سياسياً إعلامياً ل «الجزيرة» مناهضاً 
للخط الذي تتبعه الدوحة؟ الجواب؛ هنا أيضاء واضح. إن «الجزيرة» هي الستر 
الذي يفترض به تغطية عورة العلاقة مع واشنطن. ونذلك فإن الولايات المتحدة لا 
تمتنع عن تسويق النموذج القطري السياسي ولكنها تمارس اضطهاداً في حق الحزيرة 
يصل إلى حد القتل العمد. 


* © ة# 


تقود هذه المقدمات إلى تدعيم سجال مع «حزب الحرب» الأمي ركي . إن عليه 
أن يختار بين حالين: إما عالم عربي دبموقراطي ومعارض لسياسات واشنطن» وإما عام 
عربي قمعي ومسوق إلى تأييد هذه السياسات. أما العام العربي الديموقراطي والمؤيد 
للولايات المتحدة فهو ضرب من «الغول والعنقاء والخل الوقٍ». 

يدخل أقطاب من الحزب المشار إليه في نقاشات للدفاع عن وجهة نظرهم. 
يقولون: نعم لي الإمكان فرض الدموقراطية والصداقة مع أميركا بقوة السلاح. 
والدليل أن هذا ما حصل في اليابان وألانيا. يقولون: نعم في الإمكان فرض 
الديموقراطية بقوة السلاح حى في جتمع تعددي. يقولون: نعم في الإمكان التوصل 
إلى الدعوقراطية حى من دون تقاليد سابقة راسخة. والدليل أن هذا ما حصل في 
عدد من بلدان أوروبا الشرقية... 

يتناسى هؤلاء حقائق بديهية. 


غزو العراق وحال العرب 241 


ففي الحالتين الألمانية واليابانية تود شعور كاسح لدى الشعبين بأنهما عوقبا 
على عدوان قاما به. ولقد أدى ذلك إلى نشوء وعيء متفاوت بين البلدين» بأن 
الزيمة القاسية والدموية كانت هي الطريقة الوحيدة لتحررهما من نزعة عدوانية. 
لا ينطيق هذا النموذج على الوضع العري. فالشعور العام لدى العرب هو أ 
على امتداد قرن ونيف» ضحية اعتداءات متلاحقة تبدأ بالتقسيم وتر بالخدائع» 
وتصل إلى قيام إسرائيل وما استتبع ذلك من قهر (مستمر) كانت الولايات 
المتحدق في خلاله. راعية الاضطهاد والمسؤولة عن انكسارات كبرى. ليس في 
الأمر «بارانويا». هذه حقيقة لا تفعل الولايات المتحدة سوى تعزيزها كل يوم. 
ولذا سيكون مستحيلاً النظر إلى حرب أميركية على بلد عربي بصفتها فعل تحرير له 
وللمنطقة يقرد إلى دعوقراطية موالية. 

لا بلء أكثر من ذلك» ينظر العرب إلى أي لل في المقاومة العراقية للغزو 
بصفتها نتيحة طبيعية لنقص... الديموقراطية. وهم يعرفون أن العراق مستهدف 
لأسباب لا علاقة لما بالاستبداد (وإن كان يوفر ذرائع قابلة للتسويق) وأن 
الاستبداد هذا مسؤول عن ضعف النجاح في رد الاستهداف. 

إذا كان المثالان الألماني واليابان لا ينطبقان على الحالة العربية فإن الحالة 
الأوروبية الشرقية أقل انطباقا. 

نحن هنا أمام شعوب قادتها ظروفها التاريخية إلى دمج تطلبها القومي؛ ضد 
الاتحاد السوفياتي» بإيديولوجيا الخصم الدولي لموسكوء الديموقراطية السياسية 
والليبرالية الاقتصادية. غير أن الأصل كان التطلع القومي. 

أما العرب فإن الشرط التاريخي لتحقيق مشروعهم القومي هو وضعهم رغماً 
عنهم؛ قي مواجهة مع المستعمرين القدامى والحدد. لذلك حصل الدمج» في مرحلة 
ماء بين «التحرر الوطي» و«الاشتراكية». ولذلك» أيضاء وح مع تبدد الأوهام 
في ما يخص «الطريق اللارأسمالي»؛ فإن كل ما يحصل لا يغيّر شيئاً من حدة التطلب 
القومي. لذا لا يمكن نقل تجحربة أوروبا الشرقية حيث التحرر الوطي يقود إلى أفضل 
العلاقات مع الولايات المتحدة ما دام مدينا ها. إن واشتطن بحكم تعريفها لمصالحها 
في الشرق الأوسطء تحعل التحرر العربي في حالة صدامية معها. ولا تعود 


2 الآن... هنا 


الدعوقراطية» هذا المعين؛ سوى الشكل التنظيمي للحياة العامة الذي يسمح 
باحتمال تحقيق ولو انتصار ما ضد سياسة الإلحاق الي شرعت تأخذ شكلاً 
كولونياليا بائدا. 


© © © 


لقد كان «حزب الحرب» الأمير كي حا أمس في محاولته لتغييب صورة 
الحربء أي لتغييب الرأي العام عن الحرب. والأمر غريب بعض الشيء لحرب 
تُخاض تحت عنوان «الثورة الدركوقراطية». هناك من يزعم أن هذا السلوك سيبقى 
غالبا وأن الصراع من أحل الديموقراطية سيبقى من مسؤولية القوى العربية الأكثر 
جذرية في تعيين التناقض بين مصالح المنطقة والمصالح الأميركية» وخاصة تلك 
المصالح المنظور إليها من زاوية حلف المتطرفين في أميركا وإسرائيل. ليس في 
الإامكان نمرير هذه المصالح في وضح النهار. لن تر إلا إذا أعقب إطفاء الشاشات 

غرق العرب في ظلام مديد. 
200249 


العدوان أولاء الانهيار ثانياً 


التمثال قاوم أكثر من صاحبه. بداء لوهلة؛ أنه يرفض السقوط. غير أنه قي 
عناده» قدم تكشيفاً لهذه الحرب. حاول عراقيون قلائل زحزحته. لم ينجحوا. 
قصب راسنه يلم اموكي. ثم أزيل.. رفع علم غراقي. أنرل. قدت دبابة 
أميركية وتولّت» بالأصالة عن نفسها والنيابة عن الآخرين: طأطأة النصب. إفاء في 
ساعات قليلة» قصة النظام والشعب والاحتلال. 

لا يحوز مقاربة هذه الحرب من خلال نتيجتها فقط. الأسباب مهمة أيضاً. لذا 
نحن أمام سوالين لا واحد: لماذا حصل العدوان؟ لماذا حصل الاغيار؟ 

أما العدوان فلأن الولايات المتحدة أرادته. كان مشروعاً لبعض الإدارة الحالية 
يختمر منذ سنوات. تحوّل إلى خطة في سياق تفجيرات 11 أيلول والانتصار السهل 
في أفغانستان. تكاد أهدافه تكون معلنة سواء قي ما بخص إعادة هيكلة الشرق 
الأوسطء وتعزيز الحل الليكودي للقضية الفلسطينية» أو قي ما يتعلق ببناء نظام 
جديد من العلاقات الدولية. تريد واشنطن أن تحصد ما زرعته في المنطقة منذ 
عدوان 67» وأن تعوّض ما فاتهاء عالمياًء منذ انتهاء الحرب الباردة» وأن تستبق 
تطورات مدد بتقليص وزها حيال حلفاء وشركاء. 

م باء كير من وج نظر واشتطن؛ ينهض فوق هذه الحرب الي يكن 
اعتبارهاء بحق» فعلا تأسيسيا لمرحلة حديدة. ولذلك لم يكن في الإمكان إيقاف 
قطار الموت وكان لا بد من منع الحرب أو السعي إلى جعلها مكلفة. وتقضي 
الحقيقة القول إنناء اليوم» أمام فشلين. الفشل الأول هو في منع الحرب. وهو يطال 
مجلس الأمنء ودولاً نافذة» وقادة روحيين» وعشرات ملايين المتظاهرين. لقد 
حاولت بغداد تسليحهم ما بمكنهم من صد الاندفاعة الأميركية غير أنهم لم يتمكنوا 
من ذلك. الفشل الثاني هو في جعل الحرب مكلفة. وهذا حديث آخر. 

يخطئ من ينظر إلى يوم أمس فلا یری فيه إلا دخولاً سهلاً إلى بغداد. إن أسباب 
الالميار لا تتحاوز 9 نيسان 2003 فقطء ولا العشرين يوماً من القتال فحسب. 

243 


244 الان... هنا 


لقد كانت نتيجة الحرب محسومة منذ لحظة انطلاقها. ولقد خدعنا بدفعة 
مقاومة لم تلبث أن اختفت. وعادت موازين القوى لتفعل فعلها. 

إن ما حصل أمس هو تتويج لحروب عمرها ما لا يقل عن 23 عاماً. كان 
سبقها تحطيم لمعظم القوى السياسية العراقية وق ركز استثنائي للسلطة. لقد حرج 
العراق من قتاله مع إيران بحيش «قوي» ومجتمع منهك. ثم دخل المغامرة الكويتية 
فخرج منها يحيش محطم وبجمتمع منكسر ومدمى ويائس خاصة بعد العنف الداحلي 
القاسي. وتبع ذلك حصار لم يعرف العالم مثيلا له. كانت العقوبات مؤذية» 
وتقلصت السيادة كثيراء غير أن قدرة النظام على التحكّم .عواطنيه ازدادت في حين 
كان النسيج الوطي يتعرض إلى تمزق يكاد يضعه على حافة الاندثار: قمع» جوع» 
فقرء أمية» تفكك العلاقات الإنسانية» زيادة الجرعة, انعدام الصلة بالخارج انخطاط 
الثقافة... وعندما لاحت بوادر العدوان الجديد كان العراق حطاما ومؤسسات 
السلطة منخورة. 

إن عراقاً على هذه الشاكلة لا يستطيع الصمود الجدي أمام أقوى آلة عسكرية في 
تاريخ البشرية. لذلك لا غرابة أن يحصل التداعي الذي شهدناه والذي يتوّج مرحلة 
تاريخية كاملة. لقد كان النظام هو نقطة الضعف المائلة في الدفاع عن الوطن لأنه لا 
يستطيع استنفار سوى أقلية. ومع ذلك لم يستشعر رئيس النظام واجب أن يتظاهر 
بسحب يده من «المقبّلين» وذلك قبل ساعات من موقم اي سبيله... أو الهرب. 

عندما وصل الغزاة وجدوا ظل مجمتمع أو بقاياه. لم تحصل انتفاضات شعبية 
ضد الاحتلال» ليس لنقص في الوطنية. ولم تحصل انتفاضات شعبية ضد النظام» 
ليس لنقص في رفضه... لم تحصل انتفاضات لأن الشعب العراقي» رعاء دون 
القدرة على ذلك. إن عدد الذين تجمعوا لإسقاط التمثال يقارب عدد الذين هرعوا 
يقبّلون الأيدي... وهو قليل. 

يفيق معظم العراقيين اليوم على بلد آخر. إن أكثرية ساحقة يينهم لا تعرف 
إلا هذا النظام الذي حكم لعقود. 

انتهت» أمسء عملياً «ثلاثية»: الشعب النظام الاحتلال. سيجد المواطنون 
أنفسهم أمام جيوش أحتبية. هل هي حيوش غزو؟ هل هي حيوش تحرير؟ قبل 


غزو العراق وحال العرب ‏ 245 


إطلاق تقديرات حول صيغة العلاقة في ثنائية الشعب الجيوش الأجنبية» يتوجحب 
إجراء تقدير دقيق لما كان عليه السلوك حين كانت «الثلاثية» مسيطرة. 

الواضح في خلال العشرين يوما الماضية أن الشعب العراقي أعطى النظام فرصة 
الدفاع عن نفسه. لقد كان رفض المشاركة الشعبية أسلوباً في الحكم طيلة عقود. غير 
أن هذا الرفض انقلب ليصبح حكما على السياسة السابقة من دون أن يكون ترحيبا ما 
هو قادم. لقد تفرج العراقيون على الحرب إذا كان جالزا استخخدام هذا المصطلح. لم 
تبادر مدينة إلى «إسقاط نفسها». ولكن انحيازات متفاوتة حصلت إلى الفريق الرابح 
بعد ربحه وبشكل لا يسمح بالحسم في ما كانت عليه التمنيات السابقة. 

يصعبء والحالة هذه» تفسير الرسالة الي وجهها العراقيون في خلال ثلائة 
أساييع. هل سيميلون إلى الاستكانة وإعطاء الحتلين «فترة سماح»؟ هل سيرفضون 
حكما أجنبياً ولو اختبأ وراء عملاء محليين؟ إن القرار قرارهم طبعاً ولكل وحهة 

إن عوامل كثيرة ستتدحل ل «مساعدة» العراقيين على الاختيار. ولكن ما 
يمكن الحسم فيه» منذ الآن» هو أن اليمين الأميركي الأقصى سيحوَّهم إلى حقل 
احتبار لأطروحاته الخطيرة. 

لقد حرج هذا الجناح منتصرا في الحرب الأخيرة الي كانت في العمق» 
اعقبار! أونسياً لنظريته في الضربة الاستباقية. وسيعتير أن من حقه ممارسة سياسة 
«الشهية المفتوحة»... على العراق أولأء وجيرانه تالياء والعالم كله استطرادا. ويعن 
هذا الكثير بالنسبة إلى هوية البلدء وثقافته» وروابطهء واقتصاده. وتوازناته الداحلية» 
وموقعه لي منطقته» ومستقبله... إلخ. إن هذا «الكثير»؛ تا نعرف عنه بعض 
الشيءء هو فوق طاقة «المعارضة» على التحمّل ما عدا بعض الغلاة من رموزها. 

قد لا تكفي جذرية هذا اليمين الأميركي وحدها لإنتاج رد فعل عراقي 
سلبي. ولكنها توفرء بالتأكيدء شرطاً ضروريا (ولو ليس كافياً) لأن يخلط المرء بين 
توقعاته وتمنياته» ويرجح أن العراقيين لن يستطيعوا تلبية دفتر الشروط. 

2000] 10 


أفكار مجهولة المصدر 


كيف يخطر ف بال معارضين عراقيين سابقين مخاطبة الأميركيين بالشعار 
التالي: لقد حرّرتموناء شكراء ارحلوا؟ هذه جملة مجهولة المصدر والسياق. لا مع 

ها. ومع ذلك فإفا تتردد كثيراً. هل اهي تاجمة عن تقض آي الرعى المبياسي؟ وقي 
هذه الحالة يكون التقدير صائياً في ما بخص «ديكتاتورية النظام» ولح يكون 
صبانياً في ما يخص الدوافع الأميركية. وعكنه» أيضاء أن يكون تصديقا حرفياً 
لادعاءات واشنطن عن «الخير» الذي أزاح «الشر» من دون أن تكون له مصلحة 
في ذلك إلا فعل الإزالة نفسه. فمن يقرأ تصريحات الرئيس جورج بوش عن نواياه 
حيال العراق لا يشك لحظة في أنه أكثر غيرية من الصليب الأحمر. وقد لا يؤثر في 
ذلك أن قواته كانت تصيب العشرات» في اللحظة نفسها تقريباء ف الفالوحة. إن 
«حرّرتموناء شكرأء ارحلوا» قد تفر بأنها صيغة احتيالية وريثة لأطروحة «البلهاء 
المفيدين»: لا للحرب لا للديكتاتورية. وهي كذلك لحهة إيهام النفس بالقدرة على 
الربح في بحالين متضادين. وتكاد تشبه» أحياناء أكذوبة السفارة الأميركية ال تدفع 
لأحد العملاء... الجزية. وبقدر من المبالغةء يمكن القول إن الله سككّر الجيوش 
البريطانية والأميركية لنصرة معارضين وا أن «المكتوب» حصل بات تسليم الأمانة 
واحباً. وليس مستبعداً أن تكون العبارة تعويذة يراد بها المع بين كراهية صدام 
حسين وإبلاغ بوش بعدم محبته. إا نوع من حل لفظي لمشكلة نفسية. 

كيف يخطر في بال راديكالي فلسطيين الاعتقاد بأنه قادر على إحلاء إسرائيل 
عن كامل الضفة والقطاع وانتزاع حق العودة من دون قيد أو شرط؟ وهذا 
الراديكالي هوء على الأرحح» إما أصولي أو متحدر من أصول يسارية. أي إنه» في 
الحالتين» يفترض فيه الاعتقاد بأنه حزء من معركة أوسع كثيرا من بحرد الثنائية 
الفلسطينية الإسرائيلية. 

يتناسى هذا الراديكالي تاريخ السجال «الوحدة طريق التحرير» أو «التحرير 
طريق الوحدة». ومن حقه؛ رعاء أن يتناسى لأن أحداً لم يسحل؛ بحد أدن من 

246 


غزو العراق وحال العرب 247 


العقلانية؛ نتيجة هذا السجال. المهم أن وعياً ردي يأ ليملا هذا الفراغ. ففي 
خلفية شعار «انتفاضة حى النصر» قلة إدراك لمعن إسرائيل» وموقعهاء ودورهاء 
وخحصوصية المقاومة الفلسطينية لاستعمار استيطاني هو فريد من نوعه هة التوازن 
الدعوغراقي الذي يوحده» ولجهة استهدافاته الي تتجاوز أرض فلسطين. 

غير أن الأخطر من ذلك هو أن «انتفاضة حي النصر» هو ضوء أحضر لكل 
المتخلين العرب والمسلمين عن الانتقال من «التضامن الأحوي» مع الفلسطينيين إلى 
اكتشاف الصاح الفعلية الوطنية والقومية قي حوض المواجهة. إن الشعار ييي حى 
النخاع ويوظف لغة قطرية ثورية في حدمة تخاذل عام. ويمكن له» عند الممارسة» 
أن يقود إلى نفج عدمي يحرّل الشعب كله إلى «استشهادي» يتر كز هه في الثار من 
الاحتلال لا في إجلائه. 

إن التصرف وكأن احتلال العراق لا يغيّر شيعا خطير. وهو لا يفعل» 
عملياء سوى تعبيد الطريق أمام كل من يريد أن يذهب في استنتاحاته إلى الحد 
الأقصى... المعاكس. ويصح هذا التقديرء أكثر ما يصح» عندما يكون 
التصرفون على هذا النحو ينتمون إلى تيارات تضع الصراع الفلسطيئي 
الإسرائيلي في إطار أوسع» وتتنبّه إلى أن الخصم المباشرء هناء هو جزء من 
معسكر يمتد نفوذه على العالم كله. 

كيف يخطر في بال مسؤول سعودي الاعتقاد بأن الإعلان الأميركي عن إعادة 
انتشار القوات خارج المملكة لن يؤثر في العلاقة بين الدولتين؟ الفكرة تبشيرية 
بالكامل وترنض أن تواجه واقعاً مستجداً: لقد تحرّرت واشنطن مرتين من الرياض» 
عسكريا ونفطيا. وكان لحاء مع تفحيرات 11 أيلول» أن حسمت في لا جدوى 
الاستفادة الإيديولوجية. 

ولن تتأخر الأيام في إثبات أن الإدارة الأميركية» صقورها تحديداء تملك دفتر 
شروط تضغط من أحل تنفيذه. وإذا كانت بتود من هذا «الدفتر» أعلنت في 
الأشهر المنصرمة فإن الآ أعظم ومن العبث التصرف وكأن شيئاً لم يحصل. 

كيف يخطر ني بال قطري أن يتحدث عن «تحالف» بين دولته وبين الولايات 
المتحدة الأميركية؟ يخطر. 


8 الآن... هنا 


كيف يخطر في بال مثقف عربي أن يعتير نتيجة الحرب على العراق غير عادلة؟ 
نعم كانت الحرب ظالمة أما النتيجة فعادلة. وهي كذلك لأا كافات الأكثر 
استعداداً وعاقبت الأقل استعدادا. وعبثا تعريف الثاني بأنه «النظام العراقي» وحده. 
إنه بحموع الجهد العربي العام المبذول منذ عقود إن لم يكن للنهوض فلوقف 
التدهور. لقد اعتقد البعض أن التاريخ سيساعد قي تحويل الهزائم العربية الكمية إلى 
اتقصار نوعي. غير أن أحداً لا يطيق هذا النوع من المزاح السمج. إن كل تفكير 
في درجحة الظلم في هذه الحرب قاصر إذا لم يحرؤ على مواحهة معن «عدالة 
النتائج». 

كيف يخطر لمناضل عضو في «المؤتمر العربي العام الثالث» أن يوافق على عبارة 
تقول: «إن الوحدة العربية» بصرف النظر عن الأشكال الدستورية الي يمكن أن 
تتخذهاء هي اليوم ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضىء فالكيانات الكبيرة 
وحدها هي القادرة على التصدي للأنواء الدولية». إن هذه «الكيانات الكبيرة» 
ليست في أمر اليوم. ولكن «التصدي» خيار لا بديل منه. فهل يمكن الارتهان إلى 
«ضرورة» وحدة تزداد ابتعادا خاصة أن التهديدات تطال الكيانات القطرية. 

تبدو العبارة فعل إيمان لا علاقة له بالواقع العياني. وتدل على أن الخطأء رعاء 
هو أن يخطر في بال ساذج إمكانية أن تحصل المراجعة المطلوبة وأن تذهب إلى 
نمايتها. 

هذه نماذج سريعة عن أغاط تفكير تنتمي إليها أطياف المشهد السياسي 
العري. وهي تدل» موضوعة في سياق تاريخي» على أننا نعيش أفضل أيامنا لأنناء 
بعدة من هنا النوع» سنترحم على يوم سقوط بغداد. 

2001 1 


الأزمة ووعي الأزمة 


مَن زعم أننا عصاة على التغيير؟ ها نحن ننسف طقوسنا. اعتدنا أن نتتقل من 
الهزيمة إلى النقد الذاتي إلى الإعداد لمزيمة تالية. ها نحن نعبر من الهزعة إلى الهزيمة من 
دون عناء التوقف عند محطة المراحعة متظاهرين أننا نحاول التفكير في «معق 
النكبة». 

ن ركب قطار التدهور السريع. ونستغني به عن أكذوبة الاحتفال جلد النفس 
الي هيء في حقيقة الأمرء قابلة الأفكار الأكثر تردياً. نستعيض عن جال عبد 
الناصر .عسوخ الناصرية. وننحط من صدام حسين إلى «بقايا نظام صدام حسين». 
ونمحول فيصل القاسم إلى أمين عام الجماهير العربية» وأسامة بن لادن إلى مرشد 
روحي» وعنتر الزوابري إلى قائد ميداني» وسعد الدين إبراهيم إلى رمز النضال 
السعوقراطي» و«بنك المدينة» إلى غوذج الليبرالية الاقتصادية» والانتخابات بالتعيين 
إلى ممارسة للتعددية» وتفجير المقاهي إلى تحرير فلسطين» إلخ... 

لقد بتنا نرى قي الاحتلالات الي نتعرض لها مأزق الحتلين» وقي تصعيد عنف 
الاحتلال تصديرا لمازق الخصوم حي لم يعد مفهوماً لماذا جرى اختيارنا هدفاً 
تنصب عليه هذه «المآزق»» حاصة إذا ازدادت تأزما. 

إن كل إطلاق نارء عندناء مقاومة. وكل مأدبة منتدى فكري. وكل رصف 
للكلمات مطالعة. وكل إنفاق استثمار. وكل رشوة إعادة توزيع للثروة. وكل 
إحسان مكرمة. وكل إضراب عطلة. و كل تنظيم عشيرة. وكل طائفة أمة. وكل 
بلد عربي جار خصم. وكل مؤسسة مشتركة مزحة. وكل حاكم إله. وكل برلمان 
غرفة صدى. وكل فكرة سلعة. وكل جامعة حضانة. 

نعحز عن إنتاج وعي مطابق يكون جذريا في واقعيته» ممسكاً بالأحوال في 
جؤزهرها وبحاريها العميقة؛ مميزأ بين القشرة الي نراها والعمارة الي تحملهاء مملياً 
قدر الواحب وكونيا قدر الإمكان» مدركا مشاكل اللحظة وتحديات المستقبل» 
محددا المعضلات الملموسة والعلاحات المتاحة. 

` 249 


250 الآن... هنا 


لم يسبت أن كان التفارق هذا الهول بين الأزمة ووعي الأزمة. ولم يسبق أن 
كان المواطن العاديء إلى هذا الحد متفرحاء أو مزنرا بحزام ناش وكيا 
عند أبواب دعاة «التحسير» و«ردم الموة» المتشكلين بصفتهم الجناح المتنور 
المزعوم لسلطات عربية موغلة في الفشل. 
لا يطال الفشل تحقيق إنجاز فحسب. إنه فشل في أن نكون فاشلين. وفي وقت 
تسنحو نزعة الرفض نحو دموية عبثية» تتحول محاولة التكيّف إلى مسخرة» خحاصة 
مدقا يفال فيها إفا ية قزارات حزة ولت راء تا كان ييه ياسين 
الحافظ» «خبطة الحذاء الاستعماري فوق جباهنا». 
لم ننجح في شيء ضد الولايات المتحدة. غير أننا سنتحح في إحباط 
«الدركوقراطية القادمة فوق دبابة». وسينشأ تواطو غريب من نوعه بين ثلاثة أقانيم: 
كذب الادعاء الأميركي؛ رعونة العداء لما هو أجنيء الحالة ما قبل المحتمعية لبلداننا. 
والأفق الواضح هذا التجاح دوام المستنقع الحالي وزيادة البعوض الطنان فوقه. 
... وقل إن هناك من أنخذ على أدونيس رثاءه لبيروت. وقل إن هناك من 
يستطيع الادعاء بأن فورة المعارض» والمتتديات» والزيارات» والأيام الثقافية؛ وأساييع 
السينما أو المسرح» تشكل حياة جديرة بهذا الاسم تغيي وتراكم وتحدث تقدما. 
لو تأخرت محاضرة أدونيس شهراً لكانت الأيام زودته بالكثير. ولكن المأساة 
هو أن الزاد نفسه كان استخدم من قبل الذين اعترضوا عليه وساحلوه من أجل 
المفاخرة .ما تحتضنه المدينة سواء كان إنتاجا محلياً أو انعكاساً للرثاثة العربية. 
لكل الحق في امتلاك وجهة نظر نقدية في بيروت ومآهاء أي لكل الحق قي 
مخالفة ما قاله الشاعر وكاد يعتذر عنه. ولكن ما لا يجوز تمريره هو هذا الخلط 
الغفريب بين نشاطية تفوح لها رائحة المباخر وبين موم أصلية» عميقة» يتم التعبير 
عنها بعيدا عن قصور المؤتمرات. ويكاد المرء يقول إن العلنية همة أو اها حمّالة همة. 
فلا شيء يرحى من الاحتفالء والأهة» والفخامة» والاستعراض» ومآدب التكريم» 
وتحويل المآأسي إلى عنصر... ترفيهي. لا شيء يرجى إلا الإدراك أن انحطاطنا 
ووعينا يسيران في خطين متوازيين» ومتعارضين فوق ذلك! 
2003126 


الجامعة العربية: 
مقفلة بسبب «الإصلاحات» 


أدى الخوف من الفراغ إلى حراك ملحوظ في الوضع العربي. لا بد من إنقاذ 
«مؤسسة القمة» بعد الحجر الذي رماه زين العابدين بن علي في المياه الآسنة بقراره 
تأجيل القمة العربية الأولى بعد سقوط بغداد. 

يبدو أحياناً أن متحمسي اليوم للاتعقاد هم مقاطعو الأمس. كانواء فاية 
الأسبوع الماضي» فاترين لكن الأمر هاهم. لا معن لغيابهم في ظل إرجاء التمرين 
الطقوسي المخصص لإبداء الحرص على تضامن عربي مزعوم. ليس معروفاً أن 
لأحدهم مشكلة خاصة مع تونس أو رئيسها لكنه أحرجهم وهددهم بأنت تضيع 
عليهم فرصة. 

الفرصة المهددة بالضياع على أركان النظام العربي هي القمة بصفتها «الوقت 
المستقطع» من سياساههم الفعلية. ففي عاديات أيامهم يبحثون» مع المركز 
الإميراطوري» عن الخلاص الفردي ولو عرّضهم ذلك لانكشاف أمام جمهور يضيق 
ذرعا بدرحة الخنو ع. لذا فإن القمة هي مناسبة متفق عليها لاتخاذ مواقف غير قابلة 
للتنفيذء أي غير عالية الكلفة» تسوّق أمام الشعوب للإيحاء إليها بأن ما تعتقده 
«شياً» نط إنما هو حي يرزق. إن القمة هي أداة من أدوات استمرار النظام 
العربي لأها تسج في الغالب» ما يعاكس السياسات القطرية لفظاً وتندرج» هذا 
المعيئن» في السياق التناسلي لخطاب قومي لا زال يملك بعض الشرعية. إن ترك 
الأنظمة العربية على حقيقتها يمكنه أن يتحول إلى مشكلة لذا لا بد من هذه القنبلة 
الدخانية الي اتفق على رميها دورياً مرة في السنة. إن القمةء في ذهن المؤتمرين» 
أفيون الشعوب العربية. 

إن هذا هو المنطق الذي تحكم بحدول أعمال هذه الدورة. فبالضبط لأن النظام 
العربي قاد الأوضاع إلى درك غير مسبوق كان مضطراء لسد الفحوة, إلى الإيحاء 
بأنه سيرتقي» في تونس» إلى ذروة غير مسبوقة. لم يكن التوحه هو التنازل عن 

251 


252 الآن... هنا 


بعض السيادة لصاح «العمل العربي المشترك» بلء أيضاء عن بعض التفرد لصاح 
قرار جماعي بإشراك الشعوب. أي أن القمة كانت مدعوة لأن تكون رائدة قياسا 
بالتجمعات الإقليمية الممائلة تعويضاً عن أفاء نعل شديدة التخلف عن هذه 
التجمعات. ولكن ثبت» بالملموسء أن هذا الوهم لا يعمّر طويلا. كان ربيع تونس 
قياسيا في قصر عمره. 

والأنكى من ذلك أن تقصير العمرء أي قرار إغاء الاجتماع» قدم بصفته قرارا 
سيادياً لا مشاورة فيه في حين أن موضوع البحث هو التنازل الحزئي عن السيادة 
وزيادة التشاور. أعلن الرئيس بن علي» تقريباء أن الوزراء العرب «أشخاص غير 
مرغوب فيهم»» أي أنه أوغل في ممارسة السيادة في حين أن 000 
اجتماع ترعاه الجامعة خخارجاء ولو بعض الشيء؛ عن أنظمة البلد المضيف» و 
عا تتمتع به» في العادة منظمات ومقرات ليست تابعة لهذا البلد المضيف. 

ما إن نشا الفراغ حى ساد هلع للئه. ومن الصعب الحزم» اليوم ما إذا 
كانت القمة ستعقد وأين ومئ. غير أن ما يجب قوله هو أن الأسباب المرجحة لهذا 
الخيار أو ذاك لا علاقة لها عموجبات العمل العربي المشترك. إن توفير النصاب رهن 
بقرارات «سيادية» تتخذها الحكومات. يعي أن القمة ستنعقد إذا توفرت أكثرية 
ترى ضرورة ذلك در لانكشاف داخلي مهما كان محدوداء ا 
أميركي. في مثل هذه الحالة يمكن لمن يدعو أن يلى. 

عندما تنعقد القمة»ء ذات مرة» سيبدو على جسدها آثار الرضات الي 
تعرضت ها وأدخلت عليها قدرا من التعديل الوظيفي. لن تعود إلى أدوارها السابقة 
الى شهدت للحقيقة» تحولات كثيرة. إن توازنات جديدة ستنشأ ضمنها تعكس 
التحولات امائلة في العا م والمنطقة. لقد تغيّرت أوراق الاعتماد الي يقدمها كل 
نظام إلى الولايات المتحدة ويستمد منهاء منذ عقود» بعض نفوذه. ثمة عناوين 
تراجعت أهميتها: المشاركة في عملية السلام» الحرص على إبقاء سعر النفط 
منشفضاء الاندراج في a‏ ية الأميركية الكونية وتوفير الزاد الإيديولوجي ها 
(الاسلام المحافظ)... ثمة ترتيب جديد لأولويات أوراق الاعتماد. المشاركة في 
السلام» مشن e‏ ببساطةء لا وحود لعملية سلام ولا اهتمام بذلك. 


غزو العراق وحال العرب ‏ 253 


يكفيء هناء كبح القوى الضاغطة على إسرائيل. أما التفط ففي العراقٍ وليبيا 
وغير هماما يكفي/ مد ونا تر السقودية ف ی ن ارقي اوها أرقا مانا 
أن «إسلامها» مصدر مشكلة لأميركا وليس سلاحاً في يدها. 

من أوراق الاعتماد الجديدة مكافحة الإرهاب (من «القاعدة» إلى فلسطين 
ولبنان)» والخلاص من أسلحة الدمار العربية (ليبيا)» وتمكين المرأة (تونس)» 
والمشاركة في تطبيع الوضع العراقي» والإصلاحات التجميلية الى لا تمس أواليات 
التبعية... إن هذه الأوراق ستدفع عواصم حديدة إلى الواحهة وتحدث» رعاء 
اصطفافات عربية غير مسبوقة. 

لقد لوحظ أن العراق لم يكن بالنسبة إلى عكري ونس موطع ا 
واشنطن مع أنه كذلك قي موتمرات أوروبية أو انتخابات إسبانية وغدا إيطالية ورعا 
أميركية! لقد تأقلم النظام العربي مع واقع الاحتلال ولا مشكلة لديه في التعاطي مع 
بلد ذي قابلة أميركية أنحبته بالقوة. ولقد كان هوشيار زيباري عالي النيرة في 
التطلب الإصلاحي الديموقراطي ما يوشر إلى وظيفة مستقبلية للعراق» في حال 
تعمّمت الحالة الكردية عليه ضمن الوضع العربي: تقدم نموذج الالتحاق 
الديعوقراطي كعنصر ضغط راد للركوقراطيته أن تغطي تبعيته. 

صت نظرياء على حسم هضم الحالة العراقية أن يبقى على نفسه حيال 
الحالة الفلسطينية. ومن «حق» الولايات المتحدة أن تلاحظ هذا الأمر وأن 
تستهجنه وأن تطالب الأنظمة العربية بقطع الخطوة الأخيرة نحو إعادة صياغة 
موقفهم الفلسطيي باتخاذ العراق نموذحاً. . قفي مثل هذه الحالة لا يعود الاحتلال 
المشكلة وإنما المقاومة»› ويصبح الإرهاب بديلاً عن دبموقراطية مرتحاة» ولا يعود 
الاستقلال حقاً إلا بعد الشفافية المالية! 

ولأن واشنطن تعتبر ذلك حقها فإفاء على الأرحح» لم تكن راضية عن 
حصيلة التسويات الي كان المجتمعون في تونس متجهين نحوها. لماذا؟ 

للقمة العربية» من وجهة نظر أميركية» موقع في سيناريو. كان عليها أن تطلق 
سلسلة قمم الصيف الغربية بتوجيه «نداء إصلاحي» يتجاوب معه الأمي ركيون 
والأوروييون وقمة الشاي وحلف شمال الأطلسي. 


254 الآن... هنا 


غير أن «النداء» الذي كان مرححاً صدوره» قبل التأحيل» يتضمن ثلاثة 
عيوب: فهوء أولأء إصلاحي أقل ولا يترك بالا لعلاقة مباشرة بين مصادر 
التمويل الغربية و«المجتمعات المدنية» العربية. وهوء ثانياء يقحم تسوية النزاع 
مع إسرائيل في صلب الشروط المطلوبة «لإزالة يؤر ا والإرهاب ويوجه 
طاقات دول المنطقة نحو التنمية الشاملة». وهوء ثالثاء يدعو إلى التفريق بين 
الإرهاب وبين «النضال المشروع لمقاومة الاحتلال». ليس هذا أكثر مما تتحمّله 
أميركا فحسب. إنه أكثر تا تحتمل صدوره عن القمة» وأكثر تًا تعتقد أا في 
موقع يسمح ها بالمطالبة به. ورىا كان هنا «سر» تأجيل الاجتماع إلى حين 
إحراء المشاورات اللازمة مع واشنطن لإصدار «نداء» لا يحمل التحفظات 
العربية (وهي. أيضاًء أوروبية إلى حد ما). 
لقد أقفلت الجامعة بسبب التصليحات. أي بسبب الاختلاف على برنامج 
المر حلة المقبلة. فما تريده الولايات المتحدة» بعد هميش النزاعات» وبعد ضمان 
مصالحها الاستراتيجية والنفطية والاقتصادية» الضوء الأحضر الرسمي لكي تجمع إلى 
استتباعها النظام العربي حق التدخل المباشر فيه من أجل دعم ورعاية الأنوية الأكثر 
قدرة من الأنظمة على جمع فضيلي التبعية و«الدكوقراطية». 
0 2001 


صراصير وطيور 


يكون المواطن العربي «صرصار» أو يكون من صنف «الطيور». وإذا شاء له 
حظه يكون بين ال4 في المثة. 

هذا التقسيم لفئات المجتمع ورد في افتناحية جلة عربية (كانت رائدة) كتبها 
رئيس بحلس الإدارة رئيس التحرير. والافتتاحية مخصصة للبحث في موضوع 
«التغيمر». ليس ذلك الذي كثر الحديث عنه .مناسبة مشاريع إصلاح الشرق 
الأورسط الكبيرء بل ذلك المطروح في بلد عربي مركزي والتعلق بشائعات عن 
احتمال الإتيان بحكومة جديدة... تمهد لولاية رئاسية حديدة يفترض فيها أن يجدد 
الرئيس لنفسه ضنا منه بشعبه أن يحكمه شخص آخر. 

عندما تتحدث الافتتاحية عن معارضة محتملة تتحدث عن «الميول السلبية 
الهدامة لشرائح معينة تعيش بيننا لا تتمتع بشيء سوى قرون استشعار صرصارية 
تحيد من خلالها استشعار اهتمامات الناس» فتسرع بالقفز عليها وتحريكها في 
اتجاهات ذاتية تخدم مصالحها الخربة». 

مقابل الصراصير الى تدب هناك الطيور الي قب. 

والطيور كناية عن المواطنين «الصالحين». يقول كاتب الافتناحية: «وفي 
إطار... هذه القوانين السماوية فقد قرأت مؤخرا عن معلومة في منتهى الغرابة 
مؤداها أن العلماء أحروا سلسلة من الاختبارات على الطيور الي قاجر إلى 
مسافات بعيدة دون بوصلة أو مساعدات ملاحية (هل هناك طيور ببوصلة 
ومساعدات ملاحية؟). وأثناء طيرانها فإن طائراً بعينه يحلق في قيادة هذا التشكيل. 
واكتشف العلماء بواسطة أجهزة خاصة أن هذا الطائر بالذات يتمتع أكثر من غيره 
بنشاط غير عادي في مخه... هذا النشاط هو الذي يجعله قائدا يقبله الجميع بالغريزة 
البدائية. وهنا قاموا بتجربة أسقطوا خلالما هذا الطائر. ولدهشة الجميع كان من 
تول بدلاً منه قيادة سرب الطيور هو من يليه مباشرة من حيث نشاط الإشارات 
المنبعثة من مخه والِيِ وهبه إياها سبحانه وتعالى دون غيره من الطيور! 

255 


256 الآن... هنا 


حي الطيور أدركت هذه الحكمة الإلحية فما بالنا بالإنسان الذي هو أفضل 
الكائنات على وجه هذه الأرض الفسيحة؟!» 

نمة تقصد طبعاًء في الإشارة إلى قائد سرب الطيران» لكن الأهم هو نسبة 
القيادة إلى «إشعاعات منبعثة من المخ» وتحويل المواطنية الصالحة إلى تقبّل تمليه 
«الغريزة البدائية» ثم مطالبة البشر بأن يكون سقف طموحهم تقليد الطيور حى لا 
يكونوا» ضمناء من فئة الصراصير. 

ن إذاء أمام قائد مشع ورعية تقودها الغريزة ومعارضة ذات قرون استشعار 
صرصارية. لكن الناقص هو الجهاز الحاكم الذي يسوس الدولة والادارة والاقتصاد 
والثقافة... تقدم الافتتاحية جوابا حاسما يسد هذا النقص الفادح: «ان الله سبحانه 
وتعالى كما تقول النظريات الحديثة لعلم الاجتماع وهب لكل جتمع إنساني نسبة 
محددة من البشر لا تتحاوز 4 في المئة وتكاد ان تكون متساوية في كافة المجتمعات 
فيما هو دليل آخحر على عدالة السماء... هذه النسبة من البشر هي الي تستطيع 
قيادة المجتمع الى آفاق التقدم والتطور. لذلك فإن كل المحتمعات المتحضرة تسعى في 
البحث للكشف عن هذه الحفنة المباركة من البشر لتدفع يمم الى مواقع المسؤولية 
حن يدفع هؤلاء بدورهم باقي فئات المجتمع الى ما يرجون تحقيقه وإنحازه من أجل 
حياة أفضل للجميع». 

هذه الارسستقراطية من ذوي الدم الازرق هي هبة المية على شكل ميزات 
بيولوحية من احل عون قائد الطيور. لم نعد امام «الحق الالحي» ولا امام التفوق 
العرقي بل امام اندماج الامرين عا يجعل محرد التفكير بحق البشر في الاختيار 
والمحاسبة تبحديفا على الرب والطبيعة. المطلوب هو المساعدة في التفتيش عن 
«النجوم البارزة» وتقدعهاء مثل لائحة طعام» الى صاحب القرار. وكل تأخير في 
التغيير يكون ناجما إما عن كسل من المجتمع ني التفتيش وإما عن حرص صاحب 
القرار ودقته وأمانته «على المسؤولية ال احتارهًا له الاقدار». 

وهذا الشكل تكتمل صورة اجتمعات العربية في افتتاحية هذه المحلة الي 
کانت» ذات يومء رائدة. 


قد لا يصدّق القارئ ان ما تقدم صحيح. قد لا يصدق ان الابتذال يصل الى 


غزو العراق وحال العرب 257 


هذا الدرك. قد لا يصدق ان هناك من يكتب هذه الكلمات وهناك من يقرأها ثم 
يستمر الوضع وكأن شيعا لم يكن. من لا يصدق بوسعه قراءة هذه «التحفة»» 
ومواضيع غيرهاء طالما ان المجلة قي الاسواق. 
قد لا يكون كاتب الافتتاحية موفقا في القراءات العلمية الي يستشهد ها 
ويحوها الى مراجحع. غير ان في الامكان الحزم بأنه لسان حال الاكثرية الساحقة من 
الحكام العرب. ان هذه هيء حرفياء نظرة اصحاب السلطة الى مرؤوسيهم 
ومواطنيهم.ء وهذه هيء حرفياء الصورة الصحيحة للمآل الذي صارت إليه 
المجتمعات العربية. 
نحن بعيدون لسنوات ضوئية عن ثنائية «الاصلاح من الخارج» او «الاصلاح 
من الداحل» نحن ما دون ذلك. قد نكون اقل مما ينفع في اصلاحنا حارج حسن 
النوايا وعظيم القدرات. من اين نبدأ وأحد «قادة الرأي» فينا يعيش في عالم من 
الاشعاعات المنبعثة من المخ والمنسوبة الى معطيات علمية او نظريات حديثة في علم 
الاجتماع؟ إذا بقينا حيث نحن من بؤس نكون حققنا إنحازاً علما أننا سنبكي» غد 
على أمس كنا فيه. 
200006016 


نفط العرب... 


تنستفيق كل يوم على سعر جديد لبرميل النفط. تنساقط الأرقام القياسية 
سريعاً. ومع أن السعر يلامس مسين في الحة فقط ما كان يجب أن يكون عليه» 
ومن أسعار فاية السبعينيات (أخذا التضخم بالاعتبار)» فما لا شك فيه أن تراكماً 
هائلاً للاحتياطي والفوائض يحصل لدى دول منتجة. إن هذه الدول؛ مع الشركات 
الكيرى» والمضاربين» ومؤسسات التطوير والصيانة؛ تتقاسم هذه الأرباح. وتقدر 
«إيكونوميست» حصة دول أوبك لا حصتها وإنا الفارق بين ما جنته وبين ما 
بنت ميزانياتها على أساسه» بحوالى 300 مليار دولار. كان ذلك منذ أسابيع» أما 
الان... 

تقول المعلومات المتوافرة إن قسماً كبيراً من هذه الأموال لا بعاد تدويره في 
السوق الأميركية: هذه من «حسنات» أو «سيئات» تفجيرات 11 أيلول. يبدو أن 
«منطقة اليورو» هي الوجهة الحبّبة أكثر. لكن هذا لا يمنع ارتفاعاً مذهلاً في 
احتياطي بعض الحكومات» وإنفاقا على مشاريع تجهيزية؛ وسدادا لديون تراكمت 
في السنوات العحاف. أضف إلى ذلك أن ثمة ارتعاشة فعلية في بعض البورصات 
العربية» وني السوق العقارية» والتأمينية وني المنسوب الإجمالي للاستهلاك. 

إلا أن غموضا كثيفا يلف وجهة الاستخدام. نعرف أن مليارات تدخل ولكن 
لا نعرف كفاية كيف تخرجء وإلى أين» وما هو حسم الكتلة الأشد استفادة منها. 
ليست الشفافية في أحسن أيامها (لم تكن الأعلى مثل هذه الحالة البائسة). أما 
الرقابة الشعبية فتكاد تكون معدومة. المعروف عن أسباب الارتفاع (النمو 
الآسيوي» والصيي تحديداء الوضع الأمئ في العراق والسعودية والخليج» اضطرابات 
نيجيرياء مشاكل الشركة الروسية العملاقة ي وكوس» انتصار هوغو شافيزء الأعطال 
في المصاف الأميركية...)؛ المعروف مقنع. ولكن الباقي متروك للتكهنات. غير أن 
ما هو مرجح هو أنناء رعاء أمام اتحاه ثابت» وأن العالم مدعو إلى العيش مديدا مع 
سعر معتدل لبرميل النفط. 

258 


غزو العراق وحال العرب 259 


يطرح ما تقدم» في عالمنا العربي» مجموعة من الأسئلة أو التساؤلات. 

هل يلعب ازدياد الريع النفطيء في البلدان المعنية» دور في تشجيع الإقدام 
على إصلاحات سياسية أم يعيق ذلك؟ بكلام آخر» هل تعود أنظمة إلى شراء ولاء 
قطاعات اجتماعية متخلية عن «انفتاح» اضطرت حزئياً إليه لأسباب متعلقة ما بعد 
1 أيلول وبالضغط الاحتماعي؟ هل تستمر إرهاصات كنا نشهدها لتوسيع قاعدة 
المشاركة؟ يخشى أن يكون ارات شلا فى أن حكومات عربية قد تحد نفسها 
في موقع الستغي عن تباشير الانفتاح لأنها باتت في موقع يسمح لها بأن تعض 
عبر الوقر المتجمّع عندها النقص قي المشروعية الذي يتاكلها. 

زد على ذلك أن سوق الطاقة يوفر الحكام عرب قدرة أكبر على المساومة مع 
المركز الإمبراطوري. لقد باتوا حاجة من أجل التحكم في الإنتاج والأسعار. وبات 
يكفيهم أن يعلنوا أنفسهم «شركاء» في مكافحة الإرهاب. كما يمكن للبعض 
منهم» كما في حالة ليبياء تشريع الأبواب أمام الاستثمارات الأحنبية. ويقود ذلك 
كله إلى تلبية جوهر المطالب الأميركية .ما يترك «الديموقراطية» على قارعة الطريق 
حاصة إذا كان معناها توفير قدرة شعبية على مراقبة الإنفاق» والعقود التجارية, 
ناهيك عن مصير القطاع النفطي في حد ذاته. 

لا يبدوء حي الآنء أن الدول الحظوظة معنية بتقدم أي مساعدة للدول 
الأشد تضرراً من ارتفاع الأسعار. لنا في لبنان مثال واضح على ذلك. ويعئي ذلك 
أن لا تكرار لما حصل في السبعينيات حيث تلقت دول أفريقية بعض الفتات. أما 
تقدم العون لمنظمات إغائة فدونه التحريم المضروب على أي قرش قد يكون يمول 
الإرهاب إذا ذهب لنجدة المنكويين الفلسطينيين في... مخيم جباليا! 

إلى ذلكء وف ظل غياب معطيات إحصائية دقيقة» يمكن المحازفة بالقول إن 
الاستمارات البينية العربية لم تشهد أي طفرة. إن استخدام أموال النفط في أي 
مشروع تنموي عربي هرطقة ما بعدها هرطقة. لا يتحدث أحد عن «الشعار 
البائد»: نفط العرب للعرب. كلا. إن النفط ثروة وطنية وقطرية. ولكن ذلك لا 
يلغي طرح السوال عن مدى استفادة الإقليم منه. وإذا نظرنا مليا إلى ما حولنا 
تتضح لنا وجاهة الفكرة. 


0 الاآن... هنا 


أولاً إن من يتابع النقاش المندلع في أوروبا حول احتمال انضمام تركيا إلى 
الاتحاد. يلاحظ أن الموضوع الديي يلعب دوراً ولكنه ليس حاسماً. رعا كان 
التفاوت الاققصادي الاحتماعي بين تركيا ومتوسط دول الاتحاد أكثر أهمية. 
وهكذاء وإذا اتفذ قرار فتح المفاوضات» فإن عشرات المليارات من الدولارات 
الأوروبية سوف تنفق في تركيا. وم حصل ذلك فإنه سيحصل لأن هناك من قرّر 
وجود مصلحة وطنية وإقليمية في ذلك. 

ثانيا لم تعد مقنعة الححة القائلة بأن احتلاف الأنظمة الاقتصادية والسياسية 
العربية حائل دون التوظيف البيي. إن أنظمتنا متقاربة أو ساعية إلى التقارب وهي 
تجاهد كلها للانضمام إلى منظمات دولية وإلى الانضباط» قدر الإمكان» بوصفات 
صندوق النقد (راجع مؤتمر الحزب الوطي الحاكم في مصرء وتوجهات الحكومة 
الجديدة: و«الفكر الجديد» لحمال مبارك). 

ا ا ا ا ل 
نظام من الأنظمة النفطية. إن تو توظيفا تھ تقدم عليه السعودية» مثلأء في مصرء ليس 
منحة. إنه جزء من أي تفكير 0 بعيد المدى بالأمن الوط السعودي. لاذا؟ 
لأن الشبكات الراديكالية المعترضة والعنيفة لا تعترف بالحدود بين الأقطار العربية. 
ونادرا ما تم إعلان الكشف عن شبكة إلا وكان تركيبها شديد الاختلاط. الأمثلة 

على ذلك أكثر من أن تحصى. ثم» وفي الحالة السعودية تحديداء ألا يمكن القول إن 
المملكة معنية بأن تعوّض على أشقائها العرب بعض ما تسبّب به نفر من أبنائها في 
1 أيلول؟ 

رابعاً تتصاعد الدعوات» في العالم كله؛ إلى معالجة حذرية ومديدة للمشاكل 
العميقة الي يعاني منها العالم العربي والمتحولة إلى مصدر لعدم الاستقرار والمتحهة 
إلى مزيد من التفاقم. فلا غرابة» إذاء في الدعوة إلى تطبيق حدي لقرارات عربية 
إجماعية بالتطوير التدريجي للتكامل العربي الطوعي. 

هذه الأسباب» ولغيرهاء يمكن الإلحاح في طرح الأسئلة عن مصير أموال هذه 
الطفرة المفاحئة حاصة بعد الفشل الذريع والبائن من الاستفادة من سابقاها. 

2004|10|20 


الانتخابات أو الفوضى؟ 
كلاء الانتخابات والفوضى 


تعمل آلة الدعاية التابعة للاحتلال الأميركي للعراق أو المويدة له على تصوير 
الوضع الراهن وكأنه مواحهة بين القوى الدكوقراطية الراغبة في إجراء انتخابات 
وبين القوى الظلامية والثأرية الي تصعّد عملياها من أحل تعطيل الاقتراع. تحل 
ثنائية الديموقراطية التوتاليتارية على الثنائية الأصلية: الاحتلال المقاومة. 

وتنبع بحموعة من المفاهيم من عملية الاستبدال هذه: يصبح كل وطن عدوا 
للحرية؛ ويصبح الغزو رد فعل على وجود الإرهاب ف العراق» وتصبح مقاطعة 
الانتخابات تهمة» ويتحول الإصرار على موعد 30 كانون الثاني إلى موقف حازم 
ضد الإرهاب» ويصبح العراقيون على موعد مع انفراج كبير في اليوم التاليء إخ... 

يراد حصر السجال السياسي في هذه الدائرة المقفلة تماما والافتراضية. ويتم 
التغاضي ماما عن أن الانتخابات باتت جز من المشكلة لا مدخلاً إلى الحلء وأغا 
محخطة أخرى من المحطات الي أريد لحا إحداث «صدمة إيجابية» فانتهت إلى نتيجة 
معاكسة. 

واللافست في الوضع أن العناد الأمي ركي» ولأسباب أميركية بحتة» أدى إلى 
إضعاف القاعدة «الشعبية» الي راهنت على الاحتلال أو تساحت معه لفترة. أن 
قوى سياسية عراقية عديدة سبق لها المشاركة في المؤسسات الت أقامها الغزو دعت 
إلى التأحيل» وإلى بذل حهد مسيق للمصالحة غير أفا لم تحد آذانا صاغية. ثمة نواة 
صلبة تدعو إلى التمسك بالموعد مهما كلف الأمرء وهي نواة متشكلة من ساعين 
إلى السلطة بأي ثمن ومن مطمئنين إلى أن موقفهم مضمون بقدر اندراحهم العميق 
في الخطة الأميركية. 

ومع أن المعترضين يصدرون عن قاعدة راسخة ضمن السنة العرب فمن 
الواضح أن تيارات شيعية تدعمهمء وكذلك أطراف حاولت أن تقدم نفسها 
بصفتها عابرة للطوائف والمذاهب. ومع ذلك... 

261 


وبقدر ما تبدو الانتخابات حاصلة بقدر ما يزداد توحد السياسي مع 
المذهي أو العرقي» وبقدر ما يتضح أن محطة 30 كانون الثاني هي نقطة انطلاق 
نحو تفاقم الوضع. فالروزنامة العراقية تحعل من 2005 عاما انتخابيا من الدرجة 
الأولى. إن البرلمان الجديد هو الذي سيتولى وضع دستور دائم للبلاد بعد 
مشاورات وطنية وهو يملك حن 15 آب للانتهاء على أن يصار إلى استفتاء عام 
بعد ذلك. ثم» وعلى قاعدة الدستور الجديد يتم تنظيم انتخابات في 15 كانون 
الأول ويعقب ذلك تشكيل حكومة جديدة في موعد أقصاه 31 كانون الأول 
5. 

العام الجاري؛ إذاء هو عام دعوة العراقيين إلى الصناديق من أجل وضع وثائق 
تأسيسية لحياتهم الحديدة» واختبار ممثلين يفوّض الشعب إليهم أمر البت بقضايا 
مصيرية تبدأ بالمعاهدات الأمنية ولا تنتهي .عصير الثروات الوطنية الطبيعية... ناهيك 
عن هوية البلد ونظامه الداحلي وعلاقاته الإقليمية. 

وإذا صدقنا ما يقال اليوم من ارتباط العنف بالاقتراع فالاستنتاج هو أن 
الاحتلال يدعو العراقيين إلى مذابح ممتدة لشهور. 

إن انستخابات مطعونا ما تنتج حكومة مطعوناً يما ودستوراً مطعوناً به. ثم أن 
الحكومة الجديدة فاقدة للسيادة الحقيقية وليس ما ينع انفجار التناقضات بين 
أطرافها وهي تناقضات تدفع يما الحملة الانتخابية إلى الضوء. كما أن الدستور 
الموقتء إذ ينص على اللامر كزيةء فإنه ينشئ تناقضا ممتملا يين حكم مركزي 
ضعيف وبين محافظات قاطعت الانتخابات العامة ولكنها اختارت مجالس إدارة. 
ومع أن الموعد يقترب فإن أحداً لا يعرف اليوم الترتيب المقترح للأسماء في اللوائح 
المشاركةء أي أن أحدا لا يعرف بدقةء الانتماءات المذهبية والسياسية للمرشحين 
للفوز حسب قاعدة النسبية المطلقة في بلد يراد له» في الآن نفسه» أن يكون فدرالياً 
ولا مركزياء وأن يكون دائرة انتخابية واحدة! 

نمة مخاطر قي نوع المشاركة وقي نوع المقاطعة. وثمة مخاطر متزايدة في 
كركوك. وة خاطر في التدرى الننياتتى .وله عاط في تاور «أكثرية» تدفع إلى 
إعادة ت ركيب السلطات بكوادر غير محربة ولا تملك برناججا سوى تنفيس الأحقاد. 


غزو العراق وحال العرب 263 


يكفي أن نضيف إلى ما تقدم أن هذه الانتحابات تتم في أجواء إقليمية لا 
تفعل الولايات المتحدة سوى توتيرها عبر استفزاز عواصم وقديدها وفتح 
«الملفات» في وحههاء ومطالبتها بأن تؤكد تعلقها بالدكوقراطية عير دعوة شعب 
آخر إلى المشاركة.. 
يمكن القول إن واشنطنء في ما مضى من عمر الاحتلال» كانت تتصرف 
کمن اكتشف أخطاءه متأخرا. أما هذه المرة فإن الخطأ واضح مسيقا لکن بوش لا 
يتردد. إنه يتصرف وكأن الانتخابات الأميركية وفرت له رصيداً سياسياً كافيا لن 
تنجح في تبديده انتخابات عراقية تزيد الفوضى. 
2005|1|18 


الانتخابات العراقية: 
تقارب عبر الأطلسي 


ستؤسس الانتخابات العراقية لتقارب بين الولايات المتحدة والحكومات 
الغربية الي اعترضت على الحرب. 

بغض النظر عن الرأي في هذه الانتخابات نحدر ملاحظة أن باريس وبون 
أبدنا حرارة لي الترحيب ها وبتتائجها ومعانيها توازي تلك الي صدرت عن 
واشنطن ولندن. يبدو «التوافق» على هذا التقويم الإيجابي أكثر صلابة من ذلك 
الذي بدا في قرارات إجماعية سابقة مجلس الأمن. ويكاد «الغرب» ينطق بلسان 
واحد يقول إن ما حرى قبل أيام في العراق هو أفضل ما حرى لهذا البلد منذ 
سنوات إن لم يكن منذ عقود. لا غرابة في هذا. فالانتخابات هي ثمرة من ثمرات 
التعاون بين الأمم المتحدة؛ وقوات الاحتلالء والأجهزة الأمنية العراقية. ولقد 
حصلت في مواعيد حددها بحلس الأمن وتلبية لأحد قراراته. إفهاء مع ماء نموذج 
عمًا كان المعترضون يطالبون باتباعه ويلومون واشنطن. 

لن يتوقف التقارب عند هذا الحد. لن يستطيع (ولا يرغب) معارضو الحرب 
الأوروبيون مطالبة الأميركيين بعكس ما تطالبهم به حكومة عراقية منتخبة. لا 
سحر يفوق سحر الانتخابات. والاتحاه الواضح, في التوازن العراقي الجديد, هو 
المطالبة بالبقاء إلى حين وترك أمر «تنظيم الوجود» إلى حكومة لاحقة تتشكل بعد 
وضع الدستور الدائم وإحراء انتخابات جديدة في فاية العام. إن ما لا يشكل 
مشكلة بين الشرعية العراقية وبين الأمي ر كيين لن يشكل مشكلة بين أميركا وألمانيا 
الي تستضيف قوات أمير كية! يعني ذلك تضاؤل (انعدام؟) الأسس الي قام عليها 
الاعتراض السابق. 

إلا أن العسصر السياسي الجوهري الدافع إلى التقارب هو الرأي الأوروبي 
القائل بان السبب الذي دفع إلى الاعتراض على الحرب» حماية الاستقرار الإقليمي» 
بات هو السبب الذي يدفع إلى الموافقة على البقاء. يتبع حاك شيراك وغيرهارد 

264 


غزو العراق وحال العرب 265 


شرودرء في ذلك مثال هنري كيسنجر. لقد ميّز الرحل نفسه عن «الواقعيين 
الأميركيين الجمهوريين» بأنه» بعد ترددء اندفع إلى تأييد الحرب والبقاء في العراق 
لأنه اعتبر أن حلاف ذلك قد يكون مصدراً لعدم الاستقرار سواء في المنطقة أو 
العالم. 

إذا كانت الحرب الأميركية على العراق شكلت حلماً مزعجاً للفرنسيين 
والأ لمان وغيرهم فإن الكابوس بالنسبة إلى هؤلاء هو الفشل الأميركي وارتداداته 
وهوية القرى المستفيدة منه والفوضى الدولية العارمة الناجمة عن ذلك. لا وحود 
لحاكم أوروبي أو غربي واحد يرغب في أن تتعثر أميركا في العراق وذلك بغض 
النظر عن الرقت من لجرب 

سيتضح تدريجا أن الميل الكاسح هو تغليب الروابط الأطلسية على ما سواها 
والنظر إليها بصفتها الركن الأساسي في النظام الدولي. لن يكون مسموحاً للأزمة 
العراقية أن تؤذي هذه الروابط أكثر تما فعلت» والانتخابات مناسبة ممتازة من أحل 
فتح صفحة جديدة. على أن فتح هذه الصفحة يعئ, أميركياء استجلاب الحلفاء 
إلى مسرح صيغت معادلاته الرئيسية بحيث يكونون جزءا من تَحمّل العبء. 
المشاركة في القرار لم تعد واردة جدياً لأن واشنطن تستطيع الادعاء بأن من غير 
الجائز التدخل في الشؤون الداحلية لدولة باتت حكومتها تتمتع بشرعية شعبية. 
ويعي فتح الصفحة الحديدة» من وجهة نظر بعض الأوروبيين؛ حقهم في الاحتفاظ 
بروايتهم وموقفهم المبدئي ولكن التركيز على تغليب المشترك مع الولايات المتحدة. 

إن تراجع «النتوء» العراقي في العلاقات الأطلسية نتيجة لوجود مهمات 
شرق أوسطية مشتركة وتعزيز للتنسيق بشأها على قاعدة الأرجحية الأميركية 
الموكدة. 

هة ما هو مشترك حيال إيران. إن التكامل واضح بين الدبلوماسية الأوروبية 
والتهديد بالعصا الغليظة الأمير كية (والإسرائيلية). وستحد الترويكا الأوروبية 
نفسها مضطرة إلى تصعيد لهجتها حيال إيران. 

ونمة ما هو مشترك في الاستفادة ما يسمى «نافذة الفرص» الخاصة بالنزاع 
الفلسطيئنٍ الإسرائيلي. والتوافق قائم هنا على أن المسؤولية تقع أولاً على عاتق 


6 الآن... هنا 


الفلسطينيين (موتمر لندن)» فضلاً عن أن الأوروبين قد يكتفون بان تكثر واشنطن 
من إسداء النصح إلى إسرائيل. ومن المستحسن؛ هناء تذكر الأثر الإيجابي» في 
أوروباء لحكومة «الوحدة الوطنية» الإسرائيلية. 

ولممة ما هو مشترك بين فرنسا وأمي ركا في ما يخص القرار 1559 الذي اندفع 
الاتحاد الأوروبي إلى تبي تنفيذه. إن القرار جزء من الاستراتيجية الغربية الإجمالية في 
المنطقة. والواضح أنه يودي إلى نتائج إيجابية برأي أصحابه بدليل تقدم المعارضات 
المدارة من باريس وواشنطن على السلطة المدارة من دمشق. ومن الموكد أن هناك 
من يريد تحويل انتخابات الربيع المقبل في لبنان إلى تكرار للانتخابات العراقية ما 
يعنيه ذلك من إرساء خيارات سياسية معينة على قاعدة «دكوقراطية». 

إن الانتخابات العراقية كانت الفرصة الي سيستفيد منها الأطلسيون 
لترميم علاقاتهم والبناء على ما تم إنحازه حن الآن في العراق نفسه. يدور 
البحث» على الأرحح» لي إيجاد الإخراج المناسب. رعا تكون جولة بوش 
الأوروبية هذا الشهر مناسبة لإعلان تراجع التمايزات في السياسات الأميركية 
والأوروبية حيال المنطقة. 

200622 


النظام العربي 
قوته في ضعفه! 


السلاحان الرئيسيان للنظام العربي الرسمي قي عالم العلاقات الدولية الذي لا 
يرحم هما: إبداء المحاوف والتهديد بالافيار! أي أن هذا النظام لم يعد يملك ما 
يقول سوى الشكوى» ولم يعد يملك ما يلوح به سوى أنه على شفير الماوية. 

تنظر أنظمة «صديقة» للولايات المتحدة إلى الوضع في فلسطين فترفع صوهًا 
بالتحذير من أن السلطة الوطنية ضعيفة ويخشى عليها لذا فالواحب تقدم العون 
إليها واستجداء أرييل شارون حي لا يزيدها ضعفاً. رعا أقدم نظام ما على 
المساعدة داحلا من الحيز الذي تسمح به واشنطن وإسرائيل ولكنه» إذ يفعل ذلك» 
يكون مراهناً على أن استمرار التحلل غير مرغوب وعلى أن هناك من يخشى 
البديل. 

لا يوجد اليرم نظام عربي واحد يتعاطى مع إسرائيل بصفتها دولة تملك 
«استراتيجية وطنية» شديدة الوضوح لا يمكن الرد عليها إلا باستراتيجية مقابلة. 
والوجه الآحر لهذا العجز ملء الفضاء بالأوهام والترهات» والمضي إلى حدود غير 
مقبولة في إيهام النفس والتدليس عليهاء وفي إنتاج وعي ومحاولة فرضه على 
الآحرين يجاني الوقائع البسيطة وألف باء العقلانية. 

وتنظر أنظمة «صديقة» للولايات المتحدة إلى الوضع في العراق» وتستشعر 
حطورة ما يجري في هذا البلد عليهاء إلا أن الشلل يقعدهاء فتكاد تنتحب خوفاً 
معتبرة أن إبداء المخاوف يمكن له أن يثير شفقة أحد. يتفكك العراق أمام الأعين. 
يخطو خطوات نحو الاحتراب الأهلي. يتأكد للجميع أنه من رابع المستحيلات 
حصر النار في موضعها. ويكون الرد الغرائي هو الذهاب إلى الولايات المتحدة 
نفسها من أجل إبداء التذمر من «التدحل الأحني»! 

لا يتوقف أحد عند معن أن يكون العراق عاطأ بدولتين غير عربيتين تملك 
كل واحدة منهما «استراتيجية وطنية»: تركيا وإيران. ولا يفكر أحد ممع أن 

267 


268 الآن... هنا 


يكون الشمال العراقي صاداً لتركيا بحيث يمكنها أن تتدخل ضده في حال تمادى في 
تطلبه الاستقلالي. ولا يأبه أحد لمعن أن يكون الحنوب العراقي حاذباً للتدحل 
الإيرانٍ وسامحاً له عوقع قدم قابل للتمدد. ولا يهتم أحد لمعن أن الوسط العراقي 
مقاوم وداحل في اشتباك مع الاحتلال يمكن له أن يتسع مثل بقعة زيت ليطال 
مرتكزات النفوذ الأميركي في المنطقة. وهكذا جد «حلفاء» الولايات المتحدة 
أنفسهم أمام أكراد انفصاليين لا لسان معهم» وأمام شيعة يرنون نحو إيرانء وأمام 
عرب ستة يعادون الغزو فتكون النتيجة أن لا مدل للتأثير ولا قدرة على التدحل 
لإطفاء النار أولاً ولمنعها من الانتشار ثانياً. 

أمام هذا المشهد المريع لا نحد نظامين عربيين يلتقيان لتحديد سياسة» أو 
لرسم وجهة تدخل» أو للتحرؤ على أخذ الاستنتاحات اللازمة المبنية على توزيع 
عادل للمسؤوليات عمًا جرى. كل ما نسمعه هو نوع من النحيب الطفوليء 
وكل ما نراه هو الحاولة المستميتة للاحتماء بالحوان ولإثارة الرعب لدى 
«الدول» من أن عواقب ما تفعله وخيم لأن «حلفاءها» أوهى من أن يتحمّلوا 
النتائج. 

لا شك اليوم في أن السلاح الأمضى في يد بعض الأنظمة هو مديد 
الولايات المتحدة بالانهيار الذاني. ثمة دول عربية تعتقد جدياً أن قوقا الرادعة حيال 
خحصومها هي أا قابلة للسقوط. والوجه الآخر لهذا التهديد هو التلويح بأن البديل 
منها قد يكون أكثر جذرية وأنه» بالتأكيد» أصولي منشدد. إن التوازن الاستراتيجي 
الذي يسجل لنا فضل ابتكاره هو أن الحد الأقصى من القوة يواجه» حصرياء بالحد 
الأقصى من الهشاشة. 

هل يمكن تخل المشهد التالي: ان قادة عرباً يهددون الولايات المتحدة بأفم قد 
يكونون موضوعاً لأحد أوجه سياسة «الفوضى البناءة» ال هي واحد من 
احتمالات السياسة الأمير كية (!)» وهم في هذا التهديدء يشددون على 
«الفوضى» من أحل إقناع البيت الأبيض بقدر من الرأفة. 

إلا أن من لللاحظ, في مقابل هذا التشاؤم الذي يبديه النظام العربي الرسمي» 
لا يكف حورج بوش عن إبداء تفاؤل يبدو أنه يمتلك منه مخزوناً لا ينضب ولا تؤثر 


غزو العراق وحال العرب 269 


فيه الوقائع. نظرة بوش إلى اللوضوع الفلسطيي وردية. كذلك نظرته إلى الوضع 
العراقي الذي يرى فيه خخطا بيانياً إيجابياً متصاعداً في حين يرى الآخرون» ومنهم 
زوار عرب دائمون للولايات المتحدق تذهورا مستمراً. 
لا شيء أدهى من التشاؤم العاجز إلا التفاؤل الغبي و... القوي. فبين هذين 
الحدين يتم طحن المنطقة وقضاياها وشعوها: حكام تابعون يعتيرون ضعفهم نقطة 
قوقم الأساسية ومر كز إمبراطوري يلزمه غير إعصار من أجل التعرف على 
التواضع. 
2005|94 


محاكمة صدام: 
الفرصة الضائعة 


ما كان مقدرا لمحاكمة صدام حسين أن تتم في هذه الشروط. كانت 
التقديرات تقول إن العراق المعاق» بفضل الاحتلال» سينظر من واقعه الزاهر إلى 
ماضيه الدموي من أجل أن يعزز التوحه نحو مستقبل مشرق له وللمنطقة. 

كان يراد للمحاكمة أن تكون فحص ضمير جماعي ينفض في خلاله العراق 
آثام العقود السابقة ويتعلمء في مدرسة دولة القانون» كيف يعانق العصر 
اللديموقراطي. كان متوقعا إبعاد الثأر عن قوس المحكمة من أجل أن تحتل العدالة 
المساحة كلها ومن أجل أن يمتلك العراقيونء أخيراء الدليل الدامغ على أفهم أحسنوا 
صنيعاً عندما هلّلوا لسقوط بغداد وأعلنوا اليوم يوم عيد وطبئ. 

إلى ذلك كانت النية متجهة إلى أن يلقي العراقيون نظرة الوداع الأخيرة» 
وبالبث المباشرء على عروية البلد المقترنة بالإحرام» وعلى وحدة الدولة المتداحلة مع 
قمع الأقليات» وعلى ما بدا ذات مرة أنه تحرّؤ على معاندة الأسياد. 

كانت شروط جاح الحاكمة موجودة خارجها. وهي شروط مطالبة بتحويلها 
إلى غنموذج يدغدغ أحلام الشعوب العربية المكبوتة بحيث ينظر المواطن العادي» في 
أي قطرء إلى الماثلين في القفص حاولا نزع وجوههم ووضع وجوه حديدة بدلاً 
عنها أكثر «ألفة» إليه. 

كان يجب أن يكون الاحتلال ناجحا حي تأخذ الحاكمة معناها. والاحتلال 
الناحح» هذا المعين» هو الآيل إلى زوال مخلفاً وراءه بلدا استعاد كرامته وحريته» 
وموسسات عاملة» وخدمات موؤمنة» وسلطات تمثيلية» وقضاء نزيها ومستقلا. 

غير أن هذا الحدث الذي كان يراد له أن يكون تاريخيا فَقَدَ الكثير من بريقه. 
الاحتلال متعثر. الجرائم الي يرتكبها كثيرة. أبو غريب حاضر كرحع صدى 
لغوانتانامو. مبررات الحرب مفقودة. الخدمات غائبة. روائح الفساد تزكم الأنوف. 
أصدقاء «الأحنبي» عاحزون عن خلع رداء العمالة. المحكمة نفسها معروفة الإنتاج 

200 


غزو العراق وحال العرب 271 


والإخراج والتمويل. وح لائحة الاتهام ناقصة. باختصار إن ماضي سنتين ونصف 
سنة من الغزو لا يسمح كثير؟ً بالإطلالة على عقود القمع إذا كان المطلوب إظهار 
التناقض الصارخ بين مرحلتين. لم تحدث الثورة الشاملة المرجوة لذا يلوح شبح 
المحاكمات الانقلابية وراء المحاكمة الحالية. والعراق خبير يبهذا الصنف. 

ثم إن موعد الحاكمة لم يخدمها. تحصل بعد استفتاء على الدستور الدائم يجري 
تصويرهء من دون إقناع الكثيرين» أنه كان عرساً للديموقراطية. الواقع غير ذلك 
تماما. عندما تنشق مكونات بلد ما فتقترع واحدة بأكثرية ساحقة في هذا الاتجحاه 
وواحدة بأكثرية ساحقة في الاتجاه المعاكس فهذا يعن أن الوضع ليس على ما يرام. 
وعندما يترافق مع هذا الانشطار عنف دموي أهلي حى لو تقتّع بثياب رسمية أو 
كان موجها ضدها فهذا يعينٍ أن الوضع خطير. 

الديناميات العراقية ديناميات تنابذ. الدستور جزء من هذه العملية وليس 
ردأ عليها. شهدنا مثالاً على ذلك في «اتفاق الطائف» اللبناني الذي وإن 
أوقف الحرب الأهلية الحارة» فإنه» في التطبيق والممارسة, احتفظ بعناصر التباعد 
الي عادت لتفعل. فكيف يكون الأمر في دستور عراقي تحولت صياغته إلى 
سلسلة من المواجهات وتحول الاستفتاء عليه إلى محطة من محطات تثبيت 
الانقسام في البلد. 

لقد سعرت معركة الدستور العواطف والغرائز. كذلك فعلت قبلها 
الانتخابات. والبلاد متجهة نحو المزيد من التوتر بفعل الانتخابات بعد شهرين. 
وخطوط الانقسام تعانق الانتماءات المتنوعة وإن كانت تخترقها أحياناً وعند 
هوامشها. لذا يستحيل أن يمكن إخحراج المحاكمة من هذا الإطار الذي يعطيها 
معناهاء أو على الأقل» يساهم كثيرً في ذلك. يتحوّل الفعل القضائي؛ هناء إلى 
أداة من أدوات التخندق بحيث يمكن له أن ينتج عكس المقصود منه فيحصل تماه 
يبن شريحة شعبية واسعة وبين المتهمين. 

لقد كانت محاكمة صدام واحبة. إلا أن الخال مفتوح لتحويلها إلى فرصة 
ضائعة تفقد معها طابعها العلاحي وقدرقها على الانخراط في وعي جديد وهوية 
دموقراطية جديدة. ولم يكن ممكناً لهذه المحاكمة أن تودي وظيفتها إلا على 


272 الآن... هنا 


قاعدة توافر الحد الأدن من التوافقات الوطنية مع ما يعنيه ذلك من حركتين: 
حركة تأخذ مسافة لازمة عن الاحتلال وحركة تأخذ مسافة لازمة عن العنف 
الدموي والعبثي. 
إن إطالة أمد الجلوس في حضن الاحتلال» والضرب بسيفه» يستولدان تحذراً 
مقابلاً مفتوحاً على تصديع ما تبقى من نسيج وطيئ. والأحواء الناجمة عن ذلك 
تحعل استحضار الماضي» عير المحاكمة» سلاحا فى معركة داخلية وتأسيساً لما ييدو 
واضحاً أنه مشروع غلبة. إن في الأمر نوعاً من الإهانة للضحايا. 
2005|10 


أمير کا 
والمحافظون الجدد 


البرابرة على الأبواب 


لا اسم لما حصل في الولايات المتحدة وضدها. إنه أكبر من مجموعة عمليات 
«كاميكازية» وأقل من حرب. لنقل إنه يقترب من ممارسة أقصى الأذى في ظل 
موازين القوى الراهنة و... المنظورة. لماذا يقترب فقط؟ لأنه ليس موجها ضد 
أصدقاء أميركا وحلفائها أو حى قواتها في الخارج. إنه فوق الأرض الوطنية. هذا 
أولاً. ثانياء لأنه يقف على عتبة الحالة الي يعتبرها الأميركيون «كابوسية»: اندماج 
«الارهاب» بالأسلحة غير التقليدية ونقل المعركة إلى «الداخل». ثالثء لأنه ليس 
زیا فحت نظراً إلى الخسائر البشرية الفادحة الي أنزهما وببشر مدنيين لا ذتب 
لحم. هذا الأمر الذي «لا اسم له» هو البداية الفعلية للقرن الحادي والعشرين. لقد 
انتهت فاية الحرب الباردة حى قبل أن تبادر الإدارة الجمهورية الحالية إلى إعلان 
وفاتها. وإذا كانت تأخرت بعض الشيء في الإعلان فلأنها تبحث عن خصم مقنع 
يستحق أن عاد الهندسة الأمنية الدولية من أجله. 

لا اسم هذا الخصم. إن الولايات المتحدة؛ اليوم» كتلة عضلية جبارة تبحث 
عن متنفس لغضبها وعن تعويض للحرح الوط الذي أصاهها. أي ردء م حصلء 
سيكون رهيبا. ولكن لا عدو بحجم رد رهيب. ويكفي لتبيان ذلك كشف بأسماء 
المشبوهين أو مراجعة سريعة للائحة المطلوبين العشرة الأوائل. التوازن معدوم. هذه 
نقطة قوة لصاح أميركا. ولكنها نقطة ضعف أيضاً. ما من طرف يوازيها في 
الححم. والقدرة» والنفوذء والإمكانيات. لكن عدم التوازي ينقلب ضدها في 
لحظة. فهيء منذ سنوات» تنفق 25 مليار دولار كل عام لمكافحة الإرهاب. 
ولكنها ستدفع مئات المليارات لأن حالة هجينة غامضة الملامح صممت وخططت 
ونفذت» ولم تكلف نفسها إعلان المسؤولية. 

إن مالا اسم له يضع على المحك المنظومة الأمنية الأميركية كاملة. فالعقيدة 
الدفاعية الجارية مراجعتها تريد الانتقال من «الحربين الإقليميتين» بعيدا عن الأرض 
الوطنية إلى «الحرب ثم الثانية». ضد مَن؟ كوريا الحائعة أو العراق الحاصرا توسيع 

275 


26 الآن... هنا 


حلف شمال الأطلسي له صلة بإبقاء «الروابط» مع الحلفاء أكثر من صلته 
باحتمالات تحدد التهديد الروسي. الانتشار الآسيوي لم يعرف حي الآن تحديد 
سياسة واضحة في ما يخص الصين الوطنية. 

ثم كان أن ورث جورج بوش عن بيل كلينتون ملفين أمنيين. يقتضي الأول 
بناء در ع صاروخي (مليارات لا تحصى من الدولارات وفعالية مشكوك فيها) ضد 
دول «مارقة». أحداث الأيام الأخير 5 بسبب من «عدم التوازي»» وجحهت ضرية 
قاسية للفكرة. ويقتتضي الثاني إنفاقاً مذهلاً ضد «الإر هاب السيير نتيكي». 
فالاعتماد الأميركي على التكنو لوحيات الجديدة» اقتصادياً وخدماتياً وا راجيا 
آذ بالتحول إلى مصدر خطر. غير أن المشروع برمته عاجز أمام طالب في جامعة 
أو أمام حاطف طائرة يحسن قيادتها. 

لا اسم للسياسة الخارجية الأميركية. فهي ليست انعزالية تماماً وليست تدخلية 
تماما. وتكاد الصراعات البيروقراطية الداخلية تحعلها بعيدة عن أن تكون «بين 
بين». انسحاب من كيوتو ووعد .عشروع جديد لمقاومة الاحتباس. رفض 
بروتوكول حظر الأسلحة البيولوجية وحملة ضد مَن يرفض. الامتناع عن أي 
تفاوض خاص بالأسلحة الخفيفة لأن الدستور الأميركي يحمي هذا الحق. شراء 
تحويل سلوبودان ميلوسيفيتش إلى المحكمة ورفض الانضمام إلى محكمة الجزاء 
الدولية. التلويح ا من معاهدة 72 مع موسكو ومغازلة بوتين 
و«السماح» للصين بتطوير ترسانتها النووية. مغادرة موتمر دوربان» حضور انتقائي 
في البلقان. «حضور الغائب» في الشرق الأوسط و«فيتو» على حضور من يرغب 
لسد الفرا غ... 

تريد واشنطن أن تقود من دون موجبات الدور القيادي. غير أن هذا 
«التمرين» لم يعد بمكناً بعد العمليات الأخيرة. فما لم يحمه الحيطء وما لم يكن 
مكنا لدرع ما أن يحميه» لن ء يحميه قرار ياعتكاف مزاجي. سيكون بوش مضطرا 
إلى استلحاق نفسه بدروس قي التاريخ والجغرافيا والعلاقات الدولية» عله» على 
الأقل» يعرف كيف سيرد الضرية» علماً بأن التحضيرات لها قد تكون سابقة لتعداد 
الأصوات في فلوريدا. 


أميركا والمحافظون الجدد 277 


والشرق الأوسط في كل ذلك؟ تحن متجحهون» على الغالب» نحو زيادة 
التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة. وذلك بغض النظر عن الجهة الي نفذت 
العمليات. سيقدم أي رد أميركي مقياساً يستخدمه أرييل شارون في تعاطيه مع 
الفلسطينيين والعرب. كل المقدمات جاهزة من أجل ذلك. ألم يفرح الفلسطينيون 
للم صاب الأميركي؟ ألم تسبدو إسرائيل جزءا من الغرب المستهدّف؟ ألم تخض 
الدولتان «حرب دوربان» معاً؟ ألا تتقاسمان القيم نفسها؟ أليس أعداء الواحدة 
(العراق» إيران..) أعداء الثانية؟ أما امتدح بوش سياسة ضبط النفس الشارونية ثم 
عحز عن ضبط نفسه؟ أما انتقد باول «القتل المستهدف» فبات «البرابرة على 
الأبواب» على ما قال معلق «حيروزاليم بوست» جبرالد ستاينبرغ»؟ ألا يريد 
العرب والمسلمون «افتراس الغرب» كما يوكد بنيامين نتنياهوء بدءا بإسرائيل 
وصولاً إلى أميركا؟ ألا يشكل عرب إسرائيل» كما عرب أميركاء «طابورا 
خامسا»؟ ألا تحت ضن دمشق «المعارضة» الفلسطينية وتشحع «حرب الله» منذ 
تفحرر مقو المارينز حن اليوم؟ ألم تتواطأ السعودية مع إيران في التغطية على 
انفحار الخبر؟ ألم يتم إغراق المدمرة كول في المياه اليمنية؟ ألا تشكل «الأنمية 
الإسلامية»» من قندهار إلى وهران مروراً بضواحي القاهرةء حبهة تقوم بدورها في 
«صراع الحضارات» ضد التراث المسمى «يهر ديا بحا 
إن محنة الشعب الأميركي المفهومة والبالغة للأساوية» سترتد على الشرق 
الأوسط تدعيما لموقع «البرابرة» الذين يطرقون الأبواب ويلوّحون باقتحامها. 
113 20100 


الآن هنا 
من يملك «سلاح» الديموقراطية 


قيل ذات مرة» عن حقء إن «الاشتراكية» تحولت إلى أداة من أدوات 
السياسة الخارجية الروسية. ويمكن القول اليوم» عن حقء إن «اللركوقراطية» 
كانت أداة من أدوات السياسة الخارجية الأميركية. ويعن ذلك أن تعميمهاء 
ومعها ترسانة المفاهيم الخاصة بحقوق الإنسان والأفليات» ليس مطلوباً في ذاته. 
يصبح هدفاً عند التقائه بالمصالح الوطنية الأميركية. ويسقط ,جرد أن يبرز 
تناقض بينه وبينها. 

ما لم تستوعبه واشنطن كفاية هو أن هذه الأداة باتت مثلومة منذ اهيار جدار 
برلين. أي إفها كانت فعالة جدا في سياق الحرب الباردة ومسرحها الأوروبي 
وتراحعت فعاليتها مع انتصار «العالم الحر» وافيار حلف وارسو. 

ففي أوروبا الوسطى والشرقية ولي ما كان يسمى الاتحاد السوفياتي نفسه 
تلاقى المطلب الدبموقراطي مع المطلب القومي. فالشعوب الساعية إلى التحرر 
الوطي استعارت الشعار الديعوقراطي بصفته «إيديولوجيا» الخصم العالمي للجهة 
الي كانت تعتبرها «استعمارية». ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن هذه الشعوب 
كانت على مستوى من التطور العام يسمح اء كما شاهدناء بخوض بحربة من 
هذا النوع. ولوحظ بعد ايار الجدار» وبعد التحولات الكبرى في الأحزاب 
العمالية الرئيسية» وبعد إنحاز الاستقلالء أن العودة إلى أطروحات يسارية معتدلة 
ودموقراطية هي الغالبة وأنها مترافقة مع نزوع شديد إلى الانضمام للاتحاد 
الأوروبي أو لحلف همال الأطلسي. 

إن الولايات المتحدة صاحبة فضل على الشطر الغربي من أورويا لأنها سامت 
في تحريسره من النازية. وهي صاحبة فضل على الشطر الشرقي لأنها لعبت دورا 
حاسماً في إنقاذه من توتاليتاريات سبق لمركزها السوفياتي أن تحمل العبء الأكبر من 
هرعة النازية. 

28 


أميركا والمحافظون الجدد 279 


الاستنتاج مما تقدم هو أن الدموقراطية» قي هذه البلدان» تقود» بشكل طبيعي 
حداء إلى علاقة وئيقة مع الولايات المتحدة ولو أا علاقات تشوبها صراعات 
مصالح محدودة ومنضبطة بالإطار التحالفي الواسع. 

لقد تغيِر العالم فعلاً عند منعطف التسعينيات. وإذا كانت الديموقراطية 
السياسية والليبرالية الاقتصادية سحلتا انتصارات مدوية فإن معطيات المرحلة 
الجديدة خففت, إلى حد بعيد» من فعالية الشعار الدموقراطى كأداة من أدوات 
السياسة الخارحية الأميركية. 

لماذا؟ لأنه ف العالم غير المتقدم» وقي العالمين العربي والإسلامي خاصة» ثمة 
تعارض واضح بين المطلب القومي وبين السياسة الأميركية. ويقود ذلك حكماء 
إلى تراجم من جانب واشنطن في التشديد على الدموقراطية منهجياً لصاح 
التمسك» لا بل الضغط المنظم» لتوسيع أفق الليمرالية الاقتصادية. 

تأسيساً على ذلك يمكن القول إن الدموقراطية لم تعد مطلباً أمبركياً في هذه 
المناطق. وبدل أن تكون» كما في أوروبا الشرقية» حسرا لعلاقة إيجابية مع الولايات 
المتحدة, حولت لارتباطها بالمطلب القومي (وأحيانا الاحتماعي)» إلى عنوان 
مواجهة. 

إن جولة سريعة في ما يحصل في العا م» اليوم» تؤكد هذا الانطباع. 

ففي بيروتء مثلاًء يطالب السفير الأميركي فنسنت باتل .بمصادرة أموال 
«حزب الله». ويضيفء بأريحية «ليس فورا». ويصر على مطلبه برغم أنه لا جد 
أي صدى داحلي» وبالرغم من أن خيار احتضان المقاومة يحظى» دكوقراطياء 
بأرححية حاسمة. ويكاد المرء يقبل من باتل هذا الطلب إذا وافق من جانبه على 
شرط واحد: تأمين أكبر قدر من الحماية الدكوقراطية له. ويعي ذلك أحد أمرين لا 
ثالث هما. إما تحترم واشنطن رغبة اللبنانيين وإما تسمح لهمء في أقرب وقت ممكنء 
بالمشاركة في الانستخابات... الأميركية. كل ما عدا ذلك إملاء لا صلة له 
بالحريات. 

وعلى محور كابول إسلام أباد لا مكن لأحد إقناع أحد بأن الولايات 
المتحدة لا تفضل الاستقرار على حساب اللركموقراطية. التجربة مع برويز 


مشرف ذات معئ. والاستقرار المشار إليه هو ذلك الذي يسمح لواشنطن 
بتنفيذ سياساتها وليس الذي يسمح للباكستانبين والأفغان هدوء يجعلهم أقدر 
على تقرير مصائرهم. 

ولن بحد أمير كيا واحداء في موقع المسؤولية» يرتضي الدموقراطية للفلسطينيين 
إذا كانت تودي إلى أي نوع من أنواع الضرر بإسرائيل. 

ولعل الخال الأكثر حراجة هو ما يحصل في الدوحة حالياً. فالمتظاهرون ضد 
احتماع منظمة التجارة العاللمية يرفعون شعارا مركزياً يقول: «ماذا نريد؟ 
الدعوقراطبة!». وهذا صحيح. فالمنظمة المعنية تريد التقرير بأوضاع العالم عبر 
مداولات تحاط بأقصى قدر من السرية. وآلية العمل المعتمدة فيها تعطي لممثلي 
أكثرية المعمورة صوتا أقل تأثيرا من صوت الدول الغنية. ولقد كان مثيرأء قبل 
سنوات» أن بحرد الكشف عن مشروع كانت تعده المنظمة أدى إلى إلغائه وسحبه 
من التداول ني انتظار أوقات أفضل. 

إن هذا المثال مهم جداء وهو كذلك لأنه يضع موضع تساؤل البند الجوهري 
في السياسة الخارجية الأميركية: اللييرالية المعولمة. وهو يفعل ذلك باستخدام ما كان 
يفترض أن يكون الشقيق التوأم هذه الليبرالية: الديعوقراطية. 

لقد شهد العقد الماضيء بدليل الأمثلة السابقة وغيرها الکئیں انتقالاً للسلاح 
الدعوقراطي من يد إلى يد. لقد أدى اندماجه بالمطالب القومية والاقتصادية 
والاجتماعية والثقافية لشعوب بكاملها إلى تراحع واضح في القدرة الأميركية على 
استخدامه كأداة من أدوات السياسة الخارجية. لقد كان ذلك صحيحاً قبل 1990 
لكنه» في 2001ء أكثر وضوحا. 

2001|11|0 


الدوحة كابول: 
«العولمة السعيدة»... بأعدائها 


تشارف الجولة الأولى من الحرب الأميركية على الإرهاب» على فايتها. 


وتوشك الدورة الجديدة من مفاوضات التجارة العالمية على أن تبداً. سقطت 
كابول ونححت الدوحة. 


للحرب بعد كوني موكد. والمفاوضات التحارية كونية بالتعريف. القوى 


الدافعة قي الحالة الأولى تكاد تكون نفسها في الثانية. ومثلها مواقع النفوذ الأقل 
أهمية. وفي حين بدا أن قناة «الجزيرة» هي الى «استضافت» الحربء فإن قطر 
استضافت الاجتماعات. 


.1 


أي نوع من العلاقة بين حدثين هذا الحجم؟ 

لا بدء قبل الإحابة» من ملاحظتين تمهيديتين. 

شهدت العولمة الاقتصادية اندفاعة كبيرة بعد اتهاء الحرب الباردة. وصاحب 
ذلك تركز كبير للسلطة العالمية في الولايات المتحدة. أصبح نموذجها اللييرالي 
البوصلة الي تقود البشر. أسعفها ازدهار التسعينيات في ربط النجاح بتصفية 
دولة الرعاية» والانقضاض على «الرأسمالية ذات الوجه الإنساني». تأكدت 
أرجحيتها العلمية والتكنولوجية. اكتسح بثها الثقاق (ما دون الثقافي بالأحرى) 
المعمورة» فباتت أوروباء وهي مّن هي» تطالب ب «استئناء». تم إحكام 
الإامساك بالشرق الأوسط بعد حرب الخليج» ويجزء من أوروبا بعد حروب 
البلقان. وترافق ذلك مع توسع حلف همال الأطلسي برغم التلعثم الأوروبي 
عن «مكوّن خاص» وسياسة خارجية وأمنية مستقلة. وثبتت الهندسة الأمنية 
الآسيوية. وتزامن هذا كله مع استخدام ذرائعي لافت لصندوق النقد والبنك 
الدوليين ومنظمة التجارة. وبات ميثاق الأمم المتحدة مثل لائحة المطاعم» 
تنتقي منها واشنطن ما يعجبها. 
وكانت النتيجة أن برز تفاوت كبير بين عالم شديد التداحل وبين الافتقاد إلى 

281 


22 الآن... هنا 


موسسات سياسية دولية (وإقليمية) تدير شؤونه بحد أدن من الديموقراطية. لا 

شيء سوى هذه «الهوة الدكوقراطية» يوازي» عمقاء «الموة الرقمية» الشهيرة. 
2. في مقابل هذه الحركة التوحيدية» ونتيحة طبيعتها المالية والتحارية» وبحكم 

رغبتها في القفز فوق الخصوصيات, كان العالم يعيش» في اللحظة نفسهاء 

تذررا لا سابق له. لم يعد استقطاب الحرب الباردة يلعب دور ناظماً. 

انفحرت نزعات إتنية» وطائفية» وقومية» ولغوية يصعب حصرها. من 

كنداء إلى أميركا نفسهاء إلى المكسيكء والبرازيل» وأوسترالياء وفرنساء 

وإسبانياء وبريطانياء وإيطالياء وجمهوريات المعسكر الاشتراكي» والاتحاد 

السوفياق» ومعظم البلدان العربية» والهندء والصينء والفيليبين» وأندونيسياء 

والقارة الأفريقية بأسرها... إلخ. في كل هذه المناطق والبلدان» وأينما نظرنا في 

العالى جد صعوداً مدوياً للهريات على أنواعهاء وبعدوانية تطال الأقربين 

والأبعدين. 

إن هذا التشظي؛ وحده» يدحض أسطورة «صدام الحضارات»» لأن الدول 
المركبة اجتماعيً. شهدت» كلهاء توترات أفضت إلى طلاق سلمي» كما في حالة 
تشيكيا وسلوفاكياء أو إلى احترابات دموية. إن عدد الحروب الأهلية ضمن حدود 
«السيادات الوطنية» يفوق بأضعاف عدد الحروب بين الدول وعبر الحدود في 
العقد الماضي. 

إن هاتين «الميزتين» المتناقضتين شكلتا سمي السنوات الي أعقبت سقوط 
الجدار وحرب الخليج. 

لقد كان للعولة «رب» يحميها فلم يحد المتضررون» بعضهم» ردا على ذلك 
سوى الالتجاء إلى آلمتهم» إلى أصنامهم بالأحرى. 

بزغت, في الأعوام الماضية» حر كات لناهضة العولمة. وكان واضحا أفاء 
في كل بلد وعلى صعيد كونيء أقرب إلى تركيبة هجينة تضم قوى من أقصى 
اليمين العنصري إلى أقصى اليسار الفوضوي. اليمين أكثر كرهاً للعولمة» أي 
لأي تواصلء واليسار أكثر كرهاً لمضموفا اللييرالي المناقض لأميته المفترضة 
وحس العدالة لديه. 


لميركا والمحافظون الجدد 283 


غير أن فرزا سرعان ما أصاب هذه الحركات. ويمكن الحديث» اليوم» عن 
تيار يعادي العولمة باسم الانغلاق» وآخر (تعددي) ينتقدها باسم عولمة بديلة وأكثر 
ركوقراطية. 

ويمكن القول» مع قدر من المحازفة» إن أسامة بن لادن يرمز إلى التيار الأول. 
أما الرمز الأكثر تمثيلا للتيار الثاني فعلينا أن نذهب إلى المكسيك لنجده: القومندان 
ماركوس. استفاد الاثنان من العولمة وما أنتجته: حرية الانتقال النسبية» حركة 
الأموال» سرعة التواصل الإعلامي؛ إنترنت» تنظيم الشبكات... إلخ» غير أن كل 
واحد من الاثنين سار في طريق. 

عبّر بن لادن عن طرح شديد الحافظة والرجعية قي تأكيد الهوية في هذا العام 
المضطرب» ضد الآخرء أي آخرء وجرد أنه ليس أنا أو نحن. وسعى ماركوس إلى 
وصل هويته المندية لمجروحة في تشاباس» بآلام الآخرين جميعاً في المكسيك والعالم 
كله وأميركا الجنوبية خاصة. غرس رجلاه في التربة الحلية وبقي رأسه يراقب حركة 
الكون (بن لادن فعل العكس). 

احتار أسامة العنف العاري ولو ضد المدنيين. وانحاز ماركوسء بعد كفاح 
مسلح دام ساعات وبرغم توفر الأسلحة؛ إلى العمل السلمي» الدؤوب. يريد 
الأول أن يقهر. يريد الثاني أن يقنع. يعبر الأول عن نموذج رديء للعولمة: 
ثقافة العنف السينمائي الأمير كي» والذكوري تحديدا. يعبّر الثاني عن نموذج 
راق: ثقافة الححوار عبر إنترنت. ومن يقل حوار يقل وداعة تستتر الصلابة 
وراءها. 

استتنفر الأول الجميع ضده فاحتشدوا. أربك الثاني الخصوم فانشقوا. شنت 
حرب على الأول وهي في الطريق إلى تحقيق أهدافها. أما الثاني فاضطر رئيس 
المكسيك إلى استقباله في القصر. 

وتشاء الصدف» في اليومين الماضيين» أن يتم الدخول إلى كابول الحظة 
اققراب موتمر الدوحة من فايته. ينهار نظام طالبان أمام «عولمة مسلحة 
وسعيدة» تراصل مسيرها الظافرة. لو كان لها أن تختار أعداءها لما وقعت على 
من هو «أفضل» من بن لادن. 


4 الان... هنا 


لقد الحقت العولمة الليبرالية هزيعة بالشق الحافظ من أعدائها في العام 
الثالث (أقرانه في البلدان المتقدمة لم يمّسوا بعد. حي هنا ثمة تمبيز!). قد لا 
تكون المزعة فهائية. غير أا ترسم» بالحديد والنارء حدود القدرة على الممانعة 
المنغلقة على نفسها والرافضة الاندراج في سياق مشروع؛ ولو جنيئ؛ لبناء عام 
بديل. 
ليس من الجائز أن يفرض على الآحرين التعرف إلى أنفسهم في هذه المزكة. 
فهم يدركون أنهم مهزومون سلفاء وأن سبيلهم إلى الخروج من حيث هم لا 
تختصره المسافة بين المطار والبرحين» ولا تصادره كلمات قليلة مهما حظيت بنسبة 
مشاهدة واستماع عالية. 
إن رهان هولاء على تغيير العام لا تدميره. وهم يدركون أن الموحة الي 
تمتاح مواقع المقاومة عاتية جدا. ولعل دليلهم على ذلك» فضلا عن كابولء 
الدوحة. فلقد تقرر في العاصمة القطرية المضي ف النهج الماضي نفسه معرّزا 
بحراسة الذين أسقطوا العاصمة الأفغانية. هناك مَّن يعارض النهج والحراسة 
ويرفض أن يكون في «فسطاط» بن لادن» أو «معسكر الخير» لصاحبه حورج 
بوش. 
2001|11|15 


الان هنا 
كراهية أميركا 


... ولكن لاذا يكره العرب والمسلمون أميركا؟ تردد هذا السؤال كثيرا في 
الولايات المتحدة وغيرها. ووصل صداه إلى أوروبا حيث يتهم كل صاحب 
ملاحظة على السياسة الأميركية يأنه «بدائي». لم يكن مبعث السؤال خطاب ابن 
لادن وإنما «الحياد الإيجابي» الذي استقبلته به قطاعات شعبية واسعة. «يكرهونا 
لأننا أفضل منهم» قال بعض الأمي ركبين. واعتيروا أن نمط حياهم» وحرياق 
وازدهارهم» وقوكهم سبب العداء لهم؛ وهو عداء متعصب يطالهم من حيث هم ما 
هم عليه. والاستنتاج من ذلك أن الكاره مريض والمريض يعالج بالصدمة. وإذا لم 
تنفع الصدمة يكون ضرورياً كسر أي إرادة لا للتعبير العملي عن هذا العداء. 

أقدم بعض آخر على توزيع للمسؤوليات مختلف. قال إن السياسة الأميركية 
وول نميا عا ره من مشاعر ولا مد بالتالي: من تعديلات تحيلية عليها. 
لكنه أضاف أن التعديلات الفعلية يجب أن تصيب جالات أخرى ف العالمين العربي 
والإسلامي. والثقافة هي أبرز هذه اللحالات لأن المدارس» والمناهج» والإعلام» 
والكتب» ورسوم الكاريكاتور؛ والوعي الديي السائدء لا تفعل سوى بث الشعور 
السلي. ولا تنبه هذا البعض إلى أن أوضاع الحريات بائسة لدأ إلى نظرية المؤامرة. 
بتنا أمام أنظمة عربية توجه كراهية مواطنيها نحو «خارج» ما حى لا تصيبها علماً 
أن هذا «الخارج» لم يرتكب إساءة إلى الشعوب إطلاقا. والجواب المقترح انطلاقا 
من ذلك يدعو إلى الضغط على الأنظمة لتمارس رقابة وإلى إرفاق ذلك بحملة 
إعلامية تذهب إلى القلوب (والعقول) وتكسبها. وتميز رئيس الوزراء البريطاي 
طون بلير بالدفاع عن هذه الوجهة فحاول أن يمارس سحراً خاصا عن طريق 
تسليط ابتسامته على كل من تزين له نفسه معارضته. 

خلاصة الأحوبة الي قدمتها «الموسسة» الغربية» بتنويعاتاء هي أن العرب 
والمسلمين يكرهون أميركا لقصور في وعيهم. اعرفونا تحبونا. 

285 


286 الآن... هنا 


يتجاهل هذا التقدير» عمداء أن العرب لم يكونوا يوماً أكثر «أميركية» في 
السياسة والاقتصاد والأمن ما هم عليه الآن. فالقوى الجاسمة في نفوذهاء في المنطقةء 
سواء في السلطة أو الجيش أو الاقتصاد, ميالة بشكل كاسح إلى أوثق العلاقات مع 
الغرب والولايات المتحدة. أكثر من ذلك تكاد تكون واشنطنء مع ما تعنيه من 
نفوذ عبر مؤسساتها والمؤسسات الدولية» الطرف المنفرد الأقوى في الحياة الداخلية 
لمعظم الأقطار العربية. 

ولأن هذا هو الواقع» ولأنه واقع تبعي بامتياز» ثمة ردود فعل سلبية. وهي 
ردود غير منظمة ولا عقلانية في أحيان كثيرة. تعبّر عن نفسها في تشنجات تخبو 
روا الا عل إن «قوة مادية». لا شيء في المنطقة يوازي «كراهية» أميركا 
النظرية إلا شدة الالتحاق العملي بها ومساعدتا في تأمين مصالحها. 

ماهن سبب لكراهية أميركا. ما من سبب مقنع. هذا إذا كان المقصود ب 
«أميركا» الريادة في الثقافة» والعلم» والتكنولوجياء وإذا كان المقصود نظام 
الحريات (المهدد؟)» وفصل السلطات» وطيية الشعب» وإذا كان المقصود حركة 
الحقوق المدنية» والتفتح الأكادعي» والحيوية المذهلة. لا بل يمكن الحزم بأنه لا بد 
من استلهام هذه العناصر كلها من أجل تقدم رؤية نقدية لأميركا بما هي... 
سياسة؛ وسياسة خارحية تحديداء وسياسة خارحية حيال العرب على وجه 
الخصوص (بالإذن من الأميركيتين الوسطى واللاتينية!). 

م تكن الكراهية في أصل العلاقات العربية مع الولايات المتحدة. ومن لا 
يصدق فليراحع تحارب الثورات المصرية والجزائرية والفلسطينية وغيرها من 
حركات وجدت نفسها في مواجهة مع المستعمر الأوروي. إن الخلافات ظاهرة 
تاريخية نشأت وترعرعت وكبرت. وكانت» في هذه المراحل كلهاء نتيجة خيارات 
أمير كية. 

إن أي تعريف رسمي أميركي للمصالح الأميركبة في المنطقة يقود إلى استنتاج 
بسيط: إن التعارض كبير مع أي تعريف للحد الأدن من المصالح العربية القطرية 
والقومية. هذه هي المشكلة الي لا تحلها حملة تبشيريةء ولا يرد عليها التأغير على 
مرض عرب شائع اسمه العداء الفطري لأميركا. 


أميركا والمحافظون الجدد 287 


يكفي أن يعي العربي مصلحته حى يحد أن أميركا تكرهه. ولذا فإن عليها 
هي أن تكف عن هذه الدهشة الي تصطنع اليراءة حين لا يكون كل سياسي 
عربي مثل أحمد الجلي» وكل مثقف مثل فواد عحمي» وكل رجل أعمال 

مثل... 
2201110100 


الآن هنا 
فرادة المحرقة› فرادة البرجين 


ما هو الحدث التاريخي الأكثر مركزية في الوجدان الأميركي العام؟ العبودية؟ 
الحرب الأهلية؟ بيرل هاربور؟ إنزال النورماندي؟ كوريا؟ فيتنام؟ اغتيال كيندي؟ 
حركة الحقوق المدنية؟ لا. إن الحدث الأكثر مركزية هو الحرقة. المحرقة النازية بحق 
اليهود. الأمر غريب ولكن هذا هو الواقع. جرعة حصلت قبل عقود فوق قارة 
أخرى ومع ذلك فإها أول ما يتبادر إلى ذهن الأميركي العادي عندما يطلب منه أن 
يسمي واقعة تاريخية. ليس في ما تقدم تحاوز. هذه خلاصة أبحاث كثيرة أهمها على 
الإطلاق كتاب يبتر نوفيتش «الحرقة في الحياة الأميركية» الذي استفاد منه نورمان 
فنكلشتاين في وضع كتابه «صناعة المحرقة». 

العنوان الثاني دقيق. لقد صنع وعي الحرقة في الولايات المنحدة من قبل 2 إلى 
3 في المئة من السكان الذين نححوا في تعميمه برغم كوفم في موقع لا علاقة له 
بوضعية الضحية. ويجمع المورخون على أن حرب حزيران 67 هي الموعد الفاصل 
في هذه العملية. قبل ذلك لم يكن الموضوع مطروحا في أميركا. بعد ذلك أصبح 
مهيمنا بفضل الاكتشاف الأميركي لأهمية الموقع الاستراتيحي لإسرائيل واندفاع 
القسم الأكبر من اليهود الأميركيين إلى الاستفادة من ذلك وتوظيفه» عير أدب 
المحرقة, في الحصول على امتيازات معنوية تصبء في النهاية» في خدمة السياسات 
الإسرائيلية. 


# © © 


أحداث !! أيلول هزت الولايات المتحدة هزا. تغيّرت وتغيّر العام من حولها. 
المسافة بين 10 أيلول و12 أيلول لا تُقاس بالساعات. 
انبعت العزة القومية. ضعت قوانين كان يستحيل وضعها. تعالت النزعة 
الحربية على قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا. انقسم العالم إلى «فسطاطين». وصبت 
288 


أميركا والمحافظون الجدد 289 


روافد دينية وسياسية ووطنية ومصلحية في بحرى واحد. ثمة» كما يقال» ما قبل وما 
بعد. 

كان يمكن لهذا الحدث الجلل أن يحتل الموقع الأول قي الوحدان الأمير كي وأن 
يزيح المحرفة من الصدارة. هل حصل ذلك؟ من المبكر الإحابة. ولكن في الإمكان 

القول إن عناصر دفعت نحو إنتاج تسوية من نوع آحر. تسوية تعايش. 

1. كانت نيويورك مسرحاً للضربة الأكثر مأساوية. ونيويورك هي المدينة اليهودية 
الأولى في العالم. ويقود ذلك إلى مشاركة في المشكلة وليس إلى تمايز. 

2. لعب رودولف جولياني دور خاصا. فالرحل يكاد يكون الأكثر صهيونية بين 
السياسيين الأمير كيين. وإذا كان تحوّل إلى بطل قومي» وإلى رحل العام» فلقد 
قنن هذا التوظيف العاطفي كله من أجل أن يأخذه معه في رحلته إلى إسرائيل؛ 
هذه الرحلة ال حاطب مضيفيه خلاها انطلاقاً من وحدة حال مفترضة. 

3. حصل نحاح في تصوير ما يدور فوق أرض فلسطين وكأنه اعتداء من أقران 
أسامة بن لادن على شعب شقيق لا بل على بشر تتداحل حياتهم بحياة 
الأمي ركيين. 

4. وفرت متانة العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل قاعدة 
لازدهار العواطف المشتركة. ووفر أدب الحرقة مخزونا ثريا لأدب تفجيرات 11 
أيلول بحيث استعيدت» حر في التفسيرات (اللاتفسيرات بالأحرى) المعطاة 
للأمرين وهي ذات طابع غير عقلاني لأغاء تعريفاء وكما يزعمء «عصيّة على 
الفهم». 

وهكذا تجساورت التفجيرات مع امحرقة في سياق عملية تماه تضع أميركا 
وإسرائيل في موقع الضحية لعدو يتناسل: النازية بالأمس والفاشية الإسلامية اليوم. 
© © © 
هذا الحرث الثقافي, المستند إلى صلابة في العلاقات الاستراتيحية» لعب دوراً 


موكدا في تعزيز الانجياز الأميركي إلى إسرائيل. ويكفي المرء أن يقارن حن يستنتج 
أن الأميركيين يكادون ينسخون الخلاصات الي قادت إليها «صناعة المحرقة». 


290 الآن... هنا 


لم تعد المقارنة حائزة بين 11 أيلول وأي إرهاب آخر في العالم. كل ما سوى 
ذلك حوادث أما هذا فهو الحدث. ولم يعد جائزا أي استدراك عند إبداء الأسف 
على ضحايا التفجيرات. فلما حاول الوليد بن طلال أن يقول «ولكن» أسكته 
حولياني نفسه. ولم تعد آلام الآحرين إلا نسبية حيال الألم المطلق والفريد الذي 
أصاب الأميركيين. 

وهكذا يحد كولن باول أن الإتيان على ذكر بيوت رفح المجروفة «كلام 
هستيري». وباول نفسه لم يقل الكلام نفسه عندما قورنت تفجيرات القدس يما 
حصل في نيويورك. 

إن فرادة «البرحين» هي استمرار لفرادة المحرقة. كل قول آخر تحريفي» وكل 
تحريف تعاقبه واشنطن. 

... عودة إلى كتاب نوفيتش» وعلى خلفية الموقف الأميركي من الفلسطينيين: 
«إن خطاب المحرقة (كما خطاب البرحين) يقود» على عكس المفترض» وعبر 
التركيز على الفرادة» إلى الانسحاب من الواجبات الأخلاقية. 

20000102 


بوش يستمع إلى نداءات تاريخية! 


«إن التاريخ دعانا إلى التحرك بمدف جعل العام أكثر سلاما وأكثر حرية ولن 
نفوت هذه الفرصة». لم يجد التاريخ سوى حورج بوش يدعوه. والرحل لا يسعه 
رد دعوة من هذا النوع . لذا قرر «الدفاع عن الحرية»» أي قرّرء أو اقترب من أن 
يقرر» ضرب العراق. 

لم يكن هذا الحو سائدا في أثناء حولة ديك تشين في المنطقة. ولكنه ما إن 
وصل واشنطن حح قرر الأخذ بالنصيحة القائلة إنه لا ضرورة لأحذ نصائح 
الأصدقاء العرب بالاعتبار. لقد استمع منهم؛ كما قيل لناء إلى اعتراضات على 
عملية ضد العراق. ولمرة» لم تقل الصحافة الأميركية إن زعماءنا مارسوا التقية 
فأبلغوناء عبر الإعلام» غير ما أسرّوا به أمام ضيفهم الأميركي. غير أن ذلك ل جنع 
تشيين» أمام الدعوة الموجهة من التاريخ» من أن ينسب إلى القادة العرب قلقاً 
يوازي القلق الأميركي «عندما يرون ما يقوم به صدام حسين لتطوير أسلحة 
كيميائية وحرلومية وجهوده على صعيد الأسلحة النووية». نحن لم نر ما رآه 
القادةء ولكن “معنا أفهم لم يروا ما ييرّر العمل العسكري. 

إن «معركة العراق» هي عنوان رئيسي من عناوين القمة العربية. وح إذا 
كانت فلسطين حاضرة بقوة» وهي يحب أن تكون كذلك فإن نصرة فلسطين 
فعليا لا يمكنها إلا أن تمر بضرب طوق من الحماية العربية للعراق. 

إن هذا الطوق ممكن. 

فالإدارة الأميركية تزداد توحدا حول موقف الصقور المغالين في تأبيدهم المطلق 
لإسرائيل. ويستند هذا التوحد إلى ميل قوي في الرأي العام يويد حرباً. إلا أن هذا 
التقارب ليس معطى ثابتاً ولا هو قدّر. فلم يكن الأمر كذلك قبل شهور. وكان هناك 
من هو مستد لعل العقوبات أكثر «ذكاء». أي للتقدم حطوة في اتحاه عخالف 
للمنحى الذي بحري فيه الأمور هذه الأيام. ومن شأن موقف عربي حدي أن يختبر هذه 
الصلابة المستجدة» ومن حقه أن يراهن على إحداث تصدعات فيها. 

291 


252 الان... هنا 


لقد استبق مسوولون في الإدارة الأميركية التحفظات وأكدوا أنهم سيواجهون 
العراق ولو من دون حلفاء. ولقد شكل ذلك عنصر ضغط أنتج تحولاً في الاتجاه 
السيئ لكل من روسيا وفرنسا وكوف أنان. إلى ذلك» أقدم رئيس الوزراء البريطاني 
طون بلير على العبور إلى «الضفة الحريحية». ولكن الصراع على الموقفين الروسي 
والفرنسي مفتوح. وكذلك يكن إحراج أنان في حال قررت واشنطن التهرب من 
استصدار قرار حديد من ملس الأمن. أما بلير فإنه يواحه» اليوم» رأيا عاما يخالف 
مزاحه» وهذه حالة نادرة» ومزاج الرأي العام الأميركي. ولمة أصوات في حزبه وفي 
حكومته تدعو إلى سياسة أكثر اعتدالاً» وني الإمكان تطوير هذه الحالة الضاغطة 
عليه. 

لم يقشكل تحالف دولي حن الآن. ومن المفترض» بالقمة» أن توجه رسالة 
واضحة موداها أن العرب الجاهزين ل «سلام كامل» مع إسرائيل ليسوا في وارد 
تغطية حرب كاملة ضد بلد شقيق. لا محال لأن تكرن تلبية بوش «دعوة التاريخ» 
سهلة إذا كانت الجغرافيا الإقليمية بمانعة» وإذا كان العرب يعتبرون أن العام يكون 
«أكثر سلاماً وأكثر حرية» بلحم أرييل شارون وليس بفتح أبواب الجهول في 
العراق. 

إن هذا «امجهول» هو عامل من العوامل الي تلعب ضد الجموح الأميركي. 
فبوش يكتفي بإعلان النوايا حيال بغداد ولكن الواضح أنه لا يملك تصوراً للعملية 
الي يُفترض ها أن تقود إلى تغيير النظام هناك. ولعله يخلط بين الدعوة الي تلقاها 
من التاريخ وتلك الى يوجههاء منذ سنوات» أحمد الجلبي الذي تعلو أسهمه وقبط» 
في الكونفرس» بفعل عنصرين: الأول» مدى اقترابه من هواجس اللوبي الصهيون» 
والثاني» والأقل نبلاء نوع التقرير الذي يصدره بحقه أي مدقق وضيع في حسابات 
ما يسمى «الموتمر الوطي» الواضع يده على فتات المساعدة المرصودة ل «تحرير 
العراق». 

يمكن أن نضيف إلى ما تقدم» أن السلوك العراقي في الأسابيع الأخيرة يعمد 
المهمة الأميركية. فالسلطة في بغداد احتلفت عن الصورة الي تحب أن ترسمها ها 
الإدارة الأميركية. والمبعوثون العراقيون يتحدثون بلطف غير معهود, وذلك منذ أن 


أميركا والمحافظون الجدد 293 


خاولوا تكليف عمرو موسى بإيجاد مخرج. ولعل المطلوب منهم أن يتذكرواء 
حرفياء ما قاموا به في قمة عمّان من أحل أن يفعلوا عكسه في قمة بيروت. 
لقد واكبت رحلة تشين العراقية انعطافة جزئية أميركية تلت في حد أدن من 
التوازن بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية. ولكن ما إن غادر الرحل 
المنطقة: برفض لقاء ياسر عرفات» حى عادت واشنطن إلى الاصطفاف مع أرييل 
شارون. وف هذا التحول» وحده» درس يجدر بالقمة أن تستفيد منه قيل أن يباشر 
بوش «التحرك» تلبية للدعوة التاريخية (الإلهية؟) المزعومة. 
2022 


ليوت أنجل في أنطلياس 


«إن السلطة الوطنية الفلسطينية هي طالبان الشرق الاوسط» (2001/11/3). 
«من الدلائل على دعم سوريا للارهاب احتلاها لبنان وبقاؤها في حالة حرب مع 
اسرائيل» (2001/11/5). «عرفات قائد ارهابي ومسؤول عن الهجمات 
الانتحارية» (2002/1/24). «نحن نقف موحّدين مع الاسرائيليين في الحرب على 
الارهاب» رقي استقبال الوزير الاسرائيلي بنيامين ايلون وريث رحيعام زئيفي وأحد 
ابرز دعاة «الترانسفير»). «يجحب ضم منظمة التحرير الفلسطينية الى لائحة 
المنظمات الارهابية» (2002/1/24). «لم تكتف سوريا برفض العروض الاسرائيلية 
السخية للسلام وانما ابقت سيطرقا على العملية السياسية في لبنان وسمحت لحزب 
الله .مهاجمة اهداف اسرائيلية من مناطق في لبنان». «هل لاحظ أحد انه منذ ان 
بدأت اسرائيل عمليتها السور الواقي لسحق البنية التحتية للارهاب قي الضفة 
الغربية لم تحصل عملية إرهابية واحدة في اسرائيل. انها عملية ناجحة جدا وأنا ادعم 
حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها» (2002/4/8). «لقد تعلمنا ف الآونة الاخيرة 
ان اصدقاء امير كا الحقيقيين هي الديموقراطيات. والدرعوقراطية الوحيدة في الشرق 
الاوسط هي اسرائيل» (2002/4/25). «قال الرئيس بوش إما معنا وإما مع 
الارهاب. وسوريا ُظهر المرة تلو المرة اها مع الارهابيين... والمندوب السوري في 
بلس الأمن يتهم اسرائيل كذبا بذبح الفلسطينيين. سأراقب سوريا عن كثب في 
الشهر المقبل» (2002/5/31» بمناسبة تسلم سوريا رئاسة مجلس الأمن لشهر). 
«لقد احطأ الرئيس بوش بدعوته الى اقامة دولة فلسطينية... هذه مكافأة للسلطة 
وياسر عرفات على استخدام الارهاب» (2002/6/4). «ان المسؤولين الاوروبيين 
يقارنون الضربات الاسرائيلية الاستباقية دفاعا عن المواطنين في وحه الفلسطينيين» 
بالاعمال الوحشية النازية... يجب بالاحرى محاربة النفوذ السوري البشع في الشرق 
الاوسط» (2002/6/11). «حان الوقت لنقول وداعا لياسر عرفات» (2002/6/12). 
«ان ادانة امي ركا اسرائيل لقتلها زعيما ارهابيا من حماس عبثية... فالجيش 

294 


أميركا والمحافظون الجدد 295 


الاسرائيلي اظهر باستمرار التزامه بحماية المدنيين. وصلاح شحادة هو المسؤول عن 
قتل الاطفال لانه احتبأ بينهم» (2002/7/23). «ان تقرير التنمية الانمائية عن 
الاوضاع العربية يؤكد ان لا حليف لنا سوى اسرائيل وليس الزعماء العرب 
الفاسدين والاوتوقراطيين». 

... وعكن الاسترسالء غير ان ما سبق يعطي صورة واضحة بعض الشيء. 
فهذه العبارات مقتطفة كلها من تصريحات رجحل واحد. إنه عضو مجلس التواب 
الأميركي عن ولاية نيويورك الديموقراطي إليوت أنحل. والرحل هو القوة الدافعة 
وراء تحجموعة قرارات ف الميعات التشريعية الأميركية منها قانون محاسبة سورياء 
وقانون تأكيد الحق الإسرائيلي في الدفاع عن النفس» وقانون قطع الاتصالات مع 
السلطة الوطنيةء وقانون مصادرة أموال عريية لإعادة بناء برحي نيويورك... 

إن جرد ذكر اسم هذا الرجل أهب الفاعة تصفيقاً أول من أمس في 
انطلياس. لقد وجّه برقية الى الموتمرين وعدهم فيها بأنه سيتابع استخدام مقعده 
في لحنة الشؤون الخارجية في محلس النواب الأمير كي «من أجل استعادة السيادة 
اللبنانية والاستقلال السياسي وتمرير قانون محاسبة سوريا». وإذا كان الجنرال 
ميشال عون بدا وكأنه أكثر المتحاوبين حماسة: فإن الخطباء الآحرين لم يخرحوا 
عن هذا الجو. 

إن المغرى السياسي الوحيد لمهرجان 7 آب هو أن هناك تحالفا سياسيا لبنانياً 
يوجه رسالة الى الولايات المتحدة يقول فيها إنه جاهز للخدمة إذا استدعت 
الظضروف ذلك. وليست هذه حالة لبنانية فريدة. فئمة وفد عراقي في الولايات 
المتحدة البوم يقول الشيء نفسه. ورجما كان في وسع هذا الوفد أن يقدّم مبررات 
لفعلته هذه أكثر وزناً من تلك الي يقدمها امحتمعون في انطلياس. غير أن الفرق بين 
الحالتين هو أن «العراقيين» لا يخشون كشف أأوراقهم» وأن واشنطن تتعامل معهم 
على هذا الأساس. أما «اللبنانيون» فلقد اقتربوا حطوة (بعد لوس انجلس) من 
احتلال هذه الوضعية من دون أن عتلكوا الحرأة الكافية للإفصاح. 

إن من يعامل إليوت أنجل كمرشد روحيء ومن يراهن على هذا التيار 
الكشدد في الولايات المتحدة ومن لا يخشى وحود قنوات تحتية تربطه 


6 الآن... هنا 


بالاستراتيجية الأميركية في المنطقة واستهدافاتهًا المتعددة بما في ذلك تأمين الغلبة 
الإسرائيلية» إن من يفعل ذلك كله لا يجوز له أن يتصرف كالأطفال ويستغرب 
ردود فعل عنيفة من آخحرين يعتبرون ان العاصفة الحموحاء شديدة الخطورة 
وتستدعي المقاومة. 
يُفترض تمر انطلياس ان يزيل التباسات لوس انجلس. ولقد بادرت حركة 
التحدد الدكوقراطي الى شيء من هذا القبيل. ولكن يبقى الكثير ثما يتوجب القيام 
به حى تبقى الاختلافات اللبنانية ضمن دائرة إجماعات واسعة (ولو هشة) تعزل من 
يريد تأسيس مجه على تحاذبات إقليمية يتراءى له أن المحور الأميركي الإسرائيلي 
سیخر ج منها منتصراً. 
2002|8|9 


التفاهة داء غير قاتل 


التفاهة داء. لكنه غير قاتل. لو أنه كذلك لخر ديك تشييئ صريعا فور تأكيده 
أمام وقد المعارضة العراقية أن واشنطن تريد إقامة نظام دبموقراطي قي العراق ولن 
تحارب جرد استبدال ديكتاتور بآخر. وكان لحقه. أو سبقه» دوتالد رامسفيلد لأنه 
قال كلمات «قاتلة» مثمائلة. 

لقد تفوها بذلك أمام وفد يتشكل من وريث عرش ضائع منح لأجداده في 
ظروف مشبوهة» ومن مسؤولين حزبيين كرديين أجريا مسرحية انتخابية ثم دخلا 
في قتال مديدء ومن شقيق لقائد دين يشك في استعداده للامتثال لنتائج أي اقتراع» 
ومن شخصية شكلت حزبا لم يختره أحد لرئاسته» ومن «حلي» تطارده الفضائح 
المالية ولا تكف المؤسسات الأميركية نفسها عن التشكيك في كيفية تصرفه بأموال 
معطاة إليه لقاء خدمات تدخل صاحبها السحن. 

لا وحوى في هذا الوفد, لفرد ذي تقاليد دعوقراطية. أكثر من ذلك لا 
وحود لتقاليد دكوقراطية في البلد المعتي. وإذا أضيف الى ذلك سنوات الحروب 
والحصارء وتبديد الطبقات الوسطى؛ وتهميش الأحزاب وضرجاء والتركيبة 
الاحتماعية الهحينةء إذا أضيف ذلك كله أصبح بالإمكان تخيير تشييئن ورامسفيلد 
بين تمي التفاهة أو الكذب. 

إن ما تريده واشنطن من العراق هو نظام موال لها. تسعى الى سلطة في الم ركز 
تتحكم بالقرار العسكري الإجمالي والنفطي. ويمكن لحا أن تتعايشء عند أطرافهاء 
مع اضطرابات محدودة. فهذا النظام الموالي هوء في عرف غلاة الأميركيين» أي 
الإدارة الراهنة وأغلبية الرأي العام الحالي» الطريق الى الإمساك بالشرق الأوسط 
کله. 

لا شيء يحول دون أن تكون الدرموقراطية حلماً عراقيا ومشروعاً سياسياً. 
ولكن القول بأن العدوان العسكري كفيل بنقل هذا البلد ثما هو فيه الى 
الديموقراطية ترويج لا معن له. 

297 


298 الآن... هنا 


يمكن للولايات المتحدة أن تطمح الى شراء ولاءات في العراق. ولكنها 
مضطرة, من أحل ذلكء الى تسعير التباينات العرقية والمذهبية ووعد كل فئة بأن 
تجد ها مكاناً في المستقبل. لذلك لم يكن غريبا أن يتلازم الحديث عن «حل» 
باللحديث عن الفدرالية. فهذه الأخيرة يراد لها أن تستند الى تمايزات قد تكون 
موحودة من أحل دفعها الى الحد الأقصى. وسيقود الأمرء في حال حصوله؛ الى 
جعل الضوابط دون التقسيم الكامل خارحية فقطء والى نشوء بتحجمعات متعايشة 
بتحاور يصعب له أن يحتضنء في كل «كانتون»» تعددية حدية. 

إذا استخدمنا أفغانستان مقياساً أمكن لنا أن ندرك بالملموس حجم الفارق بين 
الوعود ال تصاحب حرباً والنتائج الحاصلة بعد الانتصار. فالقوات الأميركية غير 
معنية إطلاقاً بأي أمن حارج العاصمة. وهي تقيم صلات مع أمراء حرب تسميهم 
«الزعماء المحليين». وتراقب بسلبية ارتكاباهم وصراعاتهم وترفض تعريض نفسها 
لمخاطر. أما نثر الوعود الاقتصادية» والتلويح بإعادة البناء» والتشديد على عدم 
تكرار خطأ الماضي بإدارة الظهر... هذه كلها تخلت عنها الولايات المتحدة إما 
لنتركها تسقط وإما لتكلف الأوروبين بما. 

يستحسن استرجاع ما قاله تشيئ ورامسفيلد غداة 11 أيلول في معرض 
تحضير الحملة الأفغانية للمقارنة بواقع الممارسة اليوم. سيتضح أن الإمساك بالسلطة 
المركزية هو المهدف الأول وهو هدف تحقق بتدحل شديد الفظاظة لإرغام «لويا 
جيرغا» على تسمية من طاب لزلماي خليل زاد وتسميتهم قي مواقعهم. 

والاسترحاع ضروري استباقاً لما قد يحصل في العراق. ان أفق التدحل 
العسكري لا علاقة له بماك آرثر ولا بتحرير أوروبا الغربية ومشروع مارشال. 
الأفق هو قبضة من حديد تمسك بالبلد ويكون المعيار الوحيد محاكمتها 
اندراحها في السياسة الأميركية الإجمالية حيال المنطقة وهي سياسة شديدة 
العدائية والججذرية. 

202115 


أميركا تناقش. الإصغاء واجب 


أميركا تناقش. الإصغاء واحب. و«نحن» موضوع النقاش. لقد تأخر حى 
بدأ. غير أنه يحتدم بسرعة. ويتعزز من أن الرئيس جورج بوش يعلن نواياه العراقية 
ولا بحسم بي المواعيد والوسائل والشركاء والتبعات. 

الإصغاء واحب لأنه مقدمة للتحذير من تفسيرين. يخطئ من يعتبر أن 
الولايات المتحدة كتلة صماء. صحيح أفا توحدت بعد 11 أيلول وقي حرا على 
«الإرهماب». غير أن اقتراب الانتخابات الخريفية أعاد بعض التصدع. وثمة» في 
داخلهاء قضايا عديدة غير إجماعية. وكان لا بد أن تنعكس خلافات الداخل على 
التوجهات الخارجية. 

ولكن» يخطى» أيضاء من يعتير أن النقاش في موضوع الحرب على العراق يعني 
الإلغاء» أو التأحيل إلى موعد غير محددء ويتحول الخطأ إلى خطيئة إذا تراءى للبعض 
أن للعرب أصدقاء في هذا السجال. 

ليست أميركا كتلة صمّاء بدليل الخلاف ضمن الإدارة نفسها. إن كولن باول 
غير دونالد رامسفيلد. ويحمل كل يوم حصته من التباين بين الرجلين. وإذا كان 
ريتشارد بيرل» كبير حاخامات التطرف, يقود كتلة في الوزارات تضم أمثال بول 
وولفويتز ودوغلاس فايث فإن ناطقين آخرين باسم الموسسة لهم رأي آخر وهولاء 
ليسوا أقل من هنري كيسنغر» وبرنت سكو كروفت» وزبغنيو بريجنسكي» 
وصموثئيل ببرغرء وويسلي كلارك؛ ونورمان شوارتزکوف... 

وبعد أن كانت الساحة خاليةء لشهورء لعتاة الصقور دخل الأقل صقرية 
الحلبة. ويمكن القول إن الحولة الأولى تبدو كأنها انتهت لصالحهم من غير أن يعني 
ذلك تعويض ما فام من خسارة. لقد شرع الغلاة يدركون أنهم ليسوا وحدهم. 
وعبّر بيرل عن ذلك ب «تحفة» يستحق عليها جائزة الوقاحة (أو الحماقة). فبعد 
أن عبّا رئيسه لخوض الحرب» وبعد أن تعبا الرئيس فعلاً وشهر سيف الإعلان عن 
تصفية «محور الشر»» وبعد أن بدت علامات تردد ضعيفة» حرج بيرل ليقول إن 

299 


0 الان... هنا 


الحرب واحبة من أجل عع لاقام من هيبة الرئيس! يقترح بيرل حرباً «تغير 
المنطقة والعالم» (حسب محلة فورتون) إنقاذا لبوش من «ورطة» أدخله فيها. 

ما هي عتاصر النقاش الأميركي؟ 

يقول الأقل صقرية إن واشنطن لم تبن ملفاً. وينصحون بالتركيز على أسلحة 
الدمار الشامل أكثر من النظام العراقي وضرورة تغييره. ويستنتجون أن من 
الضروري حوض معركة المفتشين وعودقم الحرة والاحتماء» قدر الإمكان» 
بقرارات بحلس الأمن. ويعتيرون أن هذا هو المدخل الصحيح للحصول على دعم 
الكونفرس والرأي العام» وهو دعم سيكون ضرورياً في حال الانتقال إلى العمل 
العسكري. وييدون حرصا على اكتساب الحلفاء الأوروبيين إلى صفهم بالاستناد 
إلى ما هو معروف من اعتراضهم على الأسلحة وعلى طبيعة النظام. ويصرون على 
استمالة الورضع الإقليمي وإقناعه بخطتهم والاستناد» في ذلك إلى حلفاء عرب 
موثوقين لا يجوز التوتير معهم انطلاقاً من اعتبارات ثانوية. إلى ذلك يرى هولاء أو 
معظمهم» أن تسوية ما للصراع الفلسطيي الإسرائيلي هي شرط ضروري لفتح 
الملف العراقي على احتمالاته القصوى. ويعنٍ ذلك أن من واجب الولايات المتحدة 
«تخفيف» التماهي الراهن مع السياسة الشارونية ومساعدة إسرائيل رغما عنها. 

وما أن الأقل صقرية هم من تعاطوا السياسة الكونية فإفهم يركزون على الرسالة 
الي تريد واشنطن توجيهها إلى العالم. فسابقة الحرب الاستباقية تفتح «صندوق 
باندورا» وتهدد بإدخال العالم في فوضى. ولذلك فإن الحكمة تقضي» حفاظا على 
المصالح الأميركية البعيدة المدى» بقيادة العالم كله» أو الكتلة الرئيسية فيه» نحو المشاركة 
في تنفيذ أحندة ملك اليوم» بندا أول هو «الحرب على الإرهاب». 

ليس ما تقدم موضوع توافق تام بين من أشير إليهم ولكنه يلخصء بقدر من 
الأمانة» توحههم. 

فريق الغلاة يرى غير ذلك. فهو يعتير الحرب حلاً وحيداً ويستعحلها. ويفضل 
الاتكاء على «المعارضة الحلبية» أكثر من الوضع الإقليمي. لا بل يسعى إلى توسيع 
المعركة بحيث يتعرض الحلفاء إلى ضغوط (مصر والسعودية) ويرغم المترددون (إيران) 
على خيارات صعبة إن لم يكن مستحيلة. لا ببالي هذا الفريق بالتحفظ الأوروبي ما 


أميركا وتلمحافظون الجدد 301 


دامت بريطانيا إلى حانبه (إذا استطاع طون بلير البقاء على سياسته). أما الأمم المتحدة 
فموضع سخرية خاصة أن التفتيش عن الأسلحة غير بحد من الأساس. لا ضرورة 
لمشاورة الكونغرس لأن الخرق العراقي موصوف وهو ييررء بالأساسء العمليات 
العسكرية الجارية ضده يوميا. وبغدادء في هذا التصور» هي البوابة إلى فلسطين. 
فالحرب يجب أن تسبق التسوية لأا هي الي توفر ها شروطها وتسمح بتثبيت 
للتحالف المركزي مع إسرائيل على حساب جميع «المهزومين». 

يسخر أقطاب هذا الفريق من تأثير فعلتهم على «النظام الدولي» أو 
«العلاقات الدولية». فالولايات المتحدة هي الدولة الأقوى بلا منازع ولعقود من 
الزمن وهي تستطيعء والحالة هذه» حىّ لو أخطأتء أن تستثمر الوقت من أجل 
إعادة ضبط الأمور. 

لا جوز لهذا النقاش الفعلي أن يقود إلى استنتاج أول بأن الحرب قد تلغى 
كخيار. فم ركز الثقل في النظام لا يزال ميالاًء ولو من دون حسم واضح. إلى 
المتشددين. 

ولا يجوز هذا النقاش أن يوهم أحداً أن للعرب أصدقاء في مر كز صنع القرار. 
فعناصر التوافق بين متحاوري واشنطن تضعهم» جميعاً؛ في خندق آخر. خندق تعريف 
المصالح الاستراتيجية لبلادهم يما يتعارض مع أي تعريف متواضع للمصالح العربية. 
حندق الدعم المطلق للتفوق الإسرائيلي. خندق التوسع في مفهوم «الحرب ضد 
الإرماب». حندق الرغبة في الخلاص من النظام العراقي وأسلحته (إن وحدت). 
عندق إعادة صياغة العلاقة مع «الحلفاء» العرب. خندق تثبيت الأرححية الأميركية 
الكاسحة على نطاق عالمي. و» أخيراء خندق اللجوء إلى الحرب على بغداد بعد قيئة 
المناخ المناسب» وتوضيح الأهدافء والتأكد من البدائل. 

يكاد النقاش الأميركي أن يكون نصائح يوجهها حكماء الإدارات السابقة إلى 
مراهقي الإدارة الحالية ذوي الرؤوس الحامية. إلا أن الأخيرين» وبوش معهم حى 
إشعار آخرء يردون أن هذه النصائح قادمة من زمن غابر» من زمن كان فيه 
للولايات المتحدة أنداد يرغموها على أحذهم بالاعتبار والتروي. 

200280 


نصيحة مجانية 


قرّرت الولايات المتحدة إنفاق ملايين الدولارات من أجل تشجيع 
الدركوقراطية في العالم العربي. من لبنان إلى البحرين إلى المغرب سترعى الإدارة 
دورات تدريب لصحافيين وناشطين سياسيين ونقابیین» وستدعم مؤسسات 
لتحسين النقاش السياسي المفتوح. 

وتوحي واشنطن أن التقدم العربي على هذه الطريق هو تقدم نحوهاء باتحاه 
الصداقة معهاء وتدجين العداء لا. 

إذا كانت تصدق ذلك فعلاً فإن من واحب أي صديق ها أن ينصحها بألا 
تفعل ذلك. إذ كلما خطا العرب خطوة نحو اللرعوقراطية كلما ازدادت خصومتهم 
فا و«الأخطر» من ذلك كلما ازدادت قدرقم على حسم هذه الخصومة 
لصالحهم. فما يسمى العداء العربي لأميركا ليس هراية. ولا علاقة له يحينات 
تكوينية. وهو بعيد» كما قيل للرأي العام الأميركي» عن أن يكون رفضاً لقيم 
الحدائة والحرية والتطور. إن ما يسمى «العداء العربي لأميركا» هوء في الجوهرء 
تعبير عن وجود قضايا عالقة معهاء وعن اعتراضها طريق العرب الى الحدائة والحرية 
والتقدم. وهوء فوق ذلك تعبير عن الاستياء ما نجحت في فرضه على شعوب 
المتطقة» بعد كسر حركتها التحررية» من أنظمة مغالية ومتطرفة في التحاوب مع 
الإاملاءات الأجنبية. ولقد مهد لذلكء ولا يزال» عملية جراحية مديدة» من دون 
خر أحياناء أعادت تشكيل البئ العربية كلها لجعلها مطواعة. 

إذا كانت الولايات المتحدة تصدق فعلاً ما تقول فواجب أصدقائها الإسراع 
إلى إفهامها أن المزاج الشعي أكثر حصومة لما من السلوك الرسمي لا بل أنه يأخذ 
على هذا السلوك انسحابه من معركة الدفاع عن الحد الأدن المطلوب من المصالح 
الوطنية والقومية: وإذا كان هذا المزاج الشعي يعبر عن نفسه بتشنحات بشعة 
أحيانا فذلك لأن النحاح حصل في ضرب المشاريع العقلانية ولأن البديل عنها كان 
أنظمة حكم تحطم الأعصاب من فرط خنوعها. 

302 


أميركا والمحافظون الجدد 303 


هل يملك أحد في الولايات المتحدة إحصاء دقيقاً عن عدد السجناء السياسيين 
في البلاد العربية؟ إذا استثنينا قلَة بينها سعد الدين إبراهيم؛ فإن أكثرية ساحقة من 
هؤلاء السجناء موحودة حيث هي لأنها أكثر جذرية في العداء لإسرائيل والولايات 
المتحدة مما تحتمل حكوماتهم. صحيح أن حفنة من العملاء في المعتقل ولكن القمع 
الفعلي مسلط بشكل غير دبموقراطي إطلاقاء على من يدين العلاقة الدونية 
بواشنطن. وهذا موشر له دلالاته. ويمكن؛ أيضاء إحراء مسح دقيق لاتتخابات 
النقابات المهنية. فالدموقراطية هناء عندما تمارس» تأ بتتائج لا ترضي الدعاة 
السذج إلى الارتباط التبعي. 

المصالح. فهي ستقود الى تعريف آخر لمصطلح «مناسب» عند الحديث عن 
سعر النفط. وهي ستؤمن تعبئة أكبر للانخراط في الصراع الذي يخوضه الفلسطينيون 
بالأصالة عن نفسهم والنيابة عن الآخرين. وهي ستنتج وعياً حاداً برفض أي 
نزع للسلاح من طرف واحد. 

لنصدق بعض الوقت أن الولايات المتحدة تصدق ما تقول. نستنتج من ذلك 
أفا واهمة وأنها واقعة في خطأ تسببه لها تحربتها التاريخية في مناطق أحرى من العالح. 
إن الدكوقراطية تقود (قادت) شعوب أوروبا الغربية الى الصداقة مع أميركا. هزيعة 
النازية والحماية من حلف وارسو هما السبب. نعم إن شعوب أوروبا الشرقية 
رفمت لواء الدكوقراطية قبل سقوط الجدار. فمن الطبيعي استعارة إيديولوجيا 
الخصم العالمي لروسيا الاشتراكية. ولكن» هناء سرعان ما تبون ان التطلب الوطئي 
مختبئ وراء الشعار الديموقراطي. نعم أمكن فرض اللركوقراطية على ألمانيا بعد 
دخول برلين وعلى اليابان بعد القنبلتين النوويتين. غير أن ذلك حصل بسهولة لأن 
الدولتين المهزومتين كانتا في موقع المعتدي. 

لا شيء مما تقدم ياثل ما لديناء نحن في موقع المعتدى عليه من إسرائيل 
وأميركا. ونيش تشبعاً بأفكار قومية ويسارية وإسلامية وليبرالية يختبئ وراعها 
تطلب وطينٍ يتعارض مع تعريف أميركا لمصالحها لدينا. ولذلك فإن تعميم 
اليعوقراطية هو أقصر الطرق الى امتلاك أداة فعالة من أحل حوض مواحهة ناححة 
مع الولايات المتحدة. 


4 الآن... هنا 


هل تغيب هذه الحقائق عن ذهن الأميركيين؟ هل تخفي «شحرة» سعد الدين 
إبراهيم (وغيره) الغابة؟ هل يمكن الفرز بين ما تريده أميركا فعلاً في فلسطين (كسر 
الممانعة الوطنية) وما تدعيه (الإصلاح والشفافية)» بين ما تريده فعلا في العراق 
(السيطرة السياسية على البلد وإمساك المشرق العربي) وما تدعيه (الخنلاص من 
الديكتاتورية)» بسين ما تريده فعلا في إبران (الاحتراب الداخلي) وبين ما تدعيه 
(الرهان على التحركات الشعبية)» الخ... نعم ان الفرز ممكن والميل واضح الى عدم 
تصديق الادعاءات. 

لسناء في الواقع» أمام خطأ ترتكبه الولايات المتحدة بحق نفسها وحلفائها عير 
تشجيع الدجوقراطية. فهذا الشعار يقصد منه شيء آخر. يقصد منه التسلل لتعميم 
ثقافة يطلق عليها «ثقافة السلام والتشامخ والاعتدال». إن هذه الثقافة قابلة للهزعة 
في أي معركة دكوقراطية فعلاً في العام العربي. قزمها ثقافة عل العدالة مطلباء 
والحرية مطلباء والسيادة المنفتحة على العام مطلباً. وتهزمها أيضاً ثقافة «السلام 
العادل» والذي لا يسعه أن يكون دائماً ما لم يكن عادلاً. 

إن الرعوقراطية مطلب عربي لا مصلحة لأميركا فيه وهي لن تسعى الى 
تحفيقه أصلاً. فكل ما تريده هو بناء أوضاع قائمة على استبطان لا يُحتمل 
لانكسار مثالي العدالة والمساواةء وهذا الاستبطان ينفي» جوشرياء وجرد 
مواطنين أحرار. 

20002 2 


اقتراحات إلى شارلوت 


كانت متقاعدة. إلا أا كانت بحمة من نجوم ماديسون أفنيو الي تصنع» مع 
هوليود, المخيلة الجماعية للعالم. جاؤوا ها إلى الإدارة. وليس إلى أي موقع كان. 
إلى وزارة الخارحية مباشرة لتصبح نائبة الوزير لشؤون «الدبلوماسية العامة». 
يوحي سحلها بنحاح بارز في الترويج لسلع عادية. غير أن حورج بوش وكولن 
باول يريدان من شارلوت بیرز (66 عاماً) أن تييع ما لم تعتدء أو يعتد غبرهاء على 
بيعه رسمياً: أميركا أو بالأحرى» صورة أميركا. 

فبعد 11 أيلول طرح سوال قي واشنطن: «لاذا يكرهوننا؟». ووظيفة بيرز هي 
ألا يعود أحد يكره بلادها فهي ترید» كما تقول» أن تعلّم «مليار مسلم أنه ليس 
ضروريا أن تقتلونا للفت انتباهنا». وا أا متواضعة بعض الشيء فإفا تعتير 
حسب مقاييس الشر كات الكبرى أن «اكتساب حصة ثلاثين في المئة من السوق 
هو إنحاز كبير». 

عمل شارلوت هو تعليب الولايات المتحدة وتسويقها في العالمين العربي 
والإسلامي. «نريد أن نبيع سلعة» قال باول. وهذه السلعة ماركة مسحلة: القيم 
الأميركية. 

الوسائل الي ستستخدمها شارلوت متنوعة: كتب» أقراص مدجةء بحلة 
شبابية» رحلات» تبادل بعثات مدرسية» استقصاءات رأي» دروس لغة إنكليزية» 
كليبات تلفزيونية» إعلانات صحافية... 

وقبل الاستطراد يجدر القول إن الكليبات باتت موحودة في بيروت وإننا 
«معرّضون» لرؤيتها قريبا من أجل أن ننام متحفظين على أميركا ونستفيق 
معحبين ها. ولقد صرحت شارلوت في شهادة لها أمام لجنة الشوون المخارحية 
في بجحلس الشيوخ (11 حزيران) .عا حرفيته: «نستطيع العمل مع المخطات 
الفضائية البارزة مثل أم. بي. سي. وإل. بي. سي. والمستقبل والجزيرة. وهي 
محطات متجهة لبربحة حديدة ووعدتنا بأنها مفتوحة لموادنا». أضافت الها أحرت 

305 


306 الآن... هنا 


الاتصالات اللازمة في أميركا وستؤمن الأشرطة اللازمة. هل يبادر بيار الضاهر 
وندم المنلا إلى نفي ذلك؟ 

يمكن التقديرء مسبقاء أن مهمة شارلوت صعبة لأن المشكلة هي في مضمون 
الرسسالة الأميركية إلى العرب وليس في شكلها. ولكن» ريئما تكتشف ذلك 
بنفسهاء وبعد أن تكون أكملت دورقا في معاهد البحث وهيئات التشريع 
والتقرير» هذه اقتراحات لحا قد تفيدها. 

أولاً عليها أن تطالب .ميزانية تفوق ال600 مليون دولار المرصودة لها. فهي 
تعلم أن إطلاق منتوج حديد تاج إلى نفقات أكير بكثير من ذلك. 

ثانياً يستحسن ألا تكتفي بأن تبيع «صورة أميركا» أي «غط الحياة 
الأميركي». فالجمهجورز يعرف مسب أن ثمة مسلمين وعرباً يصعدون السلم 
الاحتماعيء وأن المجتمع التعددي هناك يتمتع بقدر من التسامح. عليها أن تركزء 
أكثرء على ما تصدّره أميركا إلى العالم» وإلى منطقتنا تحديدا» عبر سياستها 
الخارجية. 

لن تكون مقنعة» هناء إذا رددت» كما فعلت أمام مركز الدراسات 
الاسستراتيجية والدولية (15 5 2002) بأنه يفترض تجاهل الصراع مع إسرائيل مثلاً 
من «أحل أن نخلق مواضيع أخرى للتحاور»! 

الا قد يكون جيدا لو أا تذهب في التحدي إلى غايته. فهي تتحدث عن 
0 ألف زاروا أميركا في إطار برامج منظمة وتدعو إلى تفعيلهم. وواحبها أن 
تقول لنا من الذي قبل «التفعيل» وما هو دوره. ولا بأس من الذهاب في الشفافية 
حى النهاية بالإعلان عن أسماء جميع المتعاونين في البرامج المتعددة الي تنوي إطلاقها 
من إذاعة «سوا» إلى التلفزيون إلى الصحف الحلية وسواها. 

رابعا أحسنت شارلوت فعلاً باختيار الشباب» في حدود العشرين» هدق 
مركزيا لبسيع السلعة. ولكنها إذا اعتقدت أن الإكثار من موسيقى البوب يكفي 
وحده تكون ترضى هم ما لا ترضاه للأميركيين. 

خامساً يجب أن تحسم أمرها. إذا أرادت تعليب السلعة بالخطاب الأميركي 
التقليدي عن الحريات وحقوق الإنسان فإها مهددة بخسارة أصدقاء أميركا بين 


أميركا والمحافظون اقجدد 307 


الحكام. وإذا احتارت التعليب بواسطة شرح الأهداف الأميركية الفعلية فإفا 
ستواحه مشكلة مع الأكثرية الساحقة. ورعا اضطرت» والحال هذه إلى إماء 
حياتها المهنية بفشل. 

تعرف شارلوت بيرز جيدا أن الإعلان» كصناعة» يبرز عند انتهاء المنافسة 
بواسطة الجودة والسعر. فعندما تصبح مساحيق الغسيل» مثلاً» متقاربة في النوعية 
والثمن يكون للإعلان دور. ويهذا المععئ فإن السلعة «أميركا» لا حظ لا لأا 
رديئة أولأء وغالية ثانيا. ولذا رعا كان الأفضل» من ناحية تسويقية» التركيزء لدى 
الستهلكين» على أن لا بديل عن هذا المنتوج. ويعي ذلك أن شارلوت تتوفق أكثر 
إذا جحت في إفهامنا أن سلعتها هي الوحيدة المطروحة في السوق وذلك بغض 
النظر عن مدى فائدقا. عندها لا يعود علينا سوى التكيّف مع ذلك. أي التصاغر 
قدر الإمكان من أحل أن نكون صالحين لتقبّل هذه الحالة الاحتكارية. ويقود 
ذلك عملي إلى تقديس هذه السلعة وتغيير طبيعة المستهلكين بحيث يصبحون في 
حدمتها بدل أن يكون العكس هو الصحيح. 

قد تنجح شارلوت في عملية الإغراء هذه. ولو أن المرأة القادمة إلينا من 
احتيارات بحلة «غلامور» ترتكب هفوات مضحكة. فلقد شرعت» ذات مرة» في 
حديث عن الإسلام مستخدمة فيه مصطلح «إعان» بدلا من «إمام». ولما حرى 
استدراك ذلك تين أفها استخدمت «إمان» لأا كلمة أليفة إليها ليس لعناها 
الفعلي» معتقدء وإنما لأا الإسم العلم لعارضة الأزياء الشهيرة! 

2002 0 


الوصايا العشر ل «حزب الحرب» 


أول من أمس كادت اليئات التشريعية الأميركية تتحول الى «محالس حربية». 
ففي قاعة يعبئ وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ورئيس الأركان ريتشارد مايرز 
أعضاء الكونغرس للحرب على العراق. وفي قاعة ثانية يناقش نواب «قانون محاسبة 
سوريا» وی شنون هحوماً عنيفاً على حكومي بيروت ودمشق ويقترعون لصالح 
فرض عقوبات. وإذا كانت الصلة واضحة بين ما يعد للعراق وما سوف يعد 
لسوريا ولبنان» فإها كذلك يفترض ان تكون واضحة» بين «قاعيّ» الكونغرس 
وبحلس النواب. فالوشائج والروابط الي تشد رامسفيلد الى إليوت إينغل تجعلهما في 
صف احد. يطلقون على هذا «الصف» في واشنطن اسم «حزب الحرب». 
ويقصدون الحرب على العرب أساساً. 

في موازاة ذلك» كانت جامعة بار إيلان الاسرائيلية تعقد ندوة عن «التأثيرات 
الاقليمية هجوم اميركي على العراق»» وقدم افرايم انبار (مدير مر كز بيغن السادات 
للدراسات الاستراتيجية) خلاصة الاستنتاحات ومزداها: «ان اسرائيل هي الرابح 
الأكير من تغيير النظام العراقي الذي عكنه ان يعزل سوريا وايران» ورا قاد الى 
احراج سوريا من لبنان وادى الى تفكيك حزب الله». 

ان اسرائيل الرابح الاقليمي الأكير معن ان حصتها هي حزء من حصة تثبيت 
السيطرة الأميركية الي يبدو ان واشنطن ماضية في فرضها كائناً ما كان رأي مجلس 
الأمن 


& © © 


هة حرافة لا بد من تبديدها. تقول هذه الخرافة ان ما تُقَدم عليه الولايات 
المتحدة هوء في حوهره» رد فعل على الاعتداءات الي تعرضت هما في 11 أيلول 
1. أي انها في حالة دفاع مشروع عن النفس يأخذء في بعض الأحيان» صيغة 
الضربة الاستباقية درءاً لأحطار أكثر هولا ما حصل قبل عام. 
308 


أميركا والمحافظون الجدد 309 


كان بمكن للرأي القائل إن هذه «خرافة» أن يستثير نقاشاً. ولكن «المشكلة» 


انه ليس :رايا انه معلومات. وتدليلا على ذلك يفترض ان ندقق في مدى التطابق 
بين ما يجري في منطقتنا وبين هذه «الوصايا العشر»: 


يحب التخلي النهائي عن اطروحة «الأرض مقابل السلام» لأنها تُضعف 
اسرائيل على الأصعدة كلها. والبديل عنها هو «السلام مقابل السلام» أو 
«السلام عبر القوة». 


. يحب تركيز الجهد على إسقاط نظام الرئيس صدام حسين لأن معركة السيطرة 


على العراق هي معركة التحكم ,يزان القوى في الشرق على المدى البعيد. انه 
هدف استراتيجي لاسرائيل ومن نتائجه إضعاف سوريا. 

يحب إدخال تغيير جذري على علاقة اسرائيل بالفلسطينيين وافاء حرمة المناطق 
«أ» الممنوحة للسلطة الوطنية عموجب اتفاق اوسلو. 


. يحب التخلي عن فكرة السلام الشامل مع سوريا ورفض اعادة الجولان واحتواء 


دمشق والضغط عليها عبر اثارة قضية امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل. 


. ان ضمان الأمن على الحدود الشمالية لاسرائيل يمر يضرب أهداف سورية في 


لبنان» ورعا في العمق السوري نفسه. 


. يحب التعبئة من اجل قيادة حملة لادانة الاحتلال السوري للبنان. 


8. يجب استخدام عناصر معارضة في لبنان من أحل زعزعة الهيمنة السورية. 
9. يحب التوجه نحو اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط عا قد يهدد الوحدات 


الترابية للدول .عا في ذلك سوريا. 


0 يجب الاهتمام بإيجاد «بعد هاشمي» لأي حل مستقبلي في العراق. 


تبدو هذه «الوصايا العشر» توصيفا دقيقا لما يحري قي المشرق العربي هذه 


الأيام» ولما يقال لنا من أنه ناجم عن تداعيات 11 أيلول. الحقيقة في مكان آخر. 


الحقيقة هي ان الوصايا هي ما يمكن استخلاصه من تقرير مرقوع الى بنيامين 


والتقرير يقترح «استراتيجية اسرائيلية جديدة حى العام 0 


310 الآن... هنا 


واضعو التقرير «خبراء» امي ركيون يبدون شديدي الحماسة لأن تدعم بلادهم 
هذا التوحه. ولكن الذي حصل هو ان نتنياهو حرج من السلطة في اسرائيل في 
حين وصل هؤلاء الخبراء الى السلطة في الولايات المتحدة نفسها عام 2000. بات 
«الخبراء» صتاع السياسة بينهم أناس من نوع ريتشارد برل ودوغلاس فيث (في 
البنتاغون)» وبينهم الزوحان ديفيد وميرياف ورمسر. 

إن رتشارد بيرل هوء حالياء القائد الأعلى ل «حزب الحرب» في 
الولايات المتحدة. يسمونه في واشنطن «أمير الظلام». ويسمون دونالد 
رامسفيلدء وإليوت إينغل» وبول وولفويتزء وحون بولتون» وغيرهم «اعضاء في 
عصابة بيرل». ١‏ 

وما كان بحرد اقتراحات اكادكية بات» كما هو واضح وحلي» ممارسات 
فعلية نشهد تطورها يوميا ونلمس آثارها الكارثية على منطقتنا. ويتضمن التقريرء 
لمن يريد ان يعرف المستقبل الذي يريده هولاء القوم لناء إشارات حاسمة الوضوح 
الى مصير قاتم. 

ل ينتظر «حزب الحرب» أحداث 1 ايلول لكي يدافع عن الولايات 
المتحدة. لقد استخدم هذه الأحداث؛ بعد وصوله الى السلطة؛ من أجل شن هجوم 
ما زلنا نعيش أطواره الاولى. 

200290 


قصة «يهودية» 


احتج لورنس سامرز على الدعوة إلى مقاطعة إمرائيل في الجامعات الأميركية. 
قال إنه يهردي غير ممارس ولكنه بات يشعر برذاذ العداء للسامية يطاله. رد عليه 
ادوارد سعيد بان من يكون رئيساً لمعهد هارفرد لا يمكنه ادعاء وجود تمييز ضده. 
وجاءت دراسة نشرت أمس عن أحوال يهود أميركا تؤكد رأي سعيد. فيهود 
الولايات التحدة هم أكثر حضوراً في الفغات الحظوظة والنافذة من المجتمع من 
نسبتهم إلى عدد السكان. لم يتوقف سعيد كثيراً عند شكوى سامرز من اغیاز 
اليسار الأميركي» والراديكالي منه تحديداء إلى جانب الفلسطينيين. 


© © * 


يصعب اعتبار آل غور يساريا. فهوء مع بيل كلينتون» قادا الحزب 
الديموقراطي إلى الوسط. ويستحيل الزعم أن نائب الرئيس السابق ليس شديد 
التعاطف مع إسرائيل. غير أن ذلك لم نعه من إعلان تمايزه الحاد عن السياسة 
الأمبركية في ما يخص العراق. خلاف آل غور مع حورج بوش ليس حدئا. ولكن 
الافتراق بينه ويين حوزف ليبرمان حدث كبير بالمقابيس كلها. فالثاني كان شريكه 
في معركة الرئاسة الماضية. ولكنه يتزعم حاليا تبارأ في حزبه يحض الإدارة على 
المواجهة العسكرية وتغيير النظام في بغداد. ولقد كان حاضراً في البيت الأييض 
لحظة الإعلان عن تباشير التوافق بين بوش والكونغرس حول صلاحية شن الحرب. 

ولي وتت يلعب هذا العنوان دورا محوريا في الحملة الانتخابية النصفية» وف 
وقت يضعف الخلاف بين آل غور وليبرمان من حظوظ الحزب الدكوقراطي» فإن 
التباين له أبعاد أخرى. 

يقف دموقراطيون إلى جانب آل غور بينهم ممثلون عن الأقليات (السود 
تحديدا) وعدد من النواب والشيوخ اليهود. ولكن الكئلة الرئيسية من يهود الحزب 
الديعرقراطي تصطف وراء ليبرمان ومعها مرشحون يخشون فقدان مع ركتهم. 

311 


2 الآن... هنا 


الجديد في هذه الحالة هو أنه» لأول مرة تقريباء يحصل شقاق واضح بين 
اليهود الدبموقراطيين وبين مئل حدي مزاج هذا الحزب يؤيده من هم في يساره 
(كنيدي مثا . 

يؤكد هذا الشقاق (عدا شكوى سامرز) ظاهرة انحياز نخب يهودية 
أميركية إلى اليمين. ويطرح» في السياق نفسه» سؤالاً كبيرا على الحزب 
الديكوقراطي ومصيره. وههذا المعئ تصبح المتابعة واحبة هذا الجانب في 
الانتخابات بعد أسابيع. فإذا تأكد أن الحزب الجمهوري زاد نفوذه في هذه 
البيئة فسيؤوكد ذلك اتجاها عالميا يقول إن «الدياسبورا» باتت تعاني من مشاكل 
حدية في علاقتها مع «الجناح المتنور من الإنسانية» وإن تحالفاتا تنحصرء أكثر 
فأكثر» باليمين واليمين الأقصى. 


€ © * 


«لندن ريفيو أوف بوكس»» «نيويورك ريفيو أوف بو کس»» «لوموند»» 
ثلاث مؤسسات إعلامية شديدة النفوذ في بريطانيا والولايات المتحدة» وفرنسا 
على التوالي. من الأولى مقال عنوانه «الدفع باتحاه الحرب» لأناتول ليفين. من 
الثانية مقال عنوانه «حورج بوش والعالم» لفرانسيس فيتزجرالد. من الثالئة 
تحقيق عنوانه «كيف يؤثر المحافظون الجدد على السياسة الأميركية» لباتريك 
جارو. نقتطف من الثالث مقطعاً طويلاً بعض الشيء: «لأن بينهم من يسمى 
کوهین» أو کاغان» أو كراوتهامرء وعدداً من هورويتزء ولاهم يدافعون عن 
إسرائيل بلا شروط فإن خصومهم صتفوهم في خانة مجموعات الضغط 
اليهودية. وهذا التصنيف معبأ بالأفكار المسبقة... ولكن الحقيقة هي أن مغامرة 
المحافظين الجدد هي» جزئياء وتي البدايةء قصة يهودية». يعبر هذا المقطع عن 
روحية المقالات المشار إليها. 

ليس أسهل من ابتذال قمة اللاسامية وإلصاقها هذه الموسسات الإعلامية. 
فهي. بحديشها عسن يحيط ببوش من المتطرفين» وعمّن يدفع باتجاه الحرب على 
العراق» وعمن بارس تأثيراً متزايدا في رسم توجحهات السياسة الخارجية الأميركية؛ 


أميركا والمحافظون الجدد ‏ 313 


إغاء بهذا الحديث» لاحظت حضورا قويا ل «الحافظين الجدد» وهم في معظمهمء 
يساريون متطرفون سابقون ويهود تحولوا في الثمانينيات وبعدها الى اليمين 
المتطرف. ويتضمن هذا التعريف الجديد ليس الموقف من «الآخر» فحسب وإماء 
أيضاًء المواقف من مجموعة القضايا الداحلية في أميركاء وهي اقتصادية واجتماعية» 
الى تدور حرها الانقسامات الفكرية. 

كل ما فعلته هذه المدرسة هو أا حعلت «رسوليتها» الأمية السابقة في 
حدمة نزعة شديدة الحافظة وشديدة الاعتداد ب «القيم الأمي ركية»» ودعت» 
بناء على ذلك الى ممارسة دور امبرياللي متحرر من كل شعور بالذنب. ولقد 
التقت» في ذلك مع تحول كان يعيشه المجتمع الإسرائيلي نفسه بحيث بات في 
الإمكان ليس الدفاع عن إسرائيل في أميركا بل الدفاع عن إسرائيل الليكودية. 

ترمي هذه المدرسة بثقلها كله وراء الحرب على العراق. ولقد بجح تحالفها مع 
أصوليات مسيحية (ذات ماض لا سام) ومع أصحاب مصالح نفطية وعسكرية في 
السيطرة على مراكز القرار. ولم يكن ذلك ليحصل لولا أن ال «واسب» 
الحا كمين يعيشون تماهياً بين رؤيتهم لمصالح أميركا ورؤية اليمين القومي الإسرائيلي 
لمصالحه. وعكن, بناء على ذلك فهم أن الحرب على العراق هي موضع نقاش 
حن في الولايات المتحدة وبريطانيا وإغا ليس لي إسرائيل! 


© 4# *# 


عودة الى لورنس سامرز الذي كان مسؤولاً في إدارة كليتتون. دعاء ذات 
مرة» الى نقل الصناعات التلويثية الى العا م الثالث لأن الإنسان الذي قد تقتله هناك 
أقل كلفة من ذلك الذي قد تقتله في العام المتقدم. كان ذلك قبل سنوات. ليس 
من حقه» اليوم» أن يشكو من ان قضايا عربية عادلة» من فلسطين إلى رفض الحرب 
على العراق: تخاطب المزاج الأكثر تقدمية في العالم. لا يستطيع المرء أن يحصلء في 

الوقت نفسه» على بوش وشارون و... راحة الضميرا 
2002|10|10 


الانفراد بصيغة الجمع 


«إذا كانت التعددية عي الالتحاق الا الي تقررها الولايات المتحدة 
منفردة فمرحى بما». يكاد يكون هذا ما قاله» حرفياء أحد أقطاب الحافظين الجدد 
الأمي ركسيين» روبرت كاغان. وهو يشبه ما أعلته حورج بوش في حطابه أمام 
الجمعية العامة للأمم المتحدة حين دعا العالم إلى المشاركة في ما تريد أميركا فعله 
حوفاً عليه» أي العالم» من فقدان معناه. 

وتشاء الصدف أن نكون أمام نموذجين متوازيين لفهم واشنطن المشاركة 
مناقشات اللجنة الرباعية في ما يخص قضية فلسطين» والمباحئات في مجلس الأمن في 
ما يتعلق بالعراق. إن الدحول في تفاصيل» ولو مملة بعض الشيء» يؤوكد أن ما تفعله 
الولايات المتحدة هو تطويع هذه الموسسات الدولية لجعلها لصيقة» قدر الإمكان» 
بسياسات جری تقريرها سلفا. 

في مايخص اللجنة الرباعية تحدر الإشارة إلى أن الإدارة لا تخفي تفضيلها 
العمل الانفرادي في الشرق الأو سط. وهي» إذ وافقت على إشراك الأمم المتحدة 
وروسيا والاتحاد الأوروبي» فإن الأمر لا يصل عندها حد التوصل إلى قواسم تحوّل 
الكومبارس إلى لاعبين فعليين. 

ما ان كشف بوش عن رؤيته حى تبرع الأورويون» فرادى ثم جتمعين» بوضع 
«خارطة طرق» تحول الرؤية إلى واقع. غير أن الأميركيين اعتبروا أنفسهم أولى بفعل 
ذلك بعدما لاحظوا أن الترجمة الأو روبية لا تناسيهم تماماً. وضعت الإدارة «تخارطة 
طرق» وطالبت «شركاءها» بان يتواضعوا قليلاً ويسحبوا منظورهم من التداول. وإذا 
كان لديهم رأي فالأحرى به أن يتحول إلى مسعى لتعديل بند في الورقة الأميركية. 

تتفق الخارطتان على أمور عديدة: 
1. يحب تقسيم أي تسوية على ثلاث مراحل تنتهي في عام 2005. 
2. لا بده في مرحلة مبكرة» من تعيين رئيس حكومة يضع ياسر عرفات في الظل 

أي يحوله «رمزا». 

314 


أميركا والمحافظون الجدد 315 


3. في معادلة الإصلاح الأمئ الفلسطيي والانسحاب الإسرائيلي يأ البند الأول 

أولاً. وهمكذاء في كل مرة تكون التبادلية ضرورية يفترض بالطرف الأضعف 

أن يثبت حسن النية. فالفلسطينيون مطالبون بالكثير لإقناع الدبابات بالتراجع. 
4. ثمة توافق أوروبي أميركي على فكرة «الدولة بحدود مؤقتة» أو «الدولة 

الموقتة». 
5. لا يجد الطرفان في المبادرة العربية سوى أفا دعوة إلى التطبيع الكامل مع 

إسرائيل ويعتيران أن الأمر سيحصل بعد حل يشمل سوريا ولبنان. 
6. تشير الخارطتان إلى بعد دولي لمساعي التسوية. 

غير أن وجحهي النظر تتباينان. فالأوروبيرن من أنصار التجميد السريع 
للأنشطة الاستيطانية في حين بميل الأميركيون إلى تقسيط ذلك ويعطون الأولوية 
للمستوطنات الي نشأت في ظل الحكومة الحالية.يصر الأوروبيون على انسحاب 
إسرائيلي من المناطق «أ» في المرحلة الأولى في حين بيع الأميركيون ذلك وعدونه 
في الزمن. يتحمس الأوروبيون لموتمر دولي مبكر في حين يتحدث الأميركيون عن 
مؤتمرين لا يضغطان على المفاوضات ولا ينتج عنهما ما يؤثر على الانتخابات 
الإسرائيلية في هاية 2003. 

الملاحظ أن واشنطن تتعمّد باستمرار تأمين مقابل عري» لا فلسطييٰ فقط› 
للخطوات الإسرائيلية فتطالب» على التوالي» بعودة سفيري مصر والأردنء ثم عودة 
الممثليات التجارية» ثم اسكثناف المفاوضات الإقليمية» كما تطالب» وبسرعة» بوقف 
التمويل العري للمنظمات الإرهابية. 

نمة نقطتا حلاف جوهريتان في الخارطتين. فالأمير كية تعتبر أن المواعيد 
نة وإنما غير ملزمة لأنه. في فاتحة كل مرحلة, ثمة حق في التأجيل. أما 
الأوروبية ف «تغامر» بوضع مواصفات لطبيعة الحل النهائي تصلح كمرجعية: 
الانسحاب حن حدود 67 مع تعديلات متبادلة» القدس عاصمة لدولتينء الدولة 
الفلسطينية محدودة التسلح» حل مشكلة اللاجئين أحذا بالاعتبار المخاوف 
الددكوغرافية لإسرائيل. وهذه المواصفات (أقل مما جرى التوصل إليه في كامب 
ديفيد وطابا) ترفض واشنطن أن تأني على ذكرها لعدم إزعاج أرييل شارون. 





يمكن الرهان» منذ اليوم» على أن شرط بقاء «الرباعية» هو الانحياز إلى 
الموقف الأميركي. إن هذا هو الفهم السائد في واشنطن للتعددية والمشاركة. إذا لم 
يحصل الانحياز تنفذ أميركا سياستها وحدها بدل أن يساعدها الآخرون في تطبيق 
السياسة... نفسها. 

مايحصل ف بجحلس الأمن يكاد يكرّر آلية العمل هذه. كانت فرنسا تريد 
قرارين عن العراق: عودة المفتشين ثم البحث في الواحب عمله بعد الفشل. وكانت 
روسيا لا تريد أي قرار جديد على الإطلاق. حرى شطب موسكو أولاً ودار 
سال بين واشنطن وباريس. كانت الثانية تملك أفكارا واضحة لكنها لم تقدمها 
رسميا. لذا بادرت الأولى إلى طرح مشروعها فأصبح هو قاعدة النقاش. 

كان المندوب الأمير كي يصر على ثلاثة عناصر: إعلان أن العراق هى حالياء 
في حالة «حرق مادي» لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة» تعزيز صلاحيات 
المفتشين إلى حد أقصى» النص على عواقب وخيمة في حال تمادى السلوك العراقي. 
وفوق ذلك كان المندوب يذكر الآخرين بان الكونغرس فوّض الرئيس صلاحية 
شن الحرب دفاعاً عن المصالح الوطنية الأميركية ويعني ذلك أن القرار لبوش منفردا 
إلا إذا شاءت الدول الدائمة العضوية «مشار كته» به. 

عندما كشف النقاب عن مشروع القرار الأميركي تراءى للبعض أن فيه 
تنازلات دالة: لا يطلب مباشرة حق استخدام القرة» يربط نتيجة عمل المفتشين 
بتقرير من هانس بليكس» يتخلى عن الحق في إشراك مندوبين من الدول الكبرى في 
لحان التفتيش. 

غير أن هذه التنازلات ليست «حسيمة». لقد بقي الإصرار قائماً على نظرية 
«الخرق المادي». وبات مطلوباً استحواب عراقيين خارج بلادهم. وأصبح من حق 
«انموفيك» حظر الطرران والسير حيث تشاء. وألغي التفاهم السابق الخاص 
بالقصور. وجرى تقصير قياسي للفترة الفاصلة بين طلب التفتيش وتنفيذه. وأبقي 
على حراسة مسلحة للمفتشين... 

غسير أن النقاش استمره عملياًء حول البندين 9 و10. ففرنسا تريد العودة إلى 
مجلس الأمن» بعد تقرير بليكس من أحل اتخاذ القرار. وتقدمت باقتراح يقول: «ان 


أميركا والمحافظون الجدد 317 


بحلس الأمن يلتم فور وعند استلامه التقرير من أحل أن يقرر اتخاذ أي تدبيرء ما 
في ذلك اللحوء إلى القوة» من أحل فرض احترام قراراته». أي أا وافقت على 
الحرب عير قرار ثان إذا كان تقرير المفتشين سلبياً. غير أن الولايات المتحدة لم 
توافق. تريد انتزاع الحق في الحرب من القرار الأول. ولكنهاء شكلاء تراجعت أمام 
باريس. وافقت في البند 10 من مشروعها على أن مجلس الأمن «يقرر الانعقاد فورا 
حال تسلمه التقرير... للنظر في الوضع...». «النظر في الوضع» هو كل ما هو 
منسوب إلى الجلسة لأن حق الحرب منتزع في القرار الأول حسب القراءة 
الأميركية. 
يقول الفرنسيون (والروس والصينيون) إن النقاش سيكون صعبا. يقول 
الأميركيون لماذا تصعيب النقاش طالا الخاتمة معروفة: شاركونا الانفراد حي لا 
ننفرد وحدنا! 
2002|14 


النظرية الجديدة للحرب الأميركية: 
من يحب جيدا... يودب جيدا 


بشرى من «هارتس». في السادس من الشهر القادم يكشف كولن باول 
خارطة الطريق إلى «الشرق الأوسط الحديد»» أي إلى عالم عربي قائم على 
السعوقراطية والتنمية الاقتصادية. سيركز على دمقرطة المؤسسات الراهنة» وتطوير 
حقوق النساءء وتعزيز حرية الصحافة» وتوسيع الفرص الاقتصادية والتربوية» 
وزيادة الشفافية في عمل الحكومات. 

يقترب باول» إذ يفعل ذلك من مدنبي وزارة الدفاع (بيرل» وولفويتزء» فيث) 
الذين غرفوا من التجارب الكولونيالية الغابرة وال رفعت رايات التنوير قوق 
بوارج الفتوحات. يعتبر هولاء «المثاليون» أن «العنف قابلة التقدم». فالوضع 
العربي بات بالغ الانسداد ولا بد من القوة لتحريره من وضع آسن ي ركد فيه ولا 
ينبت إلا العداء لأميركا وسياستها ما يحسم أي حدل في أنه وضع مزر. ويستطيع 
الكولونياليون الجدد أن يزعموا أن ما دعوا إسرائيل إلى تطبيقه ضد الفلسطينيين 
نمحجح: كان يفترض ممارسة هذا القدر من القهر من أحل فتح أبواب الإصلاح 
الموصدة! 

مدنير وزارة الدفاع هؤلاء باتوا في غ عن التعريف. إلا أن وسائل الإعلام 
الأميركية كشفت أفم.ء وعلى رأسهم دونالد رامسفيلدء يلجأون دورياً إلى 
استشارة الورخ والأكاديمي برنارد لويس. ولعل الكتاب الأخير للرحل يشكل 
مرجعية فكرية تتحكّم عا ينوي باول الإعلان عنه. فردا على السؤال الأميركي بعد 
1 أيلول «لاذا يكرهوننا؟» أجاب لويس: «لأم فاشلون». وشرح «أن الفشل 
يطال الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتربية والعلوم والحريات السياسية واحترام 
حقوق الإنسان». أضاف أن ما يقوم به العرب (والمسلمون) هو إسقاط هذا 
الفشل على أمير كا وإسرائيل لنفي مسؤوليتهم عنه. وعا أن هذه هي الثقافة السائدة 
يصبح ظهور الإرهابيين شوو 

318 


أميركا والمحافظون الجدد 319 


تشكل نظرية لويس الإطار الذي يفسر الاهتمام البالغ الذي حظي به تقرير 
«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» حول التنمية الإنسانية في البلاد العربية. ومن دون 
التشكيك بواضعي التقرير أو ممعطياته» كان يصعب ألا يلاحظ المرء المكانة الخاصة 
الي احتلها في الإعلامين الأميركي والإسرائيلي والتعليقات والمقالات الي تناولته. 
والتقرير لا يقول شيئاً آخر سوى أن العرب» اليوم» وبصورة إجمالية» يكادون 
يحتلون أسفل الحرم العالمي لناحية التنمية الإنسانية: الحريات» الاقتصاد, التعليم» 
لرا شج ولقد جرى ترطف ارين رعما عن إزافة اضحابه+ بطريقة 
تحعله رافدا لما كتب عنه لويس. 

في محال آخر وإنما في السياق نفسه» رد عشرات المثقفين الأمير كيين على 
رد للمثقفين السعوديين. قالوا هم» قبل أيام» «نطلب منكم أن تعيدوا النظر في 
التوجه السائد في رسالتكم والذي يلقي اللوم في المشاكل الي يواحهها حتمعكم 
على الجميع إلا قادتكم ومجتمعكم. فبعض القادة السياسيين يجد فائدة في بعض 
الأحيان في اللحوء إلى إثارة البغض إزاء الآخر أو العدوء وذلك في سبيل تحويل 
أنظار الجمهور عن المشاكل الفعلية القائمة». أضافت الرسالة الأميركية «نحن 
ندع وكمء بصفتكم مثقفينء إلى إعادة النظر في ما إذا كان السبيل إلى التصدي 
للتحديات الملحة الي يواحهها بجتمعكم من البطالة إلى غياب الحريات 
الدعوقراطية وعدم النجاح في تحقيق اقتصاد عصري متنوع؛ واحتضان العنف 
الإسلاموي وتصديره هو اللحوء إلى إلقاء اللوم على الآحرين من أفراد وأمم». 
المنطق هو نفسه وحن العناوين تتكرر من باول إلى لويس وصولاً إلى 
«المثقفين». 

يصل الأمر إلى ذروة غير مسبوقة في مقال لباري روبين عن «الحذور الحقيقية 
للعداء العربي لأميركا» (فورين افيرز تشرين الثاني كانون الأول 2002). يكب 
«الادعاء» القائل إن الاعتداءات على أميركا هي رد على سياستها الخاطئة ليقول 
إن السياسة الأميركية تبالغ في تأييدها للعرب. ويعتبر أن تسعير العداء لواشنطن 
تتوسله قوى تريد إهاء الشعوب عن أمور أحرى: الخصخصة» الحريةء المرأة» المجتمع 
المدني... يستعرض روبين العقود الماضية فلا يرى فيها إلا الانحياز الأميركي للعرب 


30 الان... هنا 


والمسلمين (على حساب إسرائيل أحيانا!) ويهاحم الأنظمة العربية والمنظمات 
والصحافيين والمثقفين الذين يقننون العداء لأميركا لحماية فشلهم. 

والاسستنتاج السياسي من ذلك كله» حسب روبينء أنه إذا حاولت 
الولايات المتحدة إظهار أن نواياها غير عدائية حيال العرب والمسلمين فإما 
تكون ترتكب خطأ كبيراً بدعم المتطرفين. ويعني ذلك عملياء أنه ليس على 
أميركا أن تتغيّر وإنما عليها أن تغير... العرب. يلتقي روبين هنا مع من سبقه 
ومع لويس تحديدا الذي اعتبر الامتناع عن تغيير النظام العراقي خدمة لبن لادن 
والتطرف. وتصب هذه الوجهة كلها في بحرى الدعوة الي يدافع عنها «حزب 
الحرب» الأميركي وهي دعوة صاغها بول وولفويتز بصفتها الإحراء التأسيسي 
لإدحال العرب في المعاصرة! 

يتبئ هذ التيار الفكرة القائلة إن الحرب على العراق إغا هي لمساعدة 
المرب تماما مثلما فعل شارون مع الفلسطينيين. الحرب, إذاء قضية نيلة تقوم 
مما جمعية خيرية اسمها الولايات المتحدة وبغيرية لا يسع غير الأميركيين 
امتلاكها. يريدون التضحية من أحلنا. لا يهمهم سوى إخراج العرب من حالة 
الفشل الي أوقعوا أنفسهم فيها. واشنطن هي القائدة الفعلية الحركة التحرر 
العربي وهي تصادر الشعارات الي ارتفعت ذات مرة في المنطقة واستدعت» من 
أجل كسرها والانتهاء منهاء كل الحروب من 48 إلى 67 إلى 82 إلى المواجهة 
المستمرة في فلسطين. 

لقد دعمت الولايات المتحدة الحروب ضد العرب الداعين إلى الحداثة والتقدم 
والتنمية والعدالة ومساواة المرأة... وكان دعمها ناجحاً إلى حد أن هذه الموجة 
تحطمت. يراد لنا أن نصدق» اليوم» أن الحرم يعود إلى ساحة الجريمة لإحياء 
الضحية. صحيح أننا تعاني تخلفاً ولكن ليس إلى هذا الحد! فما زال هناك إدراك أن 
«الشرق الأوسط الحديد» الذي تقود إليه الخارطة الأميركية لا علاقة له ب «شرق 
أوسط جديد» يلي الحد الأدن من طموحات المنطقة وأهلها. 

2002|10|26 


كيسنغر! 


كأن الإدارة الأميركية لا يكفيها من فيها: حشد من المتهمين في قضايا مالية 
سابقة ومن ممثلي مصالم خاصة ومن أصوليين لا يحسدهم بن لادن على شيء... 
كان ذلك لا يكفي. فحورج بوش استحضر حون بويندكسترء المسحون سابقاً 
لدوره في فضيحة إيران غيت ليكلفه مهمة استخباراتية» واستعاد إليوت ابرامز 
الذي كذب على الكونغرس قي الفضيحة نفسها ليسلمه مكتب... الدركوقراطية 
وحقوق الإنسان. ونبش هنري كيسنغر ليطالبه بترؤس لحنة من الحزيين مكلفة 
التحقيقات في أحداث 11 أيلول. 

المعروف بعد تلك الأحداث أن الولايات المتحدة شهدت نقاشا حول سوال 
«لماذا يكرهوننا»؟ غير أن السؤال تحول مع الوقت» حسب لويس لاقام في كتابه 
الأخير «الجهاد الأميركي».؛ إلى نوع من الاستهجان. 

إن اخقيار كيسنغر رئيساً للجنة تحقيق يوفرء من حيث المبدأء عنصرا من 
الجواب. فيكفي أن يتذكر المرء الرجل؛ وتاريخه» وجرائمه» وارتكاباته» وأكاذيبه 
وال طالت المعمورة كلهاء من أحل أن يصاب بنربة كراهية للسياسة الأميركية. 
ويكفي أن يكافاً الرجل على ماضيه الكريه من أجل الاستنتاج بأن الولايات 
المتحدة؛ اليوم» تعيد تبني سياسات عدوانية وتكرّم من كان يفترض أن تتبرأ منه. 

عندما اندلعت قضية بينوشيه في بريطانيا كتب أحدهم أن الرحل لا يحب أن 
يحاسب على ماضيه بل على حاضره الذي لا تتخلله لحظة ندم واحدة. وهكذا فإن 
بوش» باختياره كيسنغر» يسحب اعتذارات خجولة قدمها بيل كلينتون إلى شعوب 
عانت من سياسات واشنطن. 

لقد كانت قضية بينوشيه» أيضاء مناسبة استذكر فيها البعض كم أن الرياء 
سائد. فلقد كان حرياً بالقضاة مطاردة الرحل الذي دبّر» ونظم؛ وأشرف على 
انقلاب 13 أيلول 73 في التشيلي وهو انقلاب على سلطة دكوقراطية قاد إلى 
حملات قتل وتشريد وتعذيب لا زال ضحاياها أحياء يشهدون. إن كيسنغر هو 

321 


322 الآن... هنا 


البطل الفعلي لانقلاب سانتياغو» وهوء إذ كتب عن الموضوع» أسرف في الكذب 
إلى أن جاءت وثائق رسمية تفضحه. 

ماقامت به المحاكم جزئياً (كيسنغر مطلوب للشهادة في عدد من الدول 
منها التشيلي وفرنسا وبلجيكا...) قام به كتّاب ومثقفون بصورة حدية. 
فالكتب عن حرائم الوزير الأميركي السابق عديدة وهي مولّقة كلها. وتثبت 
هذه الكتب أنه مسوول عن مئات آلاف القتلى في تيمور الشرقية» وباكستان» 
وأندونيسياء واليونان» وقبرصء والأرحنتين» وكمبوديا ولاوس وفيتنام 
وبنغلادش. لقد فعل ذلك بيرودة أعصاب مذهلة وباسم خدمة المصالح الوطنية 
لبلاده. لم تبق موبقة واحدة لم يرتكبها: كذب» رشى» خدع» حض على 
الاغتيال» سرق وثائق» أخحفى معلومات» شجع عمليات سرية» خرب 
مفاوضات سلام» حرّل بلداناً إلى أنقاض» تغاضى عن وحشية حكام أصدقاء» 
ودعم ديكتاتوريين دمويين يثقلون سحناء الرأي بالحديدء يرموهم في اليحرء 
تحسس على زملائه في العمل؛ الخ... 

إن من استمع إلى بوش يتدحه وهو يعلن تنصيبه «محققا» لن يعود يتعحب 
من وصف شارون ب «رحل السلام». 

إن الذين سيستدعيهم كيسنفر لسماع إفاداههم يعرفون عنه أكثر ما نعرف 
بكثير وهمء إذا كانوا يحترمون ملكاته الفكرية وبرودته في رسم السياسات» فإفهم 
مد رکون أن بينه وبين الأخلاق» بأي تعريف متسامح» هوة غير قابلة للردم. 

كان حريا بالولايات المتحدة أن تحاكم كيسنغر لا أن تجعله قاضياً لو أا 
كانت جدية فعلاً في التساؤل عن أسباب كراهية قطاعات واسعة في العام 
لسياستها. احتارت العكس. وليس هذا بغريب على إدارة تعر عن أحط 
التنزعات في هذا المجتمع الغني حدا ولكن العاجز عن إدراك أزمة علاقته مع 
الآخرين. 

کیسنغر ليس اسما. إنه برنامج. 

2202|19 


تسويق تركيا 

بدا بول وولفويتزء مبعوثا من الإدارة الأميركية» جولة تندرج تحت العنوان 
العراقي. حاضر في معهد للدراسات في لندن. لم يجد شيعا كثيراً يضيفه على الموقف 
السيريطاني الرسمي المعروف. لم يقنع بعض الحضور بأطروحات الصلة بين بغداد 
و«القاعدة». لم يبد مهتماً بذلك ما دام ينتظرء بفارغ الصير» وبتشكك واضح» 
نتائج عمل لحان التفتيش. ولقد كان لافتا أنه احتار العاصمة الأوروبية الحليفة من 
أحل أن عهّد لزيارته المهمة إلى تركيا. لقد حصص وولفويتز نصف محاضرته في 
لندن من أجل الإعلاء من شأن أنقرة. 

وكما في ما يخص العراق فإن الأميركيين والبريطانيين على موجة واحدة 
في ما يتعلق بتركيا. يؤيدون» بحماسة» انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي» ويدعون 
إلى أن تحدد قمة كوبنهاغن المقبلة موعد بدء التفاوض معها حول هذا 
رع 3 3 

واللافت أن الدولتين الأقل اهتماما بالبناء الأوروبي هما الأكثر إلحاحا على 
«المصير الأوروبي» لتركيا. وليس الأمر غريبا. فهما تدركان الإشكالات العديدة 
الحائلة دون ذلك وتريدان للسلسلة الأوروبية أن تصبح محكومة بأضعف حلقاتها. 
فانضمام تركياء بعد التوسيع المقرر في 2004ء يزيد من أطلسية القارة» ويقلل من 
قدرتها على بناء سياسة حارحية وأمنية مستقلةء ويرغمها على أن تبقى سوقا حرة 
مفتوحة بدل أن تتحوّل إلى كيان سياسي. 

لقد كان هذا هو الموقف التقليدي لواشنطن ولندن. والواضح أن تعديلاً لم 
يطراً عليه بعد الانتخابات الأخيرة الى حملت «حزب العدالة والتنمية» إلى 
السلطة. 

لقد استقبل فوز الحزب المذ كور بأسئلة كثيرة في أوروبا الغربية» وهي أسئلة 
لا تخلو من قلق لا بل من عدائية. إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا الأسرع 
في التقاط الرسائل الإيجابية لطيب أردوغان وللتعامل معها بإيجابية. 

323 


4 الان... هنا 


فالبيت الأبيض كاد يحتفل بالنتيجة. إنه يتعرض إلى هجوم من على ينه (نعم 
إن الأمر بمكن!) من أجل أن تكون حربه ضد الإسلام كدين ومؤمنين وليس ضد 
الإرهاب والأصولية. وهو يحتاج إلى مادة تسمح له بخوض السحال. ثم إن ظروف 
ما بعد 11 أيلول تشدد الحاجة إلى ذلك. فمنذ افيار المعسكر الاشتراكي وواشنطن 
«تبيع» النموذج العلماني التركي ضد النموذج الأصولي الإيراني. ولكن المستحدات 
تعطي الأولوية ل «بيع» النموذج الإسلامى التركى ضد النموذج الإسلامي 
العربي. 

ويكفي أن نضيف إلى ذلك انفتاح الملف العراقي حن تتضح أهية الموقع 
التركي الذي سمحت له التطورات بأن يدافع عن نفسه بعد انتهاء الحرب 
الباردة. 

وعا أن الحكام الحدد في أنقرة أكدوا الاحترام الشديد للاتفاقات مع صندوق 
النقد. مع ما يعنيه ذلك من تركيبة اقتصادية؛ وأعربوا عن رغباتهم الأوروبية 
واستطراداتها السياسية؛ فإن واشنطن وحدت أن دورها هوء أيضاء في «بيع» تر كيا 
للاتحاد الأوروبي. 

إن معادلة الأطلسي + صندوق النقد + احترام الدستور العلماني + الميول 
الأوروبسية + الموقع الاستراتيحيٍ المهم» إن هذه المعادلة تكاد تكون حاجة أميركية 
اليوم. ولقد كان وولفويتر واضحا في التبخير هذه المعادلة مستعيداً نظريات المورخ 
المقرب من صقور واشنطن برنار لويس. 

20024 


واشنطن تقترع لشارون 


في التعيينات المالية الأخيرة استقدم حورج بوش رجالاً من أوساط المال 
والأعمال. لا غرابة. لقد حيء به رئيسا من أحل وضع الاقتصاد في خدمة من 
أسماهم منافسه آل غور الواحد في المئة من أغين الأغنياء في الولايات المتحدة. 

في دفمة التعيينات السابقة اختار بوش عددا من طريدي العدالة وخريجي 
السحون. لذاء لم يستفق بعض الأمير كيين» حى الآن» من صدمة العودة المظفرة 
حون بويندكستر. ولا يزال هناك من يتندر على احتمال ان ثل مسوول» أي 
مسؤولء أمام هنري كيسنحر ليقسم اليمين» في حضرة الكاذب الحترف» على قول 
الحقفيقة. وبقي سوال معلق يتناول إيكال ملف الشرق الأوسطء في مجلس الأمن 
القوميء الى اليوت ابرامز. 

ليست المرحلة مرحلة نشاط دبلوماسي أميركي مكثف. ولا يبدو ان الادارة 
تعتزم» حالياء تفعيل دورها. والوافد الجديد الذي كاد يدحل السجن قبل سنوات» 
يكاد يعتبر وزير الخارجية» المسؤول عن ملف الشرق الأوسط عميلاً عربياً. لماذا 
ابرامز الآن؟ 

الجواب الأقرب الى الذهن هو ان الولايات المتحدة تريد ان تستبق يوم افتتاح 
صناديق الاقتراع لي اسرائيل. انه نوع من الانتخابات من طرف واحد. يصر بوش 
على الادلاء بصوته منذ الآن. وهو يفعل ذلك خارقا السرية. تقول الادارة 
الجمهورية؛ بالفم الملآنء انما تدعو الاسرائيلبين الى اختيار أرييل شارون على 
حساب عميرام متسناع. 

قبل توضيح ما تقدمء يجدر القول انه من الواحب الكف عن التركيز على 
السدعم الاميركي لاسرائيل. فنحن» منذ فترة» أمام واقع حديد ماما هو كناية عن 
الدعم الأميركي للعدوانية الاسرائيلية المرموز اليها بليكود واليمين الأقصى. وينهي 
هذا المستحد تقليدا معروفاً في السياسة الخارجية الأميركية» جمهورية أو دعوقراطية 
يقضي بتفضيل قيادة حزب «العمل» لاسرائيل لانه أكثر تجاوباً وطواعية. 

325 


326 الآن... هنا 


وتاكيداً لهذا التحول في واشنطن لم يتردد بوش في اختيار ابرامز قبل أساييع 
من الانتخابات الاسرائيلية. 

فالرحلء منذ سنوات مديدة» مساحل عنيف ضد خيارات التيار العمالي قي 
اسرائيل. فهر يعتبر ان «التنازلات الاسرائيلية تجعل البلد يبدو ضعيفاً ومستميتاً من 
أحل تسوية». وان لا بديل عن «الحزم ومقاومة العنف» الفلسطينء وان أرييل 
شارون هو مثل هذا البديل. ولا يتردد عن مقارنته بتشرشل في معرض الحديث عن 
مجازر صيرا وشاتيلا ال ارتكيها «المسيحيون اللبنانيون». فكما عاد الأول بعد 
موقعة غاليبولي في الحرب العالمية الأولى ليقود بريطانيا الى النصر في الحرب العالمية 
الثانية» يعود شارون بعد فترة اعتزال ليقود اسرائيل وليمنع العودة الى «حدود 67 
الي لا يمكن الدفاع عنها». 

يعتبر ابرامز ان بيل كلينتون وايهود باراك تآمرا على أمن اسرائيل. وبما ان 
عرفات لم يستفد من الأمر فقد هب الرأي العام طالباً الإنقاذ من شارون. ويكفي 
ان يضع المرء «متسناع» مكان «باراك» من أحل ان يدرك قوة الدعوة الأميركية 
الى التحديد لرئيس الحكومة الاسرائيلية الحالي. 

يتميز ابرامز في الحياة السياسية الأميركية بأنه أحد أبرز المنظرين للتحالف بين 
اليهود المتناقص عددهم والأصولية البروتستانتية «الداعم الأقوى لاسرائيل». فهوء 
والحال هذه في صلب المزاج الراهن للإدارة وللعلاقة الي نسجتها مع اليمين 
القومي الاسرائيلي. 

كان يمكن لبوش ان يرجئ تعيين ابرامز. غير انه تصرف كما فعل شقيقه 
في فلوريدا عشية الانتخابات الرئاسية: كلما كان التدحل مبکرا كلما كان 
أحدى! 

20201 [10 


بيرز. لوموند. مجلس 


وداعا شارلوت. جاء بك كولن باول من اجل بيعنا سلعة اسمها «اميركا». 
قال انه آمن بقدراتك منذ اقناعه ب «انكل بنز». كلفك تعليب البضاعة 
وتسويقها. كانت الباكورة مجموعة من الكليبات التلفزيونية. لم تكوني» شارلوت 
ببريزء موفقة. فهذه الكليبات إما لم تُعرض وإما اثارت اهزء حين عرضت. ثم 
سحبها من التداول. هاجمك آحرون في الادارة لأنك لم تنجحي في حعل العرب 
يحيون اميركا. وبعض من انتقدك كان يو كد ان واشنطن لا تطلب الحب بل 
الخوف. واثارة الرعب ليست ميزة لديك. لنقل انها ليست ميزة من يريد اكتساب 
حصة ف الاسواق. 

لم تنتبهي الى ان اللعبة مغشوشة من البداية. ان درجة الكراهية لسياسة الادارة 
الحالية شديدة الارتباط .معرفة حقيقة السياسة الحالية للادارة. ولذلك ليس غريبا ان 
تكون التظاهرات اكبر حيث الوعي اعلى. رعا كان عليك؛ بدل الاستقالة» السعي 
الى اقناع باول بأن «بيع» اميركا لدى الحلفاء الاوررسين اجحدى. لكن شرط ذلك 
كما قال احد هولاء الحلفاء» إزنار الاسباني» كم فم دونالد رامسفيلد. وهذه مهمة 
لا توكل الى حبيرة حملات اعلانية. 


في فرنسا ضجة. تمد كُور النشر المكتبات بآلاف النسخ يوميا ولكنها تختفي في 
لحظات. لقد بات معيبا ألا يعرف مواطن ماذا يتضمن كتاب «الوجه المخفي من 
لوموند». انها مطالعة المامية جارحة بحق صرح من صروح الاعلام الفرنسي 
والعالمي. وهي حارحة لأنها تطال التركيبة «الحاكمة» في الصحيفة وتتهمها مما لا 
يقل عن صرف النفوذء والابتزازء والانحيازات السياسية الفاقعة» وتزوير الوقائع» 
والعداء لفرنساء وعمالة احد افرادها للمخابرات المركزية الاميركية» والتواطؤ مع 
اصحاب الرساميل... الح. 

327 


328 الآن... هنا 


ردت «لوموند» على ما اعتيرته تحاولة لزعزعتها ولكنها لم تدحل في 
التفاصيل. واتفذت في سياق ذلك القرار الخاطئ: عدم المشاركة في اي نقاش 
تلفزيوني يتناولها. غير ان الشاشات الي ذاقت لوعة النقد الذي مارسته الجريدة 
بحقها احذت تثأر. لا عضي يوم الا وتستضيف قناة ضيوفا يؤدبون يومية اعتادوا 
على الخوف منها. 

النقش الفعلي في خلفية الظاهرة من شقين: إذا كان الإعلام سلطة رقابية 
رابعة فمن يراقبه؟ هذا اولا. ثانياء إذا كان الإعلام المكتوب يعطي لنفسه حق النظر 
في الاعلام الرئي فهل العكس وارد. 


© © © 


يبدو أن الجلس الوطين للإعلام في لبنان يريد «ميثاق شرف» يضبط التعاطي 
مع الحرب المحتملة على العراق. خطوة ثانية ونقع في مطب «لحان الإرشاد 
والتوجيه». إن لم يكن التعاطي مع الحدث المتفاعل والمتوقع تعدديا فإن المهنة تفقد 
بعض شرفها. وإذا أراد المجلس دورا لتفسه في هذا الموضوع او غيره فإنه من السهل 

«اقتراح» عشرات المهمات الى تنتظر من يقوم ها. 
20033]5 


خيارات صوفي 


الجندي الواقف عند مدحل معسكر الإبادة يسال صوفي (في مشهد من فيلم 
شهير) عما إذا كانت تختار الإبقاء على حياة ابنها أو ابنتها؟ وهو لا يفعل سوى 
نقل المسؤولية إليها بدعوقا إلى قتل ابنها أو ابنتها. 

لو حولت صوف سؤال الجندي النازي إلى بعض المثقفين العرب لكانوا 
اققرحوا عليها حوابا من شقين: «تختار» أولاء تدمير المعسكرء و«تختار» ثانياء 
تأمين رفاهية مؤبدة للقاطنين بحوار غرف الغاز» رفاهية يتوارثوفها جيلا بعد حيل. 

لقد كان على صوف أن تعيش التناقض حي المرت. أن تعيشه بنبل لا تنتقص 
منه سذاجة الاعتقاد أنه كان في وسعها «التعالي» فوق الحظتها المأساوية ولكنهاء 
لأنها لم تفعل» باتت شريكة في الجركة. 

إن العراقيين والعرب اليوم أمام نسخة جديدة من «خيارات صول». 

المعارضة العراقية الكردية لا تستطيع ممارسة رغبتها الأصلية في قيام وطن يضم 
شتات هذا الشعب الموزع على غير دولة. ولو كان الرأي رأيها لفضلت الوضع 
القائم اليوم في كردستان. ولقد بدت لفترة» وبعد تحارب مريرة» كمن اقتنع بأن 
الولايات المتحدة, فضلا عن الجبال» صديق وق إن هذه المعارضة مضطرة الآنء 
إلى «المشاركة» في حرب ضد العراق وهي تدركء كما يقول قادة فيهاء أن الحرب 
الفعلية قد تكون, غداء ضد الحيش التركي. هل كان سيزيف كرديا؟ 

المعارضة العراقية الشيعية المتحالفة مع إيران لا تملك سببا أصليا للود مع 
الولايات المتحدة. ولكنها قد جحد نفسهاء رغما عنهاء حزءا من آلة الحرب 
الأميركية:؛ حن إذا نححت هذه الحرب بات العراق كله موطىا للانقضاض على 
النظام في طهران. عداء هذه المعارضة لصدام حسين قويء ولكن كن الافتراض 
أن قشعريرة تصيبها وهي تدرك أا طرف ف لعبة تتحاوزها ودف إلى إحضاع 
بلدها لاحتلال أحني مديدء ولإعادة إنتاج صيغة للسلطة لا فضيلة لها إلا الطاعة 
وتسهيل النهب. 


329 


30 الان... هنا 


وضمن الثنائي أحمد الجلبي كنعان مكية الذي يعبّرء كتابة» عن مأزقه» فإن 
الأول قابل للتأقلم أما الثاني فيبدو ملتاعا: يخشى أن تخذل أميركا ما غرسته فيه من 
قيم فتنصر أعداءها عليه وتسقط من قيمة ما فعله في ربع القرن الأخير. السياسة 
الأميركية: بالنسبة إليه» تكاد تكون قضية شخصية. 

نحن أمام معارضين مأزومين. منهم من يتردد في الانحياز إلى واشنطن (ولكنه 
يفعل) ومنهم من يخاف عدم انحياز واشنطن إليه. 

تبدو الحرب الحتملة من دون بطل. قد يكون حورج بوش بطل الغلاة. غير 
أفم» عالميا وعربياء أقلية. وني المقابل؛ ليس الرئيس العراقي بطلا عند أحد ولو أن 
صورا له تُرفع في بعض التظاهرات. فعلى ضفة العراق تبدو «القضية» أكير من أي 
شيء آخر» لا بل متباينة عن الرمز المفروض عليها. 

وهنا المعين» فإن رافضي الحرب» والاحتلال بالتالي» همء أيضاء في مأزق. 
لنأحذ الرئيس الفرنسي حاك شبراك مثلا. قال ذات مرة إنه يتمئ لو أن صدام 
يختفي. غير أنه مضى في تحنيد بلاده وعلاقاتها لإعطاء الحل السياسي فرصة. وهو 
يرتكب» بتصديه للولايات المتحدة» مغامرة قد نكلف فرنسا موقعها في أوروبا 
والعالم ومصالحها في الشرق الأوسط. فعل ذلك لأنه أدرك أن اللحظة السياسية 
الحرجة لا تحتمل إلا الموقف «التحليلي» من طبيعة النظام والموقف العملي ضد 
الحرب الانفرادية. 

ويمكن الذهاب أبعد من ذلك. 

ففي تحقيق صحالي عن «الدروع البشرية» في العراق» أي عن المواطنين 
الغربيين القادمين لمحاولة تفادي الحرب» يتبين أن نقاشا جديا يدور. يقول عالم 
احتماع نروجي: «نحن هنا لندافع عن الشعب لا عن النظام. وهذا هو تناقضنا». 
يضيف أنه يدرك فائدته للنظام ميتاً تحت قصف أميركي أكثر منه حياً. ومع ذلك 
فإن قراره هو البقاء. لقد أدرك الرجل أن المهمة غير القابلة للتاحيل هي منع 
حصول الحرب» أوء على الأقل؛ السعي إلى ذلك. ارتضى ألا يشرط دفاعه عن 
شعب العراق بالخلاص من النظام لأنه إن مارس هذا الترف» فسيبقى حيث هو 
ويزيح عقبة» ولو متواضعة؛ من أمام العدوان والاحتلال. 


أميركا والمحافظون الجدد 331 


يقلم هذا السلوك مدخلا إلى تقييم مواقف صادرة عن بيئات عربية تبحث» 
في الوحل الذي نحن فيه» عن مخاوف لمآزقها وليس عن طرف خيط يقود إلى تصور 
للمخرج من المأزق العام. 

إن الموقف الداعي إلى تنحية رجالات السلطة في العراق كمدخل لمنع الحرب 
هو في أحس الأحوال؛ قَرّب من المواجهة حيث تدور وإغماض العينين عن 
العنفصر الأساسي في المعادلة: ثمة حرب استعمارية على نظام قمعي لأسباب لا 
علاقة لما بطبيعته بل.ممصالح الدول المحاربة. العنصر الأساسيء هناء هو الحرب 
والاحتلال ومن غير الجائز إضاعة جهدء الآن» في ما سوى ذلك. 

والموقف القائل: «لا للحرب» لا للديكتاتورية» هو نوع من إراحة الضمير 
لأن هذه الحرب. بالضبطء قائمة ضد هذه الديكتاتورية بالضبط. إن هذا السلوك 
طفولي .عع ما لأنه يرفض وضعيته الدونية من أحل المرب نحو شعار يتجاهل؛ في 
العمق» البؤس الذي يتخبط به العرب والذي يجعل خياراتهم, الواقعية» مشابة لتلك 
المعروضة على صوق. 

إن دعرة «التنحية» لا تحرف الجهد فحسب بل تكاد تذهب به نحو التوظيف 
في سياق مواز للحرب والاحتلال. أما الدعوة إلى رفض الحرب والديكتاتورية معاء 
وفي اللحظة نفسهاء فهي» على عكس ما يعتقد أصحاهاء خروج مرضي من 
الحدث لا دحول صحي إليه. 

تبقى قضية يفترض ها أن تقلق ضمائر الذين يعطون لمنع الحرب أولوية: ماذا 
عن العراقيين الذين عانوا ويعانون؟ لا يمكن لأي نزيه أن يقفز من فوق هذا 
الوضوع. ولكنء بالمقابل» لا عكن لهذا الموضوع أن يصادر النقاش لأنه كنعه» 
حينئل» أن يكون مبنيا على تحليل بارد يقول إن أهوال ما بعد الحرب» على الجميع» 
أقسى من الوضع الراهن. 

هل يحل الإشكالات أن يستمر معارضو الحرب والاحتلال في موقفهم العملي 
معترفين» نظرياء بطبيعة السلطة في العراق» ومعتذرين من ضحاياها؟ ليسوا هم من 
احتار هذا السلوك. إنه الجندي الواقف عند مدخل معسكر الإبادة. 

2000207 





«ثورة محافظة» 
ضد أميركا أيضا 


أطلق وصف «القوة الفائقة» على الولايات المتحدة الأميركية تمييزاً ها عن 
«القوة العظمى». اعتبر صاحب العبارة» وزير الخارجية الفرنسية السابق أوبير 
فدرينء أنه لم يسبق لدولة أن جمعت في نفسها عناصر الأرجحية الكاسحة 
السياسية؛ والاقنصادية» والتكنولوجية» والثقافية» والعسكرية. 

اعتبر كثيرون أن الولايات المتحدة» وهي وليدة ثورة» لا تملك مشروعاً 
للقصدير فحسب وإغا القدرة على ذلك أيضاً. وجاء انتهاء «الحرب الباردة» 
ليحسم في تفوق هذا النموذج ما دفع البعض إلى ادعاء «ماية التاريخ». وبالعودة. 
إلى عناصر القوة المذكورة يتين أن جزءا من النفوذ الأميركي ف العام كان 
مستمدا عا يسميه البعض «القوة الوديعة». 

إن ما حرى في الأيام القليلة الماضية» وفٍ حلسة مجلس الأمن أمس مثلاء 
يدل على اضطراب حقيقي في وزن العوامل المشكلة للقرة الأميركية. لم ينفع 
الوزن السياسي إلا في قديد الموسسات الدولية بدل تأمين انحيازها فكان ما 
كان من سحب مشروع القرار الثلاثي. و لم يجد الوزن الاقتصادي نفعا في شراء 
كمية الأصوات المطلوبة لتأمين أكثرية من 9 قول: وم يكن الوزن الثقافي مهددا 
بفقدان جاذبيته كما هو اليوم. وهكذا وحدت واشنطن نفسها أمام اضطرار 
اللحوء إلى القوة العارية المستندة إلى» والمستفيدة من» تكنولوجيا عسكرية 
شديدة التقدم. 

ولي آحر استقصاء رأي أحري في أوروبا يتأكد أن شعبية الإدارة الحالية في 
تراحع مريع. فقياساً باستقصاء أحري لي حزيران الماضي تراجعت النظرة الإيجابية 
إلى سياسة أميركا من 61 في المئة إلى 25 في ألمانياء ومن 63 إلى 31 في فرنساء ومن 
0 إلى 34 في إيطالياء ومن 79 إلى 50 في بولنداء رمن 75 إلى 48 في بريطانيا... 
ولا فرق في ححم التراحع بين «أوروبا القديمة» أو «أوروبا الجديدة». 

332 


أميركا والمحافظون الجدد 333 


وعندما أعلنت واشنطن أن التحالف الداعم لها يضم 45 دولة تبيّن أن الثلك 
خححول من نفسه والثلث كناية عن دول شيوعية سابقة حديثة العهد 
بالدكوقراطية؛ والثلث الأخير يتمحور حول العصبية الأنغلوساكسونية. ويوضح 
ذلك كفابة النجاح في تبديد الحالة الي نشأت بعد تفجيرات 11 أيلول وال 
جعلت دولاً كثيرة جدا تنحاز إلى الوجهة الأميركية في مكافحة الإرهاب. 

إلا أن نظرة مدققة إلى سياسات الإدارة توكد أن التعاطف هو الاسكناء لأن 
الوضع في 10 أيلول لم يكن كذلك. فبين وصول حورج بوش إلى البيت الأبيض 
وبين سقوط البرجين مارست الولايات المتحدة سياسات» وأعلنت عن خطط 
وبرامج وتوحهات» استفزازية لمعظم سكان المعمورة. لقد انسحبت من معاهدات 
ومواثيق دولية» وانكفأت عن سياسات» وامتنعت عن المشاركة في مجحهودات دولية» 
وبدا أن فريق الصقورء بحناحيه اليميي والحافظ» ماض في فرض أسلوب فوقي في 
التعاطي مع الآحرين. ولذا كاه خلت ای يفره خان في عرب 
أفغانستان طُلبٍ منه أن يبقى على حدة. واختير العراق هدفاً تنفيذاً لمضمرات 
سابقة وامتحانا لقدرة الجميع على الالتحاق غير المشروط بال ركز الأمبراطوري. 
وسرعان ما اكتشف الكثيرون أن واشنطن غير معنية بتأمين شروط قيادهًا لحم لأا 
ماضية نحو اليمنة. وأا تريد فعل ذلك مستندة إلى تفوقها العسكري الكاسح 
بدرجحة حاسمة. ولقد أدى ذلك إلى ارتداد قطاعات شعبية واسعة عن الانحذاب نحو 
الولايات المتحدة بحيث أن لا وحود لأكثرية شعبية تؤيدها إلا في... إسرائيل. 

يقول فريد زكريا في مقاله الأخير في «نيوزويك»: «سافرت حول العام 
وقابلت مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومات من عشرات الدول خلال العام 
الاضي. يمكن أن أورد أن كل دولة تعاملت الإدارة معها تشعر بالمهانة منها 
باستئناء بريطانيا وإسرائيل». وضع عنواناً لمقاله «الإميراطورية المتغطرسة» وحاول 
أن يجيب على سوال: «لاذا تخيف أميركا العالم». كنا بلماذا يكرهنا العرب 
والمسلمون فصرنا بخوف العالم كله. 


4 الان... هنا 


إن مكرّنات «القوة الفائقة» الي ذكرها فدرين تخضع؛ حالياء لترتيب جديد. 
ويتم هذا الترتيب لصالح البُعد العسكري التكنولوجي بصفته الأداة الرئيسية لفرض 
الهيمنة. والمهم في الموضوع ما شرع يلاحظه عدد من الساسة والمثقفين الأميركيين: 
هل سيرتد المشروع الأميركي الكوني على الداخل الأميركي؟ هل تقود حملة 
التحييش باسم الحروب اللامتناهية إلى المضي قدما في إعادة صياغة العلاقات 
الداحلية في الولايات المتحدة نفسها؟ 

إن ماييرّر طرح مثل هذين السؤالين هو أن أصحاب مشروع الميمنة 
الخارحية يملكون أجندة تتم بتفاصيل الحياة الأميركية. إن التضبيق على الحريات 
الفردية هو وجه من وحوهها فحسب. أما في الحقيقة فإن الموضوع هو الانقضاض 
على كل ما بحا من العاصفة الريغانية وهو ذو صلة بالرعاية» والتوازن الاجتماعي» 
والعلاقات العرقية» وحقوق النساء وأوضاع الأقليات الخارحة عن الخط القوم» 
والمسؤولية المدنية للشركات وأصحاب الرساميل» وحظوظ المهمشين في قدر من 
الحماية» وحريات الإبداع والخروج عن المألوف, والمعتقدات الإيمانية العقلانية» 
والدور الإنساني للدين» واستقلالية الدولة عن الغيبيات» إلخ... 

ليس صدفة أن البيئات ذات الصلة هذه العناوين هي البيئات الي تصدر عنهاء 
في الولايات المتحدة» معارضة الحرب: من نيويورك تاعزه إلى نيويورك ريفيو اوف 
بوكسء إلى هوليوود» إلى الكنائس الرسمية» إلى أوساط يسارية في الحزب 
الديكوقراطي. إلى ورئة حركات الحقوق المدنية» إلى جمعيات الدفاع عن حق 
الاحتلاف... ليست المعارضة هنا رفضاً للحرب من أحل اللركوقراطية المزعومة: 
ولا رفضا للخروج عن بحلس الأمنء ولاء طبعاًء محبة بنظام صدام حسين. فهذه 
البيئات يدت ثلاث حروب لبيل كلينتون حارج الشرعية الدولية (البوسنة؛ هابيّ» 
كوسوفو) ولكنهاء اليوم» ترفض لإدراكها الصلة العميقة بين هذا الشكل المحدد من 
الاتكال على القوة العسكرية وبين مشروع داخلي شديد المحافظة والرحعية 
والانغلاق. 

إن معارضي الحرب الأميركيين إنما يدافعون عن أنفسهم وحرياتهم والصورة 
الي يريدوفا ليلادهم وال ساهموا قي صنعها. وهم يفعلون ذلك ضد خصوم ليبن 


أميركا والمحافظون الجدد 335 


يتصرفون على أساس أنه آن الأوان للخلاصء ليس من أعداء الخارج فحسبء بل 
من أشكال «الفحور» الداحلي الداعي إلى ثقافة «مضادة»» وإلى قدر من العدلء 
وإلى تنظيم لعلاقات الأقوام» وإلى الدفاع عن قيم أوروبية في أميركاء وإلى إلغاء 

عقوبة الإعدام؛ وإلى عولة أقل وحشية... 
كلا إن الإدارة الحالية لا تختصر بلادها. ومن الخطأ اليأس من الأميركيين 
الذين قد يدفعون» مثل غيرهم» ثمن الحنوح إلى فرض «الثورة امحافظة» على العام 
كله وعلى الولايات المتحدة أيضا. وإذا كان صحيحاً أن «الثورة اللحافظة» هو 
مشروع لأميركا أولاً قبل أن يكون لسواها فإن الرهان واحب على دور 

للأمير كيين أنفسهم في إحباطه. 

2002|] 00 


روّى ومصائر 


«ان القرار في وجهة التصرف في العراق مهم جدا لأنه» بوضوح» يتحاوز 
العراق. وهو يتحاوز أيضا مستقبل الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب. انه 
قرار يتناول الدور الذي تنوي الولايات المتحدة لعبه في العالم في القرن الحادي 
والعشرين». هذا الاقتباس من مقدمة الكتاب الجديد لوليام كريستول ولورنس 
كابلان (من أبرز المنظرين للمحافظين الأميركيين الحدد) يفيد ان مصائر كثيرة 
تتحدد فوق أرض المعركة في العراق. 

ان الدور الذي تنسبه الولايات المتحدة لنفسها ينتمي الى عالم الرؤى. قد لا 
يحدده المحافظون الحدد اليمينيون وحدهم. غير الهم بالتأكيدء وكما تدل التحربة 
حي الآن: يقولون بصوت عال ما يفكر فيه اقطاب الإدارة الآخرون بصوت 

يتأسس الاجماع الحاكم في الولايات المتحدة على فكرة تقول ان عقد 
التسعينيات كان مرحلة احازة. لقد التهى» حلا هاء حورج بوش الأب ثم بيل. 
كلينتون باحترام التعددية والتشاور» والمؤسسات الدولية» وراهنا على ان تعميم 
أواليات السوق على الكون سيضمن المصالح الأميركية ومعها الاستقرار وقدر من 
الدركوقراطية. 

يرفض الاجماع المشار اليه هذه النظرية. وهو يتشكل من رحالات سبق هم ان 
سخروا من هنري كيسنجر نفسه وسياسته «الواقعية» الي تقيم وزنا ما لعلاقات 
القوى. لقد كانواء منذ أيام الحرب الباردة» يحرّضون على نمج أكثر عدوانية حيال 
الاتحاد السرفياتي ولا يمانعون في الوقوف على حافة المواحهة التووية. ولكن لما امار 
الملعسكر الاشتراكي لم يعد في وسعهم ضبط طموحاهم. انتقلوا فورا الى مطالية 
الولايات التحدة بلعب دور اميريالي لا حجل منه طلما انه «امبريالية خير». 

ان ما كتبوه في التسعينيات؛ في ما يخص العام او الشرق الأوسطء يشير الى 
تبرمهم من الستات وکو والى ان نوازع نشر الثورة المضادة تنهش احشاءهم. 

36 


أميركا والمحافظون الجدد 337 


ان ما يفعلونه في العراق اليوم هو السعي الى تقرير مصائر الدول والشعوب 
وفق رؤى يبشرون ها منذ فترة مديدة. وإذا كان هناك من يأخذ عليهم اهم الحقوا 
أذى موكدا عوسسات من نوع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي فإنه يخطئ بحقهم. 
ان ما حصل في بحلس الأمن ليس نتيجة غير مرغوبة للاصرار الأميركي. انه اقرب 
الى ان يكون عملا مخططا له ومرغوبا. فالوجهة الي تريد الامبراطورية سلوكها 
مشروطة بقدر عال من التحلل من التزامات دولية ومن قيود يحاول بعض 
«الصغار» تكبيل واشنطن ها. 

يصعب ان نحد حزنا في تعليقات المسؤولين الأميركيين على الصفعة الي 
تلقوها قي بحلس الأمن. فمنذ البداية صرّح حورج بوش ان المجلس مهدد بفقدان 
معناه ان لم يلتحق بسياسة واشنطن. ولما تأكد ان الولايات المتحدة ذاهبة الى 
الحرب خارج الشرعية الدولية لم يجد بوش ما يقوله سوى «ان بحلس الأمن فشل 
في تحمل مسؤولياته». 

ومثل العادة في هذه الحالات ذهب ريتشارد بيرل بعيدا في التعبير عن 
مكنونات الاجماع الحاكم في أميركا. ويكاد الرجل يطير فرحا وهو يكتب ان نظام 
صدام حسين لن يسقط قريبا وحده وإنما سيجر معه الأمم المتحدة. وعندما يحصل 
ذلك تنتهي الخرافة القائلة ان الحيئة الدولية يمكنها ان تكون أساس النظام الدولي 
الجديد. 

يعتبر بيرل ان الرهان على القانون الدولي والمؤسسات الدولية لتأمين الأمن هو 
«فكرة ليبرالية سخيفة». ففي رأيه ان الولايات المتحدة لا يسعها ان تربط قرارات 
مصيرية بدول مثل سوريا والكاميرون وانغولا وروسيا والصين وفرنسا... أي انه 
يقيم تراتبا للدول بحيث تحتل تلك المنضمة الى «تحالف الراغبين» مرتبة أولى وتخرج 
المعارضة (أكثر من أربعة اماس البشرية) من نطاق الجموعة الدولية! وهو يعتير 
فشل الأمم المتحدة الحالي مقدمة لمواحهتها مصيرا شبيها بعصبة الأمم (ثمة اشارات 
عديدة لدى بوش الى ذلك). أما البديل فهو «نحالف الراغبين» الذي سيكون 
أساس بناء النظام الدولي الجديد والبديل الحقيقي للفوضى التاجمة عن السقوط 
الوضيع للأمم المتحدة! 


338 الآن... هنا 


يتضح ان الولايات المتحدة لم تضطر الى العدوان منفردة بعدما خذها بجلس 
الأمن. لقد استخدمت جموحها العراقي من أجل ان تخذل مجلس الأمن وتضع 
نفسهاء لاحقاء في موقع القادر على إعادة صياغة العلاقات الدولية. ان الحرب» 
هذا المع كانت اختيارا حرا لواشنطن جرى التمويه عليه بحجج عديدة. وهو 
يقدم فكرة عما يمكن ان تصل اليه تطبيقات الضربة الاستباقية والعقيدة «الدفاعية» 
الأميركية الجديدة. 

ليس صدفة, والحال هذه. ان يتحدث طون بلير عن حرب ستحدد 
السياسات الدولية لعقود مقبلة وليس بريئا ان ينحاز كيسنحر الى هذا الرأي 
معتبرا ان الحرب على العراق «نقطة تحول تاريخية في سياسة أميركا الخارحية» 
قبل ان يضيف ان المطلوب «إعادة درس الفرضيات الأساسية للخمسين سنة 
الماضية». 

تقود هذه المقدمات كلها الى طرح سوال صعب عن الموقف من الحرب. وهو 
صعب لأن المرقف «البديهي» و«الانانوي» هو الرغبة في الخلاص السريع منها 
بأقل الخسائر الممكنة. ان هذا هو الفخ المنصوب لكثيرين والذي حرى التمهيد له 
بدعوات تفتقر الى الحد الأدن من الاخلاق. ففي ظل المعطيات الراهنة لا سرعة 
ممكنة في إفاء الحرب إلا عبر انتصار أميركي حاسم. ولكن هذا الانتصار نفسه 
«يغري بالعمل في مكان آخر» حسب تقدير زبغنيو بريجنسكي. أي تماما كما 
اغرى الانتصار السهل في أفغانستان بالانتقال الى العراق. و«المكان الآخر» كته 
ان يكون إيران او كوريااو سوريا او السعودية او... ولقد كان كولن باول 
واضحا حين قال: «سننجحح وستنبئق فرص جديدة من هذا النحاح». 

ان كل نقطة لصالح الولايات المتحدة» كما نعرفها اليوم» هي نقطة ضد 
توق البشرية الى ان تدير علاقاها عقلانيا وبشكل تعددي وضمن موائيق 
متعارف عليها. 

2003|3|23 


لا أينعت ولا حان قطافها 


«رءما يرغب ريتشارد بيرل أن يكون في الموحة الأولى من العسكريين 
الأميركيين المتوجهين إلى بغداد». بمذه العبارة سخر سيناتور أمير كي من «أمير 
الظلمات» الذي يُقال عنه إنه أمضى وقتا إضافياً في العمل من أجل الدفع نحو 
الحرب ضد العراق. وتحد هذه العبارة تفسيرا لما في ملاحظة قاها أحد العاملين مع 
كولن باول: «ثمة خحيرة عسكرية في الطابق السابع من وزارة الخارجية أكثر تجا في 
مكتب وزير الدفاع كله»! 

عندما فتح النقاش الجدي في الإدارة حول النهج الواجب اتباعه حيال بغداد 
لاحظت الصحافية مورين رودء بسخريتها اللاذعة» أن «المدنيين نظموا انقلابا ضد 
العسكر». 

ولكن من هم هولاء المدنيون؟ ر 

الذين احتموا بهم لاحظوا قاس ما مشت ركا بينهم: لم يسبق لواحد منهم أن خحاض 
حرباً علماً أفم؛ في معظمهم» في سن كانت تفرض عليهم التحنيد الإلزامي في فيتنام. 

الرئيس حورج بوش نفسه لم يدحل الجيش في فترة الحرب و«تطوّع» في 
الحرس الوطي في تكساس. وهذا سلوك اتبعه «أبناء النافذين» حسب ما يقول 
كولن باول نفسه لي مذكراته. 

نائب الرئيس ديك تشين بحتب الخدمة بححة أنه كان يلك «أولويات أخرى 
في الستينيات». 

وزير الدفاع دونالد رامسفيلد قاد طائرات عسكرية بين حربي كوريا وفيتنام 
من دون أن يشهد ولو معركة واحدة. 

لويس ليبيء الرجل الأول في مكتب تشين أمضى تلك الفترة العصيبة في 
حامعي بال وكولومبيا. 

بول وولفويتز وبيتر رودمان اهتما بتحصيل العلم أكثر من خدمة العلم. أما 
دوغلاس فيث فكان... دون السن. 

339 


340 الآن... هنا 


إليوت ابرامزء المسؤول عن ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي» 
والصديق الصدوق لأرييل شارونء حصل على إعفاء لدواع صحية. وفعل حون 
بولتون مله وهوء حالياًء الرحل الثالث في وزارة الخارحية» ويتميّز باستسهال 
الدعوة إلى استخدام السلاح النووي. 

يبلغ عدد الذين وقعوا على «مشروع العقد الأميركي الجديد» 32 شخصاً. 
والبيان التأسيسى (إنحيل المحافظين الجدد) يدعو إلى حروب على العراق وسوريا 
ولبنان وإيران وفلسطين... بين هولاء ثلاثة فقط خدموا «عسكريتهم» أما الباقون 
فتهربوا. 

ريتشارد بيرل بين المتهريين. أمضى حرب فيتنام زميل دراسة مع وولفويتز في 
جامعة شيكاغو. ولما تخرّج انضم إلى تيار في الحزب الدرموقراطي هو الأكثر حماسة 
ل... الحرب! وهو اليوم يحرض على القتال ويوسس الشركات ال يجني منها 
أموالا وفيرة مقابل خحدماهًا العسكرية والأمنية. 

فرانك غافي (من «معهد السياسة الأمنية» والصديق الحديد للحنرال ميشال 
عون) اختفى عن الأنظار زمن الحرب. 

ينتمي هؤلاء جميعاً إلى البنية الضاغطة في اتحاه العدوان. وفي حين يطلق 
البعض عليهم صفة «الصقور» عيل البعض الآخر إلى أنهمء كطيورء أقرب إلى 
الدحاج منهم إلى أي شيء آخر. وينسب هذا البعض الثاني إليهم «ميزتين»: الأولى 
هي التهرّب من الخدمة العسكرية» والثانية هي الدعوة إلى حل المشاكل السياسية 
بوسائل عسكرية. وقي الإمكان أن نضيف ميزة ثالثة: أغم» جميعاء من أشد أنصار 
النسخة الليكودية المتطرفة عن إسرائيل ومن أشد رافضي أي تسوية في المنطقة. 

شكل الأشخاص المشار إليهم محرّك القوة الدافعة للحرب على العراق. 
ولجاواء في سبيل ترجيح رأيهم» إلى بناء منظومة متكاملة من الأفكار (لعب المؤورخ 
برنارد لويس دوراً كبيراً في ذلك). والغاية من هذه المنظومة تسويق الحرب 
والسحال ضد من يعارضها أو يدعو إلى التمهّل في خوضها. 

قالوا إن العراقيين سيهبّون إل ملاقاة «حيش التحرير» الأميركيء وأن 
معارضين مثل أحمد الحليء نافذين جداً في الداحل وممثلين له أكدوا أن الجيش 


أميركا والمحافظون الجدد 341 


والشعب سينحازان إلى كل من ينقذهم من الديكتاتور. حسموا في أن العراقيين 
سيرحبون بمستشارين يعملون لصالحهم. روّجوا أن في الإمكان نزع عروبة 
العراق باسم ثنائية القومية. اعتبروا أن لا أسهل من تحويل البلد منطلقا للهحوم على 
إيران وسوريا والفلسطينيين والسعودية. أصروا على تبي الأفكار الاستشراقية حول 
غياب أي هوية وطنية حامعة أو قومية. 

استننجوا من كل ما تقدم أن الحرب نزهة غير مكلفة لا مادياً ولا بشرياً 
وأن ثمراتها مغرية جدا. وممكنواء بهذا الأسلوب» من إسكات معارضيهم» ومن 
استغلال أحواء ما بعد 11 أيلول. ووضعوا ذلك كله في سياق منظور يرمي إلى 
إعادة تشكيل العالم بعد انتهاء الحرب الباردة ويلقى دعما من موسسات صناعية 
ضخمة في عالمي الأسلحة والنفط. وركزوا على أن منطلق إعادة التشكيل هذه هو 
التغيير الجذري للشرق الأوسط وعلاقاته وثقافته وتحريل الجلبي إلى رمز للاقتصادي 
الجديد وكنعان مكية إلى رمز للمثقف الجديد. 

لقد أثر هذا المناخ الثقاني السياسي في وضع الخطة العسكرية للغزو والقائمة 
على فرضية «الثمرة الناضجة ال حان قطافها». نقول «أثر» فقط لأن العسكريين 
المحقرفين حاولوا جهدهم تعديلها وسعواء مدعومين من باول (صاحب العقيدة 
المخالفة لما يحري تطبيقه)» ومن المحابرات» إلى إنتاج تسوية لا تعكس في الميدان 
الخرافات الإيديولوجية الغرضية الحزب الحرب. 

وإذا كانت هذه النطة العسكرية تواجهء اليوم» المناعب الى تواحهها فلأفاء 
بالأساسء مبنية على سوء تقدير سياسي يعامل العراق على أساس «أينعت وحان 
قطافها». 

هل ييرر ذلك الانتقال» من الجانب العربي» نحو تفاؤل يستعيد اللغة الانتصارية 
التقليدية؟ كلا. إن الولايات المتحدة تتمتع» بحكم انفرادهاء بأفضلية لم يمتلكها أحد 
قبلها: لا وحود لخصم كوب قادر على استثمار أخطائها وتحويل تورّط جزئي من 
حانبها إلى مأزق استراتيحي. 

إن في إمكان واشنطن تعديل حطط الحرب. وقي إمكافا التوقف عند محطة 
وفتح مفاوضات سياسية. ولي إمكاما البحث عن تسويات مع قوى إقليمية 


2 الآن... هنا 


ودولية. ولكن شرط أي من هذه الخيارات هو ألا تستمر أميركا في ارتكاب 

«حطية العحرفة»» وأن يقودها ذلك إلى إعادة تركيب التوازنات ضمن الإدارة 

ون انتظار الجريات اللاحقة» وقٍ ضوء ما هو حاصل حالياًء وبشكل خخاص 

في ظل مفاجأة العراق لنفسه وللعرب وللعالمء يمكن المغامرة بإطلاق استنتاج ولو 

مبكر: لن يكون العراق» بغض النظر عن التتائج العسكرية للحرب» أرضاً صديقة 
للاحتلال الأمير كي. وإذا صدق هذا الاستنتاج فإن له ما بعده. 

2003|35 


وداعا ريتشارد 


استقال ريتشارد بيرل. حرج متسربلاً بالفضيحة. رعا يكون غادر قبل أن تتم 
المساءلة الفعلية. حصل معه ما حصل لعدد من المبشّرين الأصوليين الأميركيين الذين 
كانوا يتظاهرون بالمذيان لحظة اتصالحم بالرب» ويرتحفون» ويتصيّبون عرقاء في حين 
تمتد أيديهم إلى حيوب المشدوهين بأدائهم يمدف... السرقة. لقد قدّم الرحل نفسه 
بصفته إيديولوجياً لا تحركه سوى الأفكار والمعتقدات. وأمضى حياته ينظّم الحملات 
ويقودهاء ويقيم الشبكات ويفعّلهاء ويتظاهر أنه يفعل ذلك عن غيرية لا مثيل لها. 

لم يترد في تسليط الأضواء على نفسه. كان يدلي» يومياء بتصريح أو موقف 
يسقط فيه بلدا باسم تحريره. اعتير نفسه» لسبب ماء محمياً. غير أن قدرا بسيطاً من 
التنقيب في حياته كشف عن انتهازية استثنائية. ليس بيرل سوى ”مسار صغير 
يستغل موقعه الاستشاري في وزارة الدفاع الأميركية من أجل تدبير صفقات 
والحصول على عمولات وذلك في سياق الولاء الأعمى لليمين الإسرائيلي 
والإصرار على اهي المصالح بينه وبين الولايات المتحدة. 

ادعى في بداية «غلوبال غيت» أنه لم يقرأ تفاصيل الالتزامات الواقعة عليه في 
موقعه المسؤول. ولكنه تصرف على طريقة «المريب الذي يقول خذون» عندما 
تزع بأموال لصالح عائلات الضحايا من الجنود الأميركيين في حرب العراق. 
الجنود الذين شحع على إرسالمم للموت هناك. 

بمكن» لما تقدم أن يكون قراءة في دواعي استقالة بمرل ال سبّبت حزناً 
شديداً لدونالد رامسفيلد. فلقد نشأ تعارض مصالح؛ وشرعت الصحافة هتم وبدأ 
نواب يطرحون أسئلة فكان لا بد من تطويق اهجوم الحتمل هروب سريع. غير أن 
هذه القراءة تتناول مستوى واحداً من مستويات الحدث. ففي المحلس الاستشاري 
الذي يترأسه بيرل عشرة من أصل ثلاثين لهم علاقات خاصة بشركات السلاح الي 
تعقد صفقات بعشرات مليارات الدولارات مع البنتاغون. واللاقت أن هولاء 
يشت ركون جيعاً في «ميزة» أخرى. 

343 


344 الآن... هنا 


إن هذا هو المستوى الثاني للحدث. 

الضجة حول بيرل مثارة منذ أسابيع. دفع يما الصحافي سيمور هيرش إلى 
الأمام في تحقيق في «نيويوركر» نشرته «السفير». وقد رد المتهم قائلاً إن هيرش 
«إرهابي». فما الذي تغيّر اليوم؟ 

إن ما تغير اليوم هو الإطار العام للحرب الي تشنها الولايات المتحدة على 
العرب والعالم في العراق. فالملاحظ أن أصواتاً كثيرة بدأت ترتفع تكشف الأوهام 
الي حرى ترويجها لتسويق الحرب. لقد قيل إا ستكون سهلة» سريعة» حاسمة 
نظيفة» مثمرة. وإذا بها صعبة» بطيئة» مفتوحة» وسخة» وغير مثمرة. 

إن بيرل هو أحد أبرز دعاة «الحرب الاحتيارية»... لأا حرب سهلة. لقد 
روّج لنظرية أن العراقيين كلهم سيرقصون في الشوارع احتفاء بقدوم الغزاة. 
وساجل ضد الذهاب إلى الأمم المتحدة داعيا إلى التعريض عن المجموعة الدولية 
بأحمد الجلبي وكنعان مكية. وسخرء حى» من فكرة تحالف «لا ندري من دائخله 
ومن خارحه» ومن أين الحصول على بطاقة عضوية فيه». 

لم يكن وحده مصراً على هذه الفرضية (تحرير العراق وإعادة هيكلة الشرق 
الأوسط والعالم بقليل من الجهد وبمعاونة معارضة عراقية متأمركة متأسرلة ذات 
نفوذ «هالل» في بلادها). إنه في هذا المجال» جزء من تيار له ممثلون أقوياء في 
الإدارة (ديك تشي دونالد رامسفیلد» بول وولفويتزء حون بولتون» الخ...). 
ولقد صاغ صديقه كينيث ادلمان» وزميله في املس الاستشاري» هذه الفرضية 
بكلمات بسيطة: «ستكون الحرب لطرد صدام حسين نزهة. لاذا؟ 1) لأنها 
كانت نزهة في السابق» 2) لأنهم باتوا أضعف. 3) لأننا بتنا أقوى» 4) لأننا 
نعمل للسيطرة إلى الأبد». ويكرّر ادلمان قبل أيام أن «حساب الأرباح والخسائر» 
لا يزال ميالا لصالح الحرب. 

يكتشف الأميركيون والبريطانيون هذه الأيام أن الأمور ليست كما قيل هم. 
ويطفو إلى السطح سوال مقموع عن «اختطاف السياسة الخارحية الأميركية». 
والواضح أن «حزب الحرب» يخوض معركة صعبة حى يتهرّب من الاقامات 
الموجهة إليه بأنه استعحلها واستسهلها. 


أميركا والمحافظون الجدد 345 


فوليام كريستول؛ مثلا شرع يروج لضرورة «التسامح مع طول الحرب» لا 
«التسامح مع الهزيمة» مضيفا أن المطلوب زيادة العنف «حىَ لا يصدق أحد أن 
أميركا ضعيفة». وزاد عليه مايكل ليدين بأن «حجم الأضرار أمر ثانوي. 
فالأميركيون, حسب الدراسات الأكادكية» شعب يحب الحرب ويكره الخسارة». 
ولقد ارتاح هذا «الحزب» إلى التحول في لهحة جورج بوش وطوي بلير وكبار 
القادة العسكريين. لقد بات لي وسع المعارك أن تستمر حن تصل إلى فايتها 
المحتومة: الانتصار. 

لقد دفع ريتشارد بيرل لمن هذا التحول قي اللهجة. إنه أول رأس سياسي 
يسقط لأنه نظر لغير ما وقع فعلا. وليس من المستبعد أن تكون تمت التضحية به 
أمام ضغط العسكريين الحترفين الذين يتهمون «عقائديين» بالتدخحل الفظ في صياغة 
الخطة القتالية. فلقد انبنت هذه كلها على أساس أن الشعب العراقي ولا 
والشعوب العربية تاليا تنظر إلى الأميركبين كقوة تحرير لا قوة احتلال» وأفاء 
«تحب شارون وتكره عمرو موسى» حلافا لأغنية راحت تجمع بين الابتذال 
والتقاط الحس الشعي. 

المستوى الثاني المتحكم بأي قراءة لاستقالة برل هوء إذأء الإعلان عن فشل 
التقدير السياسي الكامن وراء الخطة العسكرية. 

غير أن هناك مستوى ثالنا. 

لقد نُظر إلى معركة العراق بصفتها جزءا من حملة أوسع تطال الشرق 
الأوسط كله والعالم. 

قبل أيام التقى في «معهد أنتربرايز» الحافظ ثلاثة محاضرين: ريتشارد بيرل» 
مايكل ليدين» وجيمس وولسي (المدير السابق للمخابرات المركزية وأحد أبرز 
الصقور في واشنطن). تبارى الثلاثة في وصف الشرق الأوسط الجديد؛ وفي وصف 
العلاقات الدولية الجديدة» وقي تحديد مصير أوروباء وجلس الأمنء ال... ولقد 
فض البناء كله على أن الحرب ستكون منتهية في أيام» وعلى أن واجب الولايات 
المتحدة هو تحديد الوعاء الذي سيعيد تشكيل الميوعة العالمية. وتميّز ليدين» بين 
الثلاثة» بأنه دعاء استنادا إلى التجربة العراقية» إلى ضرورة الإسراع في مواحهة 


6 الان... هنا 


سورياء وإيران» والسعودية» وغيرها. ففي رأيه أن العراق هو موقعة في حملة 
تتحاوزه كثيرا... 

إن في استقالة أحد الثلاثة» بيرل» ما يوشر أيضاً إلى أن الارتطام بالواقع 
يفترض به أن يقود إلى قدر من التواضع. فهذه الاستقالة» وبغض النظر عن سببها 
المباشرء الانتفاع الشخصي» تؤشر إلى أن المقاومة تون ماراً. لقد أدت» حي الآن» 
إلى إدحال تعديلات على الخطة العسكرية ولكنهاء في الوقت نفسهء أمحت إلى 
إمكان إحباط الخطة السياسية. 


ملاحظة: ليست هذه هي المرة الأولى الي يخرج فيها ريتشارد بيرل من دوائر 
صنع القرار في واشنطن. إن «أمير الظلمات» قادرء باستمرار» على العودة والإيذاء 
ثم إن الباقين في مواقع السلطة ليسوا أفضل منه. هل نقول له «وداعاً» أم «إلى 

اللقاء»؟ 
200339 


الدب والسكين والبندقية 


«ان النفسيات المتعلقة بالقوة وبالضعف سهلة الفهم. فالرحل المسلح بسكن 
واحدة يستطيع ان يقرر ان الدب الذي يهيم في الغابة هو حطر قابل للاحتمال ما 
دام البديل اصطياد الدب مذه السكين أكثر خطرا من الترقب وتمين ان الحيوان لن 
يهاحم. غير ان الرحل نفسه» لو كان يحمل بندقية» لكان فكّر بشكل مختلف في ما 
بمكنه ان يكون خخطراً قابلاً للاحتمال. لماذا يحازف بأن يتعرض للافتراس اذا كان 
في وسعه تنب ذلك؟ ان رد الفعل النفسي هذاء وهو رد فعل سائدء هو الذي 
جعل أوروبا وأميركا تتواحهان». 

«القوة والضعف» هو عنوان الكتاب الأخير لأحد أبرز منظري المحافظين 
الجدد في الولايات المتحدة روبرت كاغان. أحدث ضحة كبرى عندما كان مقالاً 
واستمر يفعل ذلك عند صدوره قبل أسابيع. يدافع الكتاب عن فكرة بسيطة. يقول 
ان الفرق بين السلوك الأوروبي (باستثناء بريطانيا) والسلوك الأميركى نابع» 
حصراء من ضعف الطرف الأول وقوة الثاي. فالضعف يقود الى تحديد للمخاطر 
وسبل حلها لا علاقة له بالدرجة المتدنية من قدرة الاحتمال لدى القوي وميله الى 
العلاج العنيف. 

يحاول الكتاب ان يفسرء انطلاقاً من هذا المنظورء الرغبة الأوروبية في اعتماد 
الوسائل الدبلوماسية؛ واللحوء الى مجلس الأمنء وتمديد المهلة للمفتشين في 
العراق... فهذا كله نابع من وهن برز حديثاً في القارة خلال القرن العشرين وتعزز 
بعد انتهاء الحرب الباردة. وبالمقابل فإن الولايات المتحدة سارت في اتجاه معاكس 
وتعزز ذلك بعد انتهاء الحرب الباردة. ففي حين مال الأوروبيون الى الرغبة في 
التنعم ب «مرات السلام» و«تناسوا الاستراتيجيا» ذهب الأميركيون نحو ضرورة 
التوسع؛ ونقل المعارك الى العالم؛ وتأمين المصالح على مدى بعيدء وتعبين 
التهديدات» والحزم في حسمها. وأما احداث 11 أيلول فإفا لم «تغيّر أميركا وإغا 
جعلتها أكثر أميركية». 

347 


348 الان... هنا 


يعتير كاغان, والحالة هذه ان العقيدة الدفاعية الجديدة حورج بوش 
هي الابنة الشرعية لشعور أميركا بقوتما. ويجعل هذا الشتعور اكا يعض 
الشيء تحديد المخاطر بصفتها المحاعة, والاوبئة والفقر» وسلبيات العولمة» 
وانتشار الجرعة... لا يليق هذا التحديد بالولايات المتحدة. لذا فإفاء أولاء 
تكثر الحديث عن الدول المارقة» والدول المتعثرة» والارهاب ذي البعد 
العالمي» وتنتدب نفسها ثانياء للتوحه الى حيث الداء من أحل استتصاله قبل ان 
يهددها. 

والعدوان على العراق هو النموذج الاول للحرب الاستباقية الي يراد لها 
إجهاض خطر داهم. فالعراق دولة مارقة» تمتلك أسلحة دمار شامل» ويمكنها ان 
تستخدمها مباشرة أو بواسطة ارهاببين ضد الأرض الأميركية أو المصالح الأميركية. 
لذا وجب التحرك الذي هوء في غاية المطاف, تحرك أقرب ما يكون الى الدفاع 
المستقبلي عن النفس. 


© ©* © 


يمكن القولء بعد سقوط تكريتء إن الولايات المتحدة استكملت بسط 
احتلانها على العراق. ولا يكاد يمر موتمر صحاف لمسؤول أمي ركي» سياسا كان أو 
عسكرياء من دون ان يقف سائل ليسأل: ولكن ما أخبار أسلحة الدمار الشامل؟ 
ويتردد الجواب نفسه: نحن واثقون من أا موحودة» ولكن النظام أحسن إخفاءهاء 
وسيأتي يوم نكتشفها. 

نحن أمام واحد من احتمالين. 

هذه الأسلحة غير موحودة. يعني ذلك ان واشنطن المدركة سلفاً لفراغ الملف 
قامت هذه الحرب لأسباب لا علاقة لما بالادعاءات الي قدمتها وغيّرت فيها غير 
مرة. 

هذه الأسلحة موحودة فعلا. ومع ذلك فإن بغداد لم تستحدمها حى ان 
النظام سقط تماماً من دون ان يدافع يما عن نفسه. . نضع جانباً «تفسمير » 
زی هڅار بيرل من ان سرعة التقدم حالت دون الاستعمال. نضع ذلك جانباً 


أميركا والمحافظون الجدد 349 


لنستنتج ان من لم يلجأ الى هذه الترسانة في «حشرة» من هذا النوع لم يكن 
ليلجأ إليها من أجل «الاعتداء» على الولايات المتحدة. وإذا كان هذا الاستنتاج 
صحيحاً وهوء على الأرحح» صحيح فإنه يقود ببساطة الى نسف التطبيق 
الأميركي على العراق لنظرية الضربة الاستباقية. فنحنء ببساطة: أمام ضربة لا 
تستبق شيئاً. أي نحن أمام حرب ذات أهداف عدوانية أصلية استخدمت الذرائع 
الممكنة كلها من أحل احتلال العراق في سياق مشروع حذري يطال المنطقة 
أساسا والعالم استطرادا. 

يقود ذلك الى القول ان التيريرات الي يقدمها المتطرفون الأميركيون للتمايز 
بينهم وبين بعض الأوروبيين كاذبة من أساسها. لم نكن أمام موقفين من استشعار 
الخطر والرد عليه. كنا أمام حملة ني وكولونيالية رفض البعض المشاركة فيها. 
ويسمح ذلك بالعودة الى «القصة» الي يرويها روبرت كاغان. 

كلا ليست الولايات المتحدة رحلاً بمتلك بندقية ويسمح لنفسه حيال 
الدب بما لا يسمح لنفسه به رحل تلك سكينا. ان الولايات المتحدة هي الدب 
الذي يهدد الاثنين معا. ومن الأفضلء لردعهء امتلاك بندقية. ويتأكد ذلك من 
ان هذا «الدب» ارتدع نسبياً حيال كوريا وبالضبط لأنها تمتلك أسلحة دمار 
شامل. 


© ©# © 


لا تقوم واشنطنء لي العراقء بدفاع استباقي عن النفس. تقوم بعدوان 
هجومي يريد أحذ العراق وتحويله الى منصة لتطويع الأمة العربية .بمعتدليها 
و«متطرفيها». إفها تسعى الى بناء شرق أوسط جديد لا وحود فيه لأي نوع من 
الممانعة أو التحفظ. 

يفسر لنا ما تقدم» سيب التبكير في شن هذه الحملة السياسية على سوريا. ان 
لحا أسباها العراقية الموكدة من وحهة نظر أميركية. ولكن التدقيق فيها بعض الشيء 
يحسم في ان لما صلة بقضايا الصرا ع العربي الاسرائيلي وعوازين القوى الخاصة به 
الي لا يلوح فيها أي تهديد, ولو استباقي» للأرض الوطنية الأميركية. 


0 الان... هنا 


ان في هذه الحملة ما يشي بالطبيعة العدوانية الأصلية لهذه الحرب على المنطقة 
ولترابط الحلقات بين ما بخص المصالح الخاصة بواشنطن وتلك الخاصة بإسرائيل 
والدرحة العالية من التماهي بين استهدافات الدولتين. 
لسناء اذأ أمام دب واحد بل اثنين. واللافت الما وجدا درجة من التنسيق 
يفتقر إليها ضحاياها. فالضحايا ليسوا دببة إلا بقدر ما ان الأسود أكل يوم أكل 
الأييض. 
200345 


النقاش الإمبريالي 


بسقوط بغداد (بعد كابول) دحلت العلاقات العربية الأميركية مرحلة نوعية 
جحديدة: الاستعمار المباشر. 

وإذا كان البعض في واشنطن يزعم أن الأمر غريب على ترائه فإنناء من 
موقعناء نعيش صدمة العودة إلى وضع كنا نعتقد أننا غادرناه منذ عقود. 

إن المشهد العراقي الراهن مشهد امبريالي بامتياز: الانفراد» إبعاد الأمم 
الستحدة, الوجود العسكري» تقسيم البلد مناطق وتعيين ولاة أحانب» حق التقرير 
قي العقود. الإشراف على الثروات الطبيعية» إعداد مناهج مدرسية» التصرف 
بالأموال المحمدةء ضبط التوازنات بين أبناء البلد... إلخ. 

وينعكس هذا المشهد الكولونيالي تحولاً في طبيعة السجالات في المتروبول. لم 
تعد عناوين التدخلية أو الانعزالية» الانفراد أو العمل الجماعيء الاهتمام بآسيا أو 
بالشرق الأوسطء غاية التاريخ أو صدام الحضارات» الأحادية القطبية أو التعددية» 
ل ىم تعد هذه العناوين تشكل عصب النقاش في المركز الامبراطوري. إن السوال 
الملهيمنء اليوم» هو السؤال الامبريالي. وتعكس هيمنته قدرة جناح محدد (في 
الإدارة» ومراكز البحث» والإعلام...) على فرض أجندته. ويتشكل هذا الجناح 
من المحافظين الحدد التدخليين ورافضي الانضباط بقواعد النظام الدولي والداعين إلى 
«نورة دائمة» المتحالفين مع دعاة «الاميريالية الرؤوفة» الي لا بجوز لها أن تخحل 
من نفسها ولا أن تتردد أمام حمل «عبء الرحل الأبيض». 

لم يكن لهذا الجناح أن بمارس نفوذا بهذا الحجم لولا انحياز القوميين المتعحرفين 
إليه ديك تشيئن» دونالد رامسفیلد...» ولولا اعتناق حورج بوش لبعض أطروحاته 
وتخليه» بالتالي» بعد 11 أيلول» عن رفض «بناء الأمم» ودعوته السالفة إلى «سياسة 
خارجية متواضعة». 

القاعدة الى ينهض فوقها هذا التحالف توكد أن البقاء في العراق مديد, 
وأن العراق بحمرد بداية من أحل تغيير المنطقة طوعاً أو تمديداً أو عنفاً. ويعني 

351 


ذلك؛ عملياء انفتاح مرحلة تاريخية يصعب تقدير مداها. 

لا مبالغة في القول إن مواضيع النقاش المستحدة ترث ما سبقها وتعيد إنتاحه 
وتكاد تل محله. ولا مبالغةء أيضاًء في التأكيد أن أطياف المشهد الأميركي كلها 
تساهم فيها. 

ف «اليساري» (المؤيد للحرب) توماس فريدمان يصئّف العراق ولاية 
أميركية جديدة تضم 23 مليون نسمة ويدعو مواطنيه إلى التنبّه إلى «أننا تبنينا طفلة 
اسمها بغداد» .ما يعن أن المسؤولية كبيرة عن تنشتتها أولأ وعن توفير البيئة الصالحة 
ها أيضاً. واليميي الليكودي كاره الإسلام كدين؛ والمعيّن من قبل بوش في للنة 
للسلام (ا)» دانيال باييس (صديق العماد ميشال عون» بالمناسبة) يقترح خطة 
مديدة للعراق قوامها الإتيان إلى الحكم برجل قوي ذي ميول ديموقراطية مع إبقاء 
القواعد العسكرية الأميركية للدعم والمساندة! 

ليس صعباً تأصيل هذا النقاش في أميركا. فلقد شكّلت الويلسونية» على 
الدرام» حيار من خخيارات السياسة الخارجية ونجحت في صد أي نزعة انعزالية. 

ومع أا انتقلت» اليوم» لتصبح بدا في نج أقصى اليمين» فإن ذلك لا يعدو 
استعادة لنظرية في «الاميريالية التقدمية» كانت رائجة في الولايات المتحدة منذ... 
قرن! وهكذاء بعد مئة سنة» نيحد من يعود إلى هذه الأفكار الموسّسة على «الاستئناء 
الأمير كي» والداعية إلى سياسات «انفرادية». 

لقد كان رونالد ريغان صاحب رأي في دور بلاده ضد «امبراطورية الشر». 
ولطال ما اعتبرت مادلين أولبرايت» بعد سقوط جدار برلين» أن «أميركا أمة لا غ 
عنهاء وأففا 0 أطول قامة». وتحدث ريتشارد هاس عن «الشرطي 
المتردد» قبل أن ي يكتشف ونكتشف أن هذا الشرطي تحرّر قليلاً بعد انتهاء الثنائية 
القطبية وغادر تردده غهائياً بعد 11 أيلول. ولقد كانت هذه التفجيرات مناسبة 
شجعت ماكس بوت (أحد مفكري المحافظين الجدد) على الدعوة إلى وضع 
«الفضائل البربرية الحربية في خدمة الل الأميركية العليا». 

لم صل أن تخلت الولايات المتبحدة عن وعي نفسها بصفتها استثناء: سواء 
كان ذلك بصفتها «أرض ميعاد» أو بصفتها «صاحبة رسالة». وها هيء في 


أميركا والمحافظون الجدد 353 


أفغانستان ثم العراق» تمارس هذه الرسالة حيال «خير أمة ارت للناس» ثم 
حيال دعاة «الرسالة الخالدة» المنسوبة إلى -الأمة العربية. 

لقد أكثر المسؤولون الأميركيون» وعلى رأسهم بوش» في الأشهر الأخيرة» 
الحديث عن «لمهمة التمدينية» الى ستحملها بوارحهم إلى العالمين العري 
والإسلامي. وأفاض كاب وخبراء ومؤرخون وصحافيون في استعراض «النماذج» 
واستحضار اليابان أو ألمانيا أو أوروبا الشرقية» وفتحوا سجلات التدحلات 
العسكرية حي الأخيرة منها ونتائجها. 

مال الرسميون إلى ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية من أحل تأكيد أن لا 
تناقض بين «الدبابات» و «الديكوقر اطية». إلا أهم حوهوا باعتراضات عن التفاوت 
بين المانيا واليابان من جهة» والعراق من جهة ثانية (فضلاً عن التحانس أو التعدد 
العرقي والمذهي). ويعتبر ستانلي كورتز أحد أبرز المعترضين. وهو يعتير أن على 
واشنطن الاتعاظ» في جحربتها الامبريالية العراقية» بتحربة بريطانيا في الهند الي دامت 
قرنين ونيفاً! 

كتب كورتز عن «الامبريالية الديموقراطية» ملاحظاً أن خطين بريطانيين 
تواجها في الهند: خط احترام المؤسسات الحلية والتقاليد والدين» وخحط كسر 
المحرّمات واستيلاد سند محلي واعتبار السكان الأصليين «لوحا أبيض» يكتب 
المستعمر فوقه ما يشاء. ونصح الإدارة باعتماد سياسة لا تقوم على السلطة المباشرة 
ولكن لا تعتمد كثيراً على العراقيين مع ضرورة التمبيز بينهم وبين «العائدين» 
الذين يمكنهم لعب دور. وخلص إلى أن الانتخابات خطرة الآن لأن الحو غير 
موات ولذا لا بد من تقطيع الوقت ب «حكومة تمثيلية» على امتداد «مرحلة 
امسبريالية غير دعوقراطية» في انتظار مساعدة العراقيين على بلوغ سن الرشد. 
واستعرض السحال الأميركي بين من يدعو إلى الاعتماد على النخب العربية 
التقليدية ومن يريد «دمقرطة» سريعة مع ميل من حانبه إلى المواءمة بين النهجين 
وعدم الخشية من إشهار لمرو الاستعماري الذي سيجد في ديكتاتورية النظام 
السابق تبريرا أخلاقيا لنفسه. يفاخر كورتز ب «أن لا دموقراطية من دون 
حضورنا». وما «أننا أصحاب مصلحة فلنأحذ وقتنا». 


4 الآن... هنا 


قدلا يكون روبرت كوبر أميركياً ولكنه ملهم الحافظين الحدد. فلقد عبر 
هولاء حط التمايز الأيديولوجي معه من أحل 38 أطروحته عن «الامبريالية 
اللييرالية». الرحل دبلوماسي بريطاني مقرب حدا من طون بلير و«الطريق الثالث». 
ويقدم نموذجاً عمًا يمكن أن تصل إليه «الاشتراكية الديموقراطية» في تعاملها المنحط 
مع العالم الثالث. 

يقسّم كوبر الدول إلى ما قبل حديثة (متعثرة) وحديثة (مكتملة ولكنها 
تعترف بالصراعات الجيواستراتيجية) وما بعد حديثة (أوروبا الي ألغت الحروب 
البينية من قاموسها). يعتير الصنف الأول خخطراً على الثالث. يفلسف المعاير 
المزدوجة إذ إن قواعد السلوك الممكنة بين الدول ما بعد الحديثة لا تنفع مع دول 
تعيش شريعة الغاب والواحب معاملتها وفق أسس لا تلفي الحرب ولا الخداع ولا 
الكذب. يستنتج أن الحل المنطقي هو العودة إلى الكولونيالية كما في القرن التاسع 
عشر. يوكد أن شروط الحل الامبريالبي متوفرة وأن الطلب موجود في الدول 
المتخلفة» ولكن العرض ضعيف من جانب الامبرياليين المحتملين. وينتهي داعياً إلى 
«امبريالية ما بعد حديثة»» أي «امبريالية ليبرالية» تقيم وزناً ما لحقوق الإنسان 
والقيم الكونية. 

تحيلنا هذه الكتابات إلى ما نقرأه وميا عن خحلافات بين وزارتي الدفاع 
والخارحية في الولايات المتحدة: ارتباك في إدارة العراق» تباين في التعيينات» عدم 
الحسم في الانتختابات» صلات بعراقي الداخل والخارج» أي نوع من العلاقة مع 
الإسلام والتقاليد المحلية» دور الأحانب في الإدارة» تفضيل العملاء الخالصين آم 
شخصيات ذات صلة بالبيئة الإقليمية... ليست هذه الخلافات تكتيكية» ولا هي 
نابعة من الحتلاف مزاج كولن باول عن مزاج دونالد رامسفیلد» ولا عن صراعات 
نفوذ شخصية. نحن أمام نقاشات استراتيجية حول نوع الامبريالية الي ستمارص... 
علينا. وهي نقاشات ينتمي أصحاها إلى مدارس فكرية» وإلى مراجعات حصلت 
للحقبة الاستعمارية» وإلى تقديرات لآل الحركات الاستقلالية. ويمكن أن نزيدء 
في ما يخصناء أا تنتمي» أيضاء إلى الموقع المراد للاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي أن 
يشغله وإلى دروس ذلك. 


أميركا والمحافظون الجدد 355 


والملاحّظ أن الأميركي أو البريطان المعترض على سياسة بلاده شرع جاور 
هو الآحر» من موقع الاعتراف بأن السؤال الاميريالي هو المطروح. فأناتولي ليفين 
لا يفعل شيعا آخر حين يحذر من «استنساخ» ما حضل في القرن التاسع عشرء 
ومز بين «امبريالية وديعة» قد تمارسها أميركا وأخرى «استيطانية فظة» تعيشها 
إسرائيل. وهو إذ يطرح تساؤلات عن رد الفعل الشعي الأمي ركي» وعن موقع 
بريطانيا في المنظومة الجديدة» فإنه ييقى ميالا إلى توقع رد فعل حلي ضد «المهمة 
التمدينية» المزعومة. 


© © © 


يتضح من هذا الاستعراض السريع للمحطة الراهنة للنقاشات الأميركية 
(والبريطانية)» أن العرب هم الموضوع. وليس صعباً اكتشاف كم أن العرب هم 
أيضاء أبرز الغائبين. نحن لا زلنا في «أين صدام» و«من أسقط بغداد»» في حين أن 
التجاهل كامل لصخب يبحث عن أفضل صياغة» من وجهة نظر المتروبول» لأدق 
تفاصيل حياتنا. هل يصدق علینا تقدير كوبر من اننا فشلنا إلى حد ننا بتنا نشكل 
حالة «تطب استعماري»؟ سواء كان الجواب نعم أو لا فإن الاستعمار موحود 
مانا افتتاح حقبة» ومن دون أن يستثير» حى الآن» ولو الفضول في التعرّف إلى 

حياراته المتفاوتة في تقرير مصائرنا. 
20026 


بوش والعالم 


ست محطات في ستة أيام. سيحتك جورج بوش بالعالم الخارجي في أقل من 
أسبوع أكثر ما فعل طيلة حياته كلها. سينتقل من بولندا إلى روسيا إلى فرنسا إلى 

مصر إلى الأردن إلى قطر. والواضح أنه لن يبحث في أي من هذه البلدان العلاقات 
الثنائية حصراً مع بلاده. إا أمكنة يستعرض فيها قوة الولايات المتحدة» 
ويستخدمها من أجل مخاطبة العالم (والعرب بوجه خاص) متأملا أن يرتد ذلك 
على الحملة الرئاسية ال سيباشر الإعداد لها. 

إن حدول الزيارات» كما أعلن عنه» غي بالدلالات خاصة بالنسبة إلى رحل 
لم يعرف عنه ولعه بالسياسة الخارحية. 

احتار بولندا ليبدأ منها. سيقوم بغرض الزيارة إلى معسكر اعتقال نازي في 
محاولة واضحة للإيحاء أن الشر الذي ساعدت الولايات المتحدة على التخلص منه 
انبعث بحدداء في العراق» فكانت جاهزة للقضاء عليه. غير أن الخطوة اللافتة هي 
اخقياره هذا البلد بالذات لإلقاء حطاب منتظر عن العلاقات عير الأطلسي. 
سيستفيد من دلالة المكان والتاريخ. المكان هو بولندا الممثلة الأكثر بروزا لما يسمّى 
«أوروبا الجديدة»: أي أوروبا الي تغلب «الأطلسية» على كل ما عداها. صحيح 
أن الثقافة أوروبية وأن الاقتصاد مرتبط بألانيا وفرنسا ولكن الصحيح» أيضاًء أن 
طلب الحماية يتوحه إلى الحليف البعيد الذي لا يمثل الخطر التاريخي الأ لماي ولا 
الخطر الحديث الروسي السوفياني. يقال عن بولتدا إنه بلد يملك «فائضا من 
الستاريخ». إن هذا الفائض الخاص هو الذي يتحكم بالاحتيارات وهو الذي 
استدعى أن يقول بوش» من هذا المكان بالضبط» رؤيته لكيفية تحديد الروابط مع 
الحلفاء. وعجرد أن يكون الكلام من بولندا يكون له وقع مميز لجهة توضيح الميول 
الأميركية الجديدة. 

عند الانتقال إلى روسسيا سيمارس بوش التطبيق للشق الأول من نظرية 
كوندوليسا رايس: المسامحة. يريد ألا يخسر بوتين بعدما نظر في عينيه ملياً واكتنشف 

35%6 


أميركا والمحافظون الجدد 357 


التقارب معه وتأكد من أنه لم يكذب عليه في قصة الصليب الشهيرة ولا في كيفية 
تربية البنات! ستنحح الزيارة (برغم تباين حول إيران) لأا حاحة للرئيسين 
ولبوتين أولاً. فالروسي لا يسعه أن يرفض الغفران الذي يحمله الأميركي. وإذا 
كانت سان بطرسبورغ ستكون عاصمة العالم لأيام فإن استعراض بوش فيها هدفه 
إفهام هذا العالم أنه تغيّر إلى حد لم يعد يستدعي التحالفات الثابتة لعهد مضى . 
سيحاول» بتح ركه» أن يفهم الضيوف الغربيين أن الحاحة إليهم أقل طالما أن سان 
بطرس بورغ كانت... ليننفراد! وكيف لا تقل الحاجة إليهم والعقيدة الرسمية 
الأميركية «تحظر» بروز قوة أو تحالف قوي يهدد الأرححية الكاسحة. 

في فرنسا (إيفيان) قد نشهد تطبيقاً للشقين اكان والثالث من نظرية رايس: 
تجاهل المانيا ومعاقية فرنسا. واشنطن تعتبر أن برلين كانت ضد الحرب على 
العراق» من حيث اللمبدأء أما باريس فكانت ضد الولايات المتحدة. سيقابل بوش 
شرودر متسلحاً بزيارتيه السابقتين إلى بولنداء ضحية ألانياء وإلى روسيا الخطيرة 
على ألانيا. فأميركا حرّرت الأولى وتحميهاء وهي أضعفت الاتحاد السوفياتي ما 
سمح بتوحيد ألانيا. ولعل المستشار الألماني سيكتفي من القمة بألا يبالغ بوش في 
تجاهله. أما شيراك فقضية أخرى. إنه المضيف ولكن السيد الفعلي غيره. سيسعى 
إلى معسرفة الأثر الذي تركه الجهد الفرنسي للتأقلم وسيفهم؛ على الأرحح» أن 
المسافة المطلوب قطعها لا تزال طويلة. سيحرّب أن يلحأ إلى مواضيع يريد لها أن 
تشكّل حدول أعمال الدول الصناعية الأكثر تقدماً: كيفية إطلاق الاقتصاد العالمي؛ 
مكافحة السيداء مساعدة أفريقيا. وسيستفيد من وجود مدعوين أحانب من خارج 
النادي من أجل الإيحاء بأن القضايا الملحة هي الى تنطلب تعاوناً واسعاً ومتساوياً 
بین دول العالم وتكتلاته الکیری. إلا أن بوش سيركز على ما يراه حاسماً في توكيد 
الغلبة: العراق» الإرهاب» أسلحة الدمار... ولعل رسالته إلى القمة وصلت قبله. 
اخقصر مشار كته إلى يوم واحد فقط. سيصل متسلحاً على الآخرين بامحطتين 
السابقتين ويغادر قوياً ليتوجّه: باسم الآخرين؛ إلى المحطتين التاليتين. 

في مصر (شرم الشيخ) سيصل السلوك الإميراطوري إلى ذروته. القول إا قمة 
عريية أميركية فيه تعزية للعرب. إن الاجتماع درس في الإملاء. ثمة لائحة مطالب 


358 الآن... هنا 


غير قابلة لنقاش حدي. فبوش يراهن على السمعة التي كسبها بأنه سريع اللحوء إلى 
القوةء وكذلك على سمعة محاوريه بأنهم سريعو اللحوء إلى التحاوب. ستتحكم 
بالاحتماع ثلاثة أشباح. الأول هو شبح صدام حسينء الثاني شبح ياسر عرفات 
البعد الثالث شبح كلينتون. لقد سبق للأخير أن عقد قمة في شرم الشيخ ل 
«مكافحة الإرهاب» ولدعم شهعون بيريز. لم تنجح في تحقيق غاياتها فسقط بيريز 
وفكت المقاومة اللبنانية حصاراً كان يراد فرضه. الظروف اليوم مختلفة وبوشء إذ 
يرفض أمراء فإنه يرفض أن يكون مثل كلينتون. يكره نموذج سلفه إن هة الفشل 
أو هة التورط الشخصي في تفاصيل أي تسوية. يعتير القمة اختبارا لنفوذه ويريد 
أن يرى ما إذا كان يطاع إن تحدّث. 

عند الوصول إلى الأردن (العقبة) سيكون بوش محكوماً بهم وحيد: الإيحاء بان 
القمة ليست الأولى وإغا الأولى و... الأخيرة. ويستطيع أن يعتبر أن جرد التهويل 
بذلك أعطى نتائج بحيث سارع أرييل شارون ومحمود عباس إلى استقباله كل بباقة 
زهور. وليس من المستبعد» والحالة هذه» أن تكرر المفاوضات الراهنة نموذج «اتفاق 
أوسلو»: سهولة نسبية في التوافق على قضايا المرحلة الانتقالية واصطدام بتعقيدات 
قضايا الحل النهائي. علماً أنه من الحائز توقع صعوبات حدية في المهمات المستعجلة. 
فأبو مازن لا يستطيع احتمال ما يتوافق بوش وشارون على مطالبته ب كما أنه لا 
يرتاح كثيراً إلى الدخول في مواجهة مع الإثنين معا. بعد اجتماع العقبة سيدأ عهد أبو 
مازن جديا وسيتضح ما ذا كان ما بدأ هوء في في الواقع» العد التنازلي. 

ينهي بوش حولته في قطر (هل سيمتنع عن زيارة العراق أم أا مفاحأة 
الرحلة؟). إن واحبه شكر حنوده على الحرب الي خاضوها وشحذ عزكتهم 
لمواجهة ظروف صعبة. ولا يتناول الشكر «تحرير» العراق فحسب طلما أن الحرب 
سمحت للحولة الي بدأت في بولندا أن تكون «ظاقرة» إلى هذا الحد. ومن غير 
المستبعد, إذا تطرّق الأمر إلى إعادة انتشار القوات الأميركية» أن نستمع إلى الرئيس 
الأم ر كي يستعيد تصنيفات دونالد رامسفيلد لیمیز بین «عرب حدد»» قطر 
غوذحاء وبين عرب عاربين قد يواحهون مصير صدام حسين أو ياسر عرفات» على 
الفرق الشاسع بين الرحلين والمصيرين. 


لميركا والمحافظون الجدد 359 


إن نظرة سريعة إلى هذه الحلقات المتتابعة الي تضع بوش في مواجهة العام 
والعرب تكشف أمراً نادر الحدوث ف العلاقات الدولية. أن قادة سيكونون معه في 
روسيا وسينتقل بعضهم إلى فرنسا ثم إلى مصرء وبعض من في مصر سيتوحه إلى 
الأردن. نحن إذاء أمام مسرحية من ستة فصول يتغيّر فيها عدد من اللاعبين بين 
فصل وآخر ولكنها تدور كلها حول شخصية محورية تلاحقها الأضواء. وي هذا 
الأمر وحده عبرة لمن يريد أن يعرف عن تقدير الرحل لنفسه ولموقع بلاده 

وللصلات المستقبلية بكل «الأقاليم» الي زارها. 
1 2006 


أرماجدون 


قارئ كتاب مايكل إيفانز «ما بعد العراق» النقلة الحديدة» قد يجد نفسه 
ناظراً إلى الساعة في معصمه عند وصوله إلى الصفحة 119. ففيها «معلومة» لا تقل 
أهمية عن نحديد موعد القيامة: «إنه قريب» قريب جداً» (بين 2018 و2028). ففي 
اعتقاد الكاتب أن قيام إسرائيل افحح حياة الجيل الأخير قبل «ارماجدون». ثم جاء 
احتلال كامل أرض فلسطين في 67 ليوكد هذه النبوءة. وتسارع التاريخ في الحرب 
الأحررة على العراق عاقدا الصلة الأبدية المتجددة بين بابل وأورشليم. الأولى هي 
الظلام, الثانية هي النور. دمار الأولى شرط انبعاث الثانية. هكذا ورد في العهد 
القدم حيث كرت بابل (العراق) لا أقل من 300 مرة بصفتها أرض الخطيئة 
الأولى» والتحسّد الشيطاني الأول في نبوحذ نصّر سابي اليهود» والوعد الأول 
بأارماحدون. 

لم تفعل الولايات المححدة» إذاء سوى تنفيذ المشيئة الإلمية. لقد كانت الحرب 
«مكتوبة» في العهد القدم» ومصير صدام حسين مكتوب» والدمار مكتوب» 
وح أوصاف دبابات ابرامز مكتوبة. 

لذا فإن القول بأن طريق القدس تمر في بغداد ليس تقديراً جيواستراتيجياً 
للمحافظين الحدد الأميركيين» إنه» ببساطةء إنفاذ لإرادة ربانية. يقتضي» والحالة هذه 
أن تبقى الولايات المتحدة مستيقظة وأن تنصرف إلى هذا المزيج التوراقي الخاص حيث 
يلنقي المسلح بالمقدس. وهكذا فإن تفجيرات 11 أيلول تكاد تكون حيلة إلهية. لقد 
استخدم شيطان الأصولية الإسلامية من أحل إحراج المارد الأميركي من سباته ودفعه 
إلى القتال في ظل صلوات يجب أن تجمع الملايين يوميا حى يوم البعث. 

لا مهمة مقدسة أكثر من الانصراف إلى تحضر ارماحدون. ولا يكون ذلك 
إلا بتمكين البهود من أرض فلسطين كلها ولو كان ذلك عبر مواحهات لا حدود 
ها مع المسلمين «الذين نستطيع تحرير أرضهم لا تحرير قلومهم» (ص 110). ولكن 
لا مشكلة في ذلك طالما أن الوقت بات يقاس بالسنوات. 

360 


أميركا والمحافظون الجدد 361 


الف سطينيونء» هذه المعاني أبالسة. إهم محرد وجودهم حيث همه حاجز 
في وجه رغبات الرب. وعلى الرئيس جورج بوشء الذي يكن له مايكل إيفانز 
كل مودة وإعحاب أن يتوقف عن السير في وحهة وسوس له ها اللييراليون 
المنحطون. التوراة هي «خريطة الطريق» الوحيدة (عنوان مقال أخير لإيفانز). 
وهي كذلك لأنها ترفض عودة أي فلسطينٍ وتطالب» على العكس. بالترحيل؛ 
ولأفها تشرّع الاستيطان: ولأا تسخر من أن الضفة الغربية محتلة» ولأا لا تحيز 
إعطاء أرض الميعاد لإرهابي مصري اسمه ياسر عرفات ولا لنسخة معدلة عنه اسمها 
محمود عباس. ولا يتردد إيفانز في ديد بوش: إن لم تفعل ما أقله لك فإنك 
تكون ميالاً إلى السياسة على حساب النبوعة. 

قد يخطر في بال قارئ أن يضحك وهو يقرأ «تخريفات» أحد أبرز ممثلي 
«المسيحية الصهيونية» الأميركية. يجدر بهء أي بالقارئ, ألا يفعل. رعا كان عليه 
أن يقلق. إيفانز» وحده» قد يبدو بحنونا. لكنه لا يعود كذلك إذا كان عشرات 
الملايين من الأميركيين يعتنقون أفكارا مشايمة. وعا أن هؤلاء هم القاعدة الشعبية 
الحيوية للحزب الجمهوريء وا أن بوش قريب منهم» وا أنهم علكون امتدادات 
وتحالفات في الإدارة» فمن الضروري أحذهم على محمل الجد. 

توصل إيفانز إلى قناعاته» بعد 61 يوم صلاة» بنور قذفه الله في صدره. دعاه 
هذا النور إلى تشكيل «فريق الصلاة للقدس» وتأكد من أنه محق عندما ممح في 
إقناع... إيهود أولمرت. وهوء إذ يخوض «نضالاته»: فإنه يفعل ذلك سابحاً في بحر 
حالة ثقافية مثل كل ما هو تافه وحطير في الولايات المتحدة قياساً بتيارات أنحرى 
هيء في الواقع» طليعة أي تنوير في العالم. 

لقد لوحظء خلال الحرب الأخيرة» اختفاء الكتب المبشّرة أو المنذرة بالقيامة 
القريية. وإذا كان البعض تحدث عن «صناعة فاية الأزمنة» فإن ذلك لا يمنع أن 
ملايين الأميركيين كانوا يقرأون» في الآونة الأخيرة» كتبا هذه عناوينها: «من 
العراق إلى ارماحدون»» «العراق بابل فاية الأزمنة»» «القدوم الثاني لبابل»» 
«صعود بابل»» «بابلء العراق» الأزمة المقبلة في الشرق الأوسط». «بايل صدام»» 
«قصر المسيح المضاد»» «ارماحدون والنفط وأزمة الشرق الأوسط»... إخ. 


وهذه الكتب كلها تنويعات على أفكار بسيطة: إن الحرب على العراق تحقيق 
لنبوءة توراتية مآلا إنفاض أورشليم من رماد بابل استعداداً لقدوم مسيح سيقول 
المسيحيون إنه قدوم ثان» ويقول اليهود لا بل إنه قدوم أول. وبا أنه سيصرّح عن 
ذلك لاحقا فالخلاف موحل والمرحلة القادمة هي مرحلة تحالف بين الطرفين. 

لسنا أمام كتب فحسب. فالكاسيتات مستخدمة. والنشرات. والإذاعات. 
والتلفزيونات. وذلك في عز ازدهار نوع أدبي جديد ميّز به تيم لاهاي صديق 
إيفانز ويقوم على بناء روايات من أساطير تورانية وهي روايات باعت» حى 
الآذ» مالا يقل عن حمسين مليون نسخة في انتظار تلك الأخيرة بينها وعنوافاء 
بالمصادفة» ارماحدون! 

«إن مايكل إيفانز مقاتل من أجل الحرية في عالم مظلم وضيق الأفق. لقد 
برهن عن الوض وح الأخلاقي الضروري للدفاع عن إسرائيل ضد أكاذيب 
وادعاءات أعدائها وأظهر حق الشعب اليهردي في أرض إسراليل». هذا هو رأي 
بنيامين نتنياهو مهندس العلاقة» من الحانب الإسرائيلي» مع الأصوليين المسيحيين. 
ولقد عبر أرييل شارون عن تقديره الشخخصي لإيفانز في رسالة رسمية» وكذلك 
فعل إيهود أولمرت الذي لم يجد ما يمتدحه قدر مساهمات الرحل في... «مؤتمرات 
السلام»! 

إذا وضعنا الحيشيات الأيديولوجية جانباً فإن التشابه صافع بين ما يدعو إليه 
إيفانز وما يدعو إليه المتطرفون في الإدارة الأميركية. صحيح أن الجانيين لا يصدران 
عن خلفية فكرية واحدة ولكن الأصح هو أن المؤدى العملي لا يريدانه متشابه. ليس 
صدفة, والحالة هذه؛ أن يختار بوش مسؤولاً عن الشرق الأوسط في بحلس الأمن 
القومي اسمه إليوت أبرامز. فهذا الأخبير احتص بالكتابة لي موضوع التحالف الضروري 
بين اليمين الأصولي المسيحي ومؤيدي إسرائيل في أميركا. ولقد كان هذا التحالف» 
مع غيره» قوة دفع رئيسية في تجاه الحرب الأخيرة» وهو لا يزال يعمل تحت شعار أن 
العراق هو اليداية» وأنه لا بد من نقلة جديدة... إلى يوم القيامة! 

2003|60 


7 اختبارات ذكاء 


كريستيان وسترمان واليستير كامبل. الأول موظف استخباراتي في وزارة 
الخارحية الأميركية. الثاني منتقاز مقرب حا من رئيس الحكومة البريطانية. 
الأول اعترف بأنه مضع إلى ضغوطات لتعظيم مخاطر الترسانة العراقية من أسلحة 
الدمار الشامل. الثاني «اعتذر» لأنه ارتكب خطأين: سرقة «تقرير» أعده أحد 
الطلاب ونسبته إلى الأجهزة البريطانية أولأ وثانياء سوء صياغة متعمّد. 

في ما يلي ارتكابات اضطر المسؤولون الأميركيرن والبريطانيون إليها من أحل 
الدفا ع عن ادعاءاهم. إفاء باحتصارء ارتكابات تحتقر الذكاء. 

أولاً قيل إن أبرز دليل على وجود أسلحة دمار شامل في العراق هو أن 
المفتقشين الدوليين لم يجدوها. ما يع أفهم في حال وحدوها فم يكونون يدللون 
على عدم وحودها. وخلاصة الأمر أن هذه الأسلحة موجودة لأن هناك في 
واشنطن ولندن» من قرّر ذلك. 

ثانياً إن الصعوبة الي صادفها المفتشون قي العثور على أسلحة دمار شامل» 
وهي صعوبة بالغة طالما أفهم لم يجدوهاء تحسم في أن الأمر خطير حداً. كيف؟ لو 
لم تكن الترسانة فتاكة إلى أبعد حد لكان النظام تماون بعض الشيء في إحفائها عا 
حكن مفتشين وحبراء من أن يعثروا عليها. إن فقدافاء والحالة هذه» ليس معناه 
وحودها فحسبء بل» أيضاء خطرها. وهوء أي الخطر» داهم طالما أنه قادر على 
إبادة البشرية بسرعة. إن 5 دقيقة تكفي» كان يقول طون بلير. 

الا إذا ثبت أن الأسالحة مختفية فهذا يعن أن صدام حسين دمرها قبل 
لحظات من اندلاع الحرب. لو كان دمرها قبل الحرب بفترة معقولة كانت 
مصلحته إرشاد المفتشين إلى أمكنة ذلك ويَحتب المواحهة. كلا يفترض» حسب 
دونالد را مسفيلد, أن الرئيس العراقي شرع ي عملية التدمير والصواريخ تنهال 
عليه. يعي ذلك أن صدام حسين» كحقوقي مميزء أراد» بفعلته هذه» حرمان 
الولايات المتحدة وبريطانياء لاحقاء من حجة الحرب. و«لاحقا»» هناء تشمله مع 

363 


4 الان... هنا 


نظامه. ريما كان التفسير الآخر أن صدام حسين الذي أدرك أن جيوش الاحتلال 
ستعثر على ما خبّأه أراد أن يتحتب دخول التاريخ بصفته شخصا كذب ذات مرة 
على هانس بليكس. إن في الأمر حرصاً على السمعة لافتاً للنظر.رابعاً من 
احتراعات دونالد رامسفيلد الأخيرة أن أميركا وبريطانيا لم تكونا وحيدتين في 
الجزم بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل. هذه نقطة لصالحه لولا أنه يستخدمها 
لتيرئة بلاده. غير أن رامسفيلد لا يكون رامسفيلد إذا لم يذهب أبعد. فهو يكاد 
يقول إنه أحسن الكذب إلى حد جعل منه حقيقة معمّمة الأمر الذي يعفيه من 
المساعلة خاصة إذا حاءت من دول شا ركت في استبطان الادعاءات وترويجها. إن 
الكذبة الكاملة تعفي صاحبها لأن اكتماها يلغي إمكانية مقارنتها بصدق ما. 
يكمل رامسفيلدء وهو بالمناسبة شاعر رديء؛ شائماً الدول الي كانت تصدق 
الكذبة لأنما رفضت الذهاب إلى الحرب حى وهي مصدقة أن بغداد خطيرة جداً. 
أي أنه يحرّل الكذب إلى ححة له لا عليه ويعطيه» بعد انكشافه» مفعولاً رجعياء 
أي أنه يحوّله سببا إلى محاكمة المشاركين فيه لامتناعهم عن التصرف تأسيساً على 
ذلك. وهكذاء وإذا أخذنا فرنسا مثلً. نصبح أمام الوضع التالي: .ما أن فرنسا 
كانت طرفاً في الكذبة فلقد كان عليها أن تكون طرفاً في الحرب» ولو أا كانت 
طرفاً في الحرب لأمكن لا التأكد, ميدانيء من صدق الكذبة. وعا أا مشت 
نصف الطريق فقط فلقد أثبتت أفها «أوروبا القديمة» الي تلهث عاجزة عن اللحاق 
ببولنداء مثلاًء الي أرسلت جنودها ليكونوا شهوداً على أن حكومتهم خدعتهم. 
خامسا صحيح أن هذه «الخزعبلات» صعبة. ولكن ما يسهلها هو أن 
الشعب الأميركي يصدق حى لو لم يكذب عليه أحد. ليس هناك من يستطيع 
إقناع ربع الأميركيين بأن صدام حسين لم يستخدم أسلحة دمار شامل في الحرب 
الأخيرة. وهكنذا فإذا فشلت عملية اكتشافها فلأها فتكت بحيوش التحالف با 
يوكد صحة التوقعات السابقة وييرّر القتال. ويتعزز هذا التيرير من أن نصف 
الأم كيين تقرييا لا كلك أدى شك .عسوولية صدام حسين عن تفجيرات 11 
أيلول. لقد استمع المواطنون إلى رئيسهم يقول قي خطاب «حال الاتحاد»: 
«تصوروا لو أن الإرهابيين التسعة عشر سلحهم صدام حسين» بأسلحة الدمار... 


أميركا والمحافظون الجدد 365 


وحصلت هنا عملية «الترانسفير» إذ اقتنع الأميركيون من فرط الإمعان في التصور 
أن النظام العراقي اعتدى عليهم» وأنه يلك قدرة تدميرية» وأنه على صلة بالقاعدة. 
وتشكل هذه «الأقانيم» جوهر الاستراتيجية الوطنية القائمة على «الضربة 
الاستباقية» فكيف إذا كانت الضربة انتقامية واستباقية. 

لا يعود غريباء والحال هذه. أن يتساءل أميركي «لقد فهمنا سبب الحرب في 
العراق ونويدها ولكن ماذا يفعل أبناؤنا في... أفغانستان؟». 

سادسا أن الوقت الذي أمضاه عشرات آلاف الجنود الأمير كيين 
والبريطانيين في العراق يفوق الوقت الذي أمضاه عشرات المفتشين الدوليين. 
وفوق ذلك تتمتع قوات الاحتلال بحق التجول والاستطلاع والاستجواب. وثمة 
مئات المسؤولين والخبراء والعلماء قيد الاعتقال. أما الوشاة فحدّث ولا حرج. 
ومع ذلك فإن الاحتلال يداري همة الكذب بدعوة الصير. ولكن المشكلة هي 
أن هانس بليكس كان يواحه كل مرة يطلب فيها الصير بتهمة الكذبء أو يما 
هو أقل منها. 

سابعاً لمة مباراة في الولايات المتحدة بين من يحد أفضل مخرج من الورطة. 
كان الفائز» حى ما قبل أيام» صاحب نظرية «الضرورات البيروقراطية» بول 
وولفويتز الذي نسب «الفشل» إلى كون «الاستخبارات فنا أكثر منها علما». 
يبدو أن رئيس هيئة الأركان المشتركة ريتشارد مابرز تفرّقء موقتاء عليه. ففي 
رأيه «أن معلومات الاستخبارات لا تعن أن الشيء حقيقي»1 يعن ذلك أن 
المعلومات كانت متوافرة من دون أن يشترط ذلك أن الأسلحة تشاركها هذه 
الصفة. 

20026 6 


عودة إلى «نظرية المؤامرة» 


بعد تفحيرات 11 أيلول سادت المنطقة العربية تفسيرات عديدة. من قائل إن 
العملية مدبرة من حانب «الصهيونية العالمية» بدليل غياب آلاف الموظفين اليهود 
عن مبيئ مركز التجارة. ومن قائل إن أجهزة أميركية معينة سهلت لإرهاييين الأمر 
لغايات في نفسها داخلية وخارجية. ومن قائل إن خابرات تملك حيرات هائلة 
اس تخدمت مجهولين للثأر من الولايات المتحدة. ومن قائل إنه في حال كان تنظيم 
«القاعدة» هو الفاعل فذلك لا يعدو كونه تواطواً بين أسامة بن لادن وأرباب 
عمله السابقين. 

ويمكن لأي استفتاء للرأي اليوم ان يظهر وجود نسبة عالية بين العرب والمسلمين 
ترفض نسبة التفحيرات إلى حهة معنية فعلاً بالصراع ضد الولايات المتحدة. وثنمة 
مسؤولون عرب عتنعون» عند الكتابة أو التصريح» ازم في هوية الجهة المسؤولة. 

لقد شكلت هذه الروايات بحالاً خصباً للحديث عن الوعي الخراقٍ عند 
العرب» وعن تعلقهم بنظرية المؤامرة» وعن ميوهم الطفولية إلى انكار مسؤوليتهم. 
قيل الكثير عن الخلل في العلاقة مع العا م» وعن العجز عن فهمه؛ وعن إدارة الظهر 
له» وعن الامتنا ع عن رؤية حقائق دامغة لا تترك محالا للشك. 

ولما انيرى بن لادن ليتبتى» ولو بشكل موارب» العمليات استمر الاصرارء 
ولو بعناد أقلء على ان الحقيقة في مكان آحر. وكذلك ازدادت الشبهات في الدور 
الذي يلعبه هذا الرحل وتعززت من رفض واسع للتصديق بأن أميركا وجبروتا 
عاحزة عن وضع اليد عليه. 

ان اندفاع قطاعات شعبية واسعة تبي «نظرية المؤامرة» يستحق وقفة لا 
تكتفي بإدانة متعالية تلغي أي محاولة للفهم. 

صحيح ان التعلق ذه الروايات يخالف العقلانية الباردة» ولكن الصحيح» 
أيضاء ان التدقيق فيهاء والقراءة بين سطورهاء يقودان إلى اكتشاف رسالة أحرى 
تحاول هذه «الخرافات»» بتلعثم» قوها. 

366 


أميركا والمحافظون الجدد 367 


لقد استشعرت هذه القطاعات ان التفجيرات لن تصب في مصلحتهاء وافا 
ستلحق أذى بقضاياهاء وحاولت» عيبر التلفيقات المشار إلى بعضهاء التيرؤ منها 
وتسبتها إلى خصومها. وا ان هذه المشاعر ليست صافية» إذ تداخلها مواقف 
عدائية من العداء الأميركي للعرب» فإن النتيجة كانت خليطاً عحيباً من الشماتة 
والانكار وعدم الاستقرار على رأي. 


¢ 6# ه#© 


تنشر الزميلة «الشرق الأوسط»» منذ يرمين» تلخيصاً لكتاب عنوانه: 
«استراتيجية القاعدة... الأخطاء والأخطار». واضع الكتاب هو عضو مجلس 
شورى الجماعة الإسلامية المصرية عصام دربالة. والجماعة» كما هو معروف» من 
التنظيمات الاصولية الراديكالية التي مارست العمل المسلح العشوائي قبل ان تعلن 
مبادرة لوقف النار لم تحرج قادتاء ومنهم دربالة» من السجون. ولقد تميزت» في 
الأسابيع الأخيرة؛ بإدانة تفحيرات الرياض والدار البيضاء المنسوبة إلى «القاعدة». 

جاء في الكتاب» نقلاً عن «الشرق الأوسط»: «ان استناد القاعدة على سلبية 
الاستراتيجية الأميركية تحاه العا م الإسلامي وقضاياه لتبرير خيارها الاستراتيحي لا 
يلح الاحتحاج به أو الاستناد إليه» لأن استراتيجية القاعدة هي» في الحقيقةء أهم 
عامل أسهم في تسريع وصياغة تلك الاستراتيجية الأميركية السلبية» ولأن 
استراتيجية القاعدة أهدرت الفرصة السانحة كي تستفيد من معطيات الوضع 
الدولي»... يضيف الكتاب: «فالقاعدة عندما صاغت استراتيحيتها بإشعال 
مواجهة وحرب على أساس دين لم يكن ذلك في مواجهة حرب صليبية معلنة 
تحري على قدم وساق كما يدعون. ولكن سياسة القاعدة هذه أسهمت في تعزيز 
التيارات الصليبية والمعادية للإسلام في أميركا والغرب عا حعل صوت دعاة الحرب 
الشاملة على الإسلام أكثر حضوراً وحظوظاً». 

يستطرد الكاتب في مناقشة «القاعدة» وأفكارها وبرابحها وعملياقا 
ويستعرض الاضرار اللجسيمة الى خلفتها خاصة لجهة توسيع حبهة الاعداء وتألييهم 
وعزل المسلمين. والخلاصة شبه المعلنة» وهي مهمة لأكما صادرة عن هذا الطرف 


8 الآن... هنا 


بالتحديدء هي ان «القاعدة» تلعب بين يدي التطرف الأميركي. لا يتهمها بذلك» 
ولا يتبئ «نظرية المؤامرة»» ولكنه ينبهها إلى ذلك ويلقي ضوءا مختلفاً على «نظرية 
الموامرة». 


© # *# 


مايكل ليدين واحد من النواة الصلبة لمنظري «المحافظين الجدد» في الولايات 
المتحدة الأميركية. لا يأتمر البيت الأبيض بأمره طبعاً ولكن ذلك لا يلغي ان الكتلة 
الي تشاركه أفكاره تحتل موقعاً ميزأ داحل الإدارة وانها تتباهى بامتلاكهاء دون 
سائر الأميركيين؛ استراتيحية رد على 11 أيلول. 

لا ضرورة لهذا التباهي لأن الاستراتيحية المقدمة بصفتها الرد على 11 أيلول 
كانت جاهزة قبل ذلك بسنوات! 

يرى ليدين ان لا قيمة لأي قائد لا يحارب. الحرب» في رأيه» قاعدة السياسة 
الخارجية لأفا تنقذ الولايات المتحدة من «خطر السلام». السلام «حلم بش ع» لأنه 
يخفف الانضباطء ويسبب الاسترخاء» ويشجع الغرائر المنحطة؛ ويقود إلى اضعاف 
الدولة. 

ولا باس من اللحوء إلى الكذب تمهيدا للحرب. إن خديعة الاعداء شرط 
مركزي لبقاء الأمة الأميركية وإنحاح مشاريعها الكبرى. والتعبئة الدينية هي الأنمح 
والأقدر على الحشد. فالجيوش المتشكلة من الغوغاء يجب إلهامها وتحميسها 
وأدلجتها والدين هو القادر وحده على ذلك لأنه يوحي بوحود ثمن راق بديل 
التضحية بالحياة. 

يستطيع ليدين ان يدعي نبوءة. ففي 1999 تمن «الحظ» للأميركيين. والحظ 
هو «ان احداثا خارجية مفاجتة يمكنها يعون المي ايقاظنا من السبات» واثبات 
الحاحة إلى تحول جدي ماما كما فعل اهجوم الياباني التدميري في بيرل هاربور عام 
1. انه المحوم الذي دفع الولايات المتحدة إلى مغادرة أحلامها الوردية عن 
الحسياد الدائم». ولقد استعاد أصحاب «مشروع القرن الأميركي» (أي ليدين 
وأصدقاؤه) مثال بيرل هاربور ليتمنوا حصول ما يشجع أميركا على دور أكير لحهة 


أميركا والمحافظون الجدد 369 


السيطرة على العالم وقطع الطريق على أي منافس محتمل. قيل هذا الكلام قبل 11 
أيلول. 

ولعل خير ما يمثل تفكير ليدين العبارة الواردة في كتاب له عن الحرب على 
الإرهاب. يقول: «يحب عليهم مهاجمتنا كي يستمروا على قيد الحياة» تماما كما 
يحب علينا تدميرهم لنصرة رسالتنا التاريخية». 

إن اعتداءات موضعية ة على الولايات المتحدة هي مطلب من حانب الغلاة 
الأميركيين لأن ذلك يجعل «حصما» معينا جزءا من لعبة تتحاوزه كثيراً. 


© © ة# 


لا يصعب اكتشاف التلاقي بين الجماعة الإسلامية المصرية وبين مايكل 
ليدين في تقييم نوع العنف الذي تمارسه «القاعدة». ولا يصعب» بالتالي» إلقاء 
نظرة أكثر تفهماً على «نظرية المؤامرة» الي قد تصبح دليل حكمة شعبية 
مصاغة بلغة حرافية. 

الهم في ما تقدم» والمثال العراقي حاضرء وكذلك المثال الفلسطيي التوقف 
مليا عند تقبيم عنف ارس ضد الولايات المتحدة (وضد إسرائيل). ليست هذه 
دعوة إلى الاستغناء عن المقاومة» عا فيها المسلحة. ولكنها دعوة إلى التمييز بين 
مقاومة يمكن لها ان تكون جزعا من منظومة التبرير المحومي الأصلي» وبين مقاومة 
تعرف ان تكسر هذه الخحلقة المفرغة حي لا تكون مضرة حيث تريد لنفسها 
العكس. 


2003|88 


«إمبراطورية في حالة إنكار»: 
المثال العراقي 

التعريفات الكلاسيكية ل «الامبراطورية» تنقاطع. نكون أمام «امبراطورية» 
عندما تتولى سلطة واحدة ادارة شؤون محكومين متعددين (شعوبا ودولا 
ومتاطق...). ينطبق هذا التعريف الكلاسيكي على الولايات المتحدة في موقعها 
العالمي وفي صلتها بكل من افغانستان والعراق. 

غير ان الولايات المتحدة» حسب نيال فيرغوسون»ء وهو مورخ بريطاني؛ هي 
«اميراطورية في حالة انكار». اي افا (نخبة حاكمة وشعبا) ترفض «الواقع 
الاميراطوري» وتتيرأ منه. يقودها هذا التناقض بين ما هي عليه وبين وعيها له الى 
ارتكاب اخطاء جعلها تفشل في معظم تدخلاتها العسكرية الخارجية. وأبرز هذه 
الأخطاء ثلالة: التحديد المسبق لمدة «الاقامة»» عدم تحمل الكلفة البشرية والماديةء 
رفض اشراك آخرين وبناء تحالفات. 

ولا يحتاج المرء الى عناء كبير ليلاحظ ان السجالات الدائرة اليوم في شأن 
العراق (وافغانستان بنسبة أقل) في الولايات المتحدة نفسهاء وبينها وبين الآخرين 
تتناول» بالضبط» هذه العناصر. ففي العراق تجسد الفعل الامبراطوري كاملاً. ولي 
العراق أيضا ظهرت الثغرات الي يقود اليها الانكار. وكان يمكن لهذه السحالات 
ألا تندلع لولا التوظيف العالي في المغامرة العراقية وهو توظيف يطال اعادة صياغة 
العلاقة بين المركز الامبراطوري وبين العالم كله والموسسات الي استقر عليها منذ 
عقود. 

ليس صدفة, والحالة هذه ان يدعو امي ركيون (وغيرهم) حكومتهم الى 
توضيح المدة الي تعتقدها ضرورية للبقاء في العراق. لقد قيل» مرةء ان الولايات 
المتحدة ستحارب ثم تحري انتخابات ثم تنسحب. وكان القصد الايحاء انها ستغادر 
برو وقيل» مرة انحرى» ان سنتين هي الحد الأدق المطلوب. وذهب البعض الى 
الحديث عن عقد كاملء واقترح سناتورء قبل يومين» مدة هس سنوات مرفقة 

37 


أميركا والمحافظون الجدد 371 


ببرنامج واضح. ويقال ان كارل روف مدير الحملة الانتخابية الجورج بوش لا 
يفكر في الأمر إلا من زاوية التأثير على حظوظ الولاية الثانية. 

وليس صدفة:» ايضاء ان يحضر موضوع الكلفة المادية والبشرية. فعندما 
يتحدث بول بريمر عن عشرات مليارات الدولارات الواجب انفاقها يخرج 
أميركيون كثيرون آلة الحساب: كم يمكن التعويض عن هذا الانفاق بالنفط وبفتح 
العراق أمام الشركات الاميركية؟ كم يبلغ عجز الموازنة وكيف سيزداد؟ كيف 
سيمكن تمويل برامج اجتماعية؟ هل تي الامكان الدفاع عن الاقتطاعات الضريبية 
الكبيرة والمنحازة للأغنياء الي أقدمت عليها الادارة؟ 

وليس صدفةء أخيراء ان تعلن واشنطن عن عودة قريبة الى بحلس الأمن» فهي 
تحستاج الى شركاء يتحملون معها قسطاً من الأعباء المالية والبشرية. والوجه الآخر 
لذلك وأمام استمرار الاوضاع المتدهورة في العراق» هو البحث في سبل تعزيز 
الدور الذي يفترض بالعراقيين أنفسهم ان يلعبوه سواء عير مجلس الحكم» أو 
الحكومة» أو الادارة المحلية» أو حى الميليشيا. 

والواضح من هذه العناوين ان الادارة تحاول امتصاص الآثار السلبية للانكار 
الذي تمارسه حيال واقعها الامبراطوري. وهي اذ تفعل ذلك فاا تسعى الى انقاذ 
جوهر «التعريف الكلاسيكي للامبراطورية» ولو قادها ذلك الى «السماح» 
لآخرين .مقاسمتها تحمل الاعباءا 

تفعل واشنطن ذلك مضطرة. ما تفعله ليس الانتقال من «امبراطورية في حالة 
انكار» (أي من امبراطورية ذات صفة استنائية) الى «دولة قائدة لحهد تعددي 
يحترم الموسسات ولمواثيق الدولية». كلا. افهاء فقط» تتحول الى «امبراطورية 
عادية» ولو انما لا تملك استثناء آحر سوى انها الأقوى على مر التاريخ والمتحررة 
من أي منافسة. 

وهي تفعله مضطرة لأن ما استقرت عليه بعد حوالى عقد ونصف من انتهاء 
الحرب الباردة يلزمها بذلك. فلقد طورت» خلال هذه الفترة؛ وعيا لموقعها 
ودورهاء واعادت بناء معتقداها ومؤسساقا الامنية: وقدمت تعريفات جحديدة 
للمخاطر والتهديدات والتحديات الي تواحهها. قادها ذلك الى التراجع عن نظرية 


2 الان... هنا 


تأمين القدرة على حوض حريين اقليميتين كبيرتين (العراق وكوريا)» أوصلها الى 
نظرية جديدة باسم «الصدمة والترويع». 

لى يكن هذا اسم الحرب على العراق. انه الاسم المعطى لوظيفة الجيش 
الأميركي في القرن الحادي والعشرين. فلقد اعيد بناء القوات المسلحة من أجل 
ان تخوض حرباً بسرعة وتكسبها بسرعة: تخفيف العديد» زيادة الاعتماد على 
التكنولوحيا المتقدمة والأسلحة الذكية» تعزيز وسائل النقل والانتشارء تطوير 
أحهزة التشويشء الرهان على اصابة العدو بشللء تأمين التفوق الكاسح في 
المعلوماتء السيطرة المعرفية على مسرح العمليات. باتت الخطة هي التدمير 
السريع وغير المكلف لقوات الخصم على ان يحصل ذلك من بعيد وقبل التماس 
الجسدي. 

«الصدمة والترويع» تعين الغاء قدرة العدو على القيادة وتأمين التواصل 
اللوحسسي؛ وتقطيع اوصال قواته وشبكة اتصالانما وانزال رعب مرفق بتدمير 
انتقائي يزيل أي حاجز أمام الدور التقليدي (احدود) للقوات البرية الي بات 
يفترض فيها ان تحتل أرضاً خالية من مقاومة. 

انها عمليات اغارة خاطفة يقوم ها عشرات الآلاف وينهوفا تاركين وراعهم 
اثرا حفيفا. 

كانت هذه هي النظرية الي استقر عليها اليمين الجمهوري عند وصوله الى 
السلطة (مرفقة بحماية فضائية للأرض الوطنية من هجوم غير تقليدي). كانت 
«نافعة» قبل 11 أيلول. ورعا استمرت نافعة بعده خاصة اذا كان القصد توحيه 
ضربات استباقية لاعداء محتملين حسب «عقيدة بوش»» لكنها لم تعد نافعة اطلاقاً 
لأنما صيفت في وقت كان الجمهوريون يسخرون من اهتمام الديكوقراطيين ب 
«بناء الأمم» في حين بات شعارهم ليس «بناء الأمم» في افغانستان والعراق واغا 
اعادة تشكيل المحتمعات العربية والاسلامية كلها. لم تعد نافعة لافاء تعريفاء تحمل 
الحرب سهلة ولكنها لا تقدم حوابا واحداً على أسئلة ما بعد الحرب. لا تسلح 
أصحاها عا يمكنهم من ادارة شعوب قرروا «صدم وترويع» جيشها على ان 
شرا اا بتأمين المياه والكهرباء ها ناهيك بتنظيم السير! 


أميركا والمحافظون الجدد 373 


لقد ادحلت الادارة انعطافة جذرية على هدف الحرب من دون ان تمتلك 
ادوات التعاطي مع نتائج ذلك. وما نشهده في افغانستان» ولكن خاصة في 
العراق» هو نتيحة طبيعية لحذه الثغرة: يتقن الجيش الاميركي أبحدية الحرب 
ولكنه لا يعرف ألف باء السلام. فكيف اذا استمر الشعب العراقي موزعاً بين 
مقاومة عنفية وحياد سلي. ان «الصدمة والترويع» تقتضي تحاوباً نشيطاً من 
«الشعوب» حي يصبح ممكناً تحويل الحرب الى اعادة بناء للأمة والمجتمع 
والدولة. ولقد كان هذا هو الرهان في العراق. رهان المحافظين الحدد البارعين 
في انكار الواقع الامبراطوري تحت عنوان ان ما تفعله الولايات المتحدة ليس 
اكثر من نشر عدوى الخير الذي خصها الله به. لقد فشل هذا الرهان لانه لا 
يقوم على الانكار الاحلاقي للواقع الامبراطوري بل لانه لم يكن يدرك ان المهمة 
الاصعب هيء بالضبط» بعد «الصدمة والترويع». 
لا يوفر الوضع الدولي الراهن» ولا الوضع العربي» شرطاً لكسر النسزعة 
الامبراطورية الاميركية. غير انه بالتاكيد قادر على جعلها اكثر تواضعا. واكثر 
تواضعاً تعن هنا إرغامها على الاعتراف بأنها... امبراطورية. 
2003/9/2 


وورمسر 
أو «الحرب الحتمية» 


«إذا كان على الولايات المتحدة أن تبقى كلاعب كبر في المنطقة» 
وإذا كان على إسرائيل الاستمرار كأمة» فعلى الجانبين واحب التفكير في 
الإقدام على ما لا مهرب منه: الحرب»! فالحرب» وحدهاء «تحوّل الأزمة إلى 
فرصة». 

قائل هذا الكلام هو ديفيد وورمسر. نشره في صيف 2001 أي قبل أيام 
قليلة على تفحيرات 11 أيلول. الحرب الي كان يدعو إليها لاحتفاظ 
أميركا بموقعها وبمحرد استمرار إسرائيل حاءت إليه وتحولت الأزمة» فعلاً» إلى 
فرصة. 

حبر صغير نشرته الصحف قبل أيام. انتقل ديفيد وورمسر من العمل مع 
«الصقر الليكودي» حون بولتون (راحع الشهادة في «عاسبة سوريا») في 
وزارة الخارحية إلى العمل مع من لا يقل «صقرية» و«ليكودية» لوبس لي 
مدير مكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيئئ. سيكون مسؤولا في وظيفته 
الجديدة عن ملف الشرق الأوسط. وسيكون محاوره في مجلس الأمن القومي 
التابع حورج بوش المدعو إليوت أبرامز أحد أبرز المثقفين اليمينيين اليهود المتميّر 
بأطروحاته حول حيوية التحالف مع الأصوليين المسيحيين لما فيه أمن... 
إسرائيل. 


© © © 


وورمسر كتير الكتابة. له عدد من الكتب وإطلالات تلفزيونية أكثر من 
أن تحصى. إن مطالعة لأدبياته تستوجب التوقف حيال المقال الذي نشره صيف 
1 في مجلة «الشؤون الأمنية الدولية» الصادرة عن «المعهد اليهودي لشوون 
الأمن الوطين». ليس في التوقف أي اعتباط. المقال خلاصة تفكير الرحل وتفكير 


34 


أميركا والمحافظون الجدد 375 


الشبكة الي يعمل في إطارها وال تحتل مواقع نافذة في الإدارة. 

إن الاعتذار عن الإطالة واحب ولكن هذا ملخص يحاول أن يكون دقيقا 
لأطروحات الرحل. 

يعتير» صيف 2001» أنه لا بد من «إعادة النظر بالسياسة الشرق 
الأوسطية» في ضوء تفحر الانتفاضة الفلسطينية ردا على عقد كامل من العحز 
الأميركي والإسرائيلي. «نحن أمام منعطف»» يقول وورمسرء ماما كما كان. 
الوضع في 1939 حين اتضح فشل أميركا وبريطانيا في استثمار الانتصار الذي 
تحقق في الحرب العالمية الأولى. بعد الحرب العالمية الثانية طبقت النخبة البريطانية 
على الشرق الأوسط سياستها السابقة فتراحعت وتخلت عن المشروع الصهيوني. 
فشلت في أن تلاحظ التطابق الكامل بين كثافة العداء للصهيونية ودرحة 
الاستبداد والتعاطف مع النازيين ثم السوفيات. لقد أدى تخلي بريطانيا عن 
إسرائيل إلى طردها من الشرق الأوسط! (أغرب تفسير ممكن للعدوان الثلاثي 
في 56 ونتائجه). 

ورثت السياسة الأميركيةء في البدايةء الأساليب البريطانية إلى أن انتبهت إلى 
أهما مع إسرائيل في معر كة واحدة» معركة الأمم الحرة ضد الاستبداد. 

لقد بدأ عقد التسعينيات» يقول وورمسرء ميمنة أميركية إقليمية وبتفوّق 
إسرائيلي في الشرق الأوسط. غير أن العقد انتهى والولايات المتحدة على 
حافة أن تطرد وإسرائيل في أزمة عسكرية ووجودية. ولقد حصل ذلك 
لأهما اعتقدتا أن الكراهية هما عائدة إلى ظلم ارتكبتاه وليس إلى السلوك 
الاستبدادي لخصومهما. فالعداء هما من طبيعة الأنظمة العربية وهو يزداد 
بازدياد الاستبداد. 

يعتير وورمسر أن إسرائيل هزمت الجيوش العرية 5 مرات: 48» 56ء 67» 70» 
3. ولكنها لم تستمر انتصاراًا فحصلت على هدنات مديدة فقط. الحرب 
الوحيدة النموذحية»ء مهذا لمععئ» هي الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982 حيث 
استكملت إسراليل تدمير منظمة التحرير بدل الاكتفاء بالإضرار ها. وعضي 
وورمسر ليعتير أن الثمانينيات هوء .معن ماء عقد ذهي افتتح بالغزو واختتم بضرب 


376 الآن... هنا 


العراق. هذان الانتصاران الإسرائيلي والأميركي جعلا العرب يقتربون من إسرائيل 
وأميركا. لقد «اصطفت الأمم لتسالم» وبدا أن النصر المشترك آحذ بصياغة المنطقة 
مع انتقال الراديكاليين العرب» بأطيافهم كافةء إلى المامش. 

غير أن الكارئة» في رأي وورمسرء هي أن تل أبيب وواشنطن لم تفهما 
انتصارهما وتخلتا عنه. وقعتا في حديعة الاعتقاد بأهما تسبّبان الكراهية فسعتا إلى 
إصلاح الأمر ورفع الظلم واستحداء العطف. لقد أخطأت الولايات المتحدة بحق 
إيران فلم تنقض عليها. وأخطأت بحق العراق فاكتفت بحصار متراحع. ولكن 
الخطا الأكبر هو ارتكاب «خرافة أوسلو». لقد اقتنعت إسرائيل» يسارهاء أن 
الظلم الذي أنزل بالفلسطينيين هو القوة الدافعة للنزاع. فبادرت إلى 
«أبلسة» قوتماء وغرقت في يوتوبيا الحل والتسوية. وغفلت عن الحقيقة القائلة 
«إن القوة المتفوقة يمكن استخدامها لزعزعة أسس القومية العربية الراديكالية 
والأصولية الإسلامية». 

نشا وهم يعتبر أن التخلي عن ثمرة الانتصار في 67 هو المدخخل إلى حل. 
والأنكى من ذلك في عرف وورمسرء أن التخلي لم يكن معروضاً على الأردن 
وإنما باسم «تلبية التطلعات الوطنية الفلسطينية». ففي رأيه أن محرد الاعتراف 
بحقوق متساوية للفلسطينيين يشرّع الاعتقاد الفلسطيي بأن وحود إسرائيل نفسه 
حريعة وسطو. 

يلوم وورمسر «أميركا كلينتون» على مشاركتها في الأخطاءء ولومها 
إسرائيل على تعفر التسوية: واعتناقها «خرافة حل الأزمات» عبر تشجيع 
«معسكرات سلام» تبحث عن قواسم مشتركة. ويتهم قادة الولايات المتحدة 
وإسرائيل العمالية بام أوهموا أنفسهم أفهم يكتبون قواعد جديدة للتاريخ غير أن 
التاريخ انتصر» وانتصاره يقود الطرفين نحو هاوية. 

اتفاق أوسلوء إذاء والفشل الأميركي في إيران والعراق هما أصل البلاء لأنهما 
أنعشا القوى الاستبدادية المعادية. وبناء عليه فإن الحرب «اليّ كانت منذ أشهر غير 
واردة تبدو اليوم حتمية». يختم وورمسر ناطقاً باسم الأمي ر كيين والإسرائيليين «عا 
أننا محكومون بالكراهية لما نحن عليه ولما هم عليه فإننا حكومون بالحرب إلى حين 


أميركا والمحافظون الجدد 377 


توجيه ضربة قاصمة إلى مراكز الراديكالية والحقد: دمشقء بغداد» طرابلس» 
طهران. غزة.» والأمل أنه بعد هذه الضربة ستبدو محاربة أميركا وإسرائيل .كثابة 
انتحار! 


© # + 


يكن اعتيار ما تقدم أحد أفضل العروض لعن سياسة المحافظين الجدد في 
الولايات المتحدة المتحالفين مع أقصى اليمين الصهيوني. فديفيد وورمسر ليس 
وحده. إنه حزء من تيار موجود في مراكز بحث؛ ومعاهد دراسات» ومواقع 
صحافية» والأهم من ذلك في صلب الإدارة. 

إنه مقرب جداً من ريتشارد بيرل (عملا في أميركان أنتربرايز) وكتب الثاني 
مقدمة كتاب الأول (1999) حول ضرورة شن الحرب على العراق. وزوحة 
وورمسرء ميرياف» أنشأت موقع «ممري» على أنترنت بالتعاون مع الكولونيل 
احتياط في الحيش الإسرائيلي يغال كارمون. وهي مديرة دراسات الشرق الأوسط 
في معهد هدسون وترتبط» مع زوجهاء بصلات قوية مع جماعة معهد واشنطن 
التابع للوبي الإسرائيلي» كما مع جماعة «منتدى الشرق الأوسط» الذي يديره الغي 
عن التعريف دانيال باييس (وليام كريستول عضو في المنتدى). ومن بين منشورات 
«المنتدى» هناك «النشرة الاستخباراتية للشرق الأوسط» المعدة بالتعاون مع ضباط 
سابقين إسرائيليين ومع «لخحنة لبنان الحر» الى تشكل طرفاً يحاول أن يكون فاعلاً 
في «عاسبة سوريا». 

المعروف عن وورمسر هجومه الدائم على المملكة العربية السعودية ومصرء 
وصلاته القوية بأحمد الحلي (والموتمر الوطي العراقي) الذي حاول تنظيم لقاءات له 
مع مسؤولين إسرائيليين كما ساعده فی اخحتراق الكونغرس. غبر أن وورمسر يكاد 
يكون متخص صا ف التحريض ضد سورياء ككيان» وليس فقط ضد السياسة 
السورية. وهو يسند دعوته إلى خروجها من لبنان على عداء مكين لفكرة الاتحاد 
العربي المسؤولةء في رأيه» عن الكوارث كلها. 


© © # 


378 الآن... هنا 


لقد ارتقى وورمسر درحة في سلم الإدارة. والمغزى من ذلك أن هناك في 
واشنطن» من يريد توجيه رسالة إلى العرب تتبئ المنطق الشاروني: ما لم يحل بالقوة 
بحل بالمزيد من القوة. لقد كانت الحرب حتمية في رأي وورمسر عشية أيلول 

01. أما وقد اندلعت فلا بد من المضي فيها. 
4 210 


«قمة القدس»: 
الأهداف والبرنامج 


التقى قادة المحافظين الأميركيين الجددء ليكودبي الولايات المتحدة» الاصوليين 
المسيحيين» اليمين الإسرائيلي. اطلقوا على احتماعهم اسم «قمة القدس» (راحم 
«السفير» أمس). 

مول «القمة» مايكل شيرني أور «عراب عراب المافيا الروسية». وهو رجل 
حرج من العدم ليجمع ثروة في أيام بوريس يلتسين قبل ان يهرب إلى بلغاريا الي 
أبعد منها ليميش اليوم في إسرائيل. 

شارك اشخاص باسمهم وآخرون باسم هيئات. أبرز المؤسسات الحاضرة هي: 
«ايباك»» منظمة القيم الأميركية» المؤتمر اليهودي العالمي» مركز السياسة الأخلاقية 
والعامة» معهد سياسة الأمن» السفارة المسيحية العالمية» مؤتمر رؤساء كبرى 
المنظمات اليهودية الأمي ر كيةء مؤسسة ترومانء المنظمة الصهيونية الأميركية» 
موسسة الدفاع عن الحريات» منتدى الشرق الأوسط؛ موسسة هوسون» أميركان 
انتربرايزه المعهد اليهودي لشؤون الأمن الوطي» معهد فريعان, مركز أرييلء 
منظمات الاستيطان... وعدد من قادة الاحزاب الإسرائيلية بينهم من هو معروف 
بدعوته الصريحة إلى ترحيل الفلسطينيين. 

دام الاجتماع ثلاثة أيام وتخللته حطابات ركزت على «الافلاس الأخلاقي»» 
و«النموذج الإسرائيلي»: و«انحراف الأمم المتحدة»» و«لا أخلاقية العداء للضهيونية»» 
و«دور الاسلام في الإرهاب». و«مخاطر الدعوات السلمية». و«وحدة الخطر المهدد 
لإسرئيل والعالم الحر», و«كيفية وضع الاعلام في خدمة الحقيقة»» و«ضرورة ابعاد 
ياسر عرفات واستئصال السلطة والتصدي لسوريا»؛ وأهمية «اسقاط اتفاق جنيف» 
وكل ما يشابمه ويشتم منه رائحة تقسيم «الأرض المقدسة». 

انتهت «القمة» إلى تشكيل فريق من مشاهير المثقفين والقادة العامين 
والروحيين للبحث عن حلول للعالم قائمة على القيم الأخلاقية لا المصالح 

379 


380 الآن... هنا 


السياسية والاقتصادية والعسكرية. وبرغم رعاية «المافيا»» وحضور عدد كبير 
من الغلاة المرتبطين بصناعات التسلح فان التركيز على «الأسس الأخلاقية 
للسياسات» كان لافتا.تعريف القضية العالمية الرئيسية سهل: الحرب على 
الإرهاب. والاستنتاج يفرض نفسه «إسرائيل في مقدمة الجبهة» ولا بدء والحالة 
هذه» من تحالف دولي يضم أصدقاء إسرائيل ويتخذ القدس مركزاً له من أحل 
المساهمة في هذه الحرب. 

ان مساعدة العام الحر لربح الحرب ضد «التطرف الإسلامي» تمر حسب 
البيان الختاميء ب «انقاذ إسرائيل». وتم الاتفاق على تنظيم حملتين دوليتين. 
الأولى هي لفرض «البديل الأخلاقي في السياسات الدولية». ويقوم هذا البديل» 
على ما يقوم» على تغيير مشاعر الكراهية لإسرائيل في العام وعلى افهام المعمورة 
«مغزى عودة اليهود إلى إسرائيل والقدس». والمعروف ان التركيز على «البديل 
الأحلاقي» أو «الوضوح الأخلاقي» هو السلاح المستخدم في الولايات المتحدة 
لحض الإدارة على فج شديد الراديكالية في العالمين العربي والإسلامي» أي فج لا 
يرضى التسويات ولا يتراجع أمام أي مقاومة. 

أما الحملة الثانية فذات صلة بالصراع العربي الإسرائيلي. ويتوحب يذه الحملة 
ان توضح ان المشكلة ليست نزاعاً على أرض صغيرة» واا مواحهة بين 
حضارات وأيديولوحيات» وإن إنشاء دولة فلسطينية ليس مفيداء وانه ليس من حق 
كل أقلية اتنية ان يكون لها دولة ذات سيادة» وان تقسيم أرض إسرائيل المقدسة 
ممنوع خاصة انه في وسعها حفظ الحقوق الدينية والإنسانية للمسلمين الذين 
يعيشون فيها. 


© © © 


أهدافاً عريضة تم التوافق عليها: 
«الأرض المقدسة». 


أميركا والمحافظون الجدد 381 


2. إسباغ الصفة الأخلاقية على المشروع اليميي الاستيطاني الحادف إلى تدمير 
الغهوية الوطنية الفلسطينية. ويكاد يعن ذلك إنشاء هيئة رقابة على أي ميل قد 
ينشأء حي لدى شارون» من أحل تنازلات ولو جزئية ومحدودة. 

3. دمج المشروع الصهيون التوسعي بالحرب الأميركية ضد الإرهاب وتشجيع 
الإدارة على المضي في المواجهة وتصعيدها. 

4. اعتبار ان المشكلة الي يعيشها العالم تكاد تكون مع الإسلام بصفته كذلك ومع 
القومية العربية. 

5. الاعتقاد بأن نة بنوداً عاجلة يجب ادراجها على جدول الأعمال العسكري لها 
علاقة بسوريا وغيرها. 
لسناء هناء أمام «حكومة عالمية» أو أي شيء مماثئل ذي صلة بالخرافات 

العنصرية ل «بروتوكولات حكماء صهيون». نحن أمام هيئة تشكل في وضح 

النهار تضم شخصصيات» ومراكز بحثء وتيارات سياسية وأيديولوجية نافذة» 

وتنتدب نفسها للعب دور قوة ضغط على صعيد عالمي وذلك عبر المساهمة» 

اساسا في «حرب الافكار». 
ان أي متابع لأدبيات الحافظين الجحددء منذ انتهاء الحرب الباردةء وللاصوليين 

المسيحيين» وليمينيي الكتلة اليهودية في الولايات المتحدة» ولأطروحات «ليكود» 

والمستوطنين و«موليديت» و«الاتحاد القومي»... ان أي متابع سيجد نفسه أمام 

عصارة هذه الافكار وقد صبت مثل الروافد في بحرى واحد ينقل الصلات الضبابية 

السابقة إلى حيز حديد هو كناية عن تحالف عضوي بين هذه القوى. 
لقد شارك وزراء ومسؤولون إسرائيليون في «القمة». غير ان التمثيل المي 

الأميركي لم يكن واضحا. ان عدداً من المشاركين على صلة وثيقة جد عراكز 

صنع القرار قي واشنطن. والهيئات الت حضرت تمد الإدارة الحالية عن يخطط 

لتوجهاتها أو يوثر فيها. 
...لا غرابة» إذاء إذا توقع المرء ان تكون «قمة قدس» (هم) أكثر فعالية من 

«لجنة قدنس» (نا). 

2003115 


تبسيطي وساذج وخطير 


ينتمي الخطاب الأخير للرئيس الأميركي جورج بوش إلى المناخ العقائدي ل 
«المحافظين الجدد». يغرف من أفكارهم ليقدمها في قالب يأخذ في الاعتبار أن 
الخطيب رئيس دولة ولیس باحثاً في م ركز دراسات. 

يعبّر الخطاب عن نزعة تدخلية قصوى بشعارات تفيض فيضاً عن «الدوهر 
الجيد» للأمة الأمير كية الي لا تفعل سوى تلبية «ابتهالات» بألا تنسى «تعزيز 
الحرية في جميع أنحاء العالم». وكيف يسعها ذلك ورئيسها يعتبر» وبلغة تبشيرية 
ونبوية «أن الحرية هي خحطة الله للإنسانية». 

ما حلم به الحافظون الجدد عقودا جاء بوش ينفذه. الولايات المتحدة حسب 
الخطاب «إمبراطورية ال رحمة»» وقائدة أحلاقية للبشر» وسياستها الخارحية 
«ويلسونية مسلحة». إها أمة الرسالة الخالدة بامتياز. 

لقد انبنت أفكار «المحافظين الجدد» حول فكرة واضحة: من واجب الولايات 
المتحدة جعل الحرب الباردة أقل... برودة! يجب إخراج شعوب من «الصقيع 
السوفياني» كما سبق وحصل بعد هزيمة «الجحيم النازي». ووفر رونالد ريغان 
مناسبة التطبيق الحزئي لحذه الوجهة: تصعيد سباق التسلح» زيادة التدحل في أوروبا 
الشرقية والوسطى» شن هجوم مضاد في «الأطراف» من أميركا اللاتينية إلى أفريقيا 
وآسيا. 

ليس صدفة» والحالة هذه أن يبدأ بوش خطابه باستحضار ريغان الذي اعتير» 
في حزيران 82 «أن نقطة التحول في التاريخ قد حلت» (حزيران 82 هوء أيضاًء 
شهر الغزو الإسرائيلي للبنان المنتهي ممجازر صيرا وشاتيلا). كان ريغان» وقتذاك, 
لا يفكر بالعالمين العربي والإسلامي إلا من زاوية استغلال اليمين العربي وأفكاره 
وأمواله في الحرب ضد «إمبراطورية الشر». غير أن بوش لا يفكرء اليوم» إلا 
بالعرب والمسلمين ولو أنه يضع ذلك في سياق كوني أعم. يريد لهم الديموقراطية 
بالحرارة نفسها الي أراد ريغان الدكوقراطية لأوروبا الوسطى والشرقية. 

382 


أميركا والمحافظون الجدد . 383 


لقد دفع ذلك معلقين إلى القول بأن بوش ألغى «الاستئناء الإسلامي». 
والمقصود أنه أسقط مقولة التضاد الجوهري بين الإسلام والديكوقراطية ويرأ الدين 
الإسلامي من تممة العداء الأصلي للحريات (هذه نقطة حلاف مع بعض المحافظين 
الحدد ومع أصوليين ناحبين لبوش نطق باسنهم من قال إن هناك من يعبد 
«صنماً»... وبقي في منصبه الرفيع لي وزارة الدفاع!). 

الخطاب محاولة في تطبيق النظرية الأم ل «الحافظين الجدد». يأحذ هولاء 
على السياسة الخارجية الأميركية تغليب المصالح على المبادئ. ويعنون بذلك أنه 
كان من الخطأ تغليب التناقض الأساسي على التناقض الثانوي والتحالف بالتالي مع 
أفكار (الوهابية مثا وأنظمة حكم جرد أا جزء من عتاد الحرب ضد العدو 
السوفياتي. ويشتد نقدهم هذه السياسة عندما استمرت كما هي بعد احتفاء العدو 
فلم تطبق «الديالكتيك» القائل إن حليف الأمس الاضطراري بات خصم اليوم. 
ولقد دفعت واشتطن نا فادحاً نتيجة قصر النظر: تفجيرات 11 أيلول» إن تساعها 
حمى الإرهاب وتطوره. ولا رد على ذلك إلا بالتحويل الدرعوقراطي للعرب 
والمسلمين خاصة وأن الظرف الدوليء حيث لا ثنائية قطبية» يوفر لها حرية حركة 
تخدم ترف الممارسة السياسية المستندة إلى اندماج المصالح الأميركية (مكافحة 
الإرهاب» والدول الراعية له» واستباق تطوير أسلحة دمار شامل) بالقيم الأميركية 
(الدعوقراطية» الحريات» حقوق الأفراد...). بات في وسع «الحافظين الجدد» 
القول» بعد 11 أيلول؛ إن على الولايات المتحدة تصوير الدموقراطيةء ولو بالقوة» 
ليس لأنها قيمة لديها بل لأا صاحبة مصلحة في الذهاب إلى حيث الإرهاب 
لاستتصاله بالمبضع الديموقراطي. 

لم يخف بوش أن «نقطة تحوّل» ريغان تتكرّر اليوم إذ «وصلنا إلى نقطة تحوّل 
أحرى عظيمة» ليس أقل من «ثورة ديموقراطية عالمية» تشمل العرب والمسلمين 
وتكون معركة العراق الحد الفاصل فيها. هذاء بحسب بوش» منعطف استراتيخي 
هام. إن تحالففات أميركا ستكون محكومة بدرحة دكوقراطية الحليف لأن درجة 
الدعوقراطية هذه هي «بوليصة تأمين» بأن الولايات المتحدة لن تتعرض إلى إرهاب 
صادر عن هذا الحليف. التحالف المصلحي هو تحالف مبدئي بالضرورة. وحرب 


4 الاآن... هنا 


العراق لم تحصل إلا لإطلاق هذه الورشة الكبرى. ومناسبة الكلام لا علاقة لها 
بتفاصيل تافهة من نوع التعثر في بغداد وعدد القتلى الأميركيين وتعاظم التكاليف 
المادية. كلا. كلا. لقد تصالحت أميركا مع نقسها وهي قادمة لمهمة نبيلة تكرر 
هزعة النازية والشيوعية لتنهض فوق أقدامهما دول وأمم حرة. 

وعندما يدرك العرب والمسلمون جوهر ما تريده الولايات المتحدة لهم 
ينحازوا طوعاً إلى مشروع الشراكة تماماً كما حصل في ألمانيا واليابان وأورويا 
الغربية بعد 45 والشرقية بعد 1989. واستباقاً لأي رأي مخالف يستعيد بوش 
حطاب ريغان في 82 إذ وصفه بعض المراقبين في أوروبا وأميركا الشمالية «بأنه 
مفرط في التبسيط وساذج وح خخطر. والواقع هو أن كلمات رونالد ريغان 
كانت شجاعة ومتفائلة وصحيحة تماما». باختصارء يقول بوش» «لست» كما 
تعتقدون» تبسيطياً وساذجا وخطيرا». 


© #2 ه# 


إن بوش» في الواقع» تبسيطي وساذج وخطير. وتلتقي هذه الات 2 
أكبر عنده إذا كان يصدق ما يقول. ثمة «أنبياء» مخيفون. و«لكن «نبيا» مسلحا 
مثل بوش هو الأكثر إثارة للرعب. 

يمكن استعراض الخطاب والوقوف عند دقائقه. لا بل» أكثرء يمكن القول إن 
«الرسالة» كان يمكنها أن تصل أفضل لو لم يكن «الرسول» هو إياه. غير أن 
«الأطروحة البوشية» منخورة بما جعل الشلك غالباً. واللافت أن التفاصيل التي 
تنخرها قابلة للانتظام في سياق بعكن» ويحب» استخلاصه. 

1. لماذا أغفل حورج بوش ذكر لبنان. من غير الطبيعي ذلك لحظة تسمية بلدان 
عسربية أخرى. وحن لو وافقنا على المعايير الي يضعها الرئيس الأمير كي حى 
يقال عن بلد إنه دموقراطي فإننا سنلاحظ أنها موجودة في لبنان أكثر من أي 
مكان آخر في العالم العربي. هل الإغفال سهو؟ هل هو عقوبة على «علاقة 
ميزة» بسوريا؟ كلا. إن الإغفال مقصود لأن ذكر لبنان كان سيرغم بوش 
على مواحهة التناقض العميق والذي لا حل له رعا في أطروحته كلها. ما هو؟ 


أميركا والمحافظون الجدد 385 


2. حديث بوش عن الفلسطينيين لا يقف على قدمين. فمع أن السيادة على الضفة 
والقطاع للاحتلال فإن سلطة الحكم الذاتي المنتخبة دكوقراطياً أفضل» .عقاييس 
بوش نفسه» من بلدان عربية أخرى معاها متدحاً. لقد لوى الحقائق بطريقة 
فاضحة من أجل تبرير استنتاج مسبق. وفعل ذلك مرة أخحرى» للتهرب من 
مواجهة التناقض العميق والذي لا حل له رعا في أطروحته كلها. ما هو؟ 

3. تبرّع بوش بتحديد مهمة للشعب المصري. قال ما حرفيته: «لقد مهد الشعب 
المصري العظيم المعتز بنفسه الطريق نحو السلام في الشرق الأوسط والآن بات 
عليه أن بمهّد الطريق نحو الديموقراطية». إنه أكير حشد ممكن من الأحطاء في 
كلمات قليلة. ليس «الشعب» من مهد للسلام بدليل أن بوش يطاليه بعد ربع 
قرن بالدكوقراطية. والسلام في الشرق الأوسط غير متحقق الآن. وعزة الشعب 
المصري بنفسه مصدرهاء بين أمور أخرى. حرب أكتوبر ضد إسرائيل. وليس 
في وسع مصر أن تلعب دور الريادة الديموقراطية ما لم تلعب دوراً في قضايا 
أحرى ف المنطقة. والأهم من ذلك كله هو أن هذه «الخربطات المضحكة» 
تكشف التناقض الذي أشرنا إليه آنفاً: قد يكون هذا «السلام» مناقضاً 
للديموقراطية وغير قابل للحماية إلا بالانتقاص منها عا يعن أن كل زيادة فيها تعن 
نقصاً فيه في شكله الراهن» ورفضاً للإملاء الأميركي الإسرائيلي. إن هناء 
بالضبط هو «الاستئناء العربي» (والإسلامي؟) الذي يدعي بوش أنه يحاول 
التخلص منه. إنه «استئناء» وطي وقومي وليس استثناء ثقافياً ننتهي منه جرد 
مداهةة المسلمين بالقول هم إن دينهم غير متعارض مع الدركوقراطية. إنه استثناء 
يضع العرب في موقع التطلّب الدوقراطي من أجل تلبية التطلب الوطي والقومي. 

4. عرض برش لسياسات دول عربية بعد الاستقلال السياسي يجعله يسقط في أي 
امتحان ابتدائي عن تاريخ المنطقة. إن بعض هذه السياسات رد فعل على 
توجهات غربية وأميركية كانت إسرائيل في صلبها. ولعل هذه مناسبة للقول 
إن بوش «نحح» في تقدم عرض سريع لتاريخ المنطقة وحاضرها ومستقبلها من 
دون ذكر كلمة «إسرائيل» مرة واحدة... حي عندما تحدث عن الفلسطينيين! 


© # © 


386 الآن... هنا 


يشرح الخطاب للأمي ر كين لماذا يقاتلون ويقتلون ويُقتلون ويدفعون» قد 
يقنعهم وقد لا يقنعهم. غير أنه يقول لناء أيضاء إننا جاهزون ل «نقطة تحوّل 
عظيمة». وهو يفعل ذلك حيالناء متجنبا معضلات تنخره. 

إن أمي ركا سبق ها أن نشرت الدموقراطية فعلاً ولكن ذلك جاء في سياق 
حروب ضد أنظمة تعاديها. أما في الشرق الأوسط فهي ل تتمتع مرة قي التاريخ» 
ولا غيرهاء نمثل هذا النفوذ اشائل. المنطقة مسحوقة أمامها وتابعة ها بشكل وضيع. 
والأنظمة إذ تقمع فإها تقمع» خصوصاء من يؤاخذها على هذا الالتحاق المتخلي 
عن المصالح الوطنية والقومية. هل تنوي واشنطن» فعلاء زعزعة هذا الواقع أم أا 
تريد «عملية تحميلية» تجعل حلفاءها «محترمين» أكثر. 

إن الاحتبار الفعلي للسياسة الأميركية الجديدة هو في الحالات الي يبرز فيها 
تنافر بين «القيم» و«المصالح». ماذا سيكون الموقف؟ الترحيح هو أن مة تناقضاً بين 
الديموقراطية العربية والمصالح الأميركية في تعريفها النقليدي, وهذا التناقض لم تلغه 
تفجيرات 11 أيلول. والخوف» هذا المععين» هو أن تكون الادعاءات الي يحملها 
الخطاب جرد تغطية لاندفاعة عدوائية تنتزع حقها باسم «القيم» من أحل أن تغلب 
«المصالح». 

إن تبسيطية بوش وسذاحته هما قي خدمة خخطره. 

2001118 


«عالم أكثر أمنا» 
(جورج بوش) 


ليست المشكلة أن حورج بوش وعدء قبل حرب العراق» ب «عالم أكثر 
أمناأ». المشكلة أنه يدلل على إنحازاته» بعد كل انفحار» بالقول متباهياً إنه حقق 
وعده وأن العالم بات» بالفعل» أكثر أمنا. 

يفعل ذلك في حين أن زيارته إلى بريطانيا تحولت إلى إقامة لي قصر بكنغهام 
وجحوّل في جواره. فإذا كان البريطانيون حعلوا رحلته غير آمنة سياسياً لديهم؛ وهم 
من هم في تاريخية العلاقة مع الولايات المتحدة» فإن في ذلك وحده» ما يؤشر إلى 
آثار ما يرتكبه على العام كله. 

لقد حاءت تفحيرات اسطنبول أمس لتذكر أن العام الأكثر أمناً 
الذي تحدث عنه بوش هو غير العالم الذي نعيش فيه. ويدل الإرهاب المتنقل أن 
بوشء بإضافته العراق على أفغانستان» أوقد نيراناً قد تتحول إلى هيب يصعب 
إطفاؤه. 

كانت دول كثيرة في العام مستعدة للانخراط في مواجهة مع إرهاب أسامة بن 
لادن. لا بل إا فعلت ذلك قبل أن تنعطف الإدارة بشكل يهدد التعاون الدولي» 
والعلاقات الدولية» ومواثيتق الأمم المتحدة» وكل ما يصب في بحرى العمليات 
البوليسية ضد تنظيمات هيولية متطرفة. 

لم يفعل بوش» طوال الشهور الماضيةء سوى توجيه الرسائل الخاطئة إلى العالم. 
فلم المفاجأة إذا في تبلور رأي عام ضده يحمّله مسؤولية الاضطراب؟ ولعل العام 
العربي هو لمجال الأبرز لممارسة سياسة لا يمكن لهاء باسم التغيير» إلا إنتاج 
الفوضى. 

إن ما تريده واشنطن, في منطقتناء هو جمع الماء والنار. تريد من الأنظمة أن 
تكون» في الوقت نفسه» أكثر طاعة لها وأكثر انفتاحاً من دون أن تقترح عليها ما 
يستر عيب الالتحاق. هذا مزيج متفجر. 

387 


8 الان... هنا 


لقد أهينت الدكوقراطية الفعلية في تركيا باسم الدركوقراطية الحتملة في العراق. 
مورست ضفغوط هائلة على أنقرة من أحل أن تكون مطيعة بغض النظر عن المقاومة 
الدعوقراطية الضارية هذه الطاعة. حصل ذلك مرتين وفشل في المرتين. وتبين» 
بوضوح» وفي هذا البلد الأطلسيء أن التحاوب مع الإملاء الأميركي يكشف 
السلطة ويستولد تعبئة ضدها. لقد كان صعباء ولا يزال» جمع شكل الطاعة 
المطلوب ومداها مع قدر من الدكوقراطية. وتسبب ذلك في لوم بول وولفويتز 
الجيش لأنه حضع لقرار البرلمان. 

إن ما يصح على تركيا يصح بصورة أقوى على بلدان عربية. فوضع المملكة 
العربية السعرديةء مثلاًء في موقع تحاذب يودي إلى ما نشهده. والإصرار على طرح 
أسئلة على بحتمعات لا تملك حوابا يجعل الأوضاع ساحنة. فكيف إذا كانت 
الأسئلة متناقضة بين تلبية الطلبات الأميركية بالتخلي عن الحد الأدن من دعم 
النضال الفلسطيئ وبين تلبية الضغط الداخلي الذي يعتير هذا الحد الأدق الممارس 
قريبا من التخلي والخيانة؟ 

لم تستطع الولايات المتحدة» حي اليوم؛ أن تقدم ميررأً للحرب على 
العراق في ما يخص أسلحة الدمار والعلاقة مع الإرهاب. وزادت على ذلك 
تخبطاً في إدارة الوضع بعد الحرب يجعل الأميركيين يشرعون في التساؤل فكيف 
غيرهم. لذا فإن الاحتمال الأكثر ورودا هو أن تبدو الحرب عنفاً برّانياً عدوانياً 
عاريا. 

وعندما يصار إلى تبريرها بالمقابر الجماعية فإن المواطن العادي يصبح ميالاً 
إلى كراهية صدام حسين و... الولايات المتحدة. لأنه» في هذه الحالة» لا يسعه 
نسبة النوايا الحسنة إليها وهو يراقب رعايتها الحماسية للعدوانية التوسعية 
الإسرائيلية. ويكفي أن يفتح مسوول أميركي فمه ليهدد سوريا أو إيران 
لامتلاكهما أسلحة دمار شامل حي يكون رد الفعل العادي أننا أمام كذية 
حديدة من التوع الذي تضيع المسؤولية عنه بين مخابرات فاشلة ومحافظين حدد 
ينفذون أجندة حاصة. 

إن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وصفة توتر. 


أميركا والمحافظون الجدد ‏ 389 


ففي رأي العربي العادي أن درحة التحاق الأنظمة بواشنطن تفيض عن 
درحة انفتاح هذه الأنظمة. يعن ذلك أن نخباً حاكمة تتبع سياسات غير شعبية 
من غير أن يترافق ذلك مع فتح قنوات التعبير عن الرأي. وينتج عن هذا 
التفاوت ميل إلى العنف أو إلى تقبّل العنف» أي إلى رفض توجهات سائدة لا 
تسمح باعتراض عليها من ضمن الموسسات. وم أشار أحد إلى هذا التعارض 
ونتيحته ولو بأسلويه الخاص» عومل» كما حصل مع وليد حتبلاط بأنه 

إن المفارقة ليست ف الدرجة العالية من العنف. إِهُا في الدرجة المنخفضة من 
الحدة وهي درجة تلعب» حي الآنء دورا تعويضيا وتتخذ أشكالا تعرض» أكثر 
فأكثئرء إلى الإدانة. ولو كان بوش يلك مقدارا كافياً من الحكمة لكان لاحظء 
مغلا أن «الجماعة الإسلامية» في مصر أدانت «الفاعدة»» وأن تنظيمات أصولية 
استهجنت التفجيرات الأخيرة» وأن اجتماعاً ضمّ يوسف القرضاوي» وعباسي 
مدي وحالد مشعل» وحسن الترابي لم تصدر عنه دعوات متطرفة. 

إن الرقعة السياسية لممارسة الإرهاب تضيق ولو أفاء دموغرافياء تنسع. ولا 
يفيد في شيء تكرار بوش في لندن الخلط بين مقاومة مشروعة ضلت طريقها 
(القدس) وبين عمل إحرامي بكل المقابيس (اسطنبول). لا يفيد ذلك إلا إذا كانت 
الاستفادة إضفاء قدر من شرعية القدس على عبثية ودموية اسطنبول. 

إن الارهاب أكثر تعقيدا من أن يحيط به العفل التبسيطي لبوش. ليس أكثر 
تعقيدا لجهة أسبابه ال تستدعي معالجات غير أمنية فحسب» بل أكثر تعقيدا لأنه 
بعر في لحظة اختلاط بين الحلي والكوي تستوجب الدرس. ليس كل عمل هو من 
أعمال «القاعدة» . فتنحن» هنل أمام «ماركة مسحلة» وهي» مثل أي «ماركة 
مسجلة» تعطي «السلعة»... معناها. طلما أن «القاعدة», كعنوان» موحودة فهي 
مدحل لأي متطرف كي يقنع نفسه بأنه إنما يخوض في منازلة كونية طرفها الآخر 
فسطاط الشر الشيطاي. 


0 الاآن... هنا 


هة مشكلة اسمها حورج بوش. إنها مشكلة تجعل العام أقل أمنا. هذا ما 
يقوله المعلق الأميركي بول كروغمان الذي يتهم رئيسه بتهديد الأمن القومي 
لأنه بدل محاربة الإرهاب تصرف بشكل يزيده. وهذا ما يقوله ريتشارد ريفز 
الذي يعتبر أن البيت الأبيض الحالي يكرر المشهد الريغاني حيث كل من فيه 
يعتبر نفسه أذكى من الرئيس. وهذا ما يقوله نورمان ميلر. يقول الأخير إن 
كلينتون كان من الذكاء بحيث احتار مساعدين أذكياء جدا ولو أنهم يقلون عنه 
فتشكلت إدارة من الأكفاء بقي هو بحمها. أما بوش فلم يكن من الغباء بحيث 
يكرر فعلة كلينتون ويختار من هم دونه. صحيح أنه غبي ولكن ليس إلى الحد 
الذي يجعله لا يدرك أن اختيار من هم أشد غباء سيعرّض أميركا إلى «حكم 
البلاهة». 
الأبله يمكنه أن يؤذي الآحرين غير أنه يؤذي نفسه حكماً. أما بوش» على 
رأس الولايات المتحدة» فالنتيجة أن العالم أصبح أقل أمنا. 
20031121 


لاتحة وولفويتز 

أفغانستان. ألبانيا. أنغولا. أذربيجان. كولومييا. كوستاريكا. السلفادور. 
أريتريا. أستونيا. أثيوبيا. جورجيا. هندوراس. إيسلندا. كازاخستان. لاتفيا. 
ليتوانيا. مقدونيا. حزر مارشال. ميكرونيزيا. مولدوفيا. مونغوليا. بالاو. 
رواندا. حزر سولومون. تونغا. أوزبكستان... هذه أسماء دول يحق لما المشاركة 
في العقود الخاصة بإعادة إعمار العراق والمموّلة من جانب الولايات المتحدة 
الأمي ركية. 

تضم اللائحة 63 اسما بينها مصرء والأردن» والكويت» والمغرب» وعُمانء 
وقطرء والسعودية؛ والإمارات. والمفاحأة هي أن اسم العراق يرد بصفته دولة يحق 
لها المشاركة قي إعادة إعمار نفسها! 

يمكن التساؤل عن سر حضور ألبانيا وغياب تونس» وحضور لاتفيا وغياب 
الجزائر» وحضور ميكرونيزيا وغياب لبنان» وحضور بالاو وغياب سورياء وحضور 
سولومون وغياب اليمن» كما يمكن التساؤل عن مكان تونغا... (تركيا حاضرة 
وإيران غائبة). 

أثار نشر اللائحة ضجة لأا استثنت دولاً ذات قدرة جدية على المشاركة: 
فرنساء ألمانياء روسياء كنداء الصينء البرازيل» حنوب أفريقياء الهند» باكستان» 
الأرحنتين... وانتقلت هذه الضجة» جزئياء إلى الولايات المتحدة حيث استغرب 
كثيرون هذا الاستقبال السيئ لرئيس الوزراء الكندي الجديد. 

قد يقول قائل إن الأموال أميركية وإن بول وولفويتز حر في الاختيار. هذا 
صحيح ولكنه لن ينب الإدارة نقاشاً من نوع آخر» أميركيا أمبركياً. فهناك من 
يقول إن التحربة السابقة توحي بوجود علاقة وثيقة بين منح العقود وبين التمررع 
للحزب الجمهوري وحملاته الانتخابية عا فيها حملة بوش الأب ثم بوش الابن. ولقد 
كتب الكثير عن امتيازات وهدايا وتقاسم ل «الكعكة» انطلاقاً من مصالح ضيقة 
ولخدمة صندوق التبرعات الخاص بانتخابات 2004. 

391 


392 الآن... هنا 


ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا النقاش الأميركي الأميركي. فإذا كانت نية 
واشنطن ممارسة هذا الاحتكار لا يعود مفهوماً لا التوجه إلى مجلس الأمن غير 
مرة» ولا عقد مؤتمر المانحين» ولا خطاب كولن باول أمام حلف شال 
الأطلسي... فهذه المبادرات كلها قامت على مناشدة دول أخرى نسيان 
الماضيء وفتح صفحة جديدة؛ وتحاوز الخلافات من أجل «مواجهة المستقبل 
معا». 

والأنكى من ذلك كله أن حورج بوش عيّن وزير الخارجية الأسبق جيمس 
بيكر مندوبا شخصيا له من أجل مطالبة الدول الدائنة للعراق بشطب ديوفا. ولقد 
تحددت مواعيد لبيكر مع حاك شيراك؛ وفلادكير بوتين» وغيرهارد شرودر. لا بل 
وحد بوش نفسه يهاتف هؤلاء ليتمن عليهم التجحاوب» وإظهار حسن النية» وذلك 
بعد ساعات فقط من إبلاغهم َم مستبعدون كلياً على قاعدة: لا حنود لا عقود. 
علما بأن قاعدة: «لا حنود. لا نقود. لا عقود» لا تنطبق على كندا الي دفعت 
0 مليون دولار! 

تمثل «اللائحة»» بهذا المعي» قراراً سياسياً يصر على الانفراد ويعطل أي 
إمكانية للعودة إلى صيغة تعددية ما. ولقد فهمته العواصم المعنية بصفته هذه 
فوجدت طرقا للاحتجاج منها مسارعة موسكو إلى الإعلان أنها لن تسقط ديوها. 
احتارت دول أخحرى وسائل أخرى. فهناك من طرح ضرورة فحص هذه اللائحة 
في ضوء الاتفاقيات الدولية الخاصة بحرية التجارة. وهناك من يتساءل عمًا إذا كان 
عكن لبلد عضو ف الاتحاد الأوروبي» بريطانيا مثلء الموافقة على استفراد دول 
أخرى في الاتحاد بعقوبات واضحة وصريحة. 

إلى ذلك احتج البعض على هذه الوجهة باعتبار أن القرارات الدولية تطالب 
بقيام صنلوقين» ثانيهما تشارك فيه الدول الراغبة والمؤسسات الدولية. ومصدر 
الاحستجاج أن المندوب السامي الأميركي بول بركر هو الذي يملك حالياً «حق 
التوقيع»: وهو الذي يعطل نشوء هيئات محايدة للرقابة تنص عليها قرارات بحلس 
الأمن... فهل يستخدم «صلاحياته» من أجل التصرف» قضلاً عن الأموال 
الأميركية بأموال الآحرين؟ 


أميركا والمحافظون الجدد 393 


ييقى أن أكثر ما أثار الاستهجان الحجة الي استخدمها وولفويتز من أحل 
إصدار اللائحة. اعتبر أن استثناء دول هو «من أجل حماية المصالح الأمنية الأساسية 
للولايات المتحدة». هذا استفزاز صرف لدول تنتمي إلى تحالفات دفاعية وعسكرية 
مع الولايات المتحدة» وتقف إلى جانبها في أفغانستان» وتشاركها الحرب على 
«الإرهاب». كيف يكن لمنع شركات فرنسية وروسية وألمانية ذات خيرة مديدة 
في العراق أن يحمي «المصالح الأمنية الأساسية للولايات المتحدة»؟ هل هي شركات 
من جنسيات معادية؟ هل هي داعمة للمقاومة وممولة لها؟ 

ثمة أسغلة كثيرة ليس من «اللائق» توجيهها إلى بحلس الحكم الذي يعتقد 
أعضاؤه» وحدهم امم يشكلون كياناً ذا وزن ورأي. ومن هذه الأسئلة ما تركته 
اللائحة غامضاً في ما بخص «العقود من الباطن». 

لكن لا بأس من قراءة ما نقلته «جيروزاليم بوست» عن إسحق كيرياتي مدير 
المشاريع الدولية لموسسة التصدير الإسرائيلية. لقد «غفر» الرحل للولايات المتحدة 
عنم إدراج اسم إسرائيل ف اللائحة لأن ذلك قد يتحول إلى «كارثة سياسية». 
غير أنه استدرك «ان الشركات الأميركية ستحد طريقة لكي نعمل معهم... 
سنشارك لاحقاً». 

200011012 


«كارهو بوش» 


تتركز في الولايات المتحدة نسبة عالية جداً من «كارهي حورج بوش». يكاد 
الأمر يتحوّل إلى ظاهرة. جحرَأ أحد الكتاب على لفظ عبارة «أنا أكره بوش. ها إن 
قلتها» وأعرب عن شعور غامر بالارتياح انتابه بعد عملية الإفشاء هذه. يعبر بذلك 
عن موضة تخترق أوساطاً أميركية عديدة. هناك من يكره بوش ل «تكساسيته»» 
أو ل «أرستقراطيته». أو ل «مشيته»» أو ل «ولادته الثانية»» أو ل «كذبه 
المتمادي»» أو ل «علكه الدولة»» أو ل «اغتصابه السلطة»» أو ل «ذكوريته»» 
أو ل «غبائه»» أو ل «عحرفتدى إلم... 

وثمة نتاج أدبي غزير يتناول هذه الأمور. وثمة كتب تحتل صدارة المبيعات لأنها 
تعامل الرحل بقسوة. ولمة من يستحضر ظاهرة «كارهي كلينتون» ليرد ها على 
أي انتقاد لمشاعر عدائية فعلا حيال الرئيس الحالي. لقد بات «كره بوش» عنوانا 
عريضاً لدد من البرامج السياسية المستندة إلى شحنة عاطفية يبدو أا ستسيطر 
على الحملة الرئاسية الأميركية. 

يشعر ملايين الأميركيين أن بوش صخرة فوق صدورهم يريدون إزاحتها بأي 
ثمن. إن «أياً كان سوى بوش» هو جوهر ما تعيشه الانتخابات الفرعية في الحزب 
الديكوقراطي. 

لقد كان هذا هو السبب وراء صعود هوارد دين» وقد يكون هذا هو السبب 
في تعثر دين» إذا تعثر. كيف؟لقد اختار المرشح خط انتقادياً جذرياً حاطب درجة 
عالية من تطلب الرفض. جح في التعبئة. خاض معركة حديدة في وسائلها (أنترنت 
أولاآ). جح في جمع أموال أكثر من منافسيه. حاطب قطاعات» شبابية خصوصاء 
كانت تمتنعه > عادة عن الاقتراع. إلا أنه فشل أولاً في آيوا وثانية في نيوهامبشر. 
سقط سقوطاً مدوياً في المرة الأولى وأنقذ حملته في الثانية. 

هزمه؛ في المسرتين» حون كيري. فالرخل القادم من ماساشوستس مل 
ولايته اربع مرات» وله سحل عسكري في فيتنام» وسحل تشريعي «موزون». 

394 


أميركا والمحافظون الجدد 395 


وهو أقرب إلى الموسسة الدعوقراطية وقادر على مخاطية «الوسط» وتطوير 
الإرث الكليتتوني. أحدث المفاحأة» وكررهاء لأن «كارهي بوش»» ودين ممثل 
شرعي لهمء يريدون الاطمئنان إلى اختيارهم المرشح الأكثر قدرة على إحراج 
بوش. 

تدل استقصاءات الرأي» حى الآنء أن الذين يختارون كيري بسبب قابليته 
للفوز هم أكثر عدداً من الذين يمختارونه بسبب معتقداته» وأفكاره» وبراحه. إفم 
يضعون نصب أعينهم يوم 2 تشرين الثاني 22004 ويكتمون تعاطفهم الغرائزي مع 
دين» من أحل الإقدام على ما يسميه الفرنسيون «التصويت المفيد». لا يريدون 
«فشة خلق». يريدون الشعور بأنهم لم يضيعوا فرصة لاحت أمامهم للخلاص من 
الكابوس. 

ولقد لوحظ في آيوا ثم في نيوهامبشر كثافة في الإقبال على الاختيار. إن 
«كره بوش» حافز لذلك. غير أن الحافز الثاني هو عودة الأمل بأن التنافس ممكن 
والفوز ليس مستحيلاً. إن المواحهة الفرعية بين المرشحين الدموقراطيين يمكنها أن 
تضر بحظ الحزب إذا تحولت إلى تبادل هحماتء غير أنه عكنها أن تفيده إذا 
أتاحت له تعبئة تواعده» ولملمة صفوفه» وإذا أتاحت له فرصة الاستفادة من وحوده 
في المعارضة ومن انتفاء الحيوية لدى الجمهوريين. والواضح» حي الآنء أن الحزب 
اللكرتراطي يلو كين رج من عبات عميق. فهو منذ تفجيرات أيلول» مضطر 
إلى «انضباط وطين» يضعه» عملياء في موقع الالتحاق بسياسة الإدارة. ولقد أدى 
ذلك» في ما أدى إليه» إلى تراجع وتيرة الاعتراض على التوجهات الداخلية شديدة 
اليمينية لبوش. 

لقد رتب الناحبون اللركوقراطيون في آيوا ونيوهامبشر الأولويات. إفهم 
مهتمون بالضمان الصحي» والبطالة» ووضع الاقتصادء ومصير الحريات» أكثر من 
اهتمامهم عا يجري في العراق. ومع أن السياسة الخارجية حاضرة فإها غير حاسمة 
في توحيه الناحبين. 

إن أكثرية دموقراطية تعارض الحرب ولكنها لا تختار أياً من المرشحين اللذين 
عارضاها وبنيا حملتهما على هذا الموقف. لقد حصل هذان على 19 ثم 27 في المئة 


6 الان... هنا 


من الأصوات على التوالي في آيوا ونيوهامبشر في حين قالت استطلاعات الرأي أن 
ما لا يقل عن 70 في المئة أعربوا عن رفضهم للحرب. 
يقود ذلك إلى استنتاج يقول إن «كارهي بوش» إنما يكرهونه يسبب 
ما يفعله»ء وإدارته» في الولايات المتحدة نفسها. لقد أعيد تدوير سوال 
«لماذا يكرهوننا؟». إن الحواب أمي كي هو في مضمون السياسة اليمينية 
القصوى المتبعة وال تتحسد في كثيرين غير بوش أبرزهم على الإطلاق حون 
أشكروفت. 
2004|1|29 


مكتب الدمار الشامل 


هذه أسماء كوكبة من الأميركبين مع نبذة سريعة عن البعض منهم حيث 
تقتضي الضرورة. 

ريتشارد بيرل» غي عن التعريف. نيو غينغريتش قائد الأكثرية الجمهورية 
البرلمانية في أواسط التسعينيات» وأحد أقطاب اليمين الأقصى في الحزب» ومن دعاة 
التحالف مع ليكود» وعضو ف بحلس سياسات الدفاع التابع للبنتاغون والذي كان 
يرأسه بيرل إلى أن أطاحته فضيحة (من الرئاسة لا من العضوية). جيمس وولسي 
رئيس أسبق لوكالة الاستخبارات المركزية وعضو فعال في أي متتدى يجمع عتاة 
اليمين الصهيون في الولايات المتحدة. 

مايكل روبين من محللي قضايا الشرق الأوسط في «أميركان انتربرايز» وهي 
موسسة «بحثية» تمثل قلعة من قلاع الحافظين الحدد وتمد الإدارة الحالية بعدد من 
مسؤولي الصف الثاني والثالث. الكولونيل وليام برونير مساعد؛ في مرحلة سابقة» 

ديفيد وورمسر هو أحد واضعي المذكرة الشهيرة عام 96 إلى بنيامين نتنياهو 
(مع زوجته ميرياف وريتشارد بيرل ودوغلاس فيث). كما أنه من اللوبي العامل 
على جمع اليمين الإسرائيلي بأكثر التيارات الأميركية محافظة. مايكل معلوف كان 
أحد مساعدي بيرل في الثمانينيات. 

هارولد رود مستقدم إلى الخدمة في البنتاغون من حانب أصدقائه «المدنيين». 
يعتير المستشار الأقرب إلى وولفويتز لشوون الإسلام» وهو من تلامذة برنارد لويس 
النحباء إلى حد أن كتاب لويس الأخير «أزمة الإسلام» مهدى إليه بالإسم. 

ابرام شولسكي أحد الذين تعرقوا إلى بيرل أثناء العمل مع السيناتور 
«الصقري» هنري جاكسون قبل أن ينتقل مع أستاذه (بيرل) إلى إدارة رونالد 
ريغان. وضع كتباً ومقالات مع غاري شميت الذي يتولى رئاسة «مشروع القرن 
الأمي ركي». 

397 


وليام لوت رئيس مكتب شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا في وزارة 
الدفاع تحت إشراف دوغلاس فيث. سيق له العمل مباشرة مع ديك تشين ومع 
غينغريتش. لويس ليسي رئيس مكتب تشيئ ومن المناضلين في صفوف اليمين 
الصهيون الأميركي. بول وولفويتز غي عن التعريف. أحمد الجلبي كذلك. 

ما هو القاسم الجامع بين هذه الأسماء كلها؟ 

إذا وضعنا الحماسة الفائقة لإسرائيل الليكودية؛ فإن ما يجمع هذه «الكوكبة» 
هو الدعوة المبكرة: أي منذ مطالع التسعينيات» إلى قلب النظام العراقي ولو 
باحتلال البلد. إن عدد الكتب والدراسات والمذكرات والمحاضرات والمقالات الي 
وضعها المذكورة أسماؤهم فرادى أو جماعة» وال «تثبت» امتلاك العراق لأسلحة 
دمار شامل» وصلاته بالإرهاب على أنواعه وب «القاعدة» تحديداء أكثر من أن 
تحصى. نحن أمام حوقة من صناع الرأي اعتبرواء منذ سنوات» أن واحدة من 
مهماتهم المركزية شن حرب قي الشرق الأوسط وإعادة هيكلة المنطقة. 

صاع الرأي هؤلاء باتوا في مواقع مؤثرة ضمن الإدارة الحالية بعد خوضهم 
معارك ضد بيل كلينتون وتراخيه الأخلاقي وإضاعته فرصة الاستفادة القصوى من 
انتكسار موازين القوى في الشرق الأوسط. لا بل يتميّز البعض منهم (أكثرهم) 
بلومه الشديد حورج بوش الأب الذي امتنع عن دخحول بغداد و«أرغم» إسرائيل 
على حضور مؤثمر مدريد. 

كان يمكن هذا القاسم المشترك أن ييقى نظريا. كان يمكن؛ أيضاء لأصحابه 
أن يكونوا مرجودين في ثنايا الإدارة الحالية يمارسون قدراً من النفوذ. غير أن الذي 
حصل هو أكثر من ذلك بكثير. 

لقد التفى هؤلاء جميعاء من دون إضافة أحد أو استبعاد أحد» في هيئة أنشفت 
داخل وزارة الدفاع وأطلق عليها اسم «مكتب النطط الخاصة». 

بدا لمكتب بنواة تشكلت غداة تفجيرات 11 أيلول. ففي حين كان الجهد 
الاستخباري متعحهاً نحو ملاحقة «القاعدة» و«طالبان» وأسامة بن لادن كانت 
هذه النواة تشير بإصبع الاههام إلى مكان آخر: بغداد. وكانت تفعل ذلك مستفيدة 
من أمور عدة: 


أميركا والمحافظون الجدد 399 


1. التقارب الذي حصل في قمة السلطة بين المحافظين التقليديين (تشيي» 
ورا مسفيلد) وبين المحافظين الحدد والذي قاد إلى جاح التيار الإيديولوحي في 
إعطاء معن للحدث وف صياغة رد: جاءنا اهجوم من العالم العربي الإسلامي 
وعلينا أن نرد بحرب شاملة. 

2. بقاء الملف العراقي معلقاً ووجود نظام له «بروفيل» يصلح لإعطائه مثلاً في 
حصوم تريد الولايات المتحدة الخلاص منهم ويمعونة دولية إذا أمكن. 

3. توفر عملاء عراقيين من نوع أحمد الجلبي قادرين على تأمين معلومات 
ومعطيات تؤكد «الخطر المتعاظم والداهم» لناحية أسلحة الدمار أو الصلة مع 
الارهاب. 

4. تردد الأحهزة الاستخبارية الرسمية والمحترفة في تقدمم وقود معلوماتية تيرّر القرار 
المتحذ سابقء وكذلك ميل كولن باول إلى المبالغة في ضرورة اعتماد التعددية 
على حساب الانفراد. 
تطورت هذه النواة لتصبح «مكتب الخطط الخاصة». وباتت المهمة تحاوز 

عمل الأجهزة من أجل مد المسؤولين بتقارير غير مدقق فيها تساعدهم في تنفيذ ما 

بات واضحا أنه قرار مسبق. وبناء على ذلك حرت عملية «تطهير» في أحهزة 
البنتاغون» وتم استبعاد المحترفين» وتولى «الحافظ الجديد» حون بولتون أمر التغطية 

من موقعه في وزارة الخارجية. 

يعي ذلك أن عدداً من مسعوري الحرب كانوا مسؤولين إلى حد بعيده 
وبدعم من قمة هرم السلطةء على توفير الأجواء المناسية لتبرير الغزو. ولقد أدى 
ذلك إلى احتكاكات عديدة سواء مع الاستخبارات المركزية أو مع وزارة 

الخارحية. 

إن مناسبة التطرق إلى عمل هذا المكتب هو إعلان بوش تشكيل نة تحقيق في 
تقديرات المخابرات عشية الحرب. إن أي تحقيق لا يبدأ باستحواب الأشخاص 

المشار إليهم سينتهي إلى خائمة أسوأ من التي حلص إلبها اللورد هاتون. 

200420 


أ. ك. س. ب. 


«أياً كان سوى بوش» (ا. ك. س. ب). هذا هو الشعار الذي يحفز 
الناحبين الديكوقراطيين الأميركيين على التوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع. 
وهذاء أيضاء هو الشعار اللاعب دورا حاسما في اختيارهم جون كيري لمنافسة 
الرئيس الحالي. 

لم تنته الانتخابات الفرعية بعد ولكن نتيجتها باتت شبه محسومة. إن سناتور 
ماساشوستس هو خصم حورج بوش بعد أشهر. 

إن «ا. ك. س. ب» هوء إلى حد بعيد» شعار دولي وعربي أيضاً. يمكن» دون 
حشية المبالغة» القول إن المزاج الأوروبي العام معه. وكذلك الروسي والصيئ 
والأموركي اللاتيي والآسيوي. لا بل ليس مستبعداً أن يكون طون بلير نفسه 
يفضلء في العمق» فوز كيري ويحلم أن يستعيد معه العلاقة الي بناهاء ذات مرق 
مع بيل كنينتون وال تحاوزت الالتحاق الاستراتيجي لتتضمن أفكاراء مهما كان 
الرأي فيهاء عن «الطريق الكالث»» ودور الدولة» واليسار «الحديث»» والليبرالية 
الاحتماعية» وموقع الموسسات الدولية» والتعاطي مع أزمات الشرق الأوسطء 
وتأثيرات تحرير التجارة على العلاقات في العالمء إلخ... 

إن مواحهة بين بوش وكيري هي» .عع ماء مواحهة بين بوش وبلير. لا أكثر 
من ذلك. ولكن, أيضاء لا أقل. علما أن رئيساً أمبركياً مثل كيري يدفع بلير إلى 
إبراز أفضل ما عنده (وهو قليل)» في حين أن رئيساً مثل بوش يدفع بلير إلى إبراز 
أسوأ ما عنده (وهو كثير). 

تدل المعطيات الأولى على أن المقترعين من أصول عربية في الولايات المتحدة 
تبنوا الشعار الآنف الذكر (ديترويت). ومن دون امتلاك مؤشرات حاسمة يبدو أن 
امزاج الشعي العربي يغلب التخلص من بوش على ما سواه من اعتبارات. ولیس 
مستبعدا أن يكون امزاج الر سمي كذلك خوفا من الإحراحات الكثيرة الي تسبّيها 
السياسات القصوى للادارة الحالية. 

° 0 


أميركا والمحافظون الجدد 401 


إذا كان ما تقدم صحيحاء وهو صحيح على الأرحح» سنكون أمام بداية 
ابتعاد عن وعي عربي تقليدي يعتير أن الجمهوريين أقرب إلى العرب (لصالح نفطية 
وغيرها» وأن الدكوقراطيين أقرب إلى إسرائيل (لعلاقة إيديولوجية حيمة» فضلا 
عن المصالح). أي أن هناك من يأخذ العلم .ما استجد من تطورات في الولايات 
المتحدة وإسرائيل والعالم. وأبرز هذه التطورات أن دعم المشروع الصهيون في 
طوره التوسعي الراهن يأتي من أوساط اليمين وأقصى اليمين في حين كيل يسار 
البلدان الغربية إلى التلاقي مع التوجه العربي المعبر عنه بعرض التسوية بشروط الحد 
الأدن. 

تدلل وقائع السياسة الأميركية في المرحلة الأخيرة» بما في ذلك الحملة 
الاتتخابية: تدلّل على هذا التحول. فبوشء الرئيس» يخوض مع ركته بسياسة شرق 
أوسطية موغلة في العداء للمصالح العربية: من ميش القضية الفلسطينية؛ إلى 
إلحاقها بالتغيير في العراق» إلى ربطها بمكافحة الإرهاب» إلى إسقاطها لصا إطلاق 
يد شارون» إلى تمويت خريطة الطريق» إلى إغفال «رؤية» الدولتينء إلى تأييد فك 
الارتباط الذي يمكنه أن يعي انتقالاً حاسماً إلى موقع الحافظين الحدد الذين يعتبرون 
أن قيام دولة فلسطينية عنصر تأحيج للإرهاب لا إخماد له. وإذا كانت الإدارة» 
تلوّح بالدموقراطية أفقاً انطلاقا من العراق فإنها لا تعن بذلك إلا التأشير إلى مدى 
حذرية التطويع الذي تود قيادة المنطقة إليه. 

مقابل ذلك عبر المرشحون الديموقراطيون كلهم (باستثناء حوزف ليبرمان إلى 
حد ما) عن وجهة مختلفة بعض الشيء. ثمة تنويعات عديدة لديهم ولكن يمكن 
الدفاع عن الفرضية القائلة إن حون كيري عثل خطا وسطا بين ليبرمان «اليميي» 
وهوارد دين «اليساري» (فضلاً عن من هم أكثر حذرية من دين). 

يقوم هذا الخط الوسط على مجموعة من المحاور: دور أكبر للأمم المتحدة 
وللحلفاءء تسريع تسليم السلطة للعراقيين بالتراضي؛ رفض الانسحاب السريع إذا 
كانت الفوضى بديلاًء التركيز على دور أميركي فعال في الصراع العربي الإسرائيلي 
يترجم السعي إلى حل «الدولتين» ولا يلقي التبعات كلها على جانب واحدء 
الدعوة إلى إعطاء الدبلوماسية والمفاوضات فرصة قبل اللحوء إلى العنف... 


2 الآن... هنا 


إن هذه الحاور هي اقتباسات من القليل الذي قاله كيري عن الشرق الأوسط 
وعن تصوره للسياسة الخارجية الأميركية. غير أنه» بالطبع» قال أشياء أخرى. فهو 
عبر عن دعمه الكامل لإسرائيل» وتعاطفه معهاء وتمبيزه العلاقة الأميركية معها عن 
أي علاقة مع دولة أخرى في الشرق الأوسط. وهو اعتير مكافحة الإرهاب واجباً 
فلسطينياً يسمح بالانضمام إلى الحرب العالمية ضد الإرهاب الي يعتزم المضي فيها 
مما لا يسمح لبوش الطعن في تراخيه. ومن المقدّر؛ في الأسابيع القادمة» أن يشدد 
كيري على كل ماهو جز في الانتخابات فيزيد من وسطيته الاجتماعية 
والاقتصادية» ويزداد تقرَباً من بجموعات الضغط القادرة على تحير أصوات» 
ويستعيد مرتكزات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط (والعام) وهي مرتكزات 
يمكن قول الكثير فيها خاصة لجهة تعارضها مع ما يمكن للعرب أن يعتبروه مصالح 
خيوية لهم: 

... ومع ذلك سيبقى «أياً كان سوى بوش» هو الموقف الأنسب والأقدر 
على أن يشكل مرشداً لكل من يريد التدخل في انتخابات تمم العا بأسره وتسمح 
للولايات المتحدة بتقسم أجوبة أخرى على التحديات الراهنة ما فيها تحديات ما 
بعد تفجيرات 11 أيلول واحتلال العراق. 

20042 


شرق بوش... الموسع 


ينوي الرئيس حورج بوش الاستفادة من مناسيات دولية قريبة (قمم 
الأطلسيء الدول الصناعية الكبرى, الولايات المنحدة, الاتحاد الأوروبي) من أجل 
طرح مبادرات تخص «الشرق الأوسط الموسّع»: مجموعة اقتراحات لنشر 
السموقراطية» دور أكبر للتحالف الأطلسي في العراق وأفغانستان... 

سيكون في وسع واشنطن البناء على ما أنحز في التسعينيات مع محاولة تعديل 
تأخذ في الاعتبار ما استجد على سياستها بعد تفجيرات 11 أيلول. 

ما الذي أنحر في التسعينيات؟ 

طورت واشنطن تحت عنوان «المبادرة المتوسطية» أو «الحوار المتوسطي» 
خطة تقحم حلف شمال الأطلسي في علاقات مع دول عربية (مصرء الأردن» 
الجزائر» تونسء المغرب» موريتانيا) ومع إسرائيل. حاء ذلك في سياق الاندفاع إلى 
توسيع الحلف شرقاً بضم دول إليه» وفي إطار توقيع عدد من اتفاقيات «الشراكة 
من أحل السلام». غير أن ما ييّر «المبادرة المتوسطية للأطلسي» الاعتراف بأنه 
ليس في الإمكان الذهاب بعيدا في هذا المحال .عا يعني ضرورة الاكتفاء بمناورات 
مشت ركةء وبتبادل حبرات» وبتنسيق لأعمال عسكرية ذات وظيفة إنسانية» 
وبتكئيف الزيارات والتدريب» وبإنشاء لحان مشتركة. م ولقد أمكن إبقاء 
مدو العلانات ارج دائرة الضوة برعم أا لا تزعم السرية لنفسهاء وبالرغم من 
أن کافتها كان يفترض أن تثير اهتماما حدياً. 

في موازاة ذلكء وبالتساوق مع المفاوضات الثنائية لتسوية الصراع العربي 
الإسرائيلي» سعت واشنطن بالتعاون مع الاتحاد الأوروبيء واليابان» وروسياء 
وكنداء والموسسات المالية الدولية» لتشجيع المفاوضات الإقليمية الخاصة بالتعاون 
البيئي» والاقتصادي؛ والائي» وبتسيير حياة اللاحئين» ونزع السلاح... وأمكن 
على هامش هذه المفاوضات عقد قمم اقتصادية بحثت في عنوان عريض أطلقه 
شمعون بيريز «الشرق الأوسط الجديد». 

403 


404 الآن... هنا 


من امتعض من «الأوسطية» شارك في «الحوسطية» الي بادر إليها الاتحاد 
الأوروبي» برعاية أميركية غير مباشرة» وعرفت باسم «مسار برشلونة». 

إل ذلك حفل عقد التسعينيات بتوقيع معاهدات أمنية واقتصادية ثنائية» 
فضلاً عن حوارات إقليمية عربية مع تجمعات حارجية. وأخيرا كان ليئات 
اقتصادية دولية» من منظمة التجارة إلى صندوق النقد إلى البنك الدولي» دور كبير 
في عقد صلات متنامية مع دول عربية. 

وق تطور موز كانت الولايات المتحدة» بعد الحرب الباردة وانفجار 
أزمات البلقان» تغيّر في تعريفها لمسرح عمليات حلف مالي الأطلسي ولي 
مضمون نشاطه: انتقل المسرح نحو الجنوب وباتت التهديدات ذات صلة 
بالارهابء, وأسلحة الدمارء والتزاعات الفائقة عن حدودها والمتحولة إلى 
ديد إقليمي... وبرزت في وثائق الحلف» في الذكرى الخمسين لتأسيسه» 
مقاهيم حديدة تقول إن «الشرق الأوسط الموسّع» بات محال اهتمام أول لحلف 
مال الأطلسي. 

حصل هذا كله عشية تفجيرات 1 أيلول (حصلت معه أمور أحرى منها 
التغييرات المبكلية في بنية الجيش الأميركي وإعادة تموضعه في أوروبا). أي اننا كنا 
أمام شبكة علاقات شديدة التعقيد تشد بلدان المنطقة إلى الولايات المتحدة» 
والاتحاد الأوروبي» و«الناتو». صحيح أنه يمكن استكشاف تباينات في أنماط 
العلاقات ولكن الأصح أفا تحاول أن ترسم أفقاً لا حيد عنه للعالم العربي: التسوية 
مع إسرائيلء الليبرالية الاقتصادية والانفتاح» والارتباط الوثيق .ع ركز نفوذ غربي أو 
أكثر. 

قررت الولايات المتحدة, بعد 11 أيلولء أن العا لم العربي الإسلامي هو 
حاضن التهديدات الموحهة ضدها. ماشاها كثيرون في بعض استنتاحاها وأيدوا 
حرها في أفغانستان. غير أن خلافات برزت في ما يخص العراق ونظرية الحرب 
الاستباقية ودعوات التفيير الميكلي للشرق الأوسط تحت عنوان «الثورة 
الدموقراطية». لقد بدا الانفراد الأميركي هو السمة الغالبة في مرحلة ما بعد الحرب 
الأفغانية. إلا أن هذا الانفراد اكتشف حدوده نتيحة عوامل متعددة: الكلفة المادية 


أميركا والمحافظون الجدد 405 


والبشرية للحرب في العراقء فوضى ما بعد الاحتلال والمقاومة والمطالبة بدور للأمم 
التحدة» ضرورة تطوير النموذج التدخلي في أفغانستان» حيوية إشراك آخرين في 
مرواجهة الأزمات مع كوريا (روسياء الصين» اليابان) أو مع إيران (فرنساء 
بريطانياء ألمانيا)... إل 
تراجعت واشنطن بعض الشيء تحت وطأة هذه الضغوط. والواضح أن ما 
سوف تقترحه على حلفائها ينطلق من فرضية تقول إن «الشرق الأوسط الموسّع» 
مسؤولية أميركية أوروبية. على أن التراحع يريد الاحتفاظ بجوهر ما استحد على 
السياسة الأميركية في العامين الأخيرين: تعيين شرق أوسط موسّع ومحدد بطريقة 
عشوائية كمسرح للعمليات خلال المرحلة المقبلة» إشهار مشروع شديد الجذرية 
في التعاطي معه باسم الديموقراطية؛ إسقاط الصراع العربي الإسرائيلي من أن يكون 
عنصراً محدداً في المشاكل والحلول؛ الارتضاء بأدوار هامشية للحلفاء على قاعدة 
المشاركة في الأعباء لا المسؤوليات. 
2004|2|19 


الشرق الأوسط الكبير: 
حذار الابتزاز 


لم بب مسؤول أميركي نافذ إلا وذكر بالخير تقارير الأمم المتحدة عن التنمية 
في الشرق الأوسط: حورج بوش» ديك تشيين» دونالد رامسفيلد» كولن باولء 
كونداليسا رايس» بول وولفويتز... ومع تضاؤل الأمل بالعثور على أسلحة الدمارٍ 
الشامل في العراق تتضخم الادعاءات الأميركية بأن الحرب لم تكن تملك هدفاً 
سوى وضع الجيش في خدمة برنامج الأمم المتحدة للتنمية و«حرقة» واضعي 
التقارير على الأوضاع المزرية لأمتهم. يبدو النسر العدواني 0 شاكلة حمامة إنماء. 
ولقد صاغ أركان الإدارة الأرق الديموقراطي في عبارات متنوعة» ولي مبادرات 
عديدة» قبل أن جحد صياغتها في مشروع سيطرح الصيف القادم أمام عدد من 
القمم الغربية والأطلسية 

وف مقابل هذه المحمة الإصلاحية الدكوقراطية لم يق مسؤول عري إلا ورفع 
عقيرته بالصراخ استنكارا. لقد بات الزاد اليومي لحكامنا التصريح ضد هذا المنطر 
الداهم والتحذير منه» وإبداء الاستعداد الخوض منازلة مصيرية معه. وحرى التركيز» 
في هذا السياق» على بجموعة من الأفكار والأطروحات. منهاء أولاًء أن الإصلاح لا 
يمعكنه أن يستورد من الخارج وأن يقفز فوق «عاداتناء وتقاليدناء وتراثناء وتركيبتنا 
السكانية» وثقافتناء وأغاط حياتنا...». ومنهاء ثانياء أن الغاية من هطول المبادرات 
الإجسلاحية صرف النظر عن الشغال بقضية فلضطين وشعبها وهذا ما إن تبتمح به 
أنظمة تغفو وتفيق على هم م «القضية المركزية». ومنهاء ثالث أن الحكومات تمارس 
إصلاحاً «بالقطارة» فليس جائزا استعجاها لأا أدرى بها تستطيع شعوها تحمّله. 

لم يتحول هذا السجال إلى حفلة ردح. ولكنه» بالتأكيد» حفلة أكاذيب يراد 
لحاء من الجانيين» تنفيذ أجندة ابتزاز. 

لنأخذ المبادرة الإصلاحية الأميركية. إن من يقرأها يصعب عليه أن يعترض 
على بند واحد فيها. فهي كناية عن سلة أفكار واقتراحات يصعب رفضها إلا إذا 

406 


أميركا والمحافظون الجدد 407 


كان المرفوض هو المرسل لا الرسالة. ولكن المشكلة «الوحيدة» معها أن لا علاقة 
ما بالسياسة الأميركية الفعلية. إن المبادرة في مكان والسياسة في مكان آخر لا 
تجمع بينهما إلا صلة واهية. 

لا شيء؛ في المبادرة» عن النفط» وتحرير التجارة والأسواق» ضمان الأرححية 
الإسرائيلية» ومكافحة الدول المارقة» وإنتاج أنظمة «صديقة») ومنع بزوغ قوة 
إقليمية» وتعزيز النفوذ الأميركي على سواه» ونشر القواعد العسكرية» وتنظيم 
آليات الاستتباع بالأطلسي» ومحاصرة التعبيرات الوطنية بصيغتها القومية أو اليسارية 
أو الإسلامية... لا شيء من ذلك علماً أن هذه هي» بالضبطء السياسة الأميركية 
في الشرق الأوسط الكبير. وتعريف هذه السياسة بصفتها كذلك مستقى من عدد 
لا يحصى من الوثائق الرسمية الأميركية ال يمكن لأي مبتدئ في العلوم السياسية 
مطالعتها وفهم محتواها. 

إن المبادرة الإصلاحية الأميركية هي الضرية الترويجية للسياسة الأميركية 
الفعلية. فهذه الأخيرة لا تنوي هز الاستقرار المفيد إطلاقاء ولا تبغي أكثر من 
عمليات تجميلية تحريها أنظمة صديقة» وتسعى إلى أن ترعى نشوء نخب مدينة لها 
يوحودها ودورها. إن السياسة الأميركية الفعلية مسؤولة إلى حد بعيد عن 
الأوضاع الكارثية الي تدعي المبادرة الرغية في إصلاحها. 

أما الاعتراضات الرسمية العربية على المبادرة فلها قصة أحرى. 

كيف بحرؤ أنظمة على الاحتحاج على فرض الإصلاح من الخارج؟ إن معظم 
حدودنا مفروضة من الخار ج» وكذلك مؤسساتنا الرسمية» واقتصادنا يوجهه 
صندوق النقد. وبعض سياساتنا الخارحية مستأجرة من الخارج. وإسرائيل فرضت 
علينا من الخارج وقبلناها. حي أسامة بن لادن صناعة خارجية» والقوات الي تحمي 
حكومات هي الأخرى من الخارج. إن كل ما هو مستورد مقبول إلا إذا فاحت 
منه رائحة إصلاحية. 

أما رفض الانشغال عن قضية فلسطين فزعم لا ينطلي على أحد. يكفي أن 
نراقب يومياً العسف الإسرائيلي ونقارنه بالتحاهل العربي (وأحيانا بالتواطو) حبق 
نسستنتج» بسهولة أن الحجة في غير محلها. غير أها تصبح وحيهة عند تقديمها 


408 الآن... هنا 


بشكل آخر. فالولايات المتحدة تتظاهر بأنها تضع الدرموقراطية شرطاً للتسوية 
باعتبار أن عالماً عربياً دموقراطياً لن يناهض إسرائيل الي سبقته في الدرموقراطية. أما 
الأنظمة العريية فتعرف أن كل فسحة حرية قابلة للاستغلال من حانب قوى تأحذ 
عليهاء أي على الأنظمةء تخاذها في نحدة شعب فلسطين وتخليها عن أي برنامج 
وطين. لذا فإها تميل إلى مطالبة الولايات المتحدة ببذل جهد للتسوية» وهو جهد لا 
تكلف نفسها به» حى لا تنشأ أوضاع قدد, في الوقت نفسه. المصالح الأميركية 
وركائزها انحلية. 

ييقى التلويح بأن الإصلاح جار فلا ضرورة لنسريعه حى «لا ينفرط العقد» 
كما قال أحد الرؤساء. هذا موقف أبوي بالمعنيين. .معن التقرير عن الشعب نيابة 
عند ونين شبط وبر الإجتلاح على وقع مشاريع «التوريت»: 

لقد كان موسفاً أن إصلاحيين عرباً وقعوا قي الفخ الابتزازي الذي نصبته هم 
أنظمتهم. لقد قاذم إلى فتح النار على «المبادرة»» وساعدهم في ذلك من أجل 
أن کے ارا تمرر من ورائه حضوعها الكامل للسياسة الأميركية. أي أن الحكام 
العرب راهنوا على وطنية إصلاحيين عرب ورفضهم لكل إملاء خارحي من أجل 
حماية نمج يقوم على الخضوع للإملاء الخارحي. 

لقد كانء ولا يزال» مطلوبا الدفاع عن الحس النقدي والوعي الاعتراضي» 
وتسخيف الدعوة القائلة إن المطالية بالتغيير في الأوضاع العربية باتت موضع شبهة 
لأن هناك؛ في واشنطن؛ من بارس الاستخدام الذرائعي لتقارير التنمية. 

2004010 


الشرق الأوسط الكبير: 


«إن مهمة حلف شال الأطلسي حماية أوروبا وأميركا الشمالية. لكننا نعتقد 
أنه لا يسعنا فعل ذلك ونحن قابعون في أوروبا الغربية أو وسط أوروبا أو أميركا 
الشمالية. علينا أن ننشر وعينا النظري وقوتنا العسكرية شرقاً وجنوباً. مستقبل 
الناتوء كما نعتقد, هو الشرق والجنوب: إنه الشرق الأوسط الكبير». هكذا 
حاطب السقير الأمير كي إلى الحلف نيكولاس بيرنز اجتماع براغ في تشرين 
الأول الماضي. لقد عقد الاحتماع أصلا تحت عنوان «الأطلسي والشرق الأوسط 
الكبير». 

«إن التركيز الاستراتيجي لحهود الأطلسي في النصف الأول من القرن الحادي 
والعشرين هو الشرق الأوسط الكبير... إن مصير الحلف يتحدد .عصير الشرق الأوسط 
الكبير». هذا مقطع من مقال كتبه السناتور الديموقراطي تشاك هاغل (23 1 2004). 

ينتمي كل من بيرنز وهاغل إلى «معسكر» أمير كي. غير أن اعتبار الشرق 
الأوسط الكبير مسرح اهتمام الولايات المتحدة الرئيسي» ولأجيال» يوحّد بينهما. 
أنه سياسة يلتقي حوها الدمهوريون والدكوقراطيون. 


* © © 


المبادرة الإصلاحية الخاصة بالشرق الأوسط الكبير لا تأت على ذكر حلف 
شمال الأطلسي لا من قريب ولا من بعيد. غير أن الملفت هو أنه ستكون مطروحة 
على اجتماع الحلف في اسطنبول بعد أسابيع. والملفت» أيضاء أن ألمانيا وفرنسا 
تحدثتا بلغتين مختلفتين عن دور الحلف في المنطقة قبل أن تعودا إلى توحيد موقفهما 
في المبادرة المشتركة الي صاغتاها وتنويان» أيضاًء عرضها في اسطنبول. 

عندما تحدث جوش كا فيشر منفردا ألمح إلى أن بلاده لن تزيد مساهمتها 
العسكرية في الشرق الأوسط الكبير (أي لن ترسل قوات إلى العراق) وإن كانت 

409 


لن تمارس حق النقض على قرار من هذا النوع. كذلك دعا فيشر إلى تطوير 
«المبادرة المترسطية للأطلسي»» وإلى تعزيز الشق الأمني من مسار برشلونة. 
وعندما تكلم دومينيك دو فيلبان بدا كمن يساجل نظيره الألماني. لقد أعرب 
الفرنسي عن تخوفه من أن يكون وجود الأطلسي في العراق «عنصر اضطراب». 
ولوحظ أن «اللاورقة الألمانية الفرنسية» وجدت صيغة لتحدث عن شراكة 
أطلسيةء أي أوروبية أميركية؛ في العلاقة مع «الشرق الأوسط الكبير»» كما أنها 
أشارت إلى ضرورة تعزيز «المبادرة المتوسطية». 


* © ة# 


و واشنطن زيادة دور حلف شمال الأطلسي في «الشرق الأوسط 
الكبير». ستفعل ذلك لأن القضايا الي تواجهها تنحاوز قدراتها لوحدها. الكلام 
عن «زيادة» الدور سببه أن الأطلسي موجود, الآنء في هذا الشرق الأوسط. 

إنه موحود أولآء في أفغانستان في أول مهمة عسكرية له حارج القارة 
الأوروبية (جرى تفعيل البند الخاص من معاهدة الحلف بعد 11 أيلول). إن قرات 
من دول الحلف تشكل «قوة الدعم الأمئ» الي انتشرت خارج كابول. وتريد لها 
واشنطن أن تتوسع أكثر وحىَ أن تشارك في الأعمال العسكرية الخاصة بمطاردة 
«القاعدة» وطالبان. إلا أن ثمة إشكالات هنا مردها أن الولايات المتحدة مترددة في 
تأمين الحماية اللازمة هذا الاتتشار. 

والأطلسي موحود» بشكل غير مباشرء في العراق. فالقوة البولندية تستفيد من 
«تقدياته» اللوجحستية. ومىّ أحذ في الاعتبار انضمام دول جديدة إلى الحلف بات 
في الإمكان القول إن قوات من 18 بلدا أطلسياً تساهم في «احتلال» العراق. 
وتسعى واشنطن إلى استقدام قوات من الحلف ل «مساعدقا» على قاعدة ما 
يقول تشاك هاغل من «إن سياستنا ومصاحنا المشتركة في الشرق الأوسط الكبير 
والعالم الإسلامي ستتأثر عا يحصل في العراق». إلا أن الأمين العام للحلف حاب 
دوهوب شيفر يشترط استصدار قرار من الأمم المتحدة» وصدور الطلب عن 
حكومة سيدة في بغدادء وحل الإشكال الأفغاني. 


أميركا والمحافظون الجدد 411 


وأخيراً. الأطلسي موجود ف المنطقة عبر «المبادرة المتوسطية». 

لقد أطلقت هذه المبادرة في فاية 94 في سياق السعي إلى توسع الأطلسي 
شرقاً وعقد اتفاقات من أجل السلام مع دول كانت في حلف وارسو. لقد 
اعقيرء وقتذاك أن تحوّل القارة الأوروبية إلى منطقة تعاون لا مواجهة جعل 
التوتر ينزاح جنوبء وجعل الأميركيين والأوروبيين يواجهون مشكلات 
وتحديات (إرهاب مخدرات» هجرة» أسلحة دمار...) مصدر دول حنوب 
المتوسط. 

وقي حين كان الاتحاد الأوروي يطلق مسار برشلونة» وله شقه الأميْ» دفعت 
الولايات المتحدة نحو «المبادرة الأطلسية للمتوسط» واستدرجت إليها: تونس» 
المغرب» الجزائر» مصرء الأردن» موريتانيا و...إسرائيل. 

كانت الفكرة أن دولاً عربية ترفض «التعاون الأمئ الصلب» لذا وجب أن 
يعرض عليها «التعاون الأمي المخفف: حوارات تبادل خبرات» مناورات» 
حطوات بناء ثقة» تدريب... فهذه الأشكال هي أكثر الممكن في ظل الصورة 
السيئة ل «الأطلسي» في العالم العربي. ثم أفاء حسب دراسة ل «راند» تأحذ 
في الاعتبار وضع النزاع العربي الإسرائيلي. تقول موسسة «راند» إن «سوال 
أواسط التسعينيات ليس إذا كان على الأطلسي أن يلعب دوراً في المتوسط بل عن 
ماهية هذا الدور». 

لقد كان تقدم «الحوار المتوسطي» بطيئاً وإنما مثمر. وثمة مطالبة أميركية 
وأوروبية» اليوم» للبناء على ما أنجز من أجل الإحاطة بتحديات ما بعد تفجيرات 
1 أيلول وما بعد احتلال العراق. 


© ©» © 


الأطلسي» إذاء موجود في الشرق الأوسط الكبير. وهو «مدعو» إلى تعزيز 
هذا الو جود. وقي الإمكان استخلاص ما هو مشترك في المواقف الألمانية 
الفرنسية من جهة: والأميركية من جهة ثانية. كما في الإمكان توقع التباينات 
والمخارج الحتملة ها. 


إن قمة اسطنبول ستشهد؛ على الأرحح» اتخاذ قرارات. ولكن ما يتوجب 
التنبيه له» ربماء أن «الزحف جنوبا» بدأ منذ منتصف التسعينيات. هذا أولاء ثانيا 
إن هذا الزحف لا يزال في بدايته ولا زالت أشكاله بدائية بعض الشيء. إنه يتقدم 
بقدر تقدم التوافقات الغربية» وبقدر عجز المنطقة عن توليد نظام أمئ مستقل. 
وبقدر ما أن العجز كبير فإن التوافقات الغريية إلى اتساع. إن فرنسا تكاد تكون 
البلد الوحيد الذي يظهر مقاومة... متراجعة. 
عبثاً نبحث عن الأطلسي في مبادرة الإصلاح الأميركية. والسبب بسيط إن 
الصلة واهية جذا بين المبادرة المذكورة وبين حقيقة السياسة الأميركية. 
200001 


الشرق الأوسط الكبير: 
المشترك بين أميركا وأوروبا 


من الأفضل للعالم أن يكون تعددياً. إنه كذلك بع ما وإن كانت الإدارة 

الأميركية الحالية تمارس انفراداً ملحوظاً في بحالات كثيرة. إلا أن من المفترض أن 
نلاحظ أن تعددية اليوم» ولو الجزئية» هي غير قطبية الأمس. فهي لا تقوم على 
امتلاك كل حور أو مركز رسالة عالمية تناهض رسالة يحملها حور أو کر ار 
وإذا كان من تمايزات سياسية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مثلاء إا 
تمايزات تخترق دول الاتحاد كما تخترق السجالات الأميركية كما هو بين في الحملة 
الرئاسية الحالية. 

تظهر هذه الحقيقة التعددية هي غير القطبية في ما يسمى المبادرات الأميركية 
والأوروبية للإصلاح في الشرق الأوسط الكبير. لسناء إطلاقاء أمام مشروعين 
متنافرين كما كان يمكن أن يكون الأمر أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة 
والاتحاد السوفياني. نحن أمام مشروعين متكاملين مطروحين أصلاً لنقاش أولي في 
هيئات تضم دول الغرب وتضيف إليها روسيا مرة (قمة الثماني) أو تركيا مرة 
أخرى (قمة حلف شمال الأطلسي). 

إن الجذر المشترك في المسبادرتين الأميركية والأوروبية أكبر ما قد يتصور 
البعض. هذه بعض محاوره: 

أولاً لا يعادي أي من المشروعين النظام الرسمي العربي الراهن. صحيح أن 
الأوروبيين أكثر تشديداً على «المشاركة» ولكن الصحيح» أيضاء هو أن هذا ما 
انتهى إليه الأميركيون بسرعة. لا بحال للكلام عن مديد للاستقرار الضامن 
للمصالح الغربية. كل ما في الأمر هو تطعيم الوضع الراهن عير استحداث 
أدوات تدخل عليه قدرا بسيطاً من التطوير. وفي الحالتين معاء وفي الحالة 
الأميركية تحديداء لن نحد تعريفاً للسياسات الفعلية الي تعرف المصالح الوطنية 
والاستراتيجية ما يمكن من تحديد موقف من هذه السياسات. كل ما نجده هو 

413 


نوع من القنابل الدحانية الي تتقدم السياسات في ظلها. 

انيا إن منظومة المبادئ الى يتم التبشير ها واحدة: الدكوقراطية» حقوق 
الإنسان» حكم القانون» الحاكمية الجيدة... إا المنظومة نفسها الي يقال في أورويا 
وف الولايات المتحدة إفا في أساس العلاقة الجامعة بينهما. 

ثالثاً إن تحرير الاقتصاد حاضرء على قدم المساراة» في المبادرتين: دعم القطاع 
الخاص» فتح الأسواق» الانضمام إلى منظمة التحارة» حسن التعامل مع المؤسسات 
النقدية الدولية» تغيير البيئة التشريعية لتصبح حديقة للاستثمار» والأحني منه 
تحديداء تطوير التعاون البيين» الارتباط بالعولمة. إلم... 

رابعا البُعد الثقافي واحد في المبادرتين: التسامح» نبذ التعصب والعنصرية» 
إصلاح الأنظمة التعليمية» تمكين المرأةء الانفتاح على الخار ج» زيادة الاعتماد على 
التكنولوحيات الحديثة في الاقتصاد والاتصال والتعليم حوار الثقافات» احترام 
الأقليات والأفراد... 

خامساً كذلك تنهض المبادرتان على أسس مشتركة لحهة الدعوة إلى مكافحة 
الإرهاب بكل أشكاله, وعدم اللجوء إلى العنف حل المنازعات» واعتماد الاعتراض 
السلمي حى على الاحتلال» والتخلي عن أسلحة الدمار الشامل ولو من طرف 
واحد» وحسن الجوار» إلم... 

يعني ما تقدم أنه عندما تنظر النخب الأوروبية إلى بعيد فإها لا ترى شرق 
أوسط كبيرا مختلفاً في شيء عن ذلك الذي تراه النخب الأميركية. 

ومع ذلك يمكن تعيين نقاط تمايزء العراق وفلسطين أساساً. ولكن» حت في 
هذين العنوانين» يبقى الحذر المشترك متيناً. 

ففي ما يخص العراق لا خلاف بين الطرفين على ضرورة إنماح مرحلة ما بعد 
الحرب الي سبيت خلافات. لا يمكن لأي أوروبي أن يتمى فشل المشروع 
الأميركي لعراق حديد مسالم. إن الاختلاف محصور بدرجة الاستثثار الأميركي 
با ملف العراقي ويترحم هذا الاختلاف نفسه يأهمية الدور المعطى للأمم المتحدة 
وبشروط زيادة استخدام حلف شمال الأطلسي» وبدرحة إشراك العراقيين في العملية 
السياسية فورا. 


أميركا والمحافظون الجدد 415 


وني ما يخص فلسطين لا تباين بين الطرفين على أمن إسرائيل وحمايتهاء لا 
بل حقها في التوسع الحدود في الأرض الحتلة عام 67: وكذلك حقها في رفض 
عودة اللاحتين صيانة لطابعها اليهودي. كذلك لا يتباين الطرفان على إدانة 
العمل العسكري كأسلوب ف المقاومة خاصة عندما يطال مدنيين. وأخيراً ثمة 
أساس متنام لاعتبار السلطة الفلسطينية فاسدة وغير متحمسة أو غير راغبة في 
حل 0 3 

يبقى أن خلافا نظريا يباعد بين الأوروبيين والأميركيين. فالأوائل يعتبرون 
أن حل النزاع العربي الإسرائيلي شرط للتغيير الكبير في الشرق الأوسط لأنه 
يسمح بالضغط من أجل ديموقراطية لا تحمل خطر وصول قوى راديكالية. أما 
الأخيرون فيعتيرون أن النزاع لم يعد يحتل المكانة الي كان يحتلهاء وأن في 
الإامكان فميشهء وأن هذاء بالضبطء ما يحاولون فعله في العراق بعد احتلاله 
حيث لا يبدو موقفهم من القضية الفلسطينية مصدر اعتراض عراقي جوهري 
على سياستهم (ثمة مصادر اعتراض أخرى). يدرك الأميركيونء في الواقع» 
أن نجاحاً في حل النزاع يسهّل الأمر أمامهم ولكنهم واثقون من قوتمم إلى 
حد أفم يرفضون تقدم مشروعهم هذا الحل. أضف إلى ذلك أن من غير 
المكن» من وحهة نظر أميركية» إعطاء ياسر عرفات حق النقض على 
مشروعهم العراقي. 

إن التباعد في الشأن الخاص بالنزاع قابل للتسوية أوء على الأقل» لقدر من 
التقارب. فبإمكان الولايات المتحدة الموافقة على أن حل النزاع عنصر دفع كما 
بإمكان الأوروبيين كما جاء في ورقة حوشكا فيشر فك الارتباط جزئياً بين 
«الإصلاح» والتسوية. 

كذلك يمكن للطرفين أن يلتقيا عند الفكرة القائلة بأن حل النزاع مرهون 
أكشر عا يتوحب على الفلسطينيين (والعرب) فعله لا عا يتوحب على إسرائيل 
وأرييل شارون. ولمة مؤشرات أوروبية في هذا الاتحاه ليس معروفا بعد ما إذا كان 
الحدث الإسباني سيلجمها. 

إن ما هو مشترك بين أوروبا وأميركاء وما هو مختلف عليه وما هو قابل 


للتسوية يرسم؛ إلى حد بعيدء المناخ الدولي الذي يتحرك العرب فيه. إنه مناخ 
لا علاقة له بذلك الذي ساد أيام الاستقطاب الدولي. يفترض أخذ ذلك 
بالاعتبار في السياسات العربية كلهاء الرسمية والشعبية» سواء حيال قضايا مثل 
العراق وفلسطين» أو حيال قضايا ذات صلة بالوجهة الاقتصاديةء والمضمون 
الاحتماعي لحركات الاعتراضء وتحديد العناوين العريضة لنهضة عربية 
مأمولة... ومؤجلة! 

2004|3|19 


الشرق الأوسط الكبير: 
إننا نسبح في بحره 

إذا أراد القارئ المشاركة في بناء «الشرق الأوسط الكبير» فالمحال مفتوح 
أمامه. يدحل إلى موقع على شبكة «إنترنت». يقرأ عن الأفكار المطروحة للإصلاح 
الاققصادي والسياسي والتربوي وعن تمكين المرأة. يتبين المشروعات المقترحة. 
ينتدب نفسه لواحد منها أو يبتدع فكرة حديدة تصب في هذا الاتحاه. يحدد الكلفة 
الي يطالب ماء والمشا ر كين» والمنظمات غير الحكومية المستعدة. يعرض الصدى 
الإعلامي الذي ينوي توفيره. ينضبط بصياغة محددة لتقدم الفكرة. يوجه رسالة 
إلكترونية إلى اسم محدد بدقة. ينتظر الجواب ومعه تحديد المبلغ بالدولارات. يوافق 
على التعاون مع وزارة الخارجية الأميركية وهيئاتها ومؤسستيها الفرعيتين في تونس 
وأبو ظي ومع السفارات والقنصليات. يتعهد بالتنازل عن حقه لصالح حكومة 
الولايات المتحدة الجهة التصرف بالمعطيات الي يمكن توفيرها... وهكذا يستطيع 
القارئ» أي قارئ» أن يكون لى استدراج العروض الأميركي من أجل المساهمة في 
«إصلاح» الشرق الأوسط. 

سيكون E‏ بعد هذه المقدمة» القول إن مشروع «الشرق الأوسط 
الكبير» الذي اصطدمت به قمة تونس فأرجئت... غير موجود! إنه غير موحود 
كنص رسمي واضح المعالم والأفكار. لا بل يقول أصحابه عنه إن الورقة الي 
تسرّبت حاملة اسمه معرّضة لتعديلات لا تحصى. 

المشروع وهبي» حى الآن. غير أن المشروع الآحرء الواقعي, والموجود فعلء 
والذي يتم استدراج العروض باسمه هو: مبادرة الشراكة الشرق أوسطية. 

أول من تحدث عنها هو كولن باول في 12 كانون الأول 2002. ثم تولى حورج 
بوش لاحقاً أمر التفصيل وخاصة في خخطابه الشهير أمام «اللجنة الوطنية لتشجيع 
الدكوقراطية» والذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة؛ في حروها من أحل نشر الحرية» 
وصلت إلى منعطف» وأا باتت تنوي التركيز «لعقود» على الشرق الأوسط. 

417 


8 الآن... هنا 


تنهض «مبادرة الشراكة الشرق أوسطية» على أربعة محاور: الإصلاح 
الاققصاديء الإصلاح السياسيء الإصلاح التربويء ممكين المرأة. غير أن المبادرة 
الواقعية؛ عكس «الشرق الأوسط الكبير» الذي لم يتبلور» تملك ميزانيات (فوق 
المئة مليون دولار للعام 2004)» ومؤسساتء وهيثات» ومكتب تنسيق في الخارجية 
(تديره أولانا رومانوفسكي بعد انتقال اليزابيت تشين إلى العمل قي الحملة 
الرئاسسية)» وفروعا في الخارج» وشركاء من القطاع الخاص (سييّ غروب» 
ك وكاكولاء موتورولا. اكسون موبيل... إلخ)» وتتعاون مع وكالات عديدة تابعة 
لغير وزارة أميركية. 

المعنيون ب «مبادرة الشراكة» ليسوا كسالى. لقد أشرفواء خلال شهورء 
على عقد عشرات الندوات الإقليمية» في كل من الجزائر» البحرين» مصرء الأردن» 
الكويت. لبنان» المغرب» عمان» قطرء العربية السعودية» تونس» الإمارات اليمن» 
الضفة الغربية وغزة... فعلوا ذلك بحضور آلاف الأشخاص وبالتعاون مع أرفع 
المسؤولين ومع عدد لا يحصى من المنظمات غير الحكومية. ويمكن القول؛ بلا 
مبالغة» إن المواد البحثية المتحمعة من هذه الندوات والمناقشات الى تستدعيهاء 
تشكل مكتبة ثرية جدا تفيض عمًا يحتاج اليه كل من سيعكف» لاحقاء على وضع 
تصور «الشرق الأوسط الكبير» وحاجاته «الإصلاحية». عناوين الندوات تغطي» 
بالتفصيلء اهاور الأربعة الي أشرنا إليها: تدعيم الدركوقراطية» تدعيم التشريع» 
الشراكة من أجل التقدم المالي» التربية الاقتصادية والمواهب الشيابية» برامج الربط 
الجامعيء استقصاء حرية المرأة» المرأة كقائد سياسي: التجربة الأمي ركية» السفراء 
الشبان إلى الولايات المتحدة» برنامج إقليمي للشفافية والحاسية» برنامج القروض 
الصغيرة؛ الاصلاح القضائي والقانونء إدارة القضاءء شراكة الأعمال بين 
الشابات» الحقوق القانونية للمرأة العربية... 

وتستضيف بيروت» هذه الأيا واحداً من هذه الأنشطة. افححه أمس الأول 
الس فير فنسنت باتل. عنوانه «مشروع الشفافية والمحاسبة والإدارة الحيدة». يحضره» 
فضلاً عن أمركيين؛ «المسوولون عن المنظمات غير الحكومية العرب الذين يشاركون 
في مشروع الشفافية والحاسبة والإدارة الجيدة الذي تموّله الوكالة الأميركية بالتعاون مع 


أميركا والمحافظون الجدد 419 


«الشراكة الشرق أوسطية...». قال السغير الأميركي في الافتتاح «إن مبادرة الشراكة 
وجحدت لدعم مساعي الإصلاح الاقتصادي والسياسي والتربوي في الشرق الأوسط 
ولتشجيع الفرص لجميع الناس في المنطقة وحصوصا النساء والشباب. إن هذه المبادرة 
تجهد لتربط بين القطاعات الخاصة العربية والأميركية والعالمية من جهة, والموسسات 
غير الحكومية وعناصر الحيئات الأهلية والحكومات من جهة أخحرى» لتطوير سياسات 
حديثة وبرامج تدعم الإصلاح في المنطقة؟ 

مالا يقوله بوضوح السفير باتل يقوله مسؤولون أميركيون آخرون. مارك 
غروسمان» مثلاًء الذي جال ف المنطقة» يشرح «الشرق الأوسط الكبير»» وأوضح لكل 
من التقاه أن «ميادرة الشراكة الشرق أوسطية» هي التمرين العملي الذي تحريه 
الولايات للتحدة من أحل تطويره» وإدخال شركاء إليه» ليصبح «الشرق الأوسط 
الكبير». ومن يقارن الوثائق الخاصة بالمشروعين يدرك بسرعة أنه» في الواقع» أمام فرق 
في درحة امو فحسبء وأمام صيغة منقحة تسمح .مشا ركة الخلفاء الغربيين للولايات 
التحدة» وريا بصهر المبادرات جميعاً في مشروع واحد. صحيح أن «الشرق الأوسط 
الكبير» يتوسع نحو دول غير عربية (تركياء أفغانستان» باكستان)» ولكن الأصح هو 
أن الجوهر واحد ببنه وبين «مبادرة الشراكة». 

يعن ما تقدم أننا نسبح» منذ سنة ونصفء في بحر «الشرق الأوسط الكبير». ولي 
وقت ووحهت «مبادرة الشراكة» بصمت مطبق؛ لا بل بتعاون فعال من جانب 
المنطقة وحكوماتها وبعض هيئاتها الشعبية» ووجه المشروع الافتراضي ل «الشرق 
الأوسط الكبير» بحملة قل نظيرها أدتء في ما أدت إليه» إلى تعطيل انعقاد قمة عربية! 

يصعب فهم هذه لمفارقة. غير أن واقع الحال يقول لنا إن هناك من كان 
مهتماً بتوحيه الأنظار نحو معركة شبه وهمية من أحل تمرير ما يحصل فعلاً من 
تدحل خحارجي» ومن أجل التعبئة ضد فكرة «الإصلاح»؛ ومن أحل التمنع» باسم 
الوطنية والقومية والخصوصية والموية» عن مساءلة أنظمة لا تفعل سوى تأبيد القمع 
والالتحاق والتبعية. 

20041 


من عوارض 
«التصلب النفسي» 

لا يحب حورج بوش الموتمرات الصحافية. ولا هي تحبه. عقد واحداً في العام: 
بعد شهر من 11 أيلول» وعشية الحرب على العراق. وفحر أمس. دام الأخير ساعة 
في حين كان يمكنه ضرب الرقم القياسي في الاختصار. كما في التقدم كذلك في 
الأحوبة كانت اللازمة واحدة: ستكمل المسيرة. حاول الصحافيون المستحيل» 
أشاروا إلى تعقيدات لا تحصى» ذكروا متاعب العراق وتحقيقات لحنة 11 أيلول» 
ولكن الجواب كان يهبط مثل المقصلة: عبارات مكررة مهد ل «سنكمل 
المسيرة». ومع انتهاء اللقاء كان الحاضرون والمشاهدون على بينة من أنه 
«سيكمل» لكن الغموض بقي محيطا هذه «المسيرة» العزيزة على قلبه. 

رعا كان الأحدر أن نفتش عن الجديد في الأسئلة. لقد كانت عدوانية 
تستحضر «فيتنام» وزعم ديك تشي عن «استقبال المحررين»: وعن «أسلحة 
النمار الشامل المفقودة»» وعن المسؤولية الشخصية في عدم منع 11 أيلول» وعن 
رفض الاعتراف باي خطأء وعن نية الاعتذار من الأميركيين» وعن الفشل في 
حسن الاتصال بالأمي ركيين... 

عبثاً. المسيرة المستمرة لا تحتمل ترف الأسئلة. و«رئيس الحرب» لا يمكنه إلا 
أن يظهر عنادا يلامس العارض المعروف ب «التصلب النفسي». لا بل أن وظيفة 
الموتمر الصحافي الأخيرة التأكيد للأميركيين أن الرئيس على عناده حي لو أدى ذلك 
إلى قيام المعارضين بحملة لوم وقيام الموالين بحملة دفاع ترفع من شأن الثبات على 
الموقف والتمسك ب «الوضوح الأخلاقي». 

للحواب» حى لو كان وحيداء ترجمات متعددة: لا تغيير في النهج؛ موعد 30 
حزيران مقلس» قد نزيد عدد القوات وندفع أموالاً إضافيةء إن ما نفعله حزء من 
الحرب ضد الإرهاب» العراق الحر تأكيد للعالم على مصداقية أميركاء المقاومون 
بقايا نظام بائد وإرهابيون من الخارج وراديكاليون شيعة لا عثلون شيعاء التقدم 

420 


أميركا والمحافظون الجدد 421 


مستمرء وحين أسلحة الدمار الشامل لا يمكن استبعاد العثور عليها... 

والواضح أن هذه «الترجمات» لا تجيب على أسئلة كثيرة تطرحها حنة 
التحقيق في ما سبق 11 أيلولء وهي أسئلة اتهامية حطيرة» ولا بحيب على التعث 
الواضح في العراق وما يمكن أن يتركه من تأثيرات. وخخلاصة هذه الأسئلة في 
الحالين» أن الرئيس الذي تأحر في التعاطي الجدي مع هديدات القاعدة تسرّع: هو 
نفسه» في الذهاب إلى محاربتها حيث هي... غير موحودة. لم يتعامل بوش مع هذه 
المعادلة إلا في شقها الثاني وبشكل سطحي. 

وهذا للعن كان المؤتمر الصحافي انتخابياً بامتياز. فكل ما له علاقة بلحنة 
التحقيق لا يبدو مؤثرا على شعبيته بين الناحبين. لذا حاول عدم التطرق إليه إلا 
e‏ يقول شيئاً. ومن دون أن يكون قال شيئاً مهماً في ما 

يخص العراق فمن الواضح أنه بات يحسب حساب الموضوع في حملته وحظوظ 
حاحه. 

أراد أن ييدوء في العراق» رئيس القناعات القوية. غير أنه بدا كذلك إلى حد 
أنه ظهر كمن يتجاهل الوقائع ويمتنع عن تقلع أي اقتراح جديد عا في ذلك إعلان 
اسم من اختاره سفياً في بغداد حلفا لبول بركر. 

م يكن بوش توول يتحدث بعد سقوط عدد من القتلى في العراق يعادل» 
نسبياء ثلاثة أضعاف عدد الذين سقطوا في تفحيرات 11 أيلول. لقد قفز فوق 
حقيقة أن ذلك حصل بعد عام على سقوط بغداد, وأنه يتحاوز في كابوسيته أكثر 
السيناريوهات الأميركية سوداوية (كانت كلهاء في الحقيقة» وردية). وكان 
واضحاً أن الصحافيين يستحدونه الاعتراف ولو بخطأ واحد (رعا يكون في ذلك ما 
يبرّر أخطاء البعض منهم) وأنه كان يرفض ذلك بإصرار على أساس أن «الإكمال» 
يفترض حسن «لمسيرة» الأصلية. غير أن دفاعاته اهتزت لحظتين. مرة عندما سل 
عن احتمال زيادة عدد القوات. أحال السائل إلى حون أبي زيد. ومرة حين ستل 
عن التركيبة العراقية التي ستتسلم السلطة. أحال السائل إلى... الأحضر الإبراهيمي! 
لأبي زيد الحرب» وللإبراهيمي التسوية» وللرئيس مؤئرات قليلة لاحقة يكمل فيها 
مسيرة بانت غامضة. 


22 الآن... هنا 


«المسيرة» في رأي الرئيس هي سلسلة محطات سعيدة: تسليم السلطةء إحراء 
الانتخابات» التصديق على الدستورء إحراء انتخابات... ولكن الواضح» حى 
الآنء أن السعادة لم تكن حاضرة في مواعيدها. وهذا لمعن لم يكن بوش مقنعا في 
أنه سيراكم بجاحات لاحقة تكفي لتحويل العراق إلى منصة إطلاق «الشرق 
الأوسط الكبير». 
لم يكن بوش مقنعاً لوليام كريستول. وف هذا ما يغ عن كل تعليق. 
في المقابل كان أرييل شارون مقنعاً لبوش. وفي هذاء بدوره» ما يغ عن كل 
2004415 


من غوانتانامو إلى أبو غريب 


بانت رؤية جورج بوش يتكلم يعشيء يحرك ذراعيه تحبياء يكرّر ترهاته» 
يكذبب» يتوعّد, إلخ... باتت جرد الرؤية هذه ,كثابة تعذيب. إن الأحساد المهزومة 
في سجن أبو غريب الأجساد المهانة» ووحه تلك الشابة الأميركية الضاحكة» 
الممسكة بسيجارقاء الحازئة من «رحولة» العراةء إن تلك الأحساد وذلك الوجه مما 
لا ينى. غير أننا قد لا نغفر لمؤلاء المساكين أنهم السبب في تشحيع حورج بوش 
على القيام .عحاولات أخرى من أحل «كسب العقول والقلوب». لماذا يصر الرحل 
على هذا التمرين السخيف؟ لقد حارب وانتصر وليس مطالباً إلا بإفهام الخاسرين 
أن لا أفق لحم يتحاوز الأفق الذي يرسمه» وبأفم» في حقيقة أمرهم» «جسد 
مهزوم». 

ليس مقبولاً أن يتحول الاعتذار الأمي ر كي إلى «الحدث». لقد سبق 
للتظاهرات ضد مجحازر صبرا وشاتيلا أن احتلت المقدمة طاردة المذيحة إلى الخلف. 
وها نحن بعد عشرين عاما ونيف في حضرة بطل هذه الحازر» وفي مواجهة مشروعه 
الأصلي» مع فارقين مهمين: نبحث عبئا عن التظاهرات» وتكتشف كم أن 
المستميت في «كسب العقول والقلوب» شريك أساسي في تدعيم العدوانية 
الشارونية. 

وليس مقبولاً الزعم أنه لا جوز لبضعة جنود أن يشوّهوا «المهمة التمدينية» 
الأمير كية. وقائع أبو غريب هي الحد الأقصى للمشروع الأمي رركي الأصلى حن لو 
أا لم تحصل. لقد بوشر ما في حملة الأكاذيب المائلة الي مهدت للحرب» وحرى 
التأسيس لما في غوانتانامو» وضربت الحماية لها ممخالفات الشرعية النولية 
والقرارات والمعاهدات الخاصة بالحروب. وهي ليست بعيدة عن قلة الاكتراث 
بالتخطيط لما بعد الحرب» ولا بترك الأمور على غارها بعد سقوط بغداد. ثم إا 
جزء من قتل يومي يطال المدنيين (أكثر من ألف خلال شهر نيسان وحده)» ومن 
سلوك متعسفء ومن جرائم ارتكبت ولم تحظ بالاهتمام الكافي ولا بالتغطية 

423 


424 الان... هنا 


الإعلامية اللازمة.وتدل تصريحات أميركية كثيرة» بعضها لمن كان في مسرح 
الحدث؛ أن المرتكبين لم يكونوا بضعة جنود فقط. لقد تلقوا أوامر واضحة» وطُّلب 
منهم «إعداد» المعتقلين للتحقيق: وتدخلت أجهزة وهيئات على مستويات عالية 
من أجل نزع طابع العفوية عن الجررعة. 

ولقد بات واضحا أن الوقائع تعود إلى أشهر والتحقيق فيها إلى أسابيع» ومع 
ذلك لم يكلف رئيس الأركان نفسه عناء قراءة التقرير» ومثله فعل وزير الدفاع» لا 
بل يشتمٌ من كلامهما التخفيف من أهمية الأفعال الجرمية. 

تعيش السياسة الأميركية تناقضاً. فهي مضطرة» في الداخل» إلى التعبئة ضد 
أعداء ينوون يما شر وهي مضطرة» في الخارج؛ إلى رفع لواء الديموقراطية والحرص 
على «معالمحة» هولاء الأعداء لنقلهم من حالة إلى حالة. وتكون النتيجة أن 
منسوب العداء للعرب والمسلمين يرتفع داخل الولايات المتحدة» كما أن الجنود 
الأميركيين في العراق لا يفهمون كيف تحولت ورود أحمد الجلبي في استقبالهم إلى 
سلبية. ورعا كان طبيعياً أن ينتج عن هذا التناقض سلوكيات تدل صور أبو غريب 

إن التعالي الاستعماري هو في أساس التبريرات الأميركية اللاحقة للحرب ف 
«تحرير» العراقبين بالنيابة عنهم لا يقود إلا إلى شعور بالتفوق يمكنه أن يصبح 
مرضيا إذا قوبل يححود من بعض المنوي تحريرهم. 

ويمكن اكتشاف جانب من هذا التعالي الاستعماري حى في عدد من المواقف 
الاستنكارية. فالحديث عن «العيب في تعرية العربي»» والإشارة إلى «التناقض مع 
ثقافة المواطنين الأصليين وأخلاقهم»» والتركيز على رفض العراقيين «عبث المجندة 
برحال عراة»... إن هذه المفاهيم» وغيرهاء تستعيد» ببساطة» قاموسا استعماريا 
قدي يعج بالمفردات عن «بساطة سكان الأرض المفتوحة»» و«بدائيتهم»» 
و«طبيعيتهم» وعجحزهم» بسبب من التخلف» عن عدم فهم سبب انتقال نوادي 
العراة من ضفاف المحيط إلى ما بين النهرين. 

أليس تعالياً استعمارياً ما يردده كولن باول وكونداليسا رايس في معرض 
الشرح بأن رئيسهما لم يقدم إلى أربيل شارون شيئاً ذا أهمية ومع ذلك فإنه يرفض 


أميركا والمحافظون الجدد 425 


تقدم شيء كثل عدم الأهمية نفسه إلى أي مسؤول عربي؟ هذا النوع من «تطييب 
الخواطر» جدذير بالقاصرين فقط› وهو دليل احتقار استثنائي لذوي «العقول 
اليس تعالسيا تسين حورن نيغرويونيَ سفيرا في العراق؟ أليس تعالياً تسليط 
متعاقدين مع شر كات خاصة (تقوم بتلزيم من الباطن لش ركات مكتومة الموية) 
لتعذيب العراقيين وإهانتهم؟ أليس تعاليا رفض البحث في تشكيل لحنة تحقيق 
محايدة؟ وعكن الاستطراد... 
سنجد من يقول إن حورج بوش» على عكس صدام حسين» انزعج من 
فعلة جنوده. إذا كان هذا هو التعليق الوحيد ففيه ما بؤ كد وجاهة التعالي وما يقلل 
من فداحة التمثيل بالأحساد الحية المهزومة. 
20046 


الشرق الأوسط الكبير: 
رفع الشبهة عن الإصلاح 


ثمة سياستان معاديتان للعرب في بعض الدوائر الغربية. تقول واحدة إن العرب 
والدريكوقراطية ضدان لا يلتقيان. ترفض الثانية هذه الأطروحة. وتروج» باسم القيم 
الكونية و«رفض الاستثناء»» لتغيمرات جذرية يمكن توريدها إلى المنطقة في حين أنهما 
تقصد التغطية على استهداف راديكالي لا يدرج الديموقراطية للعرب إطلاقاً على 
جدول أعماله. وبين هاتين السياستين هناك من يقول إن الدكوقراطية ممكنة لكن 
درا طويل وصعب» ووسيلتها إشراك المنطقة ونخبها تدريجاء وشرطها تقدم أحوبة 
مقنعة على التطلبات الوطنية والقومية لهذه المنطقة. 

واللافت في ما قر عليه الرأي لي قمة الشماني؛ بحضور قادة عربء أن التوليفة 
هجينة جداء وأنها لا تفيض إطلاقاً عن قدرة النظام العربي الرسمي على الاستيعاب» 
في حين أنها قاصرة حدا عن تلبية التطلعات الفعلية للمنطقة وأهلها. ولم يكن مكنا 
التوصل إلى غير ذلك في حضرة قادة إما غير منتخبين؛ وإما منتخبين في ظروف 
مشكوك فيهاء وإما معينين من قبل قوات احتلال. ولقد لوحظ أن الأقل بينهم 
نتاجاً لحد أدن من اللدموقراطية هو الذي لقي الترحيب الأكثر حرارة من جانب 
جورج بوش! 

ما خرحت به قمة الثماني من وصفات إصلاحية هو كناية عن فقرات 
مر صوفة تتحدث عن مساعدات» وبرامج» ومبادرات» وخطط» وتحويلات» 
وشبكات» وفرق عمل... كلام فضفاض لا يرتفع إلى ما تتولاه في المنطقة 
هيكات دولية ليس أقلها صندوق النقد وسياساته الخاصة ب «إعادة الهيكلة»» 
ولا مسار برشلونة؛ ولا مبادرة الشراكة الأميركية مع الشرق الأوسط... وعكن 
الاعتقاد بأن التهويل الأميركي السابق ب «الثورة الدموقراطية» انتهى» بعد 
استنفاد أغراضه؛ وبعد التحربة العراقية» إلى صففة بين الدول الأكثر تصنيعاء 
وبينها وبين النظام العربي الرسمي. 

426 


أميركا والمحافظون الجدد 427 


لقد حرّرت سي آيلاند المطلب الإصلاحي الجدي من أي شبهة وبات في 
إمكان من يريد من العرب أن يستأنف جهده التغييري من غير أن يكون متهماً من 
أنظمة الالتحاق نفسها بأنه بوق لمصالح خارجية. أي إنه بات في الإمكان» نظرياء 
تحديد الروابط بين التطلب الوطي والقومي والتطلب الديموقراطي واعتبارهماء معأ 
في مواجهة مع المركز الإمبراطوري ومنظومة السيطرة الإقليمية الي ممح في إقامتها 
لنفسه منذ السيعينيات. 

عند التدقيق في خطط الإصلاح كلهاء عا فيها الأوروبية أي الأقل تشبعاً 
بروح عدوانية» سيتم الاكتشاف أن هناك ثالوثاً عريياً معنياً بالمخاطبة: الحكومات» 
قادة المال والأعمال» منظمات الحتمع المدني. 

ويستحق هذا الثالوث» من وجهة نظر عربية؛ وقفة تقوكية سريعة. 

إن النخب العربية الحاكمة تدين بولاء سياسي عميق (ومخجل) للولايات 
المتحدة وسياستها الدولية والإقليمية. ويشترط هذا الولاء غياب الشعوب العربية أو 
تغبيبها ولر كان ذلك عبر استثارة غرائز تحاصر ما تبقى من عقلانية. ولم يسبق 
للوضع العربي أن تعايش مع فضيحة ,عثل فضيحة التبعية الراهنة. ولأن الأمر على 
هذا النحو فإن النخب الحاكمة» في معظمهاء عاجزة تماما عن أي إصلاح حدي. 
إا نخب معدومة الشرعية» وفاسدة» وضيقة الأفق» وعاحزة عن بناء سلطات تمثل 
مصال عامة أو تستطيع الادعاء بذلك. وهي نخب لا ينسب إليها أي إتحاز وطيى 
أو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي. تضع يدها على الال العام وتفرض أتاوات على 
المال الخساص. ترفض الاحتكام إلى قوانين. تستخدم القضاء والإعلام والأمن. 
شرهة. عديمة الصلة بالعصر. تكاد تكون أمية. لا وجود بينها لمن يقرأ كتاباً أو 
يشاهد فيلما أو يستطيع الخوض لدقائق في نقاش ذي معن يتعدى التدبير العشائري 
والزبائي للحكم. 

لا حكن هذه النخب أن تكون جزءا من الحل لأا المشكلة. وما كان 
للولايات المتحدة أن يكون لما في بلادنا ما ها من سطوة ونفوذ لو أن الأمر حلاف 
ذلك. ليس غريباء والحالة هذه أن تراعي الإصلاحات المقترحة ما يمكن لهذه 
النخب أن تتعايش معه. ليس المطلوب أكثر من عمليات تحميل بسيطة» مقرونة 


428 الآن... هنا 


يمهود أكير في الانضباط تحت سقف التوجهات الأميركية» حى حكن لبوش ألا 
يكون ححولاً حلا ب «الحلفاء». 

يمكن إثبات أن الحلم الأميركي الدفين هو أن تستطيع واشنطن» بفضل العولمة 
والنيولييرالية» رعاية عملية تاريخية تسير مموازاة «إعادة الميكلة الاقتصادية». 
فالقطاع الخاص الذي تخاطبه المشاريع الإصلاحية قطاع حاص افتراضي ينسب 
إليه» زوراء حماسة لقدر من التعددية» والليبرالية» والانفتاح» وتغليب العلاقات 
التحاريةء والارتباط .عراكز خارجية» وبعض الاستقلال عن الحكومات» والسعي 
إلى بيئة اسطمارية ومنظومة تشريعية ثابحين و... خصخصة القضايا الوطنية 
والقومية. 

إن هذا القطاع الخاص هوء ببساطة» غير موجود لدينا. لدينا رأسماليون ولكن 
ليس لدينا رأسمالية. هذا إذا كان المقصود ها فئة اجتماعية محددة المصالم» واضحة 
المعالم» تملك فعلاً ما تقوله وتفعله» وتسعى إلى التماثل مع نظيراتها. 

تقفز البرامج الإصلاحية الغربية كلها فوق هذه الحقيقة. والملاحظء مثلاًء أفاء 
أي البرامج» شديدة التركيز على تقريري التنمية البشرية ونتائج عدد من 
الاحتماعات النخبوية. إلا أن مادة التقريرين والاحتماعات تقتصر على توصيف 
التحلف» والفقرء ووضع المرأة» والموة المعرفية» ونقص الدكوقراطية. هذا لا يكفي. 
يتوحبء ولو لمرة» دراسة الرأسمال العربي: علاقته بالسلطة وتعيّشه من ريوعهاء 
مصادر ثروته وصلتها بصرف النفوذء وعيه للعالم ومجتمعاته وحاحاهاء توزعه بين 
إصلاح وجمردء حماسته للتعددية أو ارتياحه إلى الوضع القائم» مصلحته في الرقابة 
الشعبية أو انعدامها. 

إذا استعرضناء بسرعة» البلدان العربية كلها من المغرب إلى المشرق فلن بمحد 
قطاعاً حاصاً قابلاً لحمل مشروع تغيري» إصلاحي» ذي أفق دكوقراطي. نعم مه 
براعم في الكويت مثلاً لكنها محكومة بسقوف شديدة الا نخفاض. وإذا كان لبنان 
أحد أكثر البلدان العربية ليبرالية ودعوقراطية فالراحب ملاحظة كم أن قطاعه 
الخاص أسلم أمره إلى قادة تقليديين أو عحاريين ولم يكن» ولو مرة» صاحب رؤية 
مستقلة. را مثل رفيق الحريري (انه» هذا المعيى» ظاهرة عربية مقموعة) محاولة 


أميركا والمحافظون الجدد 429 


للمشاركة الفعلية قي السلطة. إلا أن هذا المثال بالمآل الذي يتعرض إليه» هو تأكيد 
للقاعدة المشار إليها. 

لا ندري ما يقصد دعاة الإصلاح الغربيون ب «منظمات المجتمع المدي». 
هل هي الأحزاب؟ النقابات؟ الجمعيات؟ إن هذه إما مصادّرة وإما معارضة. 
المصادّر منها لا موقع له في أي إصلاح. أما المعارض فلا تصح مخاطبته مع 
حكوماته وكأنه في شراكة تغييرية معها. 

٠‏ ومين جمعنا الحكومات وقادة المال والأعمال ومنظمات الجحتمع المدن فإننا 
سنبقى بعيدين جداً عن تلك الكتلة الهائلة الى تشكل السواد الأعظم من الشعوب 
العريية. لا يكفي هنا الحديث عن تشجيع «مشاريع استثمارية صغيرة» للقول إنتا 
دفعناها نحو حراك إصلاحي. 

«إصلاحات سي آیلاند» بلا قوىء ولا برنامج. أو بالأحرى إفها برنامج 
لقوى الأمر الواقع. ويعني ذلك أول ما يعن تحرير الإصلاح من الشبهة علما بأن 
هذا قد لا يفيد كثيرا قوى إصلاحية عريية هامدة ومحبطة وعاحزة عن بلورة رؤيتها 

الخاصة والمتماسكة. 
200461 


الشرق الأوسط الكبير: 
دور «الناتو» ينتظر اسطنبول 


حاول حورج بوش وضع التوافق في بحلس الأمن وراءه من أحل تقدم طلب 
حديد إلى الموتمرين في سي آيلاند: تحويل مؤتمر حلف شال الأطلسي في اسطنبولء 
أواحر هذا الشهرء إلى مناسبة لإقرار دور للناتو في العراق. 

وكما كان أياد علاوي نخدم في خفض التوقعات العراقية في مجلس الأمن» 
حساول غازي الياور فعل الشيء نفسه فأعلن ترحيبه وموافقته. ولكن» هنا أيضاء 
كان لفرنسا دورء وجاك شيراك تحديداً. وأدى الاعتراض إلى إرغام بوش على 
القول بأنه «لا يتوقع» اتخاذ القرار في اسطتبول. أي أن الباب م يقفل فائياً بعد 
وهو قد لا يقفل لأن مؤسسات الأطلسي» بعد التوسيع الأخحيرء تخوض في نقاشات 
صاخبة تعنينا في الصميم حى لو كناء مثل العادة» لا نوليها الاهتمام اللازم. 

أنصار استحضار الأطلسي إلى العراق يقدمون الحسحج التالية: 

أولاً لقد انتهى» منذ مطلع التسعينيات» الدور التقليدي للحلف بصفته منظمة 
عسكرية أميركية أوروبية ذات مسرح عمليات محدد» وذات مهمة محددة هي 
احتواء أي تقدم لحلف وارسو إلى حين دخحول السلاح النووي ساحة المواجهة إذا 
اقتضى الأمر ذلك. 

انا التأقلم مع التطورات» أو البحث عن دور جديد, دفع نحو جعل التوسع 
شرقاً على حدول الأعمال. من هنا كانت اتفاقات الشراكة من أجل السلام مع 
دول حلف وارسو سابقاًء ومن هنا الصيغة المتدرجة لتطوير الصلة بروسيا من دون 
إدخحاها. 

الفا في الوقت نفسه» وفي سياق موتمر مدريد واتفاق أوسلوء دشن الحلف ما 
يعرف باسم «مبادرة الحوار المتوسطي» مع خمسة بلدان (مصرء الأردن» إسرائيل» 
المغرب» موريتانيا) أصبحت سبعة (الجزائر وتونس). كان الهدف المعلن من اتفاقات 
الشراكة «تثبيت الديموقراطية» وتأهيل هذه البلدان للانضمام إلى الحلف. أما هدف 

430 


أميركا والمحافظون الجدد 431 


الحوار فاقتصر على مهمات «وديعة» (تبادل معلومات وخبرات» وضع إجراءعات 
بناء الثقة» مناورات عسكرية ذات أهداف إنسانية وإنقاذية» إلخ...). تم الاكتفاء 
بذلك لأن البلدان العربية على حوض المتوسط غير ناضحة كفاية ولأن النزاع مع 
إسرائيل لا يسمح بأكثر. 

رابعا دفعت حروب البلقان الحلف إلى الخروج من مسرح العمليات المتعارف 
عليه. كما دفعت إلى تغيير عقيدي بحيث أضيفت مهمات حفظ السلام وصيانة 
الديعوقراطية إلى المهمات القتالية. غير أن هذه الحروب كانت امتصانا لمتانة 
العلاقات الأميركية الأوروبية» إذ افهاء في الوقت نفسه» أكدت ثياتها ولكنها 
كشفت عن ارتباكات عمليانية لا حصر ها. 

امسا في أفغانستان وضع الحلف رجلاً في ما سيسمى» لاحقأًء الشرق 
الأوسط الكبير. وقي أفغانستانء أيضاء ظهر توزيع أدوار يعطي الأميركيين حق 
القتال منفردين ويحيل إلى الحلفاء مهمات الصيانة. لكن الأهم أن أفغانستان 
كانت الحبهة الأولى في مواحهة مديدة مع الإرهاب أي مع التحول في طبيعة 
الخصم (الأصولية الإسلامية) ومع التحول في مسرح العمليات نحو الجنوب 
حيث تتم ركز التهديدات: إرهاب أسلحة دمار شامل» دول مارقة» حلفاء 
مهددون... 

سادساً بما أن الحرب على العراق تأت في هذا السياقء وما أن التوافق استعيد 
في بحلس الأمن» فلا بد من التوحه إلى بغداد لمقاتلة العدو حيث هو. إن لم يحصل 
ذلك يفقد الحلف معناه ومبرر وحوده. ف «القاعدة» شنت عمليات إرهابية على 
ثلاث دول أطلسية (الولايات المتحدة» إسبانياء تركيا)» ولمة حنود من 15 دولة 
أطلسية في العراق خالا والوحود القوي هناك يتبح الضغط الأقوى على إيران» 
والسودان, ورعا بهد لدور لاحق في حل النزاع الفلسطيي الإسرائيلي (نزع 
سلاح «حماس». حماية إسرائيل...). 

لمعارضي دور الأطلسي في العراق» بدورهم» ححج: 

أولاً إن أي قرار من هذا النوع يصب الماء في طاحونة دعاة «حرب 
الحضارات». فالأطلسي سيبدوء والحالة هذه عثابة الذراع العسكرية للغرب 


2 الآن... هنا 


المسيحي المتوجه لتصعيد الاعتداء على المسلمين. وهذا عنصر موكد في تعميق 
الكراهية وزيادة الإرهاب. 

كا عي عدي E‏ تحويل مفهوم استراتيجي غامض مثل «الحرب 
على الإرهاب الأصولي» إلى مبرر وحيد لمتانة العلاقات عبر الأطلسي. ثم 
ان على الحلفء مهما حصلء ألا ينسى مهمته الأوروبية وهي علة وجوده 
الأصلية. 

الغا إن نظرة سكان المنطقة إلى الناتو سلبية. ويعن ذلك أن حضوره لن 
يخفف شيعا من الحذر الواضح حيال الوجود المتفرق للقوات الغربية في العراق 
وغيره» خخاصة إذا استمرت الأزمات الإقليمية» وعلى رأسها النزاع مع إسرائيل» 
على احتقانها. 

رابعا إن التوافق في الأمم المتحدة اضطراري وجاء مشروطاً وكان في الإمكان 
الحصول على قرار أفضل لولا تدخل علاوي. لذا فإن التصويت الإيجابي في 
نيويورك لا يقود إلى القفز من أحل المشاركة المباشرة والعسكرية في نزاع لم 
يخمد بعد. إن غطاء الأمم المتحدة غير قابل لاستخدامات مغايرة. 

خامساً ثمسة دول وصلت إلى أقصى طاقتها في المشاركة ولا تستطيع تحمّل 
المزيد. وليس مستحبا أن يحمل الحلف فوق طاقته. ثم ان هناك أطراً دولية أحرى 
بمكنها أن تساهم. 

سادسا رعا كان الأولى حل المشاكل العالقة بين الحلف وبين الولايات 
المتحدة في أفغانستان نفسهاء وذلك قبل الإقدام على خطوات حديدة. 

سابع إن إرفاق المشروع الإصلاحي للشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا 
ببعد عسكري أطلسي يلغي رداء «الشراكة» الذي أسبغ على المشروع ويناقض 
كل الحهد الذي بذل من أحل ألا يبدو الأمر وكأنه خطة كولونيالية عارية. 

... ويستمر النقاش الذي يفترض حسمه عشية قمة اسطنبول وفي أثنائها. 
ولكسنء وبغض النظر عن أي قرار بالوجود العسكري للحلف في العراق أو تعليق 
ذلك فما لا شك فيه أن المنطقة العربية ستكون e‏ 


غائبة لأن هذه باتت القاعدة. 


أميركا والمحافظون الجدد 433 


وحاضرة لأن الحلف سيبحث في صياغة علاقته مع العرب. والواضح أن ذلك 
سيحصل في وجهتين: 

الأول» تعميق «مبادرة الحوار المتوسطي» والسعي إلى الاستفادة من تحربة 
«الشراكة من أجل السلام» من أجل رفع «الحوار» إلى مستوى «الشراكة». ولمة 
أفكار كثيرة تستند إلى التحارب السابقة. 

الثانية» توسيع «مبادرة الحوار» لتضم دول الخليج. ولقد حرى التمهيد لذلك 
في اجتماع استضافته قطر قبل أسابيع. 

إن «الأطلسي» حاضر بيننا غير أنه قادم بقوة أكير بعد قمة اسطنبول. 
فخصيراؤه يقولون إن دول أوروبا الشرقية كانت راغبة في دخول الحلف فتحولت 
«الشراكة» إلى بوابة عبور. ولذا فإن الجهد سينصب على تحويل «الحوار» إلى 
«شراكة» مع العرب وذلك على أمل توليد رغبة لديهم في تسليم شوون أمنهم إلى 
حلف يربط الحلفاء الغربيين عبر الحيط ويعطي للأميركيين أرجححية غير مشكوك 

لن تنبت أنياب لمشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا ولكن عضلاته 
مرشحة لأن تزداد قوة. 

2004|6|12 


الشرق الأوسط الكبير: 
خطوة تطبيقية أولى 


سحل كولن باول سابقة. التقى» في القاهرة» وفدا يضم شخصيات من 
الحزب الحاكم ومن حزب معارض ومن العاملين في قضايا حقوق الإنسان. 
درجت العادة أن يجتمع سفراء أميركيون بناشطين. ولكن هذه هي المرة الأولى الي 
يقدم فيها وزير خارجية» ولي أثناء زيارة رسمية» على الاجتماع مع شخصيات 
يحمل بعضهم شبهة معارضة. 

أعادنا باول بالذاكرة إلى تقليد أوروي وأميركي من أيام «الحرب الباردة» يين 
الملعسكرين. لقد تطوّر هذا التقليد بصورة لافتة بعد اتفاقية هلسنكي في أواسط 
السبعينيات. 

الاتفاقية المذكورة من شقين: تثبيت الحدود ني أوروبا كما رست عليه بعد 
الحرب العالمية الثانية (يما في ذلك الاعتراف بألمانيا الشرقية) مقابل تقلع التزامات 
تتناول حرية تنقل الأشخاص والأفكار والمعلومات. ومع أفها بدت انتصاراً لحلف 
وارسو فقد انتهت انتصاراً لحلف مال الأطلسي. في تلك الفترة كان قادة الدول 
الغربية يصرون, في كل زيارة إلى دولة في المعسكر الاشتراكي» على الإدلاء 
بتصريحات علنية عن اللركوقراطية وحقوق الإنسان» وعلى إثارة قضايا سحناء 
الرأي» وعلى الالتقاء بشخصيات معارضة من «الحتمع المدي» لا سيما أن 
الأحزاب المعارضة لم تكن موجودة رسميا. 

كانت تلك الممارسة تستند إلى أن هذه الشخصيات المعارضة للنظام 
الاشتراكي تعتبر الفرب هو «العالم الحر» وتستعير إيديولوجياه الليموقراطية 
والليبرالية لترفعها في وجه أنظمتها الحاكمة ولتعبر من خلانها عن تطلعها الوطئ إلى 
التخلص من الميمنة السوفياتية. 

استأنف باول» في القاهرة» هذا التقليد. غير أنه استأنفه في ظل فروقات هائلة 
بين الحالتين. 

434 


أميركا والمحافظون الجدد 435 


حصل الاستئناف لأن الوجهة الأميركية الجديدة تدعو إلى نقل الإصلاح إلى 
العالمين العربي والإسلامي. وبعد أن كانت تفعل ذلك ولو من وراء ظهر الأنظمة 
اعتدلت كثيراً. ومن هنا التركيبة الخاصة للوفد المصري. وحصل الاستناف» أيضاء 
لأن أميركيين اعتبروا أن بلدهم لا علك الصدقية الكافية في الدعوة الديموقراطية لأن 
تاريخه في المنطقة هو تغليب مصالحه مع الأنظمة على القيم الي ينسبها إلى نفسه. 
لقد أحرى مسؤولون أميركيون نقداً ذاتياً سطحياً لهذا التاريخ واقتربوا من التعهّد 
بعدم السكوت عن ممارسات أنظمة صديقة تعتدي على الحريات. قيل في هذا 
محال إنه آن أوان التقاء المصالح بالقيم. ففي هذا الالتقاء حماية للمصالح الوطنية 
الأميركية على المدى البعيد لأن العالمين العربي والإسلامي سيبقيان» من دون 
إصلاحات» مصدراً للإرهاب الأصولي. 

إذا خطا باول الخطوة الأولى في تطبيق بعض ما ورد في مشاريع إصلاح 
«الشرق الأوسط الكبير». ويمكن أن نضع هذه الخطوة في سياق تعبيرات أميركية 
في ما يخص الأوضاع في السعودية أو لبنان أو السودان علماً أنها تعبيرات تستحق 
نقاشا نحاصا لتمييز الصادق فيها من الذرائعي. 

لكن من الواحب ملاحظة الفروقات بين هذه الخطوة الأولى وبين ما كان 
حمل عدي انيار «الحرب الباردة». 

أولا في أوروبا الوسطى والشرقية كان الناشطون الذين يلتقيهم مسوولون 
رين مرن عملا روح المعارضة الشعبية. أما من التقاهم باول فبينهم من 
ينتمي إلى الحزب الحاكم» أو من ينتمي إلى معارضة وديعة. المعارضة الفعلية بقيت 
خارحاأء والأنكى من ذلك أن باول تعمّد في حديثه مع دموقراطيين لم يتتخبهم 
أحد أن يجرّح برئيس عربي اختاره شعبه في اقتراع شديد النزاهة: ياسر عرفات! 

ثانياً في أوروبا الوسطى والشرقية كانت الأنظمة الحاكمة في معسكر الخصم 
الدولي. أما في بلادنا فالأنظمة هي» عملياًء في المعسكر الصديق» وهي تلقى دعماً 
مالياً أو سياسياً أو أمنياء وتمارس قدرا عالياً من التحارب مع الاستراتيجية الأميركية 
في الشرق الأوسط. كناء في وارسو أو بودايست أو براغ أمام علاقة سياسية 
وإيديولوجية مع حليف أهلي ضد نقيض رسمي. أما هنا فالحالة معقدة إذ أن النظام 


2436 الآن... هنا 


هو حليف سياسي في حين أن «الناشطين» يشار كونه بعض أوجه انتقاده للسياسة 
الخارحية الأميركية. 

ثالثا إن التقطة الأخورة جديرة بالتوقف عندها. فكائناً ما كان الرأي في 
الذين وافقوا أو سمح لهم بالاحتماع فما لا شك فيه أنهم غير موافقين على 
جحوانب أساسية من سياسات واشنطن في الشرق الأوسط. هذا عنصر مهم. 
يخطىئ الأمير كيون كثيرا إذا اعتقدوا أن هناك ناشطين في المجتمعات المدنية العربية 
يوافقوقم الرأي تماماً كما كانت الحالة قي أوروبا الشرقية. إن الكويت» مغلا 
دولة مدينة بانبعائها للولايات المتحدة. ومع ذلك لن يكون سهلاً إيجاد عشرة 
أشخاص ذوي حد أدن من التمثيل يوافقون باول على آرائه. يمكنهم الشكوى 
أمامه من أمور عديدة ولكنهم لن يقبلوا النظرية السائدة في واشنطن عن 
الانعدام الكامل لمسؤولية الولايات المتحدة وإسرائيل عن الأحوال المتردية في 
العام العربي. 

رابع إن احتيارات باول ذات معئ. لقد سعى إلى اللقاء مع من يستطيع 
الادعاء الدعوقراطي الليبرالي (هذا الادعاء هو «قابلة» الحكومة الجديدة) و تحنب 
اللقاء مع قوى حزبية أو نقابية أو مهنية أو مستقلة معارضة فعلاً وأكثر حذرية في 
التطلب الدكوقراطي وأشد وضوحا في التمسك بالقضايا الوطنية والقومية الي 
تضعها في معسكر مقابل لأصدقاء واشنطن. قد تكون هذه القوى قليلة العضوية 
حزييا لكنها حاضرة بقوة في النقابات المهنية وثمة مؤشرات عديدة إلى أا أقرب إلى 
المزاج السلبي حيال أميركا للكتلة الشعبية الكيرى. 

امسا لم يتحدث باول في حلال جولته العربية كما كان يتحدث أسلافه 
خلال جولاتهم ف أوروبا الشرقية. لم يثر قضايا سحناء الرأي ولا منع الشرعية عن 
أحزاب. قد لا غلك من هو مثل زاحاروف أو هافل لكننا فلك مروان البرغوثي 
وغيره من المساحين الذين لا ذنب لمم عملياء إلا أنهم نقديون حيال التحاق 
أنظمتهم بواشنطن. سنصدق باول عندما يتحدث علتا مطالباً بالحرية هولاء. 

ساد سا تحاول واشنطن» عبثاء الإيحاء أن مشكلتها هي مع أقلية إرهابية» 
وها تريد إصلاح التواقص في سلوكيات أنظمة صديقة. كلا. إن المشكلة 


أميركا والمحافظون الجدد 437 


الأميركية هي مع الأكثرية الشعبية. ولأن هذه الأكثرية الشعبية محرومة من 
التعبير (والحرمان ليس مسؤولية الأنظمة وحدها) فإن الظاهرة الإرهابية تنطوّر 
مستندة إلى أفكار ظلامية وإنما معبّرة عن نتيجة هذا المزيج الفريد من الشعور 
بعدالة القضايا والعجز عن انتزاع الحقوق. إن أميركا محقة في القول إن تطوير 
الدكوقراطية يقضي على الإرهاب. إلا أنه يقضي على الإرهاب لأنه يدخل 
الشعوب العربية في معركة تحصيل حقوقها فلا تعود «مبهورة» بأي تعويض 
«محي عن ذلك. 

سابعاً يستطيع باول» في العراق» أن يلتقي عديدين من «لمجتمع المدني» 
يدبحون بين الولاء للاحتلال والتطلع الدكوقراطي. غير أن ما يفترض فيه التنبّه 
إليه هو الاضطرار إلى تأحيل موعد انعقاد الموتمر الرطي. يدل التأحيل على أمور 
كثيرة همها أن كل كراهية للنظام السابق غير قابلة للتحوّل إلى صداقة للولايات 
المتحدة. وف بغدادء بعد الكويت» مثال آخر على أزمة العلاقة بين واشنطن 
والعرب. 

إففا أزمة لا يحلها تكرار سابقة القاهرة. فمهما سعى الأمي ركيون ستبقى 
الأنظمة» لا الشعوب» أصدق أصدقائهم! 

2001019 


مجرد علاقات عامة 


سكل دبلوماسي اميركي مكلف بالعمل على تحسين صورة بلاده» سياستها 
بالاحرى» في العالم العربي: «هل تعتقد أنك اذا شرحت للعرب حقيقة السياسة 
الاميركية انطلاقا من الوثائق الرسمية الي تحددها فإنك ستكسب قلويهم؟». اجاب 
متلعثما: «ان ذلك سيكون أسهل ف غير المراحل الانتخابية حيث يطغى هم كسب 
الأصوات على ما عداه نما يعقد تقدتم السياسة الاميركية الى العرب في صورة 
محببة». سكل ثانية: «ألا تعتقد ان المهمة ستكون اسهل لو انك مكلف من قبل 
حكومات عربية بالقرويج لسياساها في واشنطن ولدى النخب السياسية 
والاققصادية والعسكر ية الحاكمة؟». اجاب مبتسما: «هذه المهمة اسهل بكثير 
ولكن لم يكلفئ احد بها». 

هذه الواقعة حقيقية. وهي تؤكد أن التعرف إلى السياسة الاميركية حيال 
المنطقة يقرد الى موقف سلي منها. كما تؤكد ان اطلاع الام كيين على المناقع 
الى يجنوها من حراء التحاق السياسة الرسمية العربية بواشنطن يمكنه ان يكون مقنعا 
في الاكتفاء يذه المنافع وترك ما عداها. وإذا كانت تفجيرات 11 ايلول ادحلت 
تعديلاً على هذه المعادلة فإنه ليس التعديل الذي يقلب هذه الحقيقة رأسا على 

وهكذا إذا كان للمواطنين العرب ان يحاكموا حكامهم فإن في إمكافهم فعل 
ذلك انطلاقا من حقيقتين: 

الأولىء هي أن هولاد الحكام هم الذين يتولون القيام بحملة العلاقات العامة 
هذه. الثانية» هي انهم فشلوا فيها. 

تقضي الحقيقة القول ان حكاماً عربا كثيرين تخلواء منذ فترة بعيدة» عن 
قيادة سياسة خارجية. لقد انزلقوا من الحكمة القائلة ان كل سياسة خارحية 
تلزمها علاقات عامة الى الممارسة القائمة على اعتبار العلاقات العامة هي كامل 
السياسة الخارجية. 

438 


أميركا والمحافظون الجدد 439 


السياسة الفعلية تقعقضي تحديد المصلحة الوطنية» وتوضيح الاهداف») 
ودراسة موازين القوى» وتمييز الممكن من لصحن والضغط لفغ الوضع 
وإنمحاز شيء ما... تكاد هذه العناوين تكون غائية تماما عن جهود حكومات 
عربية مركزية. 

إفها حكومات تملك سياسة داخلية يمكن الحتصارها بتأمين استمرار السلطة, 
وهي تحمى ذلك بحملة علاقات عامة هي في الواقع «علاقات خاصة» ذات هدف 
وحيد: انتزاع ابتسامة تشجيع اميركية. 

مثال اول على ما تقدم. 

عندما اقترح ارييل شارون مبادرة الانسحاب من طرف واحد من غزة كان 
تمارس سياسة. فهو يتخلص من «خريطة الطريق»» وهو يشطب اي محاور 
فلسطيين» وهو يعزز شروط الميمنة على الضفةء وهو يحاول اعادة تشكيل المشهد 
السياسي في اسرائيل» وهو يسلح جورج بوش .ميزة تفاضلية» وهو ينهي دور اللجنة 
الرباعية... 

عندما هب عرب للتعاطي مع هذه السياسة نثروا أوهاماً: الاتصال بخريطة 
الطريق ومفاوضات الوضع النهائي» استحضار مُوارب لشريك فلسطيئ؛ دور أمئي 
مباشرء مساعدة السلطة على تنظيم اوضاعهاء عقد مؤثمر دولي... هذه الاوهام لم 
تكن مقرونة» في الواقع» إلا بالضغط على الجانب المستبعد. غير ان «الشطارة» 
اعتقدت ان الإكثار من التصريحات» والزيارات» والاجتماعات, تثثير الضحة 
اللازمة لاقناع البيت الأبيض بأن شارون ليس وحده من يهتم بالمساعدة. ولقد 
ردت واشنطن على التحية يممثلها: باركت سياسة شارون واكتفت بتربيت على 
الكتف لآخرين .ما يوحي اليهم ان حملة «علاقاتهم العامة» نمححت. ماح مقابل 
نحاح. لشارون السياسة ولنا ابتسامة التشجيع. 

مثال ثان. 

اقفرحت دولة عربية مركزية التسويق لمشروع ارسال قوات إسلامية الى 
العراق. قدمت عرضا صاخحبا بذلك. استقبلته الادارة الامير كية» واياد علاوي» 
بايجابية» غير ان الدولة لمعنية عادت فوضعته في اطار يجعله مستحيل التنفيذ 


0 الان... هنا 


وارفقته بشروط مسكويية تكاد تحعل منه تحير للعراق من الاحتلال الاميركي 
عوافقة... اميركية. 

لن يعمّر الاقتراح طويلاً ولن يعرف طريقه الى التنفيذ بالشروط الي وضعها 
صاحبه. ولكن الحقيقة تقضي القول إننا امام «ضربة معلم» في ما بخص فنون 
العلاقات العامة. ففي وسع الولايات المتحدة ان تستفيد منه وتشكر رعاته» وفي 
وسع هولاء ان يصرفوه في السوق الداحلية المأزومة. وقي غضون ذلك يبقى الوضع 
العراقي على حاله. ومرة احرى تتحول مبادرة عربية الى سلاح سياسي اميركي 
ناحح يقابله نجاح من جانبنا في انتاج شريط اعلاني. 

ويمكن الاستطراد. ان ذخيرة بلد عربي في «العلاقات العامة» هي نزع 
الذخيرة. وذخيرة بلد آخر تقلع نموذج نسائي «راق». وذخيرة بلد ثالث حضور 
احتماعات دولية بأثواب فولكلورية. 

ومع ذلك يصعب وصف الحصيلة بالنحاح. وثمة مصدران للفشل. الاول هو 
أن الاتكسار امام الادارة الاميركية يشجعها على طلب المزيد. والثاق هو أن 
العلاقات الاميركية العربية خرحت الى حيّز التداول العام. وهكذا لم تعد مفيدة 
للقائمين هاء التضحية بالسياسة على مذبح العلاقات العامة. 

2004|8|3 


كاغان: أوروبا حاجة 
بريجنسكي: أوروبا شريك 


زاد حلف شال الأطلسي من دوره في أفغانستان. أقحم نفسه» مواربة» في 
الوضع العراقي. توافقت دوله على إصدار القرار 1559. افترقت دوله عند بحث 
قضية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. إخ... 

العلاقات الأطلسية رجراحة. ففي موضوع العراق مثلاً يمكن النظر إلى الدور 
التدربي بصفته تحديدا للتحالف وممارسة لمهماته الجديدة خخارج المسرح الأوروبي 
وضد «أعداء جدد». كما يمكن النظر إليه بصفته رفعاً للحرج ومنعاً من أن يُقال 
إن الحلف يتراجع ويفقد مبرّر وجوده. 

مصدر الاضطراب التوجه الجديد لإدارة حورج بوش: من وضع الحلف جانباً 
أثناء حرب أفغانستان» إلى الانشقاق في ما بخص الحرب على العراق. والمعروف أن 
هناك ف واشنطن من دافع بشراسة عن هذا التوجه داعياً إلى إقامة «تحالف راغبين» 
حيث تدعو الحاجة وإلى عدم إخضاع الأمن الوطئي إلى أمزحة حلفاء مترددين. 

من المبكّر القول إن «الانفرادية» الأميركية» في الشكل الذي عرفناه خلال 
السنتين الماضيتين» تلفظ أنفاسها الأخيرة. ولكن من الممكن القول إن النقاشات 
الاستراتيجية حيوية في الولايات المتحدة» وأن مدارسها متعددة. وقي الإمكان 
التميز ين خطين عرونين يتل كل واد منهما نعسكرة. 

روبرت كاغان هو واحد من منظري «الحافظن الحدد». ولقد اشتهر عاللياً 
بكتابه عن «القوة والضعف». قوة أميركا وضعف أوروبا. ولقد شكلت 
أطروحاته المدحل» لدى غلاة اليمين الأمر ركي» لتفسير التباينات الت رافقت الحرب 
على العراق. كاغان هذا وضع كتابا جديدا عنوانه «الوجه الآخر للقوة. الولايات 
المتحدة الباحثة عن الشرعية». يستعيد كاغان أفكاره القدعة ويطوّرها. أميركاء في 
رای خير محض بطبيعتها. وهي الدولة الأعظم. من واحبها ومن مصلحة العالم أن 
تمارس دورا إميرياليا. سبق هما أن فعلت وبححت. عليها أن تنهض اليوم .عسو وليتها 

441 


2 الآن... هنا 


في مواجهة الإرهاب الإسلامي الأصولي الذي يعاديها من غير سبب في سياستها. 
ما تفعله في أفغانستان والعراق إيجابي حدا. وكذلك ما تنوي فعله في الشرق 
الأوسط الكبير. إلا أن أميركا تعاني مشكلة. وهذه المشكلة هي النقض في 
الشرعية. الحل لا يكمن في مجلس الأمن أو في موسسات دولية عامة. إنه موحود 
لدى أوروبا ال تستطيع» وحدهاء سد النقص في الشرعية. وهي صاحبة مصلحة 
في التحاوب مع التطلب الأمير كي. فما تريده فعلا ليس الخضوع مجلس الأمن وإغا 
امتلاك كلمة في إدارة شوون العام عبر التأثير على الولايات المتحدة. إن هذا 
التحالف الغربي هو قلب العام الديموقراطي وأداته الفضلى هي حلف شمال 
الأطلسي. 

زبغنيو بريجنسكي يقف على ضفة مقابلة لكاغان. إنه مثل حدي للسياسة 
الخارحية الواقعية الداعية إلى دور قيادي للولايات المتحدة لا إلى دور هيمنة 
وغطرسة. ولي حين لا یری كاغان إلا «الغرب» (الباقي أدغال) يعاين بريجنسكي» 
كاستراتيجي أكثر احترافاء تعقيدات العام كله منطلقاً من فكرته القائلة إن 
«أوراسيا» هي المفتاح ومن يسيطر عليها يسيطر على الكون كله. 

يعرف بريجنسكي التهديدات المعقدة الي تتعرض لها الولايات المتحدة رفي 
كتابه الأخير «الاختيار. أميركا وباقي العالم»). ولا يقبل لبلاده ادعاء حصانة أمنية 
فائضة عن الآحرين. يحادل في العولمة وفوائدها وارتداداتها السلبية وكذلك في 
المندسة الأمنية للعالم. يلاحظ» كما يفعل غيره قي الغرب» أن «الإسلام هو المادة 
الشديدة الاشتعال اليوم». ولكنه يوزع المسؤولية عن ذلك داعيا واشنطن إلى تحمل 
قسطها منها وإلى الاعتراف بأن سياستهاء لا طبيعتهاء سيب من أسباب الإرهاب 
الموحه ضدها. يرفض الخحلول العسكرية لمشكلات تندرج في السياقات السياسية 
لمناطق. يدعو إلى مجموعة من الصفقات (إيرانء الصين؛ روسيا...) تستنقذ جوهر 
ما تريده واشنطن وتكون بديلاً عن حروب أبدية علماً أن استبعاد الحروب بالمطلق 
غير وارد. 

أكثر ما يخشاه بريجنسكي هو الانفراد الأميركي ونسف التحالفات الثابتة. لذا 
فهو يقول إن أي اندفاعة للصدام مع الإسلام في ظل الانفكاك الأميركي الأوروي 


أميركا والمحافظون الجدد 443 


ستقود إلى الفوضى وإفاء الهيمنة الأميركية. يستعرض مواقع وسياسات القوى 
الكبرى في العا م ليصل إلى الخلاصة القائلة بأن الولايات المتحدة محكومة بتحديد 
التحالف الثابت مع أوروبا. والمقصود ب «الثابت» الارتكاز إلى تقدير مشترك 
للمخاطر والحلول يأخحذ بالاعتبار المصالح الأوروبية» والتجربة التاريخية ل «القارة 
القديعة»» وقدراقَا المالية والسياسية ووجهات نظرها. 

يريد كاغان بصمة الشرعية. يريد بريحنسكي شراكة حقيقية من موقع 
الأرححية الأميركية. ولا يخشى أن يفتتح نقاشا داخلياً في غاية الخطورة عندما 
يكتب» ص 4102 ما حرفيته: 

«بعد 11 أيلول» وقع الأشخاص الأكثر محافظة في الطبقة السياسية الأميركية» 
وحاصة أولئك الذين يقيمون علاقات وثيقة مع ليكود وحلفائه في إسرائيل؛ وقعوا 
في إغراء منظور جديد: إقامة نظام حديد تفرضه الولايات المتحدة على الشرق 
الأوسط وذلك ردا على التحديات الي يطرحها الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار 
الشامل» (إنما سياسة «العراق أولا» ثم سورياء ثم إيران» والابتعاد عن السعودية 
ومصر «ولو على حساب المصالح الأميركية في المنطقة»). 

لا تخققصر هاتان المدرستان السجال الاستراتيحي في الولايات المتحدة. رعا 
كان روبرت كاغان قرييا إلى ما يفكر فيه جورج بوش وما يحاوله من «تقارب» 
حذر ومشروط حيال الأوروسين. إلا أنه ليس موكدا أن بريجنسكي لصيق بما 
يعتقده كيري وإن كان يلامس معتقدات متزايدة الحضور في أوساط الحزب 
الرموقراطي. ولقد دلت المناظرة بين بوش وكيري على هذه الحقيقة» وكذلك 
المناظرة بين ديك تشيئ وجون إدواردز. 

إن أوروبا حاجة أميركية. سواء كان ذلك بالحد الأدن كما يرى كاغانء أم 
بالحد الأقصى كما يرى بريجنسكي. غير أن أميركا هيء وأكثر بكثير. حاجة 
أوروبية. سواء بالحد الذي يريده جاك شيراك أم ذلك الذي يريده طون بلير. 

تلتقي هذه التيارات كلها على أن منطقتنا منطقة حرائق. يبقى الخلاف المحزئي 
في كيفية الإطفاء. 

2000407 


وعيد الحرية 


كانت الحرية وعدا. أصبحت وعيداً. لن يستطيع حورج بوش» إطلاقاء أن 
يعبر محيط «سوء التفاهم» الفاصل بينه وبين أكثرية العرب. ولذلك لن يستطيع» 
إطلاقاء أن يفهم كم أن أهزوجة الحرية الى غرّدها يوم التنصيب تسقط في الآذان 
بصفتها قرعا مدوياً لطبول حروب لا تنتهي. 

9 مرة في 21 دقيقة كرّر «الحرية» ومفرداها فأيقن من لم يتيقن بعد أن 
الولايات المتحدة تضمر له شرا. ليس في الأمر «سوء تفاهم» من أي نوع كان. 

إن «حسن الفهم»» والوعي» والإدراك» والتحربة التاريخية» والإلمام بحقيقة 
السياسة الأميركية» إن ذلك كله يدفع إلى الحسم: ستكون ولاية بوش الثانية 
N EE‏ 

يحيط الأميركيون مناسبات من هذا النوع مالة من الحلالة. الاحتفال شبه 

ديتبي. لكنهم تفوقوا على أنفسهم هذه المرة. اندنع رئيسهم محمولاً على الثقة 
الي منحوه إياهاء ليلقي خطاباً رؤيوياًء مسيحيانيا» خلاصياً. أعفى نفسه من 
التفاصيل والأسماء والمهمات المحددة والروزنامة الدقيقة. ترك السياسة جانباً 
ليخاطب العالمء وشعبهء وكأنه ني جديد. ما قاله مرعب: لقد خلق الله 
الإنسان على صورته لكن هناك من أساء إلى ذلك ولذا فإن الأمة الخاصة 
والمميزة» أميركاء مكلفة مهمة ربانية هي أن تعيد ضبط الصورة على الأصل» 
وما وظيفة الرئيس سوى تسخير القدرات المتاحة كلهاء من الإعان إلى السيف» 
لتحقيق هذا الإنمحاز. المدة: أجيال بدأت مذ لسعت النار أبراج نيويورك 
وأحدثت مالم يكن في الحسبان فجعلت المارد يقطع إجازة ما بعد الحرب 
الباردة ليستأنف ما هو منذور له أصلاً وليكتشف الحقيقة الأزلية القائلة بان 
أمنه لا يحمى إلا إذا انتصرت قيمه في أصقاع المعمورة كلها 

لقد كانت «الحرية»؛ على الدوام» أداة من أدوات السياسة الخارجية 
الأميركية. وا ميزة الجديدة لخطاب بوش أنه يعلن إنهاء استثناء العرب من هذه 

444 


أميركا والمحافظون الجدد 445 


النعمة. ولكن الخطورة هنا أن التبسيط يلغي الفوارق. قفي حين كانت عواطف 
شعوب تستدعي التدحل الأميركي ضد النازية ثم ضد الشيوعية الواقعية فإن العرب 
في مزاج آحر مماماً. إنهم في موقع المعتدى عليه من أميركا وحلفائها وعملائهاء 
وأميركا الحالية هي غير الي كان في وسعها أن تمد يد المساعدة كما حصل بعد 
الحرب العالمية الثانية. 

قطعالخطاب كل جدل. لم يعد في وسع أحد أن يزعم أن بول تعلم من 
أخطاء الولاية الأولى» وأنه» في ولايته الثانية» سيعتدل. كلا. الخطاب كناية عن 
عصارة مركزة لكل أطروحات «الحافظين الجدد» الذين «تظلمهم» هذه التسمية 
لأنهم أبعد ما يكونون عن الحافظة. لقد تبن بوش» بالكامل» نظرية مَن كانوا على 
هامش الحياة الفكرية والسياسية الأميركية؛ ومّن دخلوا جزئياً إلى متنها مع رونالد 
ريغان» ومن عبروا الصحراء أيام بوش الأب وبيل كلينتون» ومن عادوا إلى مواقع 
مفصلية في 2001ء ومّن صعدوا إلى موقع الأرححية بعد تفجيرات 11 أيلول خاصة 
في مايتعلق باعتبار الحرب على العراق فاتحة المنازلة الكيرى لإعادة هيكلة العالمين 
الإسلامي والعربي. 

بات يمكن القول إن هذا التيار الذي صارع من موقع القوة في السنوات 
الثلاث الأخيرة حسم المعركة الإيديولوجية لصالحه. فعل ذلك عندما تيئ الرئيس 
الممدّد له أفكاره واعتيرء مخطفاً أو مصيبء أن الشعب الأميركي فوّضه تنفيذها. 
ويكفي أن يكون بوش وضع رئاسته الثانية تحت هذا العنوان حى يمكن القول 
«وداعاً للواقعية» في السياسة الخارجية الأميركية» وداعاً للبحث عن الاستقرار 
والتعديل التدر بجحي لموازين القوى» وداعاً لسيادات الدول. أهلاًء في المقابل بما 
أسمي ذات مرة «العصف الحميل» وبا يسمّيه بطاركة «الحافظين الجدد»: الفوضى 
الخصبة والخلاقة. 

نمحن. باحتصار» وفي ما يخصناء أمام ثورة في سياسة أميركا حيالناء ثورة 
شهدنا عينات عنها في فلسطين والعراق وبات راجباً الاستعداد لمواجهتها وقد 
تحوّلت إلى طوفان ضد «الطغيان»» أوء بالأحرى» إلى طوفان ضد عناصر الممانعة 
والتطلب الوطن والقومي. إن «ثورة الحرية» البوشية» هيء في الواقع» «ثورة 


446 الآن... هنا 


مضادة». إا قوة تغيير تريد الانقضاض على المنطقة تأسيساً على «المركزية 
الإسرائيلية» فيها وحماية هذه المركزية. 

يكاد المرء يُستدرج إلى هذه اللعبة من فرط إغرائها: إذا كتت» يا بوش» جادا 
في ورتك اللرموقراطية فتعال نحدد ها برنايحا. ستجد نفسك» ببساطة» في صدام 
تناحري مع كل حلفائك» وعملائك؛ وأصدقائك» ومرتكزات هيمنتك» ومع كل 
من جعل العرب «أمي ركيين»: سياسياء أكثر من أي وقت مضى. وستجد نفسك 
«نصير» لكل من يريد هذه المنطقة مصيراً أفضل ما تعده لها المطامع الأميركية 
والتوسعية الإسرائيلية والمصالح الرأسمالية الضيقة» والضيقة بالضبط لأا تابعة وعديمة 
الانتماء. 

ستكشف الأيام أن ثورة بوش لا برنامج لهاء أو بالأحرى» أن برنامجها غير 
شعاراتها. إنها كناية عن عودة إلى الخطاب الكولونيالي التقليدي الناسب إلى نفسه 
«مهمة تحضيرية» في حين أن همه في مكان آحر. وليس ذلك لأن الأميركيين 
ومسؤوليهم لا يمحبون «الحرية». بل لأن الشروط الموضوعية الخاصة بالعرب» 
وبعلاقتهم مع السياسة الأميركية؛ تمعل من حريتهم إضعافاً لقدرة هذه السياسة 
على إنفاذ مصالحها. 

2005|1|22 


بوش 2: 
اتزياح إلى اليمين 


لم تكتمل فائياً صورة الإدارة الأميركية الجديدة. غير أن الملامح المعروفة عنها 
تكفي للزعم أن حورج بوش عازم على المضي في «الثورة المضادة» داخلياً» وعلى 
تحويل أمبوكا إلى قوة تغيير لا قوة استقرار خخارجياً ولي العالمين العربي والإسلامي 
نحديدا. 

لقد انزاح مركز الثقل في الإدارة إلى اليمين. نعم هذا ممكن. 

لا يمكن فهم تعيين كونداليسا رايس من مدل أا قريبة إلى الرئيس وتتأثر به 
أكثر ما تؤثر عليه. المدحل الأصح هو استذكار أا جاءت بدلاً عن كولن باول 
بعد أن كانت تحاول إيجاد نقطة توازن بينه وبين تحالف امحافظين مع المحافظين 
الجدد. لم يعد هذا التحالف يواجحه قوة جدية تساحله. صحيح أن رايس عيّنت 
روبرت زوليك رحلا ثانياً في النارحية» وصحيح» أيضاء أا جمتّبت ترقية حون 
بولتون. ولكن الأصح أن زوليك جاء بدل ريتشارد أرميتاج وهو أحد الأوزان 
الثقيلة في الجناح الحمهوري الواقعي. 

إلى ذلك فإن التعينات في الاستخبارات المركزية» وي وزارة العدل (ها دور 
ميز في «محاربة الإرهاب») تؤشر بوضوح إلى هذا الانزياح اليميئ في مر كز 
الثقل. لقد بحح بوش في أن جد من هو أسوأ من جورج تينيت» وهذا سهل» ومن 
واا ا 

ويستدل على صحة ما تقدم ببقاء دونالد رامسفيلد في الدفاعء لا بل تدعيم 
موقعه» ولي الدور المتعاظم الذي يلعبه نائب الرئيس ديك تشيئن. لقد «احتكر» 
رامسفيلد معظم ما اشتكى منه أميركيون وأوروبيون في الولاية الأول (تبرير حرب 
العراقء التخطيط اء إدارة ما بعدهاء ارتباك الأيام الأولى للاحتلال: أبو غريب» 
استفزاز الحلفاءء احتقار الأمم المتحدة...) ومع ذلك اختار بوش الاحتفاظ به علما 
أن متشددي المحافظين الجحدد كانوا لا عانعون في تغييره. 

47 


448 الآن... هنا 


يقدم روبرت زوليك» لي الخارجية؛ وستيفن هادلي» مستشار الأمن القومي 
الجديد, فكرة عن تعمق الاتحاه اليميئ. من هما؟ 

زوليك موروث من الولاية الثانية لرونالد ريغان. تقب في مناصب متعددة 
حعلته» باستمرار» مطلاً على المفاوضات التحارية الدولية. إنه قريب جداً من 
أوساط رحال الأعمال وسبق له العمل في بيوتات مالية كبرى. إلا أن اقترابه من 
هذه البيئة لم يكسبه «دماثة» التجار. 

ليس زوليك من إيديولو جي الليبرالية القصرى. إنه أحطر من ذلك. فهو 
معهاء وحصراًء إذا كانت تخدم المصالح التجارية للشركات الأميركية الكيرى. 
ولذا فهو لم يمانع في الإقدام على إجراءات حماية ودعم عندما اقتضت 
تلك المصالح ذلك. يدافع عن ضرورة امتلاك الولايات المتحدة الأرححية في 
كل شيء ويفعل ذلك بغرور لا يطاق (التفاوض معنا امتياز)» وقد انتقد 
بيل كلينتون لرفطه الاستفادة التجارية القصوى من التفوق الأميركي 
العسكري. 

يمكن أن ننسب إلى زوليك أنه تحدث عن «الشر» و«الحرب الاستباقية» قبل 
غيره. كتب قبل سنة من استلام بوش السلطة: «إن سياسة خارجية جمهورية 
حديثة تعترف أن الشر موجود في العالم. إنه يتحسّد في قوم يكرهون أميركا 
والأفكار الي تدافع عنها. نواجه؛ اليوم» أعداء يعملون يمهد لتطوير أسلحة نووية 
وبيولوحية وكيميائية وكذلك الصواريخ القادرة على إيصاها... إن الذين يج ركهم 
العداء أو الرغبة لي اهيمنة لن يتحاوبوا مع العقل والنية الحسنة. سيتلاعبون بامجتمع 
الدولي وقواعده الحضارية لأهداف تعادي الحضارة». كان هذا رأيه قبل 11 أيلول 
وانعطافة بوش. 

روبرت زوليك هو أحد الموقعين على البيان الشهير أواخر التسعينيات 
المعروف باسم «مشروع القرن الأميركي الجديد». والمشروعء لمن لا يتذكرء 
حشد عددا كبيرا من المحافظين والحافظين الحدد الذين احتلوا مواقع مفصلية في 
إدارة بوش الأولى وتعزز وجودهم في الثانية. كما أن زوليك هو من موقعي الرسالة 
الصادرة في 1998 والداعية إلى إسقاط النظام العراقي. 


أميركا والمحافظون الجدد 449 


إن انتقال زوليك إلى الخارحية سيدعم الميل الأميركي إلى التركيز على 
الانفتاح اللييرالي يصفته أحد أبرز المفاتيح لتغيير «الشرة ق الأوسط الكبير» (أي 
لاستتباعه اقتصادياً فوق ماهو مستتبع). قال تعليقاً على تفحیرات 11 أيلول: 
«احتار الإرهابيون قصداً مبنيي مر كز التجارة العالمي كهدف. وإذا كانوا نجحوا 
في تقويض البرحين فإفهم لن يهزوا أسس التجارة الدولية الحرة. إن جوابنا هو الرد 
على الخوف والذعرء والرد يكون بالتحارة الحرة»! 

ليس ستيفن هادلي أفضل من زوليك. يشترك معه في الصلات المنفعية المباشرة 
مع رجال الأعمالء ولقد كان شريكاً في مكتب محاماة يتولى أعمال الشركات 
الكبرى لصناعات الأسلحة (مع جيمس وولسي!). دحل العمل العام في عهد 
ريقشارد نيكسون ثم عمل في وزارة الدفاع أيام بوش الأب مع ديك تشيئ. يعتير 
من الصقور المتشددين» وقد دافع عن «حرب النجوم». أَيْد إنتاج الأسلحة النووية 
التكتيكية واستخدامها في مسرح المواحهة ما في ذلك ضد دول غير نووية وذلك 
خلافاً للمعاهدات الدولية. هادلي الذي عمل في بحلس الأمن القومي مع رايس كان 
شديد الصلة بكل من مكتي تشييٰ ورامسفيلد وكان واسطة نقل آراء المحافظين 
الجدد إلى البيت الأبيض. لقد كان حاضرا بقوة في ترويج الأكاذيب الي صوّرت 
العراق «حطرا داهما» ودفعت نحو تبرير الحرب. 

بعکن» من كتاباته ومداخلاته» استخلاص محاور تفكيره في ما بخص الشرق 
الأوسط: 

إن أي فرصة للتقدم في الشرق الأوسط مرتبطة بتشحيع الحرية والديكوقراطية 
وتقدم الحرب على الإرهاب. إن العقبة الكبرى هي إيديولوجيا الإرهاب والقتل 
الجماعي والكراهية. 

إن قرارنا هو «نقل الحرب إلى العدو». يتوحب توسيع المعركة وتوسيع 
الانتصار. 

من أبرز معالم الفشل السابق مقاربتنا التاريخية للشرق الأوسط. لم 
هتم بسلوك الأنظمة القمعية. لقد آن الأوان للتخلي عن هم الاستقرار على 
حساب الحرية. 


50 الان... هنا 


الدموقراطية والإصلاح في صلب مقاربة الرئيس للنزاع العربي الإسرائيلي. 
لقد خرج بوش عن المألوف» ورفض الفكرة القائلة إن التفاوض حول الحدود هو 
نقطة الانطلاق للتقدم نحو حل شامل. بات الرئيس يعتقد أن نوعية الحكومة 
الفلسطينية مهمة للسلام بقدر أهمية الحدود. 

فة حسابات یتو حب تصفيتها مع إيران وسوريا. 

هذا غيض من فيض «الوعي» الجديد في مراكز القرار في واشنطن. وهو وعي 
يحسم في أن الولاية الثانية ستكون أكثر عدوانية من الولاية الأولى. 

2005117 


الدبلوماسية العامة: 
الأولوية ل «التائبين» 
تصر الإدارة في واشنطن على أن «عطار» الدبلوماسية العامة سيصلح ما 


أفسده «دهر» السياسة الخارجية. 

الدبلوماسية العامة هي الاسم المهذب ل «بروباغندا». وهذه» بدورهاء اسم 
مهنب لا يمكننا تسميته «الكذب». تقوم الفكرة على أن المطلوب إيجاد انطباع 
إيحابي عن سلعة ما بغض النظر عمًا إذا كانت جيدة أو سيئة. أي إن السعي هو إلى 
إحلال الانطبا ع محل الوعي وذلك عبر صقل الوعي نفسه وإعادة صياغته عا يجعله 
مستهلكاً سهلاً وعدم التطلب. 

الدبلوماسية العامة هي العلاقات العامة المنقولة من الحيز التحاري إلى الحيز 
السياسي. ولقد باتت مرتبطةء في الفترة الأخيرة» بالجهد الذي تطالب الولايات 
المتحدة نفسها ببذله لتكسب ود الذين يكرهوها لعلة في نفوسهمء ولانحراف في 
تقافتهم» ولطول خضوعهم إلى قمع أنظمة حكمهم. ومع أن أدبيات الدبلوماسية 
العامة تزعم أن العالم كله بحاها فما لا شك فيه أن هدفها الفعلي هو العالمان العربي 
والإسلامي. إن مسرح العمليات العسكري والسياسي هو مسرح العمليات 
الإعلامي والإيديولوجي. 

يفترض بكل عربي أن يشعر بالإهانة جرد ”ماع تعبير «الدبلوماسية العامة». 
لماذا؟ لسبب بسيط هو أن شعبية السياسة الأميركية الحالية هي في الحضيض في 
العالم كله (وهي متراجعة في الولايات المتحدة نفسها) ومع ذلك فإن الجهد منصب 
على تغيير الرعي العربي ها لا الوعي الأوروبي مثلاً علماً بأن التحول الحاصل لدى 
حلفاء تاريخيين بمكنه أن يكون أكثر مدعاة للقلق. يعن ذلك أن الرهان الضمئي 
للإدارة هو أن في الإمكان التلاعب بالشعوب القاصرة في حين يصعب فعل ذلك 
مع الشعوب الراشدة. 

فة أسباب كثيرة يفترض يما دفع بوش إلى الاهتمام بوضعه الشعي؛ وبتقبّل 

451 


452 الان... هنا 


الرأي العام لسياسته» في الولايات المتحدة نفسها. فاستقصاءات الرأي» منذ شهور» 
تشير إلى تدهور مستمر في نسبة مؤيدي هذه السياسة. ويكاد الأمر يصل إلى حد 
يهدد حظوظ الحرب الحمهوري في الانتخابات النصفية فضلاً عن حظ المرشح 
الجمهوري في الرئاسة القادمة. وكان حرياً ببوش الانصراف إلى تحسين صورته 
لدى شعبه حاصة أنه يدرك أن الحرب الكونية ال يخوضها ضد «الإرهاب» لا 
يمكنه الاستمرار من دون احتضان بات متناقصاً. إلى ذلك كان يفترض بالإدارة 
بذل جهد أكير لشرح استراتيجيتها لحلفائها التاريخيين في الغرب سواء انضموا إليها 
أو لا في غزو العراق. فهناء أيضاء تشير استقصاءات الرأي إلى أن الرأي العام 
الأوروبي الغربي لم يكن سلبياً حيال السياسة الأميركية؛ وذلك منذ عقود» بقدر ما 
هو سلي اليوم. ومع ذلك يصر بوش على أن الانطباع عنه في إسلام أباد أهم من 
الانطباع عنه في لندن» وف الرباط أكثر من باريس. 

ليس الأمر كذلك فقط لأن الدبلوماسية العامة هي في خدمة السياسة العامة. 
إنه كذلك لأن نظرة أبوية وفوقية توحي لصاحبها أن «سكان البلاد الأصليين» 
متخلفون إلى حد أنه حكن بلفهم وخداعهم وإقناعهم بأن التغليف والتعليب أهم 
من المضمون. 

مبعث الاهتمام بالدبلوماسية العامة الشعور الأميركي الرسمي والشعي بأن 
أميركا «مكروهة» في الخارج» ولدى العرب والمسلمين خاصة: وأن في الإمكان 
نسبة هذه الكراهية» بين أمور أخرىء إلى «سوء الفهم». يعن ذلك أن رافضي 
السياسة الأميركية لا يصدرون عن مكابدة نتائحها وفهمهم ها بل على العكس 
لأنهم لا يفهمون» بالضبطء ما يكابدون! وثمة عناد أميركي على تكرار المقولة بأن 
ما سبق النجاح فيه في أوروبا الغربية ضد الشيوعية قابل للتكرار هذه المرة ضد 
أعداء حدد. ومع أن المفارقة أن إيديولوجيا الأعداء الجدد كانت واحدة من أدوات 
«الحرب الثقافية الباردة» (عنوان كتاب مثير عن المعركة الإيديولوجية الي أطلقتها 
الولايات المتحدة منذ فماية الحرب العالمية الثانية حى فاية الحرب الباردة)» فإن 
الملعضلة هي في القفز فوق حصوصيات التلاقي مع تطلب قومي ووطينٍ لشعوب 
مقابل التصادم الكامل والمطلق مع هذا التطلب عندما تعبر عنه شعوب أخرى. 


أميركا والمحافظون الجدد 453 


لقد اختار بوش مستشارته السابقة كارين هيوز لتتولى قيادة الصراع الفكري 
الجديد ضد إيديولوجيا الشر. وهي المرأة الرابعة ال تحتل هذا المنصب بعد الفشل 
المتتالي للواتي سبقنها. وتحاول هيوز أن تبدأ بداية متواضعة مركزة على رغبتها في 
الاستماع والتعرف وعدم الاكتفاء بتلاوة «المونولوغات» إلا أن تحربتها السابقة في 
الجهاز الإعلامي لبوش لا تفيد سوى أا كانت حاضرة بقوة في معارك لم تتميز 
بأي قدر من النزاهة. وفي حين وحد بعض «الحافظين الجدد» عيبا في اختيارها 
مردّه بحرد رغبتها في الاستماع إلى الآخرين وشكاويهم فإن غيرهم وحد العيب في 
مكان آخر: لا علاقة هيوزء لا من قريب أو بعيد» لا بالثقافة العريية أو الإسلامية 
ولا بالتاريخ السياسي للمنطقة. 

ومع ذلك فهي ستحاول. ستفعل ذلك تأسيساً على ما تم التوافق عليه سواء 
في «مبادرة الشراكة الأميركية المتوسطية» أو في برامج «الشرق الأوسط الكبير» 
وما أطلقته من مشاريع: تدريب» تأهيل؛ تمكين» تبادل زيارات» زيادة المنح» إلم... 
يعي ذلك أن البث الإيديولوجي في اتحاه العالمين العربي والإسلامي سيشهد طفرة 
استئنائية» وسيحاول تجنيد الكثيرين بيننا من أحل حمل الرسالة وتعميمها. لا بل إن 
التحنيد سابق على «توظيف» هيوز واستدراج العروض مستمر. 

إن الأفضلية المطلقة معطاةء في هذا المحال» للتائبين» والمرتدين» والقادرين» 
أكثر من غيرهم» على تشكيل الطابور الخامس الإيديولوجي المنشود. 

2005|8|26 


المحكمة صنعت بوش 
بوش يصنع المحكمة 


أصبح حورج بوش رئيسا للحمهورية بقرار من المحكمة الفدرالية العليا: 5 
ضد 4. لم يكن حصل على الأكثرية الشعبية المويدة للبرنامج الذي اقترحه. إلا أن 
بوش نفسه حدد ولايته عبر انتصار واضح إذ أنه وجد أكثرية شعبية تؤيد السياسة 
الي مارسها. 

في خلال الحملة الأخيرة تناول مؤيدو بوش وخصومه الفرصة الي ستسنح له 
بتعبين عضو أو أكثر في المحكمة الفدرالية ذاهَا وذلك بسبب الوفاة أو شغور الموقع. 
وهذا ما حصل تباعاً في الأسابيع الأخيرة إذ استقالت ساندرا داي أوكونور وتوفي 
وليام ريهنكويست. 

للمحكمة الفدرالية العليا أهمية استثنائية في الحياة العامة الأميركية. ولقد 
تعززت هذه الأهضية من الانزياح المتزايد لمركز الثقل السياسي منتقلاً من 
الخلافات البرنامجية شبه الجدية حول الاقتصاد إلى التباينات الثقافية الإيديولوجية 
الخاصة بالقضايا امجتمعية. ففي الحال الثاني تلعب الهيئة دور شديد التأثير في صياغة 
القوانين العامة الناظمة لحياة الأميركبين» وهي تعتبر لذلكء المقياس الأبرز 
للصراعات الإيديولوجية المعتملة في قلب المجتمع. 

منذ عقود قليلة والمحكمة في حالة توازن هش بحيث أن أكثرية محافظة ترحح 
وجهة ولكنها تنفرط سامحة لأكثرية أكثر ليبرالية بترجحيح وجهة أخرى. في المحكمة 
نواة صلبة من الليبراليين ونواة من الوسطيين (بينهم أوكونور) ونواة من الحافظين 
(على رأسهم ريهنكويست). ر ٍ 

الأخير هو أطول القضاة عمرا في المحكمة وأشدهم تأثيرا خاصة منذ أن بات 
رئيسها باققراح من رونالد ريغان قبل حوالى 20 سنة. ولقد ساهم في تحويل 
قناعاته الرجعية إلى قوانين تسهل حياة الشركات الكبرى» وتدافع عن الامتيازات 
العرقية» وتعادي بعض الحقوق الفردية» وتحاول أن تعيد تدحل الدين في الدولة. لا 

454 


أميركا والمحافظون الجدد 455 


يخفي أنه شديد التأثر بفرديريك فون هايك الذي نظر إلى أي تدخحل للدولة في ما 
لا يعنيها (إعادة توزيع الثروة مغلا أو إنشاء شبكات أمان اجتماعي...) بصفتها 
الخطوة الأول في «الطريق إلى العبودية» (عنوان كتاب شهير له). 

وفاة الرئيس بعد استقالة أوكونور وسّعت هامش الاختيار أمام بوش الذي 
كان احتار حون روبرتس للحلول محل المستقيلة فأقدم على اقتراحه رئيساً 
للمحكمة. 

وروبرتس الشاب نسبياً (50 عاما) ميال إلى رفض تشريع الإجهاض 
والاعتراض على بعض الحريات الخاصة. كما أنه ميّال إلى تقليص صلاحيات 
الكونغفرس وتوسيع صلاحية الولايات في التشريع. والمعروف أنه سلبي حيال 
القوانين الي حاولت» عبر التميبز الإيجابي» دفع «الحقوق المدنية» إلى الأمام. أضف 
إلى ذلك أنه من مويدي تقليص الفصل بين الدولة والكنيسة. 

ليس لروبرتس مواقف فاقعة تجعله على أقصى اليمين الإيديولوحي. ومع ذلك 
فلقد حاولت الإدارة حمايته بتأخير الكشف عن أحكام أو توصيات كان أطلقها أو 
كتبها من أجل تعقيد مهمة الكونغرس في استحوابه. ولكن مع اتضاح صورته أكثر 
فأكئر كان يتضح أنه يمثل كسرا ثابتا للتوازن ضمن المحكمة عبر ترحيح النواة 
المحافظة الصلبة فيها. 

كان حكن الافتراض» قبل أشهرء أن بوش لن يجد صعوبة في تمرير من يريد» 
وأن الحزب الديموقراطي والليراليين عموماً لن يستطيعوا العرقلة ولا التصدي لما 
يريده «رئيس الحرب». إلا أن التعثر الأميركي في العراق شرع يقضم بشكل ثابت 
من شعبية الرئيس. وفي موازاة ذلك كان التحرؤ عليه يزداد. وح الأقطاب في 
الحسزب الديموقراطيء؛ من المرشحين الحتملين للرئاسة المقبلة» وحدوا أن من 
مصلحتهم حوض مواجهة معه على هذه الأرض طالما أهم يتخوفون من بلورة 
سياسة بديلة حول العراقء ولا يدعون إلى تعبئة جدية ضد السياسات الاقتصادية 
للرئيس لي مواضيع الضرائب والضمان الصحي والبيئة. 

وكان أن حصل الإعصار. وكان أن اكتشف الأميركيون مذهولين نقاط 
الضعف في بنيان دولتهم ومؤسساتهم الفدرالية وامحلية. وكان أن حضر الموت 


6 الان... هنا 


الكثيف والبشع والقاسي على الشاشات مدللاً على وحود تمايزات طبقية عرقية 
لا تطاق. وكان أن أظهر بوش لا مبالاة مستهجنة حاول تداركها لاحقاً. لقد 
ترك الإعصارء معطوفاً على التذمر من الوضع في العراق» أثراً على مكانة بوش. 
بكلام آحر جاءت اللحظة الي ينتظرها لتشكيل المحكمة العليا وترك بصماته 
الإيديولوحية على مستقبل بلاده» جاءت هذه اللحظة في ظرف سياسي غير 
مناسب له تماما. 

... ومع ذلك فإن الموشرات تدل على أن الرئيس ذاهب نحو المواجهة. 
وهو إذ يفضل هذا الخيار فليس فقط لأنه محصّن دون الوعي بحقائق ما يدور 
حوله بل ايشا لأنه يتقصّد مخاطبة قاعدته المتصلبة وغير المستعدة للتخلي عنه. 
إنه يفضل بقاء هذا الحساب في رصيده عوض «المغامرة» بانفتاح قد لا يفيده 

إذا حصل وكسر بوش التوازن هائياً في المحكمة الفدرالية فهذا يعي أنه 
أغلق دائرة السياسة المحافظة والرجعية الي يتبناها واليّ تتمثل في فج اقتصادي 
شديد اليمينية وقي فج مجتمعي شديد الظلامية بالمعايير الغربية وح بالمعايير 
الأمي ركية. 

سيعمّق هذا الاحتيار الحوة بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. فالمقابل 
الأوروبي هذه التوحهات نحده جزئيا في بعض أحزاب اليسار واليمين» ولكننا نجده 
ف صورته الأشد اكتمالاً في أقصى بين المشهد السياسي. سيحرج بوش «يسارياً» 
مزعوما مثل طوني بلير وكيني مثل أنحيلا ماركيل. إن الهوة ستتعمّق بين شطري 
العالم الغربي وسيصبح مطلوبا المزيد من الجهد السياسي لإنقاذ العلاقات 
الاسترانيجية وتدعيمها. 

2000017 


رأس فارغ 
وقلب جاف 


هل مرت قبل يومين» الذكرى الرابعة لتفجيرات 11 أيلول, أم أها الذكرى 
الأولى للتفجيرات إياها في مرحلة ما بعد الإعصار «كاترينا»؟ 

السؤال جدير بأن يُطرح؟ فإذا كانت العمليات الإرهابية تركت أثرا كبا 
وتحولت إلى «فعل تأسيسي» هناك ما قبله وما بعده» فإن كارثة نيو أورليانز 
آحذة في طبع الوحدان الأميركي وترك بصماتا عليه ما يسمح بالتساؤل عما إذا 
کانت» بدورهاء ستصبح حدثا مؤثرا. 

والسوال حدير بأن بطر ح» أيضاء لأن الإعصار هوء بمعين ماء «أني 11 
أيلول». إنه كذلك في غير مجال. 

في 11 أيلول كانت المساواة أمام الموت كاملة تقريباً. أما في الإعصار فبدا 
الموت عقوبة على «حرية» الفقر. وكان من الطبيعيء في الحالة الأرلى» أن تُستفز 
مشاعر العزة الوطنية الأميركية؛ وأن تتوحد الأمة الي لسعها الإرهاب فوق أرضها 
اب تحيطها المياه. إلا أن ما حصلء في الحالة الثانية» هو أن أمة بدأت تشهد تصدعاً 
جديا حول الموقف من قضايا مصيرية» ازدادت تصدعاً نتيجة «انتخاب» الموت 
ضحاياه» والمسؤولية البشرية المباشرة عن تحويل هؤلاء إلى قرايين. كانت أميركا 
قبل أربع سنوات رحلاً واحداء إلا أا اليوم رحل أبيض ورحل أسود؛ رحل غي 
ورحل فقو؛ .ريخل يكن الأعال الآمنة ورسل بسكن المففات اس ةة رجل 
تجعله اللامبالاة شريكاً موضوعياً في الحريمة ورجل يجعله شرطه الاجتماعي غر 
الاحتياري غريقاء أو مشرداء أو لاحثاء أو» في أحسن الأحوالء إذا نجاء سارقاً 
ومعتدياً على المال الخاص لغيره. 

قدمت الإدارة اعتداءات 11 أيلول بصفتها هجوما يشنه «البرابرة» ضد 
النموذج الأميركي الحضاريء المتقدم؛ الدركوقراطيء الحترم للإنسان وحقوقه؛ 
هحوماً لا دافع له سوى تدمير «نمط حياة» اختاره قوم أحرار لأنفسهم. ثم حاء 

2457 


458 الان... هنا 


الإعصار فأخحذ في دربه قسماً من هذه الأساطير. إن أميركا بجتمع دكوقراطي» 
ومتقدم طبعاء ولكنه» أيضاء مجتمع التفارق الاجتماعي؛ والتمييز العرقي» 
والموسسات المتعثرة» والتوحش الرأسمالي. إنه» .ععن ماء مجتمع لا يشكل أرقى مثال 
للتصدير ولا يستطيع الادعاء أنه المحطة النهائية للتاريخ. 

هحمات 11 أيلول «برانية»» بمعين أنها وافدة من الخارج» ولأسباب لا علاقة 
للداخل البريء بما. إها فعل شيطاني وشرير لامس أمة الخير والعطاء والغيرية. أما 
الإعصار ففعل طبيعي كشف المخبوء في هذا الداخل» وعرّاه؛ ودفع أهله إلى 
الغوص في دواخلهم بحمثاً عن النواقص. 

ردت الولايات المتحدة على 11 أيلول بإحراءات أمنية» بتعديلات في بعض 
القوانين» بتعكير العلاقات الدوليةء وب «حرب عالمية على الإرهاب» قادتا إلى 
بغداد. إلا أن بوش أصر على عدم تدفيع المكلّف الأميركي ثمناً هذه الحرب» فامتنع 
عدن رس ضراب زهدة سايقة ي رمن حري): ومضى ي يرتايحه الاقتصادي 
موسسعا دائرة الفقر وحاصرا الثروات المتزايدة في قبضة أقلية تزداد انحسارا (تُجمع 
الإحصاءات الرسمية الأميركية على ذلك). لقد كانت الكلفة المادية تزيد عجر 
الوازنة» وكانت الكلفة البشرية ترمي أبناء الفئات المهمشة في حرب حيث لا 
أسلحة دمار شامل ولا إرهاب. أما بعد الإعصار فلقد ثبت أن الأرض الوطنية غير 
محمية تماماء وأن وزارة الأمن الى عرضت قبل أشهر برنابجها لمكافحة آثار جركة 
إرهابية» أو زلزال» أو طوفان» أو إعصارء ليست مستعدة أبدا لمهمة من هذا النوع. 
إلى ذلك بات واضحاء أن كلفة علاج ما حصل ستكون عالية» وأن شيئاً ما يحب 
أن يتغير في ملكة الخير المزعوم. 

عندما وقعت أحداث 11 أيلول لم يكن الجناح النافذ سياسياً في الإدارة بملك 
ردا برنايجياً . لذلك حصل ما حصلة واستعار القوميون المتشددون والمحافظون 
التقليديون برنامج الجناح النافذ أيديولوجياً في الإدارة» برنامج «الحافظين الجدد». 

غير أن إعصار «كاترينا» ثل تحدياً من نوع جديد إذ لا أحد ضمن الإدارة 
الحاليةء ولا الحافظون الجدد تحديداًء ملك جواباً عليه. فهذا الجواب يفترض البحث 
عنه في بيئة أخرى متباينة عن بيئة بوش وتشيئ ورامسفيلدء ومتناقضة مع بيئة 


أميركا والمحافظون الجدد 459 


المحافظين الجدد. فالأخيرون متهمون بأنهم دفعوا نحو مغامرات عسكرية حعلت 
البلاد أكثر انكشافاً. ولكن المحافظين التقليديين» وبوش على رأسهم متهمون بأهم 
دفعوا نحو سياسات اقتصادية اجتماعية جعلت الولايات المتحدة في جهوزية 
لاستقبال الكارثة الى كانت تنتظر لحظة وقوعها من فرط ما هي معلنة. 

لا ملك بوش إلا الاستدارة إذا كان يريد حصر الخسائر. وهو لا يستطيع إلا 
تحميد خحططه للولاية الثانية والقاضية بالاستمرار في الاقتطاع الضرييي» 
وحصخحصة الضمان» والدفع نحو مجتمع الملكية والشراكة. إنه» الآن» في ورطة 
أيديولوجية لم يكن يعتقد أنه سيواحههاء وسيضطرء تحت ضغطهاء لامتداح 
«الدولة»» ولتمحيد دورهاء ولإيكال المهمات الكبرى داخليا إليهاء ولتدشين 
مرحلة إنفاق يستفيد منه المتضررون. هذه كلها «هرطقات» في نظر الحزب 
الجمهوري (وقي نظر قطاع واسع من الحزب الديموقراطي)» وفي نظر قاعدته 
الصلبة» ولي نظر منظومته الفكرية الي كان يفترض فيهاء أمانة لنفسهاء أن تَحمّل 
الضحاياء فردا فرداء مسوولية خيارهم بأن يكونوا فقراء» وملونين» وغير مالكين 
وسائل نقل» وساكنين في عين الإعصار. 

كلاء لم يكن هناك أي تناقض جوهري بين ما يفعله بوش في الخارج وما 
يفعله في الداحل. إن سياسته الخارجية امتداد لسياسته الداحلية» والائنتان موجهتان 
لخدمة المعسكر إياه» والشرائح الاحتماعية نفسهاء والمنظور الأيديولوجي عينه. 
ويمذا المع قد لا يكون صحيحا القول إن ما شهدناه هو انفحار التناقض بين 
السياستين. إن الأصح» رعماء هو ارتطام السياستين بالواقع واكتشافهما المرير 
حدودّههما: ليس العالم صفحة بيضاء يخط عليها مهووسو الإدارة ما يشاؤون» 
وليست أميركا نفسها حقل تجحارب مشلولاً من أحل اختبار قدرتا على تحمّل هذا 
التمزق في نسيجها الداخلي. 

لن يكون مكنا تقدير الاستدارة الي سيضطر إليها الرئيس» ولا معرفة ما إذا 
كانت ستستمر بعد هدوء العاصفة. لقد شرعت الأصوات» في معسكره» تحذر 
بوش من ألا يكون بوش» أي من ألا يكون رجلاً فارغ الرأس وجاف القلب 
(حسب زميل فرنسي). 


460 الآن... هنا 


وتصدر هذه الأصوات من حهتين. حهة أقصى اليمين الليبرالي اقتصادياً 

التي شرعت في طرد شياطين الدولة العائدة. وجهة «الحافظين الجدد» الي تخاف 

على «رئيس الحرب» من التخاذل. ولكن ما لا شك فيه أن المواحهة الداخلية 

في أميركا تدورء بعد «كاترينا»» لي شروط مختلفة عن المواحهة الي دارت بعد 
1 أيلول. 

20050 013 


«الإطفائي» الأميركي 
وحرائق المنطقة 


تزعم الإدارة الأميركية أفا «الإطفائي العالمي» المكلف إحماد اللهيب الذي 

يشعله «الإرهاب الدولي». إلا أن المشاهد الماثلة أمامنا تؤكد أن الولايات المتحدة 

لا تفعل» منذ أن بدأت «الرد» على هحمات 11 أيلول» سوى إشعال الحرائق في 

ما تسميه «الشرق الأوسط الكبير». 

» تتوجه أنغانستان» غداء إلى صناديق الاقتراع. إلا أنه من الواضح أا انتخابات 
في ظل «ملف مفتوح». صحیح؛ راء أن واشنطن م يكن في وسعها إلا الرد 
في أفغانستان. إلا أن الصحيحء أيضاء أا اختارت ردا يقوم على نظرية «بناء 
الأمم والدول». ولكنء منذ ذلك الوقتء يتبيّن أن جهد الحد الأدن قد بُذل 
عسكرياً ومادياً. العلامة الأولى على ذلك أن قادة «القاعدة» و«طالبان» ما 
زالوا أحياء وأحرارا وناشطين برغم أن حورج بوش لم يعد يأني على ذكرهم. 
والعلامة الثانية هي أن بور التوتر لم تخمد. والعلامة الثالئة هي الارتفاع 
الأسطوري في زراعة الأفيون. والعلامة الرابعة هي انحصار السلطة المركزية في 
كابول وبعض لمان» واستمرار نفوذ أمراء الحرب على حاله (إلا مَّن كان 
منهم مويداً لإيران). 
ستحري الانتخابات النيابية ولو متأخرة لكنها لن تغلق الملف. فالإنفاق في 
أفغانستان ضثيلء والتمايزات مستمرة بين الولايات المتحدة وحلفائها حول 
الدور المفترض ل «حلف شال الأطلسي». ومع أن البيئة الإقليمية ميالة إلى 
أن تكون إيجابية فلا تشهد تصدعات. الحصيلة هي أن أفغانستان جرح نازف 
ببطء. لم تكرّر أميركا فيها ما فعلته بعد خروج السوفيات»ء إلا أفهاء في المقابلء 
لم تكن على مستوى ما نسبته إلى نفسها. 

© إذا كانت أفغانستان ملفا اضطرت واشتطن إلى فتحه ولم تغلقه» فإن العراق 
ملف «احتياري» من الدرحة الأولى. لقد صدر قرار أميركي حر بالتوجه نحو 

461 


462 


الآن... هنا 


الحرب والغزو والاحتلال. وها هي شرايين العراق مفتوحة. ها هو الدم يغرق 
الشوارع. وها هي المحطات الأميركية تفشلء الواحدة بعد الأحرى» في وضع 
نقطة النهاية: تغيير الإدارة الكولونيالية» تحويل السلطة, الدستور الموقت» 
الانتخابات» الحكومة» كتابة الدستور... وما يصح على هذه الحطات يصح 
على ما يليها: الاستفتاء على الدستور بعد أقل من شهرء والانتخابات العامة 
أواخر السنة. 

لقد بات واضحاً أن المواجهات ستستمر في كل وجوهها: المقاومة ضد 
الاحتلال» الممانعة ضد السلطة الي أقامها الاحتلال؛ الاقتتال الأهلي. ولم يعد 
سرا أن واشنطن لن تزيد عديد قواتما (إن لم يحصل العكس) وأا مضطرة» بعد 
إعصار «كاترينا» إلى البحث في خفض التكلفة. مستقبل العراق غامض. 
ولكن أكثر السيناريوهات تفاؤلاً بعيد لسنوات ضوئية عن التصورات الوردية 
الأميركية السابقة للحرب. إن وحدة البلاد قي خطرء ووحدة الشعب في 
خطر. ووحدة عرب العراق في خطر. ويزداد الأمر حدة في أن السياسة 
الأميركية لا تحيط العراق ببيئة إقليمية مؤانية. على العكس. لا محازفة في 
القولء إذأء إن الملف العراقي مفتوح. 

فلسطين ملف مفتوح منذ قرن وقد يبقى مفتوحاً لقرن. لا ذنب مباشراً هذه 
الإدارة لي استحضاره. لقد حاولتء قي بدايتهاء تجاهله ثم عاودت الاهتمام به. 
غير أفاء في الإححام كما في الإقدام» بقيت شديدة الانضباط بالإيقاع الذي 
يريده أرييل شارون. ولقد حاول بوش الإيحاء بأنه يدعم التقدم نحو الحل عبر 
رعاية «خطة غزة» مع أنه يدرك تماما أن الحقيقة هي أن هذه الخطوة هي في 
الاتماه الآحر؛ الاتحاه الذي شجع عليه بإغداقه الوعود على شارون. 

لا عنوان لما بعد غزة إلا تكثيف الصراع على الضفة. مَن لا يصدق ذلك فعليه 
ببعض المطالعة السريعة لوثائق إسرائيلية» ولتصريحات إسرائيلية (آخرها حطاب 
شارون في الأمم المتحدة)ء ولبرامج حزبية وحكومية إسرائيلية. إن المستقبل 
القريب هو تصعيد المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية في الضفة. والبديل المقترح 
مسن أميركا وإسرائيل هو اندلاع المواحهة الفلسطينية الفلسطينية في غزة 


أميركا والمحافظون الجدد 463 


(والضفة). إن الملسف الفلسطيئٍ مفتوح والولايات المتحدة تصب زيتاً على 
ناره. 

٠‏ قرار واشنطن بفتح الملف اللبناني اتخذ في سياق السياسة الأميركية الإجمالية في 
المنطقة. لكن الحقيقة تقضي القول إن مارسات سورية ولبنانية لعبت دوراً 
مساعدا لهذا القرار فجعلته أسهل نما يتصوره أصحابه. إن واشنطن هي المبادرة 
إلى إفهاء التوافق حول لبنان وإطلاق التجاذب حوله» وقد استفادت من أن 
الكثيرين «لعبوا بين أيديها» طمعاً أو لأنهم لا يعرفون مارسة سياسة أخرى. 
إن الملف اللبناني مفتوح. الأدوات الفاعلة فيه كثيرة بينها قرارات دولية تلقى 
إجماعا (1595) أو ثير اختلافاً (1559). 
الناظر إلى الوضع اللبناني يدرك أن ما من قوة داخلية قادرة على حسم 
الخلافات وإقفال الملف. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة ماضية في الضغط 
يبمساندة أوروبية (فرنسية تحديدا) لا تملك أحوبة لا على الوضع اللبناني الراهنء 
ولا على الأسئلة الي ستولد من رحم التطورات. أما العام العربي فله. في 
أحسن الأحوال» دور الكومبارس. لا وجودء في الأفق اللبناي» لاستقرار مقنع 
يكون بديلاً عن «الاستقرار المكلف» الذي انتهى. 

© تحضر واشنطن لفتح الملف السوري. تحث السير نحو ذلك على وتيرة عمل نة 
التحقيق الدولية باغتيال الرئيس رفيق الحريري. الأسباب الدافعة لذلك كثيرة 
وتطال القضايا الإقليمية الرئيسية إلا أن المدخل اللبناني يبقى الأكثر أهمية لأنه 
يضمن احتمال «الجرم المشهود». وليس سرا أن بيروت تضج بأخبار القرار 
الأميركي المتخذ والمستهدف تغيير سياسة النظام السوري تمهيدا لتغييره» أو 
الإقدام على التغيير الفوري مباشرة. 

ليست العمليات العسكرية الكيرى غربي العراق بعيدة عن أن تكون رافدا 
متصاعد الضغط يلاقي الضغط السياسي المتزايد من لبنان. إلا أن أكثر الناس قلقا 
من هذ الاحتمال أو استبشارا به لا بعلك كلمة واحدة يقوها عن احتمالات 
الوضع بعد أي «نحاح» أميركي عتمل. فالقرار» كما يقدم» هو فتح للملف 
على... الجهول. والمحهول» في هذه المنطقة المنكوبة» يعي الأسوأ لأنه» بالضبطء 


4 الان... هنا 


يعن الفوضى والاضطراب. ولا يحتاج المرء لأن يكون عالماً بالجغرافيا السياسية حى 
يدرك آثار انفتاح املف السوري على المنطقة العربية كلها وعلى لبنان وفلسطين 
والأردن والعراق تحديدا. إن أي صيغة هشة للاستقرار اللبناني» وليس واردا سوى 
صيغة هشة (هذا في أحسن الأحوال)» قد لا تستطيع الصمود أمام رياح تب عليها 
من الشرق. 

إن أحذ هذه الملفات المفتوحة» أو القابلة للفتح, كلا على حدة» يرسم صورة 
مرعبة. فكيف إذا أدخلنا في الاعتبار أنناء فعلياء أمام أوان مستطرقة وأن كل أزمة 
قابلة لتزويد الأعرى بالوقود. 

إن «الإطفائسي» الأمي ر كي هو الشعل الأول للحرائق. يمكن تسمية ذلك 
انسياقا مع أطروحات «الحافظين الجدد»: الفوضى البناءة» أي الفوضى الي لا 
شاطيئع أمان تنتهي فيه إلا الشاطى الأميركي. 

2005|9|17 


اكتشاف أميركي جديد: 
المقاومة تعيق الديموقراطية 

في غضون الساعات القليلة الماضية أكد مسؤولون ف الإدارة الأميركية أن لا 
محال للديموقراطية في فلسطين ولبنان ما دامت هناك قوى غير رسمية مسلحة. 

يتناغم هذا الادعاء مع الأطروحة الجديدة: الدركوقراطية أولاً. ويسمح بأن 
يتأسس الموقف من السلاح على قاعدة الحرص على مصالح الشعب المع وتقدمه 
وحقه في ممارسة حرياته. 

ومن الاستخدامات الفرعية لهذا الادعاء إعلان واشتطن أن عداءها لسوريا 
غير ناجم عن الدور لمنسوب إليها في محال العلاقة مع المقاومات العراقية 
والفلسطينية واللبنانية. لقد كاد هذا المعى يختفي من الأدبيات السياسية الأميركية. 
لقد حل محله تفسير جديد يزعم أن الولايات المتحدة إنما تعادي سوريا لأن الأخيرة 
عبط آمال العراقيين والفلسطينيين واللبنانيين وتوقهم إلى الدكوقراطية! 

توجه الإدارة دعوة ملحة إلى الحكومة اللبنانية والسلطة الوطنية من أحل 
استعادة السيادة من الح ركات الداخلية المسلحة. وتقفز هذه الدعوة تماما فوق 
الحقيقة القائلة بأن ما استعيد من سيادة» بتفاوت كبر بين الحالتين» استعيد بفضل 
هذا السلاح إلى حد بعيدء وأن ثمة مهمات تنتظره ذات صلة باستكمال استعادة 
السيادة والدفاع عنها 

فلسطينياً؛ ما زالت غزة تحت الاحتلال. وجري قضم الضفة. ويؤكد أرييل 
شارون في الأمم المتحدة عزمه على ضم أراض عتلة وإبقاء القدس موحدة. ولا 
يرك هر وغيره مناسبة إلا ويعترض على حق العودة. البناء يعلو ويتمدد يومياً. 
الاستيطان يزيد. تتسرّب الأنباء عن احتمال ضم كل ما هو غربي الجدار. يجري 
تقطيع الأرض الفلسطينية .ما يعيق قيام أي دولة. إن المصير الوطي الفلسطيي 
خاضع برمته للاحتلال. فهل هذا هو الوقت المناسب لرمي السلاح؟ أي دكوقراطية 
(يعينٍ أي سيادة شعبية) ممكنة ما دام الاحتلال قائما وهو السيد. 

465 


46 الاآن... هنا 


لا يعي ذلك أن «الدعوقراطية»» كصيغة لإدارة العلاقات الفلسطينية ولو 
تحت الاحخلال غير مطلوبة. ولكنه يعن بالتأكيدء أن العنصر المتحكم .عصير 
السلاح هو توفير القدرة على استكمال معركة التحرر الوطي. 

لبنانياء ثمة بقايا احتلال» ونمة أسرى. وإسرائيل تخرق 8F‏ السيادة 
اللبنانية. ويجمع اللبنانيين إليها تاريخ دموي مديد ملؤه الاعتداءات والخسائر 
المائلة. لقد أمكن لحم إسرائيل جزئيا في 1996 ثم اضطرت إلى انسحاب 
ي العام 2000. إن الحم أولا م التحريرء أي إن السلاح أساساً هو الذي 
أعاد سلطة الدولة على أرض كانت محتلة. إن السيادة هي ابنة شرعية لهذا 
السلاح. 

وعكن لأي مراقب موضوعي أن يلاحظ أن هذا السلاح لم يعرقل تقدم 
الدكوقراطية. ألا «يفاخسر» المسؤولون الأميركيون وغيرهم بأفم ساهموا في نقل 
لبنان إلى موقع سياسي جديد. وأنهم ساعدرا على إجراء أكثر الانتخابات 
ديموقراطية منذ عقود. لم يكلف واحد منهم نفسه عناء تقلع دليل على إعاقة 
السلاح لهذا التقدم الديموقراطي لا في الماضي ولا في الحاضر. لا بل يمكن القول إن 
بعض الشوائب يعود إلى الضغط من أجل الاستعجال في الانتخابات أكثر ما يعود 
إلى سلاج فرض رأيه على الناحبين. كذلك إذا كانت اللموقراطية اللبنانية تشكو 
من شيء اليوم فرعا تشكو من تدخل الوصاية الأميركية في قرارات تفصيلية أكثر 
ما تشكو من تدخل السلاح. 

إنه سلاح لم يعرقل تعاظم المعارضة ضد نظام أقام مع المقاومة علاقة جيدة. 
ولم يعرقل الخروج السوري. ولم يعرقل تشكيل بلنة التحقيق. ولم يعرقل ايار 
أعمدة النظام الأم. وهوء بالتأكيدء لن يعرقل أي توافق لبناني دعوقراطي على 
أذ الأمور نحو أي وجهة بعد نتائج التحقيق. 

يدرك أي مطلع على أوضاع الساحتين الفلسطينية واللبنانية أن الإصرار 
الأميركي على «نزع سلاح الميليشيات» يعي الدفع نحو الفتنة. إن هدفه الحقيقي 
هو جعل الاقتتال الأهلي بديلاً من مقاومة إسرائيل أو ردعها. وللمرء أن يتخيّل 
تلك الديموقراطية الي ستنهض فوق أنقاض المواجحهات الداخلية. 


أميركا والمحافظون الجدد 467 


يحب الاعتراف بأن الذريعة الأميركية صحيحة نظرياً فالدول تعني «سلطة 
واحدةء واستراتيجية واحدة» وبندقية واحدة». هذا ما تقوله الكتب الي تؤوكد حق 
الدولة قي احتكار العنف. غير أن التجربة العيانية قدمت للفلسطينيين درسا آخر. 
ففي الحالة الفلسطينية يقف الاحتلال عائقاً أمام الدولة الي يفترض فيها احتكار 
العنف. وثي الحالة اللبنانية انهارت الدولة ولم ترتد ع إسرائيل عن محاولة فرض سلطة 
متعاملة معها ونشأت المقاومة قبل الدولة وساعدقا على الوقوف على قدميها. ثم 
إنه لا مانع إطلاقا من تثبيت الاستنتاج القائل بأن توزيع الأدوار بين السلطة 
وللقاومة:؛ والتكامل بينهماء أعطيا نتائج لا ضرورة إطلاقاً لتهديدها بدفع طرفي 
المعادلة نحو الصدام. 

إن الحصيلة التجريبية إيجابية ويتوجب الحفاظ عليها. وإذا كانت التطورات 
والمستحدات تفرض تعديلاً ما فوظيفة الحوار الوطين, الددكوقراطي؛ إنتاج المعادلات 
الجديدة الي لا تطيح مكتسبات المرحلة الماضية الملموسة. 


6 2 © 


يمكنء في مقابل المثالين الفلسطيي واللبنافي» تقدم مثالين آخرين. 

إن أكير ميليشيا مسلحة في المشرق العربي قد تكون ميليشيا المستوطنين 
الإاسرائيليين في الضفة الغربية. يصل عدد المسلحين هناك إلى حوالى مئة ألف. 
ونمة تشكيلات عسكرية تنظمهم وازاة القوات النظامية. والمعروف أن 
أدوارهم الأمنية والعسكرية مرسومة وأفهم يشكلون قوة ضغط تلعبء بالتأكيد» 
دورا تعطيلياً ل «الديكوقراطية» الإسرائيلية. ولقد حصل أن كانوا على تباين 
مع السياسات الرسمية» وحصل أن هددوا باللجوء إلى القوة والعنف. وليس سرا 
أن الحكومات الإسرائيلية تستخدمهم ذريعة لمعل الانسحاب مرفوضا تحت 
طائلة الحرب الأهلية. إن هذه الميليشيا المعتدية والرديفة لجيش الاحتلال هي ما 
يتوحب البحث بأمره. هذا أولاً. 

ثانياء هل يعتبر المسؤولون الأميركيون أنفسُهم من الذين يقيمون تعارضاً بين 


الديكوقراطية والسلاح الأهلي» هل يعتير هولاء أن من واجبهم تطبيق نظرياقم على 


468 الآن... هنا 


قوات البيشمركة الكردية» مثلاء في العراق؟ الجواب واضح. إن الاستفادة من هذا 
الجيش الخاص الفئوي» كما من غيره من التشكيلات» لا تقيم اعتبار للنظريات 
الخاصة بالوضعين الفلسطيي واللبناني. ولا يغيّر من الأمر كثيرا أن الدستور العراقي 
الجديد يمكنه تشريع هذا الوضع. فهذا الدستورء أيضاء وضع تحت ضغط السلاح 
الميليشياوي! 

20063 


جورج بوش: 
نهاية صيف حارة 

كارل روف هو صانع الانتصارات الانتخابية حورج بوش منذ أيامهما في 
تكساس. تكمن «العبقرية» المنسوبة إليه لي أنه يدعو إلى قيام ائتلاف واسع يدعم 
مرشح الحزب الجمهوري ولو كان ذلك على حساب ارتضاء قدر من التباين في 
مصالح مكونات هذا التحالف. وإذا كانت هذه الاستراتيجية حققت نحاحات فإفا 
تواجه مشكلة اليوم. إن شرط نجاحها هو أن يكون رمزها الأول في حالة صعود 
وأن تلك الميبة المعنوية اليّ مكنه من جعل الأطراف كلها مكتفية بقدر من تحقيق 
أهدافها ومعتيرة أن هذا القدر ينحيها من وصول جهة أحرى إلى موقع التقرير. إن 
الوضع الراهن لبوش لا علاً هذا الشرط. وينعكس ذلك في أن كل خطوة يخطوها 
باتت توفر له قدرا من الملامة لا قدرا من الموالاة. 

يتعرض الرئيس الأميركيء هذه الأيام» إلى إطلاق نار متقاطع من مواقع 
اليمين واليمين الأقصى الأميركي. ومهما كان هذا غريباً فهو لا يغيّر شيعا من أنه 
صجع. 

ففةانتقادات لبوش من موقع كيني لأنه حرج عن «الأرثوذكسية المالية» 
القاضية بضبط التوازنات الكبرى. فالإنفاق يزدادء ومعه العحز في الميزانية. ويلوح 
شبح المغامرات السياسية الخارحية وراء هذا الإسراف الذي يؤدي إلى تكبير دور 
الدولة بدل تصغيرهء وهذه هرطقة غير مقبولة في عرف هذا الجناح من اليمين 
الأميركي. 

إلى ذلك فإن اليمين الاقتصادي المرتبط بالقطاعات الحديثة والمتصل ببعض 
التنور اللييرالي يأخذ على بوش تعثره في تمرير حصخصة الضمان الصحي؛ وإقحامه 
المبالغ به للدين في السياسة والمجتمع. ويرد اليمين الديني على ذلك بإبداء المحاوف 
من كون الرئيس تخلى عن حلم معلن عمره عقود من الزمن ويقوم على اقتناص 
الفرص لإحراء تعديل حذري في تركيبة ا محكمة الفدرالية. 

469 


لقد لاحت هذه الفرصة باعتزال عضوة ف المحكمة ووفاة رئيسها. العضوة 
وسطية ولكن الرئيس عيي. وكانت المفاجأة أن برش اقترح رئيساً أقل كينية من 
المتوق وعضوة ججهولة بعض الشيء لأنه لم يسبق لها أن أصدرت أحكاما تسهل 
تصنيفها. يي ذلك أن الانقلاب الجدي ضمن المحكمة لم يحصل كما بريد له 
«الأصوليرن» أن يكون ما دفعهم إلى شن حملة شعواء على الاختيارات» وإلى 
اعارا دللا على شعو الرس بالضعف واستعناقه لاجراء. وهات وتخليه 
عن «الوضوح الأخلاقي». 

إذا كانت سمة الاحتجاج على بيروقراطية العاصمة من مات بعض اليمين 
فإن بوش متهم في تعزيزه للسلطات المركزية. غير أنما اتحامات يرد عليها يمين 
آحر احتل موقعاً في العاصمة وهو يرد عليها بالتأكيد على أن بوش يتصرف 
كأنه «واشنطي ضد واشنطن» وهذا ما لا یشکل سلو کا يمكن أن يلفى 
الرضى. 

«مّن قتل عقيدة بوش»» سال أحد أقطاب «المحافظين الجدد» مايكل 
روبين. أجاب إنه حورج بوش نفسه. قد لا تكون التهمة موجهة إلى الرئيس 
شخصيا ولكن ما لا شك فيه أن أقطابا في الإدارة متهمون بأنهم شرعوا يعانون 
من أعراض المرض الخبيث للدبلوماسية الأميركية: الواقعية. ليس سرا أن بيئة 
«الحافظين الجدد» تشن هجوماً سياسياً وإيديولوجياً على ما تعتيره مظاهر تخاذل 
في السياسة الخارحية الأميركية يتمثل في عدم الإعداد حسم عسكري في 
العراق» وإطالة أمد المفاوضات مع إيران» والحديث عن تغيير السياسة السورية 
لا النظام السوريء والمهادنة الجزئية للسعودية ومصرء ومسايرة روسيا والصين» 
إخ... إلا أن أصواتاً متزايدة ضمن «المحافظين النقليديين»» بما في ذلك ضمن 
الحزب الجمهوريء شرعت ترتفع لتطرح أسئلة مقلقة حول كلفة الحروب 
الخارحية» وجدواهاء وصلتها الفعلية بالأمن الوطي والمصالح الوطنيةء داعية إلى 
تحديد واضح الأهداف, وإلى إشراك الحلفاء في تحقيقهاء وإلى توزيع الأعباء 
بشكل مختلف دفاعا عن التحالف الأطلسي. ويخشى ممثلو هذا الاتجاه من أن 
يحل موعد الانتخابات النصفية» بعد أشهرء والوضع على ما هو عليه الآن. 


أميركا والمحافظون الجدد 471 


بُعيد إعصار كاترينا هوجم الرئيس بوش» من على يساره» جراء سياسته 
السابقة القائمة على حفض دعم البئ التحتية» وتعيين أصدقاء له في مواقع لا علاقة 
هم بها. ولكن عندما حاول الرئيس استعادة المبادرة وقرّر صرف أموال طائلة 
لمداواة آثار الكارثة هب ين محافظ في وجهه موجها سهامه إلى هذا «الإسراف» 
غير الميرّر. وعندما سمى بوش هاربيت مبيرز لعضوية المحكمة العليا هاجمه اليسار 
على «الزبائنية»: واليمين على اختياره مّن «ليس منا». ولا حاول تصحيح الصورة 
مشيراً إلى ثبات المعتقدات الدينية لمبيرز هوحم من مواقع متعارضة لأنه خلط بين 
مهمى تفسير دستورية القوانين وبين ممارسة الإيمان. 

حورج ويل بالغ في تهشيم اختيارات الرئيس. وليام كريستول عبر علنا عن 
«الإحباط». ديفيد بروكس اهم بوش بأنه «متسلل يريد تشويه الحركة الحافظة». 
كثيرون في اليمين الأصولي الميحي قالوا «إن بوش لم يعد بوش». ويحصل ذلك 
في وقت توجه فيه اقحامات الفساد إلى توم ديلاي» ويتبين أن لويس ليسي متورط 
في قضية فاليري بلام» وأن كارل روف يفقد لمسته السحريةء وأن الشعبية تستمر 
في التراحع. وتحضرء باستمرار» في خلفية المشهدء صور الخراب العراقي والتناقض 
في تصريحات المؤولين» وشهادات العسكريين الحترفين الأكثر تعقلاً من 
السياسيين... 

لقد أمضى بوش غهاية صيف ساعنة حدا. ولكن المفارقة أن بعض السخونة 
مصدره «اليسار» ومعظم السخونة مصدره الاحتحاج اليميي المتعدد المصدر. 
والسبب لي ذلك أن الحزب الديموقراطي عاجز تماما عن بلورة بديل نقدي مقنع 
يخاطب أكثرية شعبية تبدو ميالة أكثر فأكثر إلى التخلص من الكابوس. ليست هذه 
المرة الوحيدة الي يتخحلف فيها البديل عن الموعد. إنها سمة مشتركة بين عدد من 
البلدان الغربية المتقدمة. 

2005|10|14 


الأطروحات «البوشية»: 
فرضية رؤيوية 

لا يعيش الرئيس الأميركي حورج بوش وضعا داخليا مريحا. ان صورته من 
داحل الولايات المتحدة ليست هي ماما الصورة الي يحاول تقديمها إلى الخارج وإلى 
افا ولان ديا انه» اليوم» رئيس ضعيف من وجهة نظر الأميركيين. 
لكنه» في الوقت نفسه» «رئيس حرب» يتحكم بأقوى قوة في تاريخ البشرية. 

قد يضطر بوش» وهو مضطرء إلى احراء تسويات داخلية أو حن التنقل بين 
حيار وآخر على التباين بين الخيارين. إلا انه لا شيء يوحي انه جاهز نفسياً لمثل 
هذه التسويات مع الخارج. وهو يصره مي واجه مشكلة؛ على إنكارها ببساطة 
والمضي في سياس ته. ولنا ان نتوقع الاحتفالات الي سيقيمها بعد الاستفتاء على 
الدستور العراقي. ستذكرنا بتلك الى حصلت بعيد الانتخابات وذلك في انتظار ان 
تعيدنا التطورات العراقية إلى الواقع الأليم. تعيدنا من غير ان تعيده. 

لقد كان خطاب بوش في 6 تشرين الأول نموذحا عن العناد الذي بميز الرحل. 
أعلن في الكلمة الي أرادها تاريخية ومفصلية ان المعركة الكونية مستمرة بين الخير 
والشر. الخير الذي مثلته وتمثله الولايات المتحدة والشر الذي مثلته النازية مرة» 
والشيوعية بعدهاء والفاشية الإسلامية هذه المرة. لقد أطلقت تفجيرات 11 أيلول 
شرارة الحرب وتبين ان العدو الجديد يريد بناء امبراطورية توتاليتارية تمتد من اسبانيا إلى 
أندونيسيا. ومع ان هذا العدو «شبكة» ومع انه لا يملك جيشاً أو قيادة موحدة فهذا لا 
يقلل من انه» كما من سبقه» يريد دمار الحضارة الإنسانية وفرض رؤيته على البشر. 

العدو احديد» حسب بوش» يسعى إلى ملء أي فراغ وذلك انطلاقا من أرض 
المنازلة الي هي العراق. لذا فإن مصير البشرية متوقف على هذه المواحهة» والعالم 
كله ينظر إلى نتائجها. المزيمة فيها ممنوعة لأن انتصار الخصم فيها سيواكب جماهير 
المسلمين» وسيقود إلى اسقاط دول أخحرى» وسينشأ عالم حاضع للابتزاز والظلامية 
يهدد سلامة دول مثل إسرائيل. 

472 


أميركا والمحافظون الجدد 473 


يساوي بوش بين أبو مصعب الزرقاوي وبين كل من هتلر وستالين وبول 
بوت (لو كان هتلر بقوة الزرقاوي لما حصلت الحرب العالمية الثانية اصلاً!): ويكرر 
رفطه التمييز بين الإرهابيين والدول الداعمة لهم مثل إيران وسوريا. يخلص إلى 
تعريف القرن الحادي والعشرين بأنه قرن هذه الع ركة» ويستند إلى نحاحاته في 
العراق وأفغانستان ليجزم بأن الفوز محتوم. 

لهذا الخطاب أسبابه الداخلية طبعاً. إلا انه رسالة إلى العام وإلى المنطقة تحديداً 
تقول ان بوش ماض في مغامرته العراقية ومصر على مدها في الزمان» وفي المكانء 
إلى. الجوار العراقي المباشر (إيران وسوريا) وإلى حلقات أخرى. 

إذا كانت الوجهة الي يحددها بوش تحتمل تسويات تكتيكية فهذا لا يعني 
اطلاقاً ان الرحل وصل إلى الخلاصات الي تحعله يغير رؤيته ويدخخل في منعطف 
جحديد. ان ما يقوله هو ان الولايات المتحدة يمكنها ان تنتتكس أو تضطر إلى هدنة 
إلا انما عازمة على استعناف المجوم» كما ان الإدارة الحالية ستورث أي خليفة لها 
ما يضعها أمام الاضطرار إلى استكمال المهمة حى لو ادخلت تعديلات عليها (ما 
يقوله» اليوم؛ المرشحون اللرموقراطيون الرئيسيون للانتخخابات الرئاسية القادمة يعزز 
هذا الانطباع). 

إذا كان صحيحا ان هذا ما يعنيه الرئيس الأميركي وهو صحيح» فإن من 
الضروري وضع اليد على الثغرة الجوهرية في «الاطروحات البوشية». 

إن عكري هذه الأهمية» وهذه المركزية» وهذا الاتساع» وهذا الشمول» وهذه 
المصيرية» إن حربا كهذه لا يمكن ها ان تخاض حن النصر بالامكانيات الواقعية الي 
يضعها حورج بوش لي خدمتها. لقد وضعت الولايات المتحدة امكانيات أكبر بما 
لا يقاس في حرها ضد هتلر والنازية. وكذلك فعلت ضد ستالين والمعسكر 
الاشتراكي. إن المقارنات في هذا الخال توصل إلى استنتاج صارخ في وضوحه: إما 
ان الرئيس يكذب او ان الرئيس يهذي. 

لى يعط بوش» حن الآن» إشارة واحدة توحي انه ساع إلى ملاعمة 
الامكانيات مع الأهداف. فهو ماض في تقليص الضرائب» وماض في تقليص 
الحيش» وماض في الرفع البطيء حدا للميزانية العسكرية (أقل كثيرا مما كانت عليه 


4 الآن... هنا 


زمن «الحرب الباردة»). وهو ممتنع عن ملامسة فكرة العودة إلى التحنيد الإلزامي 
في ظل التناقص في عدد المتطوعين للا نخراط في اليش الحترف. ولقد بات محسوما 
ان هوة كبيرة تفصل الأهداف عن الامكانات. 

يعني ما تقدم ان التناقض كبير بين مشروع كوي ممتد لأجيال ومستوحى من 
«المحافظين الجدد»» وبين طاقات يوفرها الطاقم الحاكم وتحديدا جناحه المولف من 
«المحافظين التقليديين». 

إن الثغرة الناجمة عن هذا التناقض هي ما نشهده في العراق. إلا اها ستتسع 
أكشر إذا أضيفت ساحات مواحهة أخحرى وحن لو نمحت المحاولات لتحييد 
كوريا الشمالية وإيجاد علاج دبلوماسي لسلاحها النووي. وليس سراً ان 
الدولتين الخصمين اللتين يسميهما بوش» إيران وسورياء تعرضان تسويات 
يرفضها بوش ولكنهما ترفضان شروطاً يمليها. فطهران ترى ان المعروض عليهاء 
حى الآنء لا يتناسب مع تقديرها لموقعها وقوهها وحقها. ودمشق ترى ان رفض 
واشنطن اقتراح أي تسوية عليها لا يوفر لها غطاء أو مخرجا للتراجع. والمقصود 
ان الدولتين المستهدفتين تسندان المطالبة بعروض ذات حد أدن من «المقبولية» 
إلى تقديرهما بأن الإدارة لا تملك جوابا راهنا على الثغرة بين ما ترغب فيه وما 
تستطيع الاقدام عليه. 

إن السياسة الأميركية المعلنة حيال جاري العراق تستلزم أدوات لتنفيذها لا 
تبدو الإدارة» شكلاًء مالكة ها: قوة عسكرية فائضة: بدائل سياسية» قدرة إنفاقية» 
قوى شعبية مواليةء حركة اعتراضية واسعة. إن «جحاهدي خلق إيران» وفريد 
الغادري مهزلة لا تعوض نقص القدرات الأميركية. لا بل مهزلة بالقياس إلى 
معارضة المنالي العراقية السابقة. 

ماهو في هذه الحالء المخرج المفترض للتناقض المتسع بين الكلام 
الأمي ركي الكبير والفعل الممكن والمحدود؟ هل نحن» فعلأء أمام سياسة خحرقاء إلى 
حد بعيد تذكرناء أكثر من أي شيء آخرء بسياستنا العربية الرسمية الخرقاء 
حيث أمضينا عقوداً نطلق صرحات الحرب» مثل الحتود الجمرء ولا تعد هذه 
الحرب» فتلقى مصير الحنود الجمر؟ 


أميركا والمحافظون الجدد 475 


يصعبء في الحقيقة» ان ننسب إلى المؤسسة الأميركية الحاكمة» مهما اعمتها 
الأيديولوحياء ما ابتلينا به. لكن من حقنا ان نتردد بعض الشيء في اقتراح حواب 
لأن الجواب الوحيد المقترح يقترب من ان يكون «فرضية رؤيوية». 

تقول هذه الفرضية ان بوش حدي جدا في ما يعلن. وتقول أيضاً انه قد يقدم 
على استخدام القوة المتاحة له من أجل تحقيق الأهداف الكبرى الى يتبناها: إلحاق 
الهزعة الكونية بالإرهاب والدول الداعمة له. 

غير ان السؤال؛ هناء هو: ما هي هذه القوة المتاحة بالضبط؟ 

اواب «الرؤيوي» من مستويين. الأول هو ان بوش «ملك» قوة احتياطية 
في المنطقة هي إسرائيل. قد يكون لها دور لاحق يتحاوز ما مارسه حالياً حيال 
الفلسطينيين أساسا وحيال غيرهم استطرادا. 

إلا ان المستوى الثاني هو ما تجدر الإشارة إليه. لقد اعتنقت الإدارة الحالية 
مفهوم «الحرب الاستباقية». إلا انها أقدمت لاحقاً على تطويرها وتشذيبها. 
اها مجن اذ کون رطف کنا بفكرة «إعادة بناء الأمم والدول». 
وتطويرها من أحل اعتماد ما تسميه وزارة الدفاع الأميركية رسمياً: الضربة النووية 
التكتيكية الاستباقية. يستطيع أي مواطن عربي ان يقرأ أدبيات هذه العقيدة المعتيرة 
ذروة مها يراد ل «اثورة في النحال العسكري» ان تصل إليه بحيث تحل هذه 
الأسلحة محل القوات التقليدية. ويمكن لهذا المواطن» إذا كلف نفسه هذا العناء؛ ان 
يلاحظ» بسهولة؛ ان اسمي إيران وسوريا مدرحان على لائحة قصيرة من الدول 
القابلة للاستهداف. يمكنه, أيضاء ان يلاحظ شبها خطيرا بين ما تورده العقيدة من 
حالات تستوجب اللحوء إلى «النووي التكتيكي الاستباقي» وبين التهديدات الي 
تزعم الإدارة ان إيران وسوريا تمثلانها. 

انما «فرضية رؤيوية» طبعاً. لكنه حورج بوش. أي الرئيس الأميركي الذي 
أعلن على المنطقة حرباً تمتد لأحيال. 

20051015 


اللغة «الحث الخشبية» 
واللغة «البلهاء» 


نعم ثمة وحاهة في وصف الخطاب التالي بأنه «حشي»: إن ما تشهده المنطقة 
هوء في العمق» حملة استعمارية أميركية تحتضن وترعى اندفاعة توسعية صهيونية. 
ورعا تقل نسبة «الخشبية» إذا أضيف إلى ما تقدم: «إن الأزمة البنوية الي نعيشها 
تسهل وقد تستدعي الهحمة الي نتعرض إليها». 

في المقابل ثمة وجاهة في وصف الخطاب التالي بانه «أبله» (مغرض بالأحرى): 
«إن ما تشهله المنطقة هو في العمق اندفاع المجتمع الدولي والشرعية الدولية إلى 
ترتيب أوضاعها وإدراحها في مجموعة الدول المتمدنة ونقل الدركوقراطية إليها 
ومعاقبة الديكتاتوريين واهرمين على ارتكاباقم». 

بين «الخشبية» و«البلاهة» (أو الغرض) بيقى الخيار الأول هو الأفضل خاصة 
أننا لا نعرف لغة «حشبية» أكثر من تلك الي تتهم النطاب القومي الديموقراطي 
بأنه «حشي». 

إن قضبي غوانتانامو وأبو غريب حيّتان في الولايات المتحدة أكثر بكثير نما 
هما لدينا. ويمكن الرهان أن قضية التعذيب الأخيرة المكتشفة في العراق ستثير 
ضحة «هناك» أكبر من الضحة الي ستثيرها «هنا». ويمكن قول الشيء نفسه 
عن الاعتسراف المتأخر للبنتاغون بأن قوات الاحتلال استخدمت «الفوسفور 
الأبيض» لي «تنظيف» الفلوحة. هذا ما قاله الناطق الأميركي ياسم وزارة 
الدفا ع لي شرحه «لتقنية استخدام الفوسفور»: «عندما تكون في مواحهة قوات 
عدوة» ومدفعيتك المزودة متفحرات قوية لا تفل تعله وأنت تريد إخراج 
العدو من مواقعه... المزيج بين النار والدحان وأحيانا الرعب الذي قد تتسبّب 
به الانفحارات سيخرج الأعداء من مخابئهم بحيث تكون عندها قادرا على 
قتلهم بقذائف قوية». هذه القذائف القوية أكد الناطق هي «سلاح حارق». ما 
تجاهل الناطق قوله هو أن الإدارة نفت على الدوام اللحوء إلى هذه التقنية حي 

476 


أميركا والمحافظون الجدد 477 


بعد أن كشفها التلفزيون الإيطالي. وما تجاهله أيضاء هو أن الحيش الأمير كي 
كان يواحه في الفلوحة مثات من المقاومين وليس «قوات عدوة» وعشرات 
الآلاف من... المدنيين. 

يجب أن يكون المرء ذا عقل «خحشي» وعواطف «حشبية» حى لا يضبط 
نفسه متلبساء أمام هذا الاعتراف» بالذهاب في تفهّم المقاومين الراديكاليين إلى أبعد 

«الفوس فور الأبيض» كذبة جديدة انكشفت وتضاف إلى ما يمكن اعتباره» 
بحق» سجلاً من الأكاذيب. 

نشرت «واشنطن بوست» أمس وثيقة أماطت اللثام عن حقيقة حاولت 
الإدارة التستير علسيها على امتداد أربع سنوات على الأقل. لقد بات محسوماً 
أن مثلي كيبريات الشركات النفطية شاركوا في وضع سياسات الطاقة الرسمية 
بالتعاون مع نائب الرئيس ديك تشيئٍ ومكتبه. ولقد سبق للمعنيين كلهم 
أن نفوا الواقعة قي شهادات. وديك تشييٰ» نفسه» لم يخرج بعد من دائرة 
الشبهة في ما اَم به نائبه لويس ليبي من كذب تحت القسم وعرقلة العدالة 
في ما محص دوره بفضيحة فاليري بلا المقصلة بالفضيحة الأكبر 
الخاصة بالتأكيد على امتلاك العراق ترسانة من أسلحة الدمار الشامل وبرنايجا 
نوويا. 

ولقد عادت هذه القضية لتطارد الإدارة. إا قضية مطروحة بإلحاح في الحياة 
السياسية الأميركية اليوم (كدنا نقول قي الإعلام الأميركي لولا أن «حركة اليسار 
الكولونيالي» هي بالمرصاد لكل من يقرأ صحيفة أميركية أو يقوم يبحث عبر 
«أنترنت». لقد كانت «الكولونيالية» دوما أرقى من «كهنتها» الحليين). والقضية 
المشار إليها مطروحةء حالياء من زاوية أن الإدارة تلاعبت بالمعلومات» وضخّمت 
المخاطرء وكذبت قصداء واستدرحت الأحهزة لتقدم معطيات مفلوطة» وأدى 
ذلك كله إلى تزوير العملية الديموقراطية الأميركية ما أدى إلى اتخاذ القرار 
بالحسرب... ولا انكشفت عملية التزوير لي المتروبول شرعت الإدارة توكد على 
رغبتها بنشر الديكوقراطية في المستعمرات! 


478 الآن... هنا 


حصل ذلك» وغيره الكثير» في ظل الشعار الذي رفعه حورج بوش عن 
«عودة الأحلاق إلى البيت الأبيض». إن العقوبة الوحيدة اليّ عكن للأميركيين 
إنزالها برئيسهم هي نزع الثقة عنه. وهذا ما يفعلونه كما تشير استقصاءات 
الرأي وكما توكد انتخابات فرعية. ولقد اشتكى جمهوريون فشلوا في 
انتخابات أحريت أخيرا من أنهم دفعوا لمن السلبية الشعبية المتزايدة حيال الرئيس 
وسياساته. 

ولعل هذه الأحواء المستجدة هي وراء إقدام الدركوقراطيين على التجرؤ ووراء 
إقدام الجمهوريين على التيرؤ. لم يعد الأوائل يخشون تقدم مشروع قانون إلى بحلس 
الشيوخ يطالبون فيه ب «جدول زمي تقريي» للخروج من العراق»ء ولم يعد 
الأحيرون يستطيعون الرد إلا عشروع قانونء تحول إلى قانون» يطالب الإدارة 
باعتبار 2006 «المرحلة الانتقالية الي ينبغي أن يتم خلاها التوصل إلى سيادة عراقية 
كاملة». 

لا يخلو هذا التطور الأميركي الداخلي من أهمية. ولقد اضطر بوش إلى الرد 
على طلائع هذه الححمة بالحرب إلى الأمام» وبالإكثار من الأكاذيب» وباعتبار 
أي تشكيك بسياسته نوعاً من «دعم الإرهاب وإساءة بالغة إلى الجنود في 
ساحات القتال». إلا أن الرد تلاشى بسرعة تؤكد أن الساحر بدأ يفقد بعض 
مهاراته. 

سيكون عام 2006 شديد الأهمية إذا. لكن «اللغة الخشبية»» قاتلها الله 
تحب أن تنسب إلى الإدارة الأميركية نوايا خبيثة. من هذه النوايا أن بوش 
سيحاول حعل 2006 انتقالياً بالنسبة إلى غيره» أي إلى آخرين في المنطقة. بكلام 
آخر يبميل «المنطق الخشي» إلى توقع تصعيد حيث أمكن» وفي لبنان وسوريا 
على الأرحح. 

عندما يتحدث الأميركيون عن سوريا فإفهم يكذبون أقل ما فعلوا 
عشية الحرب على العراق. يحددون مطالبهم بوضوح. ومع ذلك نحد من 
ينسب إليهم نوايا أخرى ولو أنه يصعب على فريد الغادري» حى الآن» تكرار 


أحمد الجلبي. 


أميركا والمحافظون الجدد 479 


ولكن عندما يتحدث الأميركيون عن لبنان فإهم يعودون إلى رفع منسوب 
الكذب إلى مستواه «العراقي». ولعل مناورقم» عندناء تلقى بعض النجاح خاصة 
في ظل المشاركة الفرنسية؛ وتغطية الأمم المتحدة» وانكفاء الرأي العام العربي 
والدولي فضلاً عن طبيعة الاتمام. 
نحن هنا أمام حالة معقدة تريد استلال عناصر واقعية ومقنعة من أجل وضعها 
في سياق سياسة ذات أهداف أخرى. ولأن الحالة معقدة فَإِهُا توفر للغة «البلهاء» 
القدرة على تسجيل نقاط ضد «اللغة الخنشبية». 
200511077 


من فلسطين إلى لبنان: 
جرائم الديموقراطية 


للرئيس الأميركي حورج بوش عبارة شهيرة كررها غير مرة في خخطاباته عند 
التعرّض إلى اهتمامه بنشر الحرية في «الشرق الأوسط الكبير». يقول مخاطبا مصر 
«إن هذه الأمة العظيمة الي قادت المنطقة نحو السلام عليها أن تقودها الآن نحو 
النرعوقراطية». 

تختزل هذه العبارة تناقض الخطاب «البوشي». فهو عندما يسبغ على مصر 
صفة «الأمة العظيمة» لا يكون يقرّر واقعاً توصل إلى القناعة به بعد اطلاع كاف 
على تاريخ البلدء وأهميته» ودوره» وموقعه» إلخ... إنه يفعل ذلك لأنه علك طلباً 
يريد طرحه. وتقديماً لهذا الطرح يلحأ بوش إلى اللغة الكولونيالية المعهودة 
والملمحوجة فيسبغ على «السكان الأصليين» مدائح يعتقد أن قيمتها الكيرى 
مستمدة من أنه هو شخصياً من ينطق ها. إنه هو من يقرّرء بأبوية استعمارية 
تقليدية» «عظمة مصر». ولقد لاحظنا كم أن هذه العبارات تكاثرت في مرحلة 
التمهيد الأميركي البريطاني للحرب على العراق» عراق الشعب العظيم» 
والكفاءات» والتاريخ العريق. لا نعلم اليوم ماذا يقول بوش وطوني بلير عن العراق 
نفسه» ولم يكن مفهوماً وقتذاك سبب الاضطرار إلى حرب لإنقاذ شعب يفترض» 
حسب ما يوصف به» أن يكون قادرا على تحرير نفسه. إن تعظيم الشعوب 
والبلدان قي القاموس الاستعماري هو مقدمة لمعاملتها بفوقية شبه عنصرية. 

ولكن يبقى أن الأهم في الخطاب «البوشي» عن مصر هو في مكان آخر. 

المعروف أن السرئيس الأميركي» على ضآلة قراعاته ومعارفه بأحوال العاله 
طالع كتاب الاستيطاني الصهيوني ناتان شارانسكي «قضية الدموقراطية». وفحوى 
الكتاب أن السلام بين إسرائيل والعرب وبين إسرائيل والفلسطينيين غير ممكن» 
والتسوية لا يحب أن تكون واردة»ء إلا بعد انفراس الدركوقراطية لدى العرب 
والفلسطينيين. وفكرة شارانسكي المتبناة من جانب «الحافظين الجدد» الأميركيين 

480 


أميركا والمحافظون الجدد 481 


كسان سبق لبنيامين نتنياهو أن طرحها في كتابه «مكان بين الأمم». وتشاء 
«الصدف» أن تكون المهلة المعطاة للفلسطينيين من أجل التمرّس بالديموقراطية هي» 
بالضبط المهلة الي تحتاحها إسرائيل من أحل مصادرة أرضهم. 

م يكتف بوش .ما تقدم. لقد جعل هذه الأطروحة جوهر سياسته الخارجية 
القائمة على «إغاء الطغيان ف العالم» واعتير أن لا سلام ولا أمن للولايات المتحدة 
قبل اتباب الديموقراطية في العالمين العربي والإسلامي. وبدا الرئيس الأميركي 
موافقا على النظرية البتذلة القائلة «إن دعوقراطيتين لا تتحاربان» واليّ زادها 
ابتذالاً أحد صحافبي «نيويورك تلمز» عندما كتب أن لا بحال لتقاتل بين دولتين في 
كل واحدة منهما «ماكدونالدز»! 

الديموقراطية: إذاء شرط للسلام والدكوقراطية العربية والفلسطينية مقدمة 
ضرورية للسلام مع إسرائيل. هذه هي «البوشية» الي حرى تطبيقها على 
الرئيس الشهيد ياسر عرفات وشكلت المرشد الأساسي للتعاطي معه ومع 
سلطته. 

حسنا. لنعد الآن إلى عبارة بوش عن مصر. تقول العبارة إن مصر سيق لها أن 
قادت نفسها والمنطقة نحو السلام ويتوحب عليها الآن أن تقود نحو الدرموقراطية. 
وبكلام أكثر وضوحاًء فإن السلام لم يكن مشروطً بالدبموقراطية بل سابقاً عليها. 
وبقدر من المبالغة امحسوبة يمكن الزعم بأن هذا السلام مناقض للدركوقراطية ولا 
يصمد أمام امتحاهًا. 

لقد كررت كوندليسا رايس في محطتها القاهرية بعض ما يقوله رئيسها. إلا 
أا أضافت عليه بُعدا يزيده تناقضاً. لقد طالبت النظام المصري .مزيد من 
الديكوقراطية وطالبته في الوقت نفسه بالتدحل من أجل المساعدة في تطويق نتائج 
«الددكوقراطية» الفلسطينية الي عبّرت عنها الاتتخابات التشريعية الأخيرة. أكثر من 
ذلك استخدمت رايس التطلب الدركوقراطي من القاهرة (وفي خلفية ذلك 
المساعدات, والمفاوضات التجارية...) لتطلب من القاهرة الانتقاص من 
الديموقراطية الفلسطينية. ورفعت الوزيرة الأميركية شعاراً غرائبياً إلى أبعد حد 
موداه: سنرفع سيف الدركوقراطية فوق مصر إلى أن توافقنا مصر على إنزال 


482 الآن... هنا 


المقصلة على رأس الديموقراطية الفلسطينية» إن ما نريده منكم هوء تماماء عكس ما 
نريدكم أن تطلبوه من أشقائكم الفلسطينيين... وإلا فإن الموت جوعاً ينتظرهم! 

لم يسبق أن شهد العام حالة تحوّلت فيها العقوبة القصوى إلى رد على ممارسة 
شعب للحقه في الاختيار عبر صناديق الاقتراع. ولا يتوقف أحد كفاية عند واقعة أن 
صاحب العقوبة» وفارضهاء والساعي إلى إشراك الآخرين في تنفيذها هو نفسه رافح 
شعار «إفاء الطغيان». والمصر على ديد من يخالفه بأنه سيضغط عليه باسم 
الدكوقراطية المفقودة لديه! 

إنه زمن امتهان العقول والكرامة. وستكون جولة رايس مناسبة إضافية لرؤية 
مهانات أخرى. إفا مهانات لنا فيهاء في لبنان» نصيب. 

هل هناك من قرأء بدقة» «عريضة الإكراه» الي ينوي نواب سابقون وحاليون 
التوقيع عليها؟ 

لنقل؛ بادئ ذي بد إا عريضة يراد لها أن تفح الآلية «الدستورية» من 
أحل إعادة إحياء الدركوقراطية اللبنانية. إلا أنها عريضة يقبل الموقعون عليها مخالفة 
الحقائق من أجل الإقدام على إذلال للنفس لا سابق له. يقولون إنهم تعرّضوا إلى 
«ضغوط وهديدات من الأحهزة الأمنية السورية واللبنانية» ويقولون إن هذه 
«الضغوط والتهديدات فاقت قدرتنا على التحمّل ودفعتنا إلى الموافقة مرغمين وهو 
ما يجعل تصويتنا باطلاً ولاغياً وكأنه لم يكن». 

لا بد من ملاحظات على هذه العريضة التدشينية للدركوقراطية: 

ألا من امو كد أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري تعرّض إلى ضغط. إلا أنه من 
الموكد أيضا أن نوابا راعوه من غير أن يتعرّضوا إلى أي ضغط. 

ثانياً إن نواباً آخرين تعرّضوا إلى ضغط ورفضوا الانصياع. 

الا إن أقل الإيمان في من يشكو اليوم من أنه ان أمانة الناخبين وفضّل 
سلامته الشخخصية على انتداب المواطنين له إن أبسط الإيمان أن يكون صارح 
اللو روم دي CELE‏ 

رابعا إن ألف باء الموقراطية يقضي بأن يقدّم النواب استقالتهم اليوم وأن 
يقفوا إلى هامش الحياة العامة. 


أميركا والمحافظون الجدد 483 


إلا أن أعاجيب الدركوقراطية الأميركية» في حظة تصديرهاء لا تقف عند هذه 
التفاصيلء ولا ترتدع عن ارتكاب جرائم كثيرة في مسيرهَا الظافرة. ومن الحرائم 
الي قد نفاجأ ها أن لائحة المستعدين لنقل البندقية من كتف إلى كتف أوسع ما 

كنا نعتقد. إن في الحو رائحة خيانات محتملة. 
3 20000 


هذا العالم 


الان هنا 
العبوديةء المحرقةء الصهيونية 


قد لا تكون دوربان واحدة من «بوابات اللاعودة». فهذا الاسم يطلق على 
المدن الافريقية الي حرج منها الملايين» أخرجوا بالأحرى» وعلى امتداد قرون 
ثلالة» نحو عذابات لا تحتمل. لا بل إن عذابات «العبيد» كانت أفضل ما يمكن 
ان يحصل لهم لأن البديل الوحيد عنها كان الموت غرقا في الاطلسي. 

غير ان دوربان قد تكون واحدة من بوابات الدخول الي قرر «الرحل 
الابيض» استخدامها من احل إعادة ارتكاب الجريعمة فوق مسرحها الاصلي. ولقد 
فمل ذلك في حمأة سياسات استعمارية استيطانية شهدت» في ما شهدت بدء 
التسرب الصهيوني الى فلسطين؛ والشروع في بناء نظام التمييز العنصري في جنوب 
افريقيا. 

تستضيف دوربان» هذه الأيام» موتمر مناهضة العنصرية والتمييز» وهي احق 
من غيرها بذلك بعد سنوات على إلغاء نظام الابارقايد وتضافر المعطيات الموكدة 
ان المرحلة الانتقالية تمر بأقل الأضرار الممكنة. وإذا كان هذا ما يحصل فإن القامة 
التاريخية لنلسون مانديلا ليست مسؤولة وحدها. لم يكن ذلك مكنا لولا فحص 
الضمير والاعتراف بالأخخطاءء ولحنة التقصي برئاسة القس ديسموند توتو وغيرها 
من المراحل. ان هذه العملية التاريخية هي الي تسمح لسود افريقيا الجنوبية تحمل 
سيطرة البيض» وهم أقلية ضئيلة جداء على معظم ثروات البلاد. 

إن قضية العبودية هي» من حيث المبداء في صلب نقاشات دوربان. لقد 
استُعبد من اسسُعبد» ومات من مات. ولكن» فوق ذلك أفرغت أفريقيا من نسغها 
ما أسس لحالة التحلف» وأمكن لأوروببي الحملة الاميركية الاستغناء بالإبادة» عن 
هنود القارة الجديدة وسكافا الاصليين. 

هل من تعويض عن ذلك؟ 


488 الآن... هنا 


لم تكن الفكرة واردة من قبل. غير أا تبلورت وتطورت مع تحدد النقاش لي 
السنوات الأخيرة في شأن الأموال اليهودية في مصارف سويسرا وغيرهاء ثم مع 
مطالبة شركات بدفع بدائل عن عمل السخرة في فترة الحرب العالمية الثانية. وعا أن 
الولايات المتحدة كانتء في الحالينء القوة الدافعة فإن الحاكاة فرضت نفمها 
وارتفعت مطالب تطرح التعويض» واستندت هذه المطالب الى استمرار الوضع 
الدون لسود أميركا والى المصير البائس الذي تتخحبط فيه أفريقيا منذ عقود من دون 
أن تقدم «العولمة السعيدة» اي حل له. 

وإذا كان السحال عن التعريض متشعب ويطرح قضايا شائكة وخلافية فما 
لا شك فيه ان طلب الاعتذار هو القاسم المشترك لمن يرفعون الظلامات. ولكن 
الدول الغربية ضنينة بذلك مخافة أن يكون الاعتذار مدخلا الى المزيد. 

إن الاعتذار هو أقل ما يمكن, طلما ان الحل الجذري هو في نظام اقتصادي 
عالمي جديد. ولكن الاعتذار» ليس مطلوبا من الدول الغربية فقطء ان الجحرأة 
الاخلاقية كانت تقتضي ان يرتفعم صوت عربي يعتذر من الأخحوة الأفارقة لأنه» في 
مرحلة من المراحل؛ لم يكن العرب بعيدين عن تحارة الرق وإن كان دورهم» في 
هذا المحال» دون مستوى الآخرين. 

لو لم يكن هذا الصوت ناقصاً لكان الموقف العربي أقوى في دوربان. 


© © © 


ليسمح لنا الأمين العام للامم امتحدة كوف أنان ان نخالفه الرأي. حاطب الموتمرين 
ليقول لحم ما معناه ان هول المحرقة ضد اليهود لا يجوز ان يحجب الاضطهاد الذي 
يتعرّض له الفلسطينيون. هذا كلام غير موقق. وهو يقوم على افتراض الفصل بين العرب 
وسائر البشر في الموقف من المحرقة بحيث يصبح من حقنا ألا نأخذها في الاعتبار. 

كان الحري بأنان أن يقول إن هول الحرقة يحب أن يضيء ما يتعرض له 
الفلسطينيون. وني هنا القول؛ للفترض» ما يكشف مسؤولية الغربيين إياهم عن 
الفل سطينيين المستود ع الانساني الراهن لكل الثقافة (والسياسة) الرافضة اي شكل 
من أشكال التمييز ضد الشعوب والأفراد. 


هذا العالم 489 


م يقل أنبان ما كان يجب عليه قوله لأنه» ببساطة» ضحية «صناعة 
الحولوكوست» في حانبها الايديولوجي. أي ضحية فكرة «فرادة الحرقة» الي تقود. 
في ترجتها الصهيونيةء الى تبخيس عذابات الآخرين وإلى تحصين الممارسات 
الاسرائيلية وحعلها فوق الشبهات والإدانات. 


© © © 


إن هذا التحصين هو الذي يتداعى في دوربان. فالرأي الاسرائيلي يقول «عا 
أننا كنا ضحية الحرقة لا يعود جائزا اتام الصهيونية.كساواة العنصرية». وتكشف 
هذه الأطروحة معن الاستخدام الذرائعي المديد الذي وظف.مآسي الحرب العالمية 
الثانية في تقدم التبرير الأخلاقي اللاحق للمشروع الصهيون» ولي توفير التغطية 
لممارسات وسياسات نابعة» في الأصل» من أفكار عنصرية. 

لنضع اليمين الاسرائيلي جانبا. ولنضع معه الحاخام عوفاديا يوسف»ء 
وحركة «كاخ»» وافيغدور ليبرمان. ولننس حى اسحق رابين» وايهود باراك 
وبنيامين اليعازر. لنكتف ,كثال واحد ثل عصارة اليسار الثقافي العمالي: ا.ب. 
یهو شواع. 

الرجل روائي كبير. غير أن ذلك لا عنعه من القول («لوفيغارو» الفرنسيةء 
8 آب) .مناسبة موتمر دوربان: «الفلسطينيون أغبياء. لو استحصل المئتا ألف 
فلسطيئ في القدس على الجنسية الاسرائيلية لنالوا نصف عدد المقاعد في البلدية 
ولنححوا في وقف التمييز ضدهم». هذا الكلام هوء ببساطة» عنصري. لا يجد يهو 
شواع حلا ل «وقف التمييز» إلا بإيصال الفلسطيئنٍ إلى إعادة تشكيل نفسه 
إسرائيليا مسن أحل نيل «حقوق بلدية». ولكن الكاتب نفسه يحذر من «الخطر 
الليعغرالي» ويدافع عن حل سياسي يستعيد» حرفيا» ما هو منسوب الى... ارييل 
شارون! 

إذا كانت هذه هي النسخة «المتنوّرة» عن الصهيونية فما على موتمر دوربان» 
,عنظماته غير الحكومية أساساء إلا أن ينطق بالحكم. 

20013 


نايبول» فوكوياما: 
استفزاز مضاعف 


متح جائزة نوبل للآداب إلى في. اس. نايبول استفزاز. ليس أقل من ذلك. 
إنه» ببساطة» محاولة لإثبات أن أسامة بن لادن على حق. ولو بالمقلوب. فالرحل 
هو المعادل الروائي لسيلفيو ببرلوسكون في نسخته الفخورة بتفوق حضارة ودعوتا 
إلى اهيمنة على غيرها. 

إن النظر في القيمة الروائية والأدبية للكاتب الترينيدادي المولدء البريطاني 
الجنسية: العالمي الإقامة» هو من عمل النقاد المختصين. ولكن نايبول ليس روائياً 
فحسب. إنه صاحب نظريات في الاستعمار» والتحرر الوطيئ» ومصائر الشعوب 
المقهورة. وهوء بالإضافة إلى ذلك كاتب تحقيقات صحافية مطولة عن رحلات له 
في بلادإسلامية («بين المومنين»» 1981ء و«أبعد من الإعان»» 1998) ضمنها 
نظرته إلى الإسلام. وهذه النظرة «الرائدة» تتساوى مع أحط ما يقال هذه الأيام» 
في الموضوع نفسه في أورويا وأميركا. 

ستل ذات مرة عن سر امتناعه عن تضمين بلد عربي في رحلته الباحثة عن 
الإسلام الآسيوي. أحاب باختصار إنه لا يريد ولا يطيق أن يجمع بين «تخلفين». 
ولأنه معروف يمن الموقف كان لا بد من ماع رأيه بعد تفجيرات نيويورك 
وواشنطن. لم يتحدث لا عن بن لادنء ولا عن الأصولية. ذهب مباشرة إلى 
الشكوى من «تأثيرات الإسلام الكارثية على البشر»؛ وإلى «جرائمه» في إحضاع 
شعوب واستعباد ثقافات وتدمير كل ما سبقه... ولم يكن يفعل في معرض هذا 
التعليق سوى استعادة ما كتبه قبل سنوات» وقي التركيز على الموازاة بين المفاعيل 
التدميرية لكل من الإسلام و... الإمبريالية! 

وحن لا يخطئ أحد الظن فيعتقد أن نايول كاره للإميريالية كما هو كاره 
للإسلام والمسلمين تحب العودة إلى كتابه الصادر عام 75 بعنوان «غرريللا» (حرب 
العصابات). ففي هذه الرواية عن مدينة يجتاحها ثوار التحرر الوطي حزم في أن 

490 


هذا العالم 491 


نزعة الاستقلال والخلاص هي أسوأ ما يمكن للاستعمار أن ينتجه. ليست 
الإمبريالية تدميرية إذا إنما... المقاومة! والخلاص» بهذا المع» هو اتباع حيار ناييول 
الحاقد على لونه الغامق» الفخور بلغته الإنكليزية» والمستعد لأن يساعد «الرحل 
الأبيض» في الانتهاء من عذابات الضمير الي تسبّبها له ممارساته الكولونيالية. 

لقد استحق نايبولء لحذه الأسباب» مكانته في قلب البُعد الثقافي للنورة 
الريغانية التاتشرية في الثمانينيات. احتفى به كل من اعتقدء منذ 75 أنه آن الأوان 
لرمي عقدة الذنب» وللتبجح بأن الاستعمار هو الخط الوحيد للشعوب وأن خخرابما 
جاء» فقط» من استعادة سيادهًا الوطنية. 

وهذه الأسباب» بالضبط» قبل في الأيام الأخيرة إن لا محال لمنحه حائزة نوبل 
للآداب. فالظرف العالمي متوتر جدا. والغرب يجاهد للتمييز بين الحرب على بن 
لادن وطالبان وبين الحرب على الإسلام والمسلمين والعرب. ومع ذلك اختارت 
الأكاديمية السويدية أن تقدم على هذا الاستفزاز متجاهلة أن هناك بين العرب 
والمسلمين من يكون قرأ كتابات نايبول غير الأديية. 

إن هذا الاستفزاز ليس فعلاً معزولاً. ثمة موجة تريد أن تقول إغا «تكسر 
امحرّمات» وأا تريد تعريض الإسلام» في أي نسخة كانت إلى المساءلة. 

شاءت الصدفة أن تنشر «غارديان» البريطانية» يوم أمسء مقالاً للأميركي من 
أصل يابافي فرنسيس فو كوياما عنوانه «لقد ربح الغرب». 

يستعيد فوكوياما أطروحته عن «فاية التاريخ» ويكرر شرحها. لقد انتهى 
التاريخ .عن أن لا جال لتجازو النموذج الغربي المتميز بالدركوقراطية السياسية 
وال رأسمالية الليبرالية الاققصادية. ويرد على الذين يتبنون أطروحة «صدام 
الحضارات» لصموئيل هنتنغتون استناداً إلى وقائع التفجيرات الأخيرة والحرب على 
أفغانستان. يقول فوكوياما إن هذه الأحداث, على أهميتهاء لا تغيّر شيئاً في أن 
التاريخ استقر عند الدموقراطية وحرية السوق. غير أنه يدخل تحفظاً على نظريته لا 
يخلو من دلالة. فهو يعتير أنه ليس صدفة نمو الركوقراطية اللييرالية الحديثة في 
«الغرب المسيحي». ويشير إلى تقدمها «في شرق آسياء وأميركا اللاتينيةء وأوروبا 
الأرثوذكسية» وجنوب آسياء وحن أفريقيا». ويخلص من ذلك إلى أن ثمة مشكلة 


2 الآن... هنا 


مع السلام أو مع القراءة الأصولية له. ولكنه يستطرد «إن الإسلام هو النظام الثقافي 
الوحيد القادر على الانتاج الدوري لأناس مثل بن لادن أو طالبان»» وأكثر من 
ذلك على استدراج «تعاطف مع الإرهاببين يتجاوز الأقلية الضئيلة ليطال الفئات 
الوسطى...». 

هل يعني وجود هذا التحدي أن التاريخ لم ينته فعلاً؟ كلاء يجيب فوكوياما. 
«لقد انتهى التاريخ لأن نظاماً واحداً سيستمر مهيمناً على السياسات العالمية» وهو 
النظام اللييرالي الدكوقراطي العربي». والاستنتاج من ذلك أن العرب والمسلمين 
العاحزين» لأسباب ثقافية فقط» عن الاندراج في «فاية التاريخ» عليهم أن يخرجوا 
منه ببساطة «لأن الوقت في صالح الحداثة ولأني أرى تصميماً أميركياً على 
النصر». 

من نوبل ناييول إلى استدراك فوكوياما ثمة ملامح واضحة لمناخ هو أقرب إلى 
«صراحة» بيرلوسكوني منه إلى «حبث» طون بلير. وهذا المناخ كفيل باسيلاد 
ألف بن لادن! 

ملاحظة: مُنح ناييول جائزة في إسرائيل. وصل لاستلامها. أهين في المطار 
بسيب لونه. غادر محتجا. زاد شتائمه للعرب والمسلمين! 

2001112 


«قرضاي» 
صفة ومنصب. لا اسم 


«قرضاي» صفة لا اسم علم. مرتبة أيضاً أو منصب. يتهم فلان فلاناً أنه 
«قرضاي». أو ينفي أحد هذه الوصمة عن نفسه. ولا يمنع أن يعبر سياسي عن 
تمنياته لبلدة بأن يحكمه شخص ممته الأولى «قرضاي». 

ميزة هذه الصفة أن الاتفاق على معناها لم يتم. ومككن القول» إجمالًء إفا 
تحتمل تفسيرين. 

قرضاي (1): إا صفة شخحص موال للأجانب. يرتضي ترقيته بواسطتهم ولو 
أنه معدوم القاعدة الاجتماعية. مدين هم وممثل لمصالحهم وموصول هها. یکرر» 
بلهحة محلية» آراء أسياده الفعليين. يقبل وضع بلاده في الخدمة. يوافق على صيغة 
حكم هي الأكثر تناسباً مع القوى العالمية النافذة. حلت هذه الصفة محل «عميل» 
أو «ححائن». 

قرضاي (2): إفها صفة لشخص يرفض الظلامية والديكتاتورية. يريد 
إنقاذ بلده من قبطة مرتورين يفرضون نظاماً قمعيا. يهتم بفتح الوطن 
على الخارج. يسعى إلى استعارة موسسات حديثة من أحل تطوير المجتمع. 
يشيع ثقافة متنورة ومتسامحة. يدرك استحالة الانغلاق وضرورة الاندراج في 
مزاج اللحظة. لا يحمل ضغينة للأجني لأنه» بالنسبة إليه» صديق ومنقذ 
وشريك. 

يبدو أصحاب التفسير الأول سائرين في الاتحاه الحالي للرياح. إهم عصريون. 
حديئون. وهم أشد تصلباً في الدفاع عن رأيهم بقدر ما كانواء في زمن مضى» 
على الضفة الأخرى. إفم المستقبل. دعاة التفسير الثاني متهمون بأنهم لا يريدون 
الاعتراف بأنهم ينتمون إلى عالم ينقضيء يندثر. يردون على ذلك بأفهم قابضون 
على الحمر. ولكن يجب الاعتراف» بحسرة» بأن المطلوب أحيانا إزالة رماد كثيف 
قبل الوصول إلى الجمر. 

493 


494 الآن... هنا 


واشنطن» هذه الأيام» هي مصنع تفريخ «القرضايات». وهي فخورة بذلك 
وعدائية حيال كل من لا يشاركها التقوع الإيجابي لمذه السلعة. ولقد عاشت 
العاصمة الأميركية ازدحاماً عربيا من نوع حاص ف الأيام الماضية. استقبلت وفداً 
من «السلطة» الفلسطينية ووفدا من المعارضة العراقية. 

يحاذر الفلسطينيون» حي الآن» فخ «قرضاي». يعتيرونه تهمة. يطمح 
المعارضون العراقيون إلى «قرضاي»» الصفة والمنصب. يعتبرونه ترقية. 

ومع أن الفلسطينيين يحاذرون الفخ قإن ذلك لا يمنع أن المشهد الخرافي حقيقة: 
مصير الثورة الفلسطينية المعاصرة يبحث مع المخابرات المركزية الأميركية. وما كان 
أقل مئه يمكنه أن يكون أمرا جللاً وخطيراء بات يبدو شبه عادي. لقد انكسر 
المحرم.ومن دون تبرئة القيادة الفلسطينية يحب القول إن الوضع العربي الرسمي هو 
الذي بادر إلى الكسر. فالمتاخ المسيطر عليه اليوم بنع النظر إلى الولايات المتحدة 
كما تقدم نفسها: العدو والخصم. وهكذا فإن وزير حارحية عربي يعتبر «سخيفاً» 
کل كلام أميركي عن إشكال ما مع بلاده. ویرد بشرح مستفيض لحسن هذه 
العلاقات متصرفا كمن يدفع عن نفسه شائنة. ويذهب رئيس وزراء إلى تعريف 
المؤامرة الإسرائيلية بأفا محاولة للإيقاع بين العرب والولايات المتحدة. وهكذا 
يصبح التقدير العلمي والموضوعي لواقع العلاقات العربية الأمي ركية» كما تريده 
واشنطن وتدفع إليه» يصبح هذا التقدير ضلوعا في مؤامرة إسرائيلية! 

إذا كان هذا هو «الإجماع» العربي الرسمي لا يعود غرياً أن تسود نظرية 
وضع البيض في سلة واحدة» أميركية؛ طالما أن 99 ف المثة من الأوراق هناك. ومع 
ذلك يقف الوضع الفلسطيي عند حافة «قرضاي» ويمانع» حى الآنء وأكثر من 
غيره» الوقوع فيه. 

ليست هذه حالة المعارضة العراقية. فإذا ما وصف أحد أحمد الجليي ب 
«قرضاي» رد المعي شاكرا ودغدغته آمال لا حدود لها فالصفة عببة لديه 
والمنصب غاية طموحه. هذه هي «الجحلبية». إا سعي دائم نحو «قرضاي». غير أن 
المشكلة الي برزت في الزيارة الأحيرة هي انضمام «المحلس الأعلى للثورة 
الإسلامية» إلى هذا التيار. دحل» طبعاء من زاوية بشاعة النظام ال تصل إلى حد 


هذا العالم 495 


أا سقط محاذير تسليم المقادير إلى الولايات المتحدة. ليس الانضمام تفصيلاً من 
تنظيم مقيم في طهران. 

أمام هذه اللوحة يبدو تحفظ «الحركة الدستورية الإسلامية» في الكويت 
مضحكا. فهي تدعو عملياء إلى عدم مخالفة أميركا في ضرب العراق ولكنها تحذر 
من أن «ينجح العدو الإسرائيلي ومؤسسات نفوذه ني الولايات المتحدة في هندسة 
العمل العسكري ضد النظام على نحو يحقق أهدافه الإقليمية». أمام هذا الحذيان لا 
مكن سوى الترحم على ناحي العلي. فلقد كان الأقدر على كشف ما هو 
مضحك ومبك في هذا التحفظ الذي يستر عورة الانضواء الكبير: بورقة العداء 
اللفظي للوكيل الصغير. 

ولا يشذ الحاكم السوداني عن هذا السياق. فهو ماض ف التأقلم مع إملاءات 
ما بعد 11 أيلول إلى حد ارتضاء الممحازفة بوحدة بلاده. ومن يقل له «لقد أضعت 
الوطن» يلق جواباً: «کان هذا شرطاً لإنقاذ تطبيق الشريعة». فإسلام الرحل لا 
يكتمل إلا بسودان ناقص. واللعب بالنسيج الاحتماعي جائز لتطبيق شريعة العسكر 
على من يتبقى من مواطنين. أما التناغم بين الحل والمطالب الأميركية المزمنة 
فمصادفة! 

أمام هذه اللوحة لا يعود اللبنانيون الطاحون الى «قرضاي» شديدي 
الاستئنائية. يرتضون الصفة ولكن واشنطن تتأخر في منحهم المنصب. مشاكلهم 
مع نظامهم معروفة. تظاهروا أنفهم مع حلول وطنية ها غير أنهم باتوا بمعنون في 
إشهار الرهان على حاجة أمبركية إليهم في حال اتخذ القرار بالعلاج الجذري 
للمنطقة وهو علاج مفتوح» خلافاً لعقد التسعينيات؛ على تحمّل قدر لا بأس به 
من الفوضى. 

لا حصوصية لبنانية لحهة الاستعداد. ولكن الأخطر من ذلك ان لا خصوصية 
لبنانية لجهة توظيف هذا الاستعداد ومآله. 

لنعد إلى قرضاي الأصلي. إلى حميد. إن الحالة الأفغانية الحالية هي» في العمق» 
حالة فدرالية. السلطة في كابول راححة ل «غالف الشمال» وأمراء الحرب 
يمسكون البلاد. وح المركز نفسه فهو توليفة لا يمكنها أن تنتج استقرارا. 


%6 الآن... هنا 


الحل المقترح في السودان حل ثل التقسيم أفقه الحتمل. وكل حديث عن 
تغيير في العراق يشير إلى ان التعددية الفدرالية هي «الحل». إفها رشوة الأميركيين 
لجماعات من أجل احتذاها (إلا بقدر ما تمارس تركيا ضغطا في الحالة الكردية) 
وتعبير عن توازنات جتمعية لا يعود يجمعها جامع بعد اتكسار العمود الفقري. 
ويمكن الزعمء في لبنان» نتيجة لاعتبارات كثيرة» ان المشروع المسمى «قرضاي» 
هو مشروع تقسيمي يطل برأسه محددا بديلاً عن «وحدة» لم نحسن إنشاعها ودليلاً 
على انبعاث شياطين الماضي القريب لدى فة لا ترفض إلا التدحل الخارجي الذي 
لم تختره هي. لن تُنتج هذه الفئة «قرضاي» لبنانيا . ستّنتج في الحالة القصوى. 
أمراء حرب يطلقون» الحظة اقتتالهم الحتمي» الحشرجة الأخيرة وبعدها سيكون 

هناك» جدياء غالب ومغلوب. 
13 20020 


النصف الأول من الشهر الجاري 


المراصد المعنية .متابعة «الأنشطة الإرهابية» في العالم يفترض ان تكون منهكة. 
لقد كان النصف الأول من الشهر الحالي حافلا. وتشكل حصيلته مادة مميرة بعض 
الشيء: هل الحملة الي تقودها الولايات المتحدة ناجحةء أم ان الخصم غير طبيعته 
وأثبت قدرة على التأقلم ورعا يكون انتقل إلى هجوم مضاد؟ 

يصعب تقلم جردة حصرية ما جرى في الأسبوعين الأخيرين. لذا يمكن 
الاكتفاء بعيّنة ذات مغزى. 

لقد جرت اعتقالات في لبنان وايطاليا والمانيا وماليزيا والفليبين والكويت 
والولايات المتحدة... والواضح فيها ان جنسيات المعتقلين أكثر تنوعا من «بلدان 
الاعتقال»» وان التهمة كانت» باستمرار» صلة ماء غامضةء مع تنظيم «القاعدة». 

وشهدت أمانيا وهولندا وفرنسا والولايات المتحدة محاكمات حملت بعضها 
مفاحآت ليست أقل من ان هحمات !! أيلول كان عخطّطا لها ان تشمل البيت 
الأبيض. 

وحصلت تفحيرات في السسعودية وفنلندا. كما تعرّض جنود أميركيون 
للهحوم تي الفليبين والكويت (مرتين). وأصيبت ناقلة نفط فرنسية في ميناء عدن 
ووقعت كارثة التفجير في أندونيسياء وهي مروعة بالمقاييس كلهاء وتأني بعد أنباء 
جرت محاولات لنفيها عن إحباط «شيء ما» ضد السفارة الأميركية. 

وني هذه الأثناء كان قياديو «القاعدة» يكثرون من البث الاعلامي عير 
البيانات والكاسيتات فيهددون» ويدعون الى العمل» ويتبنون ما حصل. وكثرت 
التسريبات عن ان الاتصالات بينهم لم تنقطع وان حرارة تدب في البريد الالكتروني 
تنذر بعواصف قادمة. 

وحن لا يعتقد أحد ان هؤلاء القادة يتحدثون في فراغ فإن الوضع في 
أفغانستان (وأيضا في كشمير) لم يكن هادئا. ففي الولاية المتنارّ ع عليها يكاد الخير 
«العسكري» يكون يوميا. وق الارض الأهلية للمعركة كانت الاشتباكات بين 

497 


8 الان... هنا 


الفصائل توقع عشرات القتلىء وكان جنود التحالف الدولي يتعرضون لإطلاق نارء 

وكانت القواعد تصاب بالصواريخ» وكان الأميركيون يوالون الاعلانات عن 

اكتشاف مخابئ أسلحة وصواريخ. 
ولي وقست يزيد الأميركيون انتشارهم العسكري في العالم فإم يقلّصون 

وحودهم المدنيء ويحذرون رعاياهم في العالم» ويرحلون عائلات دبلوماسييهم» 

ويفرضون قيودا على القادمين الى عندهم ويجازفون بتلقي معاملة بالمثل» 

ويحتارون: هل يُعقل ان نكون هدفا في الكويت؟ 
وفي هذه الأثناءء تعجز الأجهزة عن اكتشاف ولو خيط يوضح سر «الجمرة 

الخبيئة»» ويوالي «قناص واشنطن» ترويع العاصمة الفدرالية فيردي مواطنا بكل 

طلقة ولا يقرك اثرا عنه إلا هذا الاعلان المرّضي: «حضرة الشرطيء أنا الله»! 

والمثير في هاتين الظاهرتين انهما تؤشران الى منحى حطر يمكن ان يسلكه لا 

العُصابيون فقط بل كل من يبحث عن وسيلة جديدة تزيد الحرب غير المتوازية 

انعداما في التوازي. 
إن العملية لي باليء بعد الانتخابات الأخيرة في باكستان» تشي باحتمال 

دحول كتل بشرية هائلة حلبة التحذر الراديكالي. ولكن هذا الدخول لن يلغي 

ظواهر مستجدة يجدر التوقف عندها: 

1. يشهد «الإرهاب العالمي» عملية خحصخصة متنامية. فبعد انتقاله من دول الى 
منظمات ها هو ينتقل من كارتيلات كبرى الى فروع لا حصر ها فيتفتت 
ويزداد هلامية ويهددء كما في البلد الذي يقدس حرية الأسواق» أميركاء 
بالتحول الى «مبادرات فردية» لا تحصى. 

2. تزداد إمكانية الاندماج بين قضايا محلية ووطنية وبين توجيه العداء الى من يضع 
نفسه في المواحهة ولو قاده الأمر الى عزلة يعتبرها استتثارا بالموقع القيادي. إن 
استهداف الاوسترالبين في بالي ذو صلة عا يحري في أندونيسيا من تفكك» 
وصراعات إتنية» واشتباكات طائفية. وليس صدفة» والحالة هذه ان يكون 
الاوستراليون الأأكثر حماسا في ما يخص المشاركة في حرب العراق بعد ان 
كانوا الأكثر حماسا في حماية استقلال تيمور. 


هذا قعالم 499 


3. إذا كان جورج بوش يعتير الدول المتعثرة مصدر حطر فإن سياسته تدفع بدول 
تعاني مشاكل الى ان تصبح «متعثرة». ويكفي للسلطة الأندونيسية ان تراقب 
باكستان حى لا تعمل بالنصائح الي توجهها واشنطن اليها. 

لا شك في ان هذا المشهد العالمي يعزز حجة القائلين يعدم الإقدام على حرب 
ضد العراق. فهذه الحرب ستزيد الاحقاد» وتنمّي الفرضى» وقهدد التركيز المطلوب 
على مكافحة الإرهاب. غير ان الإدارة الأميركية سترفض التعاطي الايجابي مع هذه 

الخطة. 
لنفترض أن مؤرخخا وأكادكيا مثل برنارد لويس هو الناصح الرئيسي حورج 

بوش و«حزب الحرب» الأميركي. ماذا كان قال؟ سألته «لوموند» عما إذا كان 

اقترع لصالح الحرب لو كان عضوا في الكونغرس (حائز نوبل للسلام حيمي كارتر 

أحاب على السؤال بأنه كان صوّت ضد الحرب). أحاب لويس انه كان اقترع 
للحرب وبرر ذلك جخوفه من ان تفقد الأمم المتحدة دورها (1). سئل عما إذا كان 
يعتبر «الامتناع عن الحرب ضد صدام حسين خدمة لقضية أسامة بن لادن 
وأنصاره» فأاحاب: «نعم بالتأكيد. ان عدم فعل شيء يخدم القضايا المعادية 

للغرب». 
عندما سيفعلون شيئاء ويحصل بعده ما يحصلء لن يحاسب أحد لويس 

فالفوضى الموع ود ها العالم قد تجعل من النصف الأول من الشهر اه 

سلام. 

2002115 


سنونوة البرازيل 


هل تنبئ سنونوة البرازيل قدوم ربيع ما؟ فلأول مرة في التاريخ الحديث 
رعا يسصل زعيم يساري هذه الجذرية إلى موقع الرئاسة حائزاً على أكثرية 
كاسحة. وبما أن البرازيل هي البلد الخامس في العام سكانيا والثامن اقتصاديا 
فإن الحدث لا يمكنه أن يكون هامشياً. فهل يعي والحالة هذه» أننا أمام افتتاح 
لمرحلة جديدة لا تستبعد مثل هذا الاحتمال في الأمد المنظور وفي دول ذات ثقل 
ممير؟ 

إن لويس انياسو دا سيلفا (المعروف ب «لولا») زعيم جذري ببرنامج 
اشستراكي دموقراطي حقيقي تبهت أمامه الألوان الزهرية لاشتراكبي «الطريق 
الثالث» البريطاني» أو «الوسط» الألماني» أو «الاحتماعي الليبرالي» الخجول من 
نفسه في فرنسا. ناهيك» طبعاء عن النموذج «الدكوقراطي» الأميركي. ويقود 
انتصاره المدوي إلى طرح سوال أثاره ذات مرة الكاتب الإنكليزي حون غراي رفي 
كتابه «الفحر الكاذب»): هل لمة بحال» في ظل العولمة» لموسسات اشتراكية 
دكوقراطية وطنية؟ 

ستحسم التجربة في الجواب. إن مشكلات البرازيل هائلة: فوارق اجتماعية 
أسطورية» تمايزات مناطقية واتنية» انعكاسات للبؤس على وضع أمئ متدهورء دين 
يناهز نصف الدخل الوطي» بيئة إقليمية شديدة الاضطراب بعد الأزمة الأرحنتينية؛ 
وحار شمالي يمر في مرحلة تشنج تمعل سياسته الداخلية والخارجية رهينة أصحاب 
المصالح الكبيرة فكيف إذا جاء التهديد من «الفناء الخلفي» وكيف إذا تنفس 
كاسترو وشافيز الصعداء وعاودت تيكاراغوا أحلامها؟... 

إن مهمات هرقلية تنتظر لولا. فصندوق النقد بالمرصاد وقد أصبح دافا 
للبرازيل. والرساميل تهدد بالمهرب في أي لحظة في ما يشبه الابتزاز الذي أسماه 
الرئيس الجديد «إرهايأ». والإصلاحات مكلفة حداً ويمكنها إرهاق القدرة 
التنافسية. والعملة فقدت» أصلاًء أربعين في المثة من قيمتها. غير أنه يستطيع 

500 


هذا العام 501 


الاتكال على مجموعة من الميزات ليست بسيطة. فحزبه» حزب العمال» محرب في 
إدارة الولايات بنجاح» والتعبئة الشعبية وراءه عالية» وبرنابحه الإنقاذي بات أكثر 
عقلانية وتراضعاء 

بالاضافة إلى ذلك فإن وصوله إلى السلطة ليس نتيجة تفاقم الافيار. 
فسيكون المرء ظالماً إذا لم يعترف أن العقد الماضي شهد ضبطاً للتضخمء 
وانفتاحا ليس كارئيا بالكامل» وخصخصة لقطاعات خففت عن كاهل الدولة 
النجاح الانتخابي» لممذا المعئئء, هو ثمرة تلاطم هذه النتائج الاقتصادية 
والاحتماعية وتوفر قناعة واسعة أن في الإمكان تأمين المزيد من العدالة في 
التوزيع والإنفاق الاحتماعي بصفتها عنصرا اقتصاديا مربحا وليست جرد واحب 
أخلاقي وإيديولوجي. 

ليس صدفة. والحالة هذه» أن يكون لولا هو المرشح الأقوى في الجنورب 
المتقدم وليس في الشمال الفقير. إن قاعدته الاجتماعية لا تتماهى مع الأكثر بؤساً 
في اهتمع وإنما مع طبقة عاملة منظمة ومستقرة» ومع فئات وسطى تريد المزيده 
ومع مهنيين وجامعيين متماسكين في طرحهم الدكوتراطي» ومع شريحة بورجوازية 
متنورة» ومع اتنيات مقهورة وتشكل من هذا المزيج «كتلة تاريخية» تملك مشروعا 
تغييريا يستند إلى بحاح مو كد في الإدارة المناطقية. 

إن تحولات لولا الشخصية قادته إلى حيث هو الآن. فمن ماسح أحذية في 
سن السايعة» إلى عامل» إلى زعيم نقابي» إلى سحين رأي» إلى مناضل في سبيل 
الحرياتء إلى خصم للديكتاتورية العسكرية ثم الليبرالية الأصولية» إلى أحد أبرز 
دعاة العولمة البديلة (بورتو الليغري)» إلى مرشح فاشل للرئاسة» إلى الفوز... 
تتداخل عناصر السيرة هذه لتشير إلى أن الشخص الأمي أصلاًء بذل جهدا 
استنائياً كي يكتسب قماشة رجل الدولةء واشتغلء قدر المستطاع؛ على توسيع 
قاعدته الاجتماعية. 

ولقد واكب حزبه هذه التحولات فأعاد صياغة نفسه. إنه زواج ناحح من 
نقابيين مسيسين» وتيارات اشتراكية جماهيرية» وحذريين كما يمكن لأميركا 
اللاتينية أن تُنبت» وناشطين احتماعيين عضويين» ومثقفين ملتزمين» وخبراء يملكون 


2 الآن... هنا 


أحوبة محددة على مشاكل محددة. إنه حزب تعددي يلعب دوره بصفته أداة 
سياسية تتجاوز التمثيل القطاعي لتشكل صلة وصل توسع حبهة التغير وتعدل 
برنايحها لتصيب نقطة التوسط الي يمكن لرأسمالي عصري أن يلتقي عندها مع عامل 
إصلاحي. 
الرهان المعقود على التجربة البرازيلية كبير. فالبلد» إضافة إلى أهيته» صاحب 
«اشعاع» وفرته له مرةء كرة القدم» وثانية استضافة منتديات «العولمة البديلة». 
والنحاح يأن في لحظة خخاصة تمر بها العولمة الليرالية كونياً وفي أميركا اللاتينية 
خاصة. إفا لحظة التوقف في محطة النقد الذاتي» والدعوة إلى تصحيح المسارء 
ورفض الثقة المفرطة بالنفس» والتقليل من النزعة الظافرية. حي صندوق النقد 
بات أكثر تواضعاً. ولأن اللحظة هي هذه يصح السؤال: هل يقود لولا البرازيل 
عكس السير أم أنه يومئ إلى أن السير يعتزم تغيير وجهته. 
2002|10|29 


أوروبا الأوروبية 
وأوروبا الأطلسية 


وضحل لفو ببرلوسكؤني الى واشنطن حاملاً رأس غيرهارد شرودر. تبعه 
طون بلير حاملا رأس جاك شيراك. وكانا مرًا في اسبانيا عشية وغداة بيان الدول 
الثماني (أصبحوا 9) للاطمئنان الى حسن سير العملية الموحهة لشق القارة 
الأوروبيةء أي لجعلها تنطق بلسانينء أي لإسكاتها. 

لقد بات في وسع جورج بوش القول إن أوروبا ليست ضد سياسته. فهناك 
مسن ارتضى» باسم التضامن الأطلسي» ضرب التضامن الأوروي. وذهب بعض 
الغلاة الى حد الحديث عن عزلة المانيا وفرنسا مستعيدا توصيف دونالد رامسفيلد 
لهما: أوروبا القدكة. 

تقضي الحقيقة القول إن لا مفاحأة في البيان المشار اليه. فأوروبا لم تكن 
موحدة يوماً حى يمكن الحديث عن انقسامها. وليس سرا ان أوروبا السياسية» في 
ما يخص الأمن والسياسة الخارحية» لا زالت مشروعا يحبو. وكل ما كشفت عنه 
المسألة العراقية هو ان القارة بعيدة جداً عن ان تبدأ مسيرهًا التوحيدية بحيث يتحول 
انفتاح الأسواق وإسقاط الحدود واعتماد اليورو الى أمن مستقل يسند سياسة 
حارجية مستقلة. 

ان تقرير الأمر الواقع هذا لا يلغي ظاهرتين. الأولى» والأقل أهمية» هي ان 
اليلان الأوروبي اقترع ب287صوتاً مقابل 209 ضد أي عمل عسكري 
انفرادي. غير ان البرلمان لا صلاحيات له في هذا المحال. الظاهرة الثانيةء 
والمهمةء هي ان المزاج الأوروبي العام» وبنسبة تقارب 80 في المة» يعارض حرباً 
حارج الشرعية الدولية. ومع ان بون تبدو أكثر تصلبا من باريس في نزعتها 
السلمية؛ ومع ان شيراك أرسل اشارات مرتبكة فإن أكثر من ثلاثة أرباع 
الفرنسيين يريد ممارسة حق النقض في حال قررت واشنطن التصويت» في مجلس 
الأمن» على قرار بحرب غير ميررة. 

503 


504 الآن... هنا 


لا ضرورة لتقديس استطلاعات الرأي. ولا منطق في الدعوة الى اعتمادها 
مرشدا سياسياً. ولكن ثباتها خلال الشهور الماضيةء والتباين المستمر الذي تظهره 
بين ضفي الأطلسي» يشيران الى ان الشعوب الأوروبية أكثر تقارباً ما يظهره 
صدور البيان الانشقاقي. ولعل الجديد هو انه بات يصعب اعطاء معن لهذا التقارب 
الا انه دعوة الى أخذ مسافة عن السياسة الأمير كية التي تمثل الادارة الحالية لحظة 
شديدة الرعونة فيها. 

ليس في أوروباء بشرقها وغرهاء من يعادي الولايات المتحدة. ولكن الواضح 
ان قوی كثيرة باتت جحد نفسها متعارضة مع سياسات شديدة الليبرالية» والانانية 
والغطرسة. 

إن دعاة أوروبا الأوروبية يريدون التحالف مع الولايات المتحدة. ولكنهم 
يريدون» في الوقت نفسهء بلورة شخصية مستقلة تعتبر افهاء بسبب قدمها وبحربتها 
وتأريخها رموقعهاء قادرة على المساهمة في ارساء العلاقات الدولية على قاعدة 
احترام التعدد والاحتكام الى معابير متفق عليها. 

يتواحه هؤلاء مع المتحمسين لأوروبا الأطلسية الي تكتفي بكوها سوقاً 
حسرة؛ وتتوسع على هذا الأساس» وتخرضء رعاء مواجهات «نقابية» مع 
واشنطن» ولكنها تترك للشقيق الأكبر الحق شبه الاحتكاري في الأمن والسياسة 
والدولية. 

ويقدم البيان الأخير نموذجا عما يمكن ان تنحط اليه أوروبا حال استسلامها 
للولايات المتحدة في صياغة وعي العالم. 

القول انناء اليوم» «أمام حطر أعظم لا يمائله خطر» يكاد يكون مضحكا قي 
فم أوروبي يعرف ماما مخاطر القرن العشرين. ورواية 11 أيلول على أساس ان 
لممحمات كانت ضد «القيم» ليس إلاء تنسف أي رغبة في الاسهام بجعل العلاقات 
الدولية أكئر توازناً والادعاء ان أميركا انقذت أوروبا مرتين بسبب «الإقدام 
والكرم وبعد النظر» يرفضه أي عاقل يعرف القليل عن تاريخ أميركا. والتخرف 
من ان يكون العراق خخطرا مميتا على الأمن العالمي وعلى العلاقات عير الأطلسي لا 
يفعل سوى التشكيك برجاحة المتخوف. والزعم ان الفشل في مواحهة التهديد 


هذا العالم 505 


العراقي «يعي التخلي عن مواطنينا والعالم أجمع» لا يساوي بروباغندا تافهة من 
الدرجة العاشرة. 

إن ثمة ما يخيف فعلا في تحويل هذا «النص» الى برنامج. لا تعود الرداءة هي 
المعيار بل القوة القادرة على ممارسة «الرداءة». 

يمكن القول ان المشروع الأوروبي» بالمعى النبيل للكلمة» هو ضحية حرب لم 
تقسع بعد. فلقد بات واضحا ان الأطلسية هي» من وجهة نظر أميركية؛ شرط 
الأوروبية. والأطلسيةء .ممعناها الجديد» لم تعد حلفا موسساً على مصالح مشتركة 
و«قسيم» مشتركة. اصبحت جرد اداة من أدوات استلحاق القارة أو دول فيها 
بمحيث يمكن «اصطياد» أعضاء حدد واستخدامهم ضد بلدان محاورة. أما الاداة 
الأحرى فهي تحويل توسيع الاتحاد الأوروبي الى وسيلة لتذويب «الشخصية» 
الأوروبية وإغراق النواة الصلبة للقارة بوافدين يستقوون بأطلسيتهم على 
أوروبيتهم. 

وتدعم هذه المعطيات الرأي القائل بان العدوان المحتمل على العراق 
يستهدف» بصورة غير مباشرة» حلفاء للولايات المتحدة يظهرون نزعات 
استقلالية. انه محاولة لهندسة العلاقات الدولية وفق ميزان قوى جديد يضمن 
لواشنطن أرجححية كاسحة في المدى المنظور وحيال دول أو مجموعات دول لا 
حال لمنازعات عسكرية معها. 

وهذا اللعى يمكن القول إن العراق ليس هو الموضوع في خلافات قد تبرز بين 
الولايات المتحدة ودول متوسطة النفوذ. ومع ما في هذا الكلام من جرح للنرجسية 
لدى النظام العراقي فإن الواضح ان بغداد هي جرد عنوان لصراعات تتجاوزها 
وتتجاوز المنطقة وتتناول العلاقة الثنائية: بين كل عاصمة على حدة وبين المر كز 
الامبراطوري. ولمذا السبب» بالضبط تحول سوال الحرب المتوقعة الى تحور من 
محاور الحياة السياسية الداخلية في معظم بلدان الأرض» وفي معظم التجمعات 
الاقليمية. 

200321 


الحوار المتعثر 
بين «الترويكا» وإيران 


الأزمة بين إيران والدول الأطلسية واقعة واقعة. رعا غدا أو بعد غد. ربا هذا 
الشكل أو ذاك. قد يتطوّر الخلاف الحالي بين إيران والترويكا الأوروبية فتندلع 
الأزمة. قد يستمر التفاوض وفق عروض جديدة فتتأخر. غير أا ستلوح بحدداً ما 
لم جد أحد حلاً سحرياً لعقدة الاستعصاء فيها: حق طهران في تخصيب الأورانيوم. 

عکن» افتراضاء تصور ال حوار التالي: 

إيران: إن من حقنا امتلاك الدورة الكاملة للتكنولوجيا النوويةء عا في ذلك 
تخ صيب الأورانيوم. صحيح أننا لا نحتاج إلى مصادر طاقة حالياً ولكن الصحيح» 
أيضاء أن النفط إلى نضوب وأن هذه التكنولوجيا ذات مردود عام على اقتصاد أي 
بلد وتقدمه. 

«الترويكا»: إن امتلاك الدورة الكاملة يوهل إيران للانتقال من الاستخدام 
السلمي إلى الاستخدام العسكري. يتوجبء والحالة هذه الإبقاء على حلقة 
واحدة, على الأقل» مفقودة مع الاستعداد للتعويض عنها بحوافز متعددة. والموافقة 
الإيرانية على هذا الانتقاص من الحق هي الدليل المطلوب عن حسن النية. 

إيران: امتلاك الدورة الكاملة حق تنص عليه معاهدة الحد من الانتشار النووي 
الي وقعتها طهران. إنه» إذاء حق معترف به دوليا. وإلى ذلك فإن إيران مستعدة 
للموافقة على حصول العملية كلها تحت إشراف مراقبين من الو كالة الدولية 
المختصة. وحيّ عندما تقرر تفعيل مفاعل أصفهان فلقد تأخر ذلك إلى حين وصول 
المراقيين ونصب الكاميرات. 

الترويكا: لا جدال؛ مبدئياء في الحق» غير أنه سبق لإيران أن أخفت» 
لسنوات؛ أحبزاء من برناتجها. الربية واجبة إذا. ثم هناك «اتفاق باريس» الذي 
وافققت طهران .عوحبه على وقف التخصيب طلما استمرت المفاوضات. ومن غير 
الجائز الانسحاب الأحادي من هذا الاتفاق. 

506 


هذا العالم 507 


إيران: «اتفاق باريس» أقل أهمية من المعاهدة. ثم إن إيقاف التخصيب 
كان «خطوة طوعية» عا يعي أنه يحوز لمن أقدم عليها التراجع عنها. وهذا ما 
حصل بعدما تأحر الأوروبيون في تقسم عرضهم. ولا يسع طهران إلا القول بأن 
المعاهدة وأحكامها هي أرقى ما توصل إليه العام في ما خص المراقبة عا يرفع أي 
مسوولية عن أي تقصير. إلى ذلك ثمة دول غير منضمة إلى المعاهدة أصلاًء وهي 
طوّرت وباتت تملك برناجاً نويا وترسانة عسكرية ذرية (إسرائيل» الحندء 
باكستان) ومع ذلك فإن أحدا لا يسائلها بل إن الولايات المتحدة تعقد اتفاقات 
معها (الهند) في ما يخص التبادل النووي أو في ما يخص وسائل حمل الرؤوس 
النووية (باكستان). 

الرويكا: لم يتأحر العرض الأخير عن موعده ثم إنه كان عرضا مغريا. 
يتسضمن حوافز ومغريات اقتصادية وتكنولوجية» كما يتضمن الاعتراف لإيران 
بتطوير برنامج سلمي وتزويدها مكونات لذلك. ثم إن الأوروبيين يعرضون 
مساعدات في «جالات عدة كالبيئة والاتصالات والتربية والتدريب وإعطاء دفع في 
بحالات تعاون أخرى مثل المواصلات والسياحة وعلم الزلازل» أضف إلى «العمل 
على التوصل إلى اتفاق للتعاون والتحارة.. وتقدم الدعم السياسي من أجل دخول 
إيران إلى منظمة التحارة العالمية». 

إيران: العرض ليس مغرياً على الإطلاق. فهو يضع شروطاً سياسية ضمنية 
تحت اسم «الالتزامات المشتركة في موضوع حظر انتشار السلاح النووي 
وشؤون الأمن الإقليمي والإرهاب». إلى ذلك إنه يقصر عن تلبية الطلب 
الإيراني الخاص بإمكانية التخصيب ويقيم معاملة تمييزية غير مقبولة.الترويكا: إن 
رفض العرض وإعلان مباشرة التحويل دليلان قاطعان على الرغبة في السلاح 
النووي لا في البرنامج السلمي. نحن» إذاء أمام تصعيد حدي لا يمكن السكوت 
عنه. لذا يتوحب المرور عبر مجلس محافظي الوكالة الدولية والإصرار على تحويل 
املف إلى مجلس الأمن. وفي حال وصلت الأمور إلى هذا الحد ستواجه إيران 
عقوبات اقتصادية وعزلاً سياسياً ورعا إحراءات عسكرية يدعو إليها بعض 
الأكثر تشدداً. 


508 الان... هنا 


لا تمكن الإحاطة الفعلية بهذا الحوار الذي امتد لحوالى سنتين من دون وضع 
الولايات المتحدة (وإسرائيل) في خلفية المشهد. فواشنطن رسمت خطاً أن 
وامتنعت عن الاشتراك في التفاوض» ورفضت أي حوار مباشر مع طهران» و م 
تقدم أي التزامات. أقدمت» بدل ذلك على الضغط على الأوروبيين ولومهم على 
ضعفهم وتخاذهم. راهنت» رعاء على اصطدامهم بالإصرار الإيراي من أحل 
احتذاهم نحو إنتاج موقف غربي إجمالي لا يكرن فعالا إلا إذا كان مشتركا. 
والخطوة التالية» من وجهة نظر الولايات المتحدة» هي التأسيس على وحدة الموقف 
الأطلسي من أجل تطويق أي تردد روسي أو صين خاصة إذا بدا أن الدولتين 
مهتمتان عصالحهما مع إيران سواء في ما يخص النفط والغاز أو ما بخص الأوضاع 
في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى. 

إذا حصل وانستقل الملف إلى بحلس الأمن فإن ذلك سيدشن أزمة دولية في 
منتهى الخطورة ذات ارتدادات إقليمية استلنائية في أهميتها: التوتر السياسي والأمئ؛ 
التأثير على سعر النفط» تعديل الحسابات في أفغانستان والعراق» إرغام دول المنطقة 
على خحيارات صعبة» صعود الحرارة في الخليج» طرح أسئلة صعبة على لبنان... 
سيصبح هذا كله واردا حى لو لم يتدهور الوضع نحو مواحهة مسلحة مفتوحة على 
الاحتمالات كلهاء وهي مواجهة تعمل إسرائيل مع صقور الإدارة الأميركية على 
حصوفا. 

إذا قررت إيران المضي قي ممارسة حقها السيادي» وإذا كانت قررت ذلك 
الآن» فليس الأمر نتيجة انتخاب محمود أحمدي ناد للرئاسة. إن هذا القرار» في 
حال اتخذ, يبدو مرتبطاً بوجود تقدير استراتيجي إجمالي يقول إن التوازن في 
المنطقة» من فلسطين إلى لبنان» إلى سورياء إلى العراق» قد استقر على نحو 
يسمح هذه الخطوة. بكلام آحر ستكون طهران تعطي الإشارة القوية إلى أا 
ترى الموجة الأميركية الي ضربت الإقليم منذ غزو أفغانستان آخذة في الانكسار 
والتراجع وأنه آن الأوان» رعاء هجوم مضاد محدود يدخل بعض التعديل على 
التوازن الناشى. 

2005|8|9 


إيفو موراليس: 
الكرامة والسيادة 


سبقت أميركا الوسطى والجنوبية العرب في الموقف السلبي من «اليانكي». 
عندما كانواء هناك» يعانون من سياسة الولايات المتحدة» وتدخلاقاء وانقلاباقاء 
وغزواتاء وحشع شركاتماء كانت تلك البلاد بعيدة عنا. وعندما بدأ الاحتكاك 
العربي الأميركي كانت الاتصالات الأولى تيل إلى الإيجابية. كنا نعاني» هناء من 
الاستعمار الأوروبي وبدت القوة الأميركية أقرب إلى ما تكون قوة تحريرية. لقد 
كان شبه مستحيل» مغلا إقناع ثوار الجزائر بالعكس. وقبلهم كانت ثورة 
«الضباط الأحرار» في مصر ميالة إلى التعاطي الإيجابي مع البلد القوي والبعيد. إلا 
أن تطورات الخمسينيات» بعد نشوء إسرائيلء وبعد «ورائة» أميركا لكل من 
بريطانيا وفرنساء قلبت هذه الاتحاهات. لقد بادأتنا الولايات المتحدة بالعداء وهي 
مستمرة ومزدادة عدوانية. 

كان يمكن القول» قبل سنوات» إن المزاج الشعبي في العالم العربي وقي أميركا 
اللاتينية» «معاد» للسياسة الخارجية الأمير كية. ومع أنه في الإمكان القول» اليوم» 
إن المزاج الشعي في العالم كله أصبح سلبياً حيال إدارة حورج بوش» يقى أن هذه 
السلبية هي الأكثر تحذرا في جنوب القارة الأميركية وقي منطقتنا. 

إن هذه الملاحظة هي الي كانت تشجع على القول إن أي انفتاح ديموقراطي» 
ولو حصل نتيحة ضغط أميركي جزئي» لن يفعل سوى تأمين اشتراك جمهور أوسع 
في مقاومة السياسة الأميركية. وما يجري هذه الأيام» هنا وهناك؛ يوفر مصداقية 
متزايدة هذه الملاحظة. 

يكن الزعم أن المقارنة تتوقف هنا. إن الانتخابات المتالية الى تشهدها بلادنا 
تشيرء في كل مرة إلى تقدم التيارات الإسلامية الأصولية على تباين أصولياتا 
وبرايحها. وإذا كانت هذه التيارات تتقدم فلأسباب عديدة بينها أن انكسار 
مشاريع التنمية ذات التوجه «الاشتراكي»» وسياسات السلطات الحافظة» جعلت 

509 


510 


الاآن... هنا 


من هذه التيارات مستودع الشعور بأنه لا بد من قدر من الممانعة. ثمة أسباب كثيرة 
جعلت الصيغة الأكثر احتمالاً وشعبية للتعبير عن النفس وقول رأي هي تلك التي 
تغلب الجانب الثقاثي والحضاري وتدفع إلى الوراء القضايا الاقتصادية والاحتماعية. 


أماما يحصل في أميركا الوسطى والجنوبية فمختلف. فيعد انيار 


الديكتاتوريات» وبعد سنوات من السياسات الليبرالية الجاتحة» بتنا نشهد مدا لنوع 
حديد من القوى السياسية يتميّز بالتالي: 


فمة صعود لتيارات تريد وضع حد للنيو ليبرالية الي أدت إلى زيادة التفارق 
الاحتماعي في بلدان تعان منه أصلا. 


. تنتظم هذه التيارات في أحزاب من نوع حديد. إا أقرب ما تكون إلى 


فدراليات تضم نقابات عمالية وفلاحية» ومثقفين وأكادكبين» وفئات متنورة 


من الطبقة الوسطى. 


. برزت القضية الثقافية في هذه التيارات بصفتها تحديد الاعتراف بالثقافات 


الحليةء وبإعادة اكتشاف البُعد المندي الأصلي» وبالتركيز على التعددية. ويمكن 
القول» ني هذا البحال» إن ما ركوس» على رأس الزاباتيين» لعب دورا حاسما في 
هذ الحال» أي في استثمار مفاعيل العولمة النيو ليبرالية لجهة الآثار الاجتماعية 
ولجهة استفزاز الهويات الحلية وإدراج بروزها في سياق أوسع. 


. تحدد الخطاب النقدي للحار الشمالي ولسياسته التعسفية في «الحديقة الخلفية». 


ونح هذ الخطاب النقدي في تقدم توليفة تمعل الدعوة إلى العدالة روح 
التطلب الوطي الاستقلالي. فمن کاسترو» نعم کاسترو» إلى شافيز» يستحيل 
«اشتراكية» أميركا الجنوبية هي الترجمة الواضحة للعزة الوطنية. 


. إن التحوّل يتم بوسائل دموقراطية حصراً ويشارك فيه في غير بلدء قادة 


وكوادر غادروا حرب العصابات والغوار. لا بل يبدو هناك أكثر من أي 


مكان آخرء أن الارتداد عن الدكوقراطية هو التهمة الموجهة إلى طبقات 


حاكمة فاسدة لم تعد تستطيع تأمين القاعدة الاجتماعية المطلوبة لسلطات 
النهب الداخلي والالتحاق وتشريع ثروات البلاد أمام الشركات الدولية. 


هذا العالم 511 


يندرج الانتصار الكبير الذي حققه إيفو موراليس في هذا السياق. سياق 
الاحتحاج على تحالف الأقلية المستفيدة مع الشركات العابرة للقارات» سياق 
الاحتجاج الدكوقراطي على التمبيز الإثي» سياق الاحتجاج على التدخلات 
الإميريالية الأمير كية» سياسة الدفاع عن الثقافات الحلية وارتباطها بأشكال وأنواع 
إنتاج محددة. لقد صعد الفلاحء النقابيء الهندي بسرعة نسبية واستطاع مفاجأة 
الجميع. 

وإذا كانت أميركا الوسطى واللاتينية ستشهد في 2006 ما لا يقل عن عشر 
دورات انتخابية» فإنه من المقدر أن ينتهي العام وقد مال نصف القارة» عمعظمه؛ إلى 
اليسار وإلى البحث عن علاقات بينية تقيه شرور الجار الشمالي. 

إلا أن اليسار المشار إليه يسار تعددي. كاسترو ليس مثل شافيزء ولولا ليس 
مثل موراليس» وأندريس مانويل لوبيز أوبرادور ليس مثل نيستور كيرشنر... لكل 
من هولاء تحربته» ولكل بلد ظروفه ومشاكله وإمكاناته» ولكن الخط الجامع أقوى 
من الفروقات. 

إن العدالة هي في صلب هذا الخط الجامع. ولكن يجب أن نضيف إليها أن 
موراليس عندما خاطب كاسسترو قبل يومين تحدث بتركيز عن «الكرامة 
والسيادة». 

إن الكرامة والسيادة» فضلاً عن العدالة» هي ما ينقصنا في هذا العالم العري. 
يبدو أن أميركا الوسطى والجنوبية ستسبقنا إليها. 

2005|12|22 


الضابط الإسرائيلي 
وتمجيد الاستعمار الفرنسي 


مر القانون يهدوء. القانون الذي يحض فرنسا على حسن معاملة المستوطنين 
الذين انسحبوا مع جيوشها عندما غادرت أو اضطرت إلى مغادرة المستعمرات. 
كان ذلك من عشرة أشهر ذات 23 شباط. لم يتوقف الكثيرون عند التعديل 
الطارئ على المادة الرابعة والداعي إلى أن تعترف الكتب المدرسية «بشكل خاص 
بالدور الإيجابي للوجود الفرنسي وراء البحار». أي» بكلام آخرء إلى الاعتراف 
بإيجابيات الاستعمار وفي مالي أفريقيا بشكل خاص. 

أمكن كبت رد الفعل. فالقانون صاغه وعدله نواب من اليمين الحاكم من 
الذين يشكل «الأقدام السوداء» و«الحركيون» نسبة «محترمة» من ناخبيهم. وأيده 
نواب الحسزب الاشتراكي وانفرد الشيوعيون بالتصويت ضده. حرق الكبت 
مورخعون نشروا عريضة تقول إنه ليس من حق المشترعين كتابة التاريخ وإن أحدا 
لا يصوغالذاكرة بقانون. ثم رد عليهم زملاء لهم معترضين على المطالبة بإلغاء 
القوانين الي تتدحل ف ما لا يعنيهاء أي, في هذا المحال» بوضع أطر التأريخ. 

إن في مرور القانون» وفي عدد مؤيديه» وقي الصمت عنه» ما يقلق. وهناك ما 
يقلق أكثر في اندفاعة بعض النواب» قي حلسة شهيرة» إلى استحضار ماضيهم 
الكولونيالي والتفجع على التضحيات الي قدموهاء وفي إدانة الإرهاب الذي 
تعرضت له القوات الغازية ولمتعاونون المحليون معها. لقد بدا ذلك النقاش 
«التاريخي» نقاشاً في اللحظة الراهنة. فها نحن نشهد محاولة للعودة إلى رفع ألوية 
«المهمة التمدينية» للاستعمار ناشر التقدم والحضارة والدعوقراطية. وها نحن نشهد 
التركيز على «عبء الرجل الأبيض» الآخذ على عانقه نقل البدائيين إلى الحضارة. 
وها خن نعيش زمن «الرسالة الأمي ركية الخالدة». وها هي المقاومة» كل مقاومةء 
من فلسطين إلى العراق» تصبح عملاً إرهابياء متخلفاء لا يداقع عن البلاد وأهلها 
وثرواتها وحقهاء وانما يعادي فكرة الحرية. 

512 


هذا العالم 513 

ثم كان ما كان في فرنسا من هبة الضواحي. هبة المتحدرين من اصول 

احتبرت الاستعمار في بلادها ودفعتها اسباب كثيرة إلى تحديد الاختبار في المتروبول 

على شكل تيز حاد. وعندما عامل نيكولا ساركوزي الشبان بصفتهم «حثالة» 

وبصفتهم «رعاعا»» داعيا إلى استخدام المبيدات ضدهم لم يكن يغرف من 

مفردات الخطاب الكولونيالي فحسب. وانماء ايضاء كان يدرك انه يخاطب مزاجاً 
صاعدا. 

تردد الكثيرون في تقدم التغطية الفكرية لساركوزي. إلا ان بين الذين تولوا 
ذلك احد ابرز «الفلاسفة الجدد» الين فنكلكروت. والرحل مثقف يهودي كان 
ذات مرة يساريا الى ان احذه دفاعه الاعمى عن السياسات الاسرائيلية» وعن 
اليمين الصهيوني» وعن ارييل شارون» الى مواقع احرى. لقد بات يرى في النقد 
الديموقراطي الإنساني لسياسات عنصرية اسرائيلية المظهر الجديد من مظاهر 
اللاسامية. 

شرح فنكلكروت ل «هآرتس» نظريته حول عنف الضواحي. وخلاصتها 
ان المنتفضين لا ينتفضون لانهم مضطهدون او مهمشون بل لاهم مسلمون وسود. 
وهم اذ يفعلون ما يفعلون فلأنهم يعادون الغرب والحضارة المسيحية اليهودية» ولذا 
فمن الافضل ترحيلهم. ولم يكن سرا انه يشمل في هذا التحليل الفلسطينيين تحت 
الاحتلال وكل معارض او مقاوم للاحتلال الاميركي للعراق. ان ما دعا إليه 
«الفيلسوف الجديد» هوء باختصارء «صهينة الوعي العالمي». 

لقد تعرضت هذه الاطروحات لحملة انتقادات طبعا. ولكن» با ان الوقاحة لا 
قعر اء فقد وحدنا من يعتبر الانتقادات» بدورهاء مظهرا من مظاهر اللاسامية! 

م تكد قضية فنكلكروت تتراجع حى عادت الى الساحة قضية «تمحيد 
الاستعمار» وواجب تدريس ذلك. لقد استشعر الاشتراكيون وبعض نواب الوسط 
خطا ما اقدموا عليه. وتلقى ساركوزي صفعة حين ابلغ إليه فرنسيو جزر الانتيل 
(وهم عبيد سابقون جيء هم من افريقيا) انه غير مرحب به لديهم. وتدخحل جاك 
شيراك» في يقظة ديغولية قلما تصيبه» من اجل ان ينفي عن القانون صفة المؤرخ 
ومن احل ان يكلف نة تبحث الامر من اساسه. 


إلا ان ساركوزي عاد ليضرب من حديد. لقد قادته آراؤه الرافضة 
لاستفرار فرنسا في اظهار «الندم»» وقادته منافسته مع شيراك» الى تكليف 
امحامي ارنو كلار سفيلد ترؤس لجنة تبحث لي «القانون والتاريخ وواحب 
الذاكرة»» وعحرد معرفة الخبر عاد السجال ليتجدد متناولاء هذه المرة» شخصية 
المحامي المشار إليه. 

ابن ابن لسيرج كلار سفيلد «صائد النازيين» المعروف. لكن المشكلة ليست 
هنا اطلاقاء اي ليست في ضرورة محاكمة فرنسيين واوروبيين اضطهدواء حى 
الابادة» مراطنيهم. هذه ضرورة. ان المشكلة هي قي ان كلار سفيلد الشاب لا 
يرى فرقا كبيرا بين الماني نازي او فرنسي متعاون» لعنصريته» مع الاحتلال الالماني» 
وبين فلسطيي يقاتل فوق ارضه. الاثنان» في رأيه» يلتقيان عند كراهية من النوع 
نفسه ل «اليهودي». 

ارنو كلار سفيلد بحم بالمعيى الاستهلاكي المبتذل وهو حاضر بقوة» فوق 
المسرح الفرنسي والاوروبي والاميركيء في كل المعارك الي يخوضها عتاة اليمين 
الصهيون. وهو يفاخحر بذلك معتبرا انه يثأر لاحداد قضوا في المحرقة» يرفض كلار 
سفيلد حق العودة للفلسطينيين الى ارضهم معتيرا انه المسؤول عن افشال التسوية» 
ويهاجم العرب الذين لم يدبحوا «احوقم». يتبى الرواية الصهيونية التحريضية 
لتاريخ الصراع» ويعيد التذكير بالدور الفرنسي في المساعدة لاقامة «وطن يهودي» 
في فلسطين. يحمّل العرب جزءا من مسؤولية الحرقة لاهم ضغطوا لاقفال ابواب 
فلسطين امام الهحرة اليهودية. 

لقد واكب كلار سفيلد نظريات «المحافظين الجدد» وناتان شارانسكي 
القائلة ان الديكتاتوريات العربية» ومنها ديكتانورية ياسر عرفات» تستخدم 
كراهية اسرائيل لتستمر. ودافع» مبكراء عن جدار الفصل وضم المستوطنات. 
رأى في العنف الفلسطيي مشروع ابادة وفي العنف الانتقائي الاسرائيلي مشروع 
دفاع عن النفس. كتب داعيا الى الحرب الاهلية الفلسطينية متسائلا عن حدوى 
اقامة دولة فلسطينية في ظل وحود الاردنء ثم عاد الى تعديل موقفه بعد 
«التطور» في موقف شارون. 


هذا العالم 515 


ليس كلار سفيلد من النوع الذي يكتفي بالكلام. لقد سعى الى اكتساب 
الجنسية الاسرائيلية وحصل عليها. وتوحه» في عز الانتفاضة» للخدمة في جيش 
الاحتلال في اطار «حرس الحدود» وروى تحريته في مواجهة الفلسطيتيين مفاخرا 
بأنه كان احد افضل «قناصة» الكتيبة. 

أمثل هذا الرحل هو الاختيار النموذحي للكتابة عن الاستعمار» وتارجخه 
وذاكرة الشعوب ف التعاطي معه؟ يبدو الامر كذلك في عرف رئيس حزب 
الاكثرية الحاكمة في فرنساء والرحل الذي لم تز شعبيته بعد ما حرى في 
الضواحي. والاستنتاج من ذلك ان فرنسا قد لا تكون تماما بمنأى عن اعادة 
الاعتبار لافكار وقيم كان يبدو ان الإنسانية تحاوزتها. ان اجواء من هذا النوع تقود 
من البحث في الحضور الايجابي للاستعمار الفرنسي تاريخيا في شمال افريقيا الى 
التسامح مع عودة شبه وصائية لفرنسا الى المشرق العربي. 


© © ة# 


في 5 آذار 2003 تقدم نائبان فرنسيان باقتراح مشروع قانون من مادة وحيدة 
يطالب «بالاعتراف العام بالعمل الايجابي مجموع مواطنينا الذين عاشوا في الجزائر 
اثناء التواجد الفرنسي». أحد هذين النائيين فيليب دوست بلازي وزير الخارجية 

الحالي! 
2005|12|29 


الملف النووي الإيراني: 
دفاعا عن.. اللاتوازن 


العربء مثل غبرهم من شعوب العالم» أصحاب مصلحة في عالم حال من 
الأسلحة الفتّاكة النووية وغيرهاء وهم من باب تحصيل الحاصل» أصحاب مصلحة 
في شرق أومط حال من هذه الأسلحة. 

المشكلة ليست لديهم. إن دول النادي النووي هي الي ترفض الالتزام 
بتعهداتها حفض ترساتتها وصولاً إلى إزالتها. وهذه الدول» نفسهاء ارتضت 
انضمام المند وباكستان إليها. ويعرف أي متابع لهذا الملف أن الاتفاقات الاخيرة 
الي عقدقا الولايات المتحدة مع الهند تصب في انة تعزيز الانتشار النووي. ويقال 
الأمر نفسه» بدرجة أقل» عن تسليح باكستان. 

أضف الى ذلك أنه» في ما يخص المنطقة فإن المشكلة النووية هي مشكلة 
إسرائيلية ا إفا الدولة الوحيدة الي تملك سلاحاً نووياء وترفض التوقيع على 
معاهدة الحد من الانتشارء ولا تقيم أي صلة مع وكالة الطاقة الدولية. 

يترجم هذا الواقسع نفسه انکساراً حاداً في موازين القوى داحل إقليم 
الشرق الأوسطء وبين دوله العربية والدول الأحنبية. ومن حق العرب (وهو 
حق لا تمارسه حكوماتهم) النظر الى هذا الانكسار بصفته المصدر الأول للعدوان 
الذي يتعرضون إليه وللتوترات الي تضرب حياقهم. فلو لم تكن إسراليل هذه 
القوة حيال العرب والفلسطينيين لكانت أكثر استعدادا لتسوية عادلةء ولو لم 
تكن الولايات المتحدة هذه القوة (وهي معادلة في الحالتين للضعف العربي) لما 
انتدبت نفسها لاعادة هيكلة المنطقة وفق مصالحها ورؤاها فوق ما تعانيه المنطقة 
نفسها من تبعية والتحاق. 

هذا هو الإطار العام» من زاوية عربية» للملف النووي الايراني. 

لا بحال لتصديق وزراء خحارجية الترويكا الاوروبية الذين نشرواء قبل اسابيع» 
مقالاً يشرحون فيه سياستهم. لقد زعموا أن سلوكهم حيال إيران مدفوع فقط 

516 


هذا العالم 517 


بالرغبة في الحفاظ على التوازن في الشرق الأوسط. خطأ. إن سلوكهم مدفوع» 
حصراء بالرغبة في الحفاظ على اللاتوازن. 

وعنادما ننظر الى الخلافات الاوروبية مع اميركا او اسرائيل في قضايا تخص 
العرب نلاحظ انه احتلاف حول سبل اسطمار هذا اللاتوازن بين العرب 
والآخرين. لا يوجد حلاف واحدء من فلسطين الى العراق الى لبنان الى سورياء إلا 
ويندرج في سياق التباين حول كيفية استخدام التفوق وأساليب إنفاقه واستعماله. 
وح التعارضات داخل الولايات المتحدة نفسهاء أو اسرائيل» او كل بلد اوروبي 
على حدة» يمكن إعادقا الى المنطق نفسه: إا تعارضات بين تيارات يقترح كل 
واحد منها خيارا للاستفادة من انعدام التوازن بين المنطقة ومن له علاقة بما. 

هل اقتحام الملف الايراني المشهد مؤشر الى احتمال تعديل في هذا اللاتوازن؟ 
قبل تقلع اي جواب لا بد من أحذ العناصر التالية بالحسبان: 

أولاً لامعلك احد في العام دليلاً بسيطاً على وجود برنامج نووي عسكري 
إيراني. والخلاف الناشب اليوم هوء بالضبط» بين ما تعتبره إيران حقا يسمح لها 
بامتلاك الدورة التكنولوجية النووية الكاملة (مقابل التزامها ضوابط وكالة الطاقة) 
وبين ما يراه الغربيون خطرا لأنه يضع إيران على العتبة الي يمكن الولوج منها الى 
الشى التسكري. 

ثانيا إن المواجهة الراهنة تطال الجانب المدني من البرنامج نتيجة الشبهة فقي كيفية 
استخدامه لاحقا. لذا فإن كل كلام رسمي يحذر من امتلاك إيران القنبلة هو كلام يتب 
اقهامات غير مثبتة ويصب موضوعيا في خدمة دعاة التصعيد ضد طهران. 

ثالثا لو سلمنا أن إيران متجهة نحو التطوير العسكري ليرنابجها فإن ذلك لن 
يكون إخلالاً بالتوازن بل تصحيح لانعدام التوازن. ويعئ ذلك في الشروط 
السياسية الحالية» إرغام الاوروبيين والاميركيين والاسرائيليين على تعاط مختلف مع 
شؤون المنطقة. 

رابعا يمكن الزعمء بناء على التحارب السابقة في العا ان التوازن يمكنه ان 
يكون مدخلا الى الاستقرار» كما يمكن التأكيد, بناء على ما نعيش» ان انعدام 
التوازن هو السبب الاول لانعدام الاستقرار. 


8 الاآن... هنا 


والآن» يمكن من وجهة نظر عربية» إيراد ملاحظات كثيرة تخص السياسة 
الإيرانية سواء في العراق او غير العراق. غير ان ذلك لا يلغي السؤال الملح عن 
الوجهة الي يفترض بالحكومات العربية سلوكها حيال هذه الازمة. ويبدو ان 
الجواب عن هذا السؤال الملح قد يكون الجواب الخاطئ. 

لقد صرح وزيرا خارجية عربيان عا يفهم منه أنهما سلبيان حيال «قوة نووية 
حديدة لي المنطقة» (إقراأً: إيران)» وطالبا بشرق اوسطء او حليج» خال من 
الاسلحة النووية؛ ولاما الغرب «المسؤول جزئيا عن الطموحات الإيرانية». 

يعي هذا الكلام» في السياسة: الميل الى المعسكر المعترض على ما ينسبه إلى 
إيران من توجهات. 

يحجدر القول إننا أمام مناشدات لا سياسات. وإها مناشدات تخدم من تخدم 
بحاناً. انها مواقف إعلامية الى حد بعيد لان الذين يديرون الملف لا يرتضون 
للعرب. ولدوم المر كزية» إلا الوقوف في الامش وإطلاق التصريحات. يمكن 
للعرب «لوم الغرب» ولكن ينع عليهم أي استنتاج من ذلك.. ويقبلون. يمكن 
للعرب «رفض قوة نووية حديدة» ولكن ينع عليهم رفض «القوة النووية 
السابقة».. ويقبلون. لا يقيمون توازناً مع إسرائيل ولا يرتضون اي توازن يقام 
معها. باختصار يعجزون بالكامل عن الاستفادة من تطور طارئ للجهر عا هو حق 
هم. 

إن مقارنة بين سلوك الدول الاقليمية في الملف الكوري وسلو كها في الملف 
الإيران تدعو إلى النحل. والأخطر من ذلك هر أن أي رغبة حدية في تحنيب 
المنطقة ترترات حديدة وخطيرة كان يفترض ها أن تقود إلى مواقف عربية 
مغايرة. 

200618 









على الأرجح ان الناصرية: كتجربة: تهزأ من الفكرة القائلة ان قضية 
فلسطين هي قضية العرب المركزية. وهذه الفكرة. بالمناسبة. تستحق 
الهزء. ان قضية العرب المركزية هي سيرهم نحو مشروع جامع بينهم يؤمن 
لهم مصالحهم 2 هذا العالم بأفضل طريقة ممكنة. واسرائيل: بالاصالة 
عن نفسها والنيابة عن غيرهاء هي واحدة من أهم العقبات أمام هذا 
المشروع. لقد وجدت من أجل ذلك. ومن هنا فإن العرب» 4 سعيهم الى 
تحقيق قضيتهم المركزية. مضطرون للتعاطي مع المسألة الاسرائيلية. 
ويحق للفلسطينيين اعتبار هذه المسألة قضيتهم الوجودية لا المركزية 
فحسب بحكم الطابع الاستيطاني للصهيونية . 






الدارالعربية للعلوم ‏ تاشرون 


26615061116 50611511615, INC.